عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 24-07-2024, 10:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,734
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حل إشكالات الإنتصار

حل إشكالات الإنتصار


وضاح أحمد الحمادي

قال رحمه الله : (مسألة : قال : روى مالك رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه ، فهي للذي يعطاها ، لا ترجع إلى الذي أعطى أبداً ؛ لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث" قال هذا المعترض : كيف جاز لكم ترك حديث جابر في العمرى أنها تكون ملكاً للمعمر وورثته دون المعمِر ، وأرجعتموه إلى الأول المعمر بعد موت المعمر وورثته ، وخالفتم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم")
أقول : روى مالك هذا اللفظ كله مرفوعاً ، وابن حزم رحمه الله ـ إن كان هو المعترض ـ يجعل ذلك كله في حكم المرفوع ما دام الرافع له ثقة ولو خالفه من هو أوثق منه وأكثر فوقفوه أو وقفوا بعضه. وظاهر إيراد مالك له في موطئه هكذا أنه عنده مرفوع بهذا اللفظ.
ثم قوله صلى الله عليه وسلم : "فهي للذي يعطاها" كافٍ في الدلالة على دعوى المعترض، فإنه إما أن يراد أنها ملك للذي يُعطَاها ، أو أنه يملك منفعتها ، ثم إما أن يقصد أن ذلك على التأبيد أو حتى يموت المُعْمَرْ. فعلى كل تقدير سوى الأخير يبطل قول المالكية ، وعلى الأخير فما هي الفائدة المتحصلة من الحديث؟
فإن المخاطبين بهذا الحديث يعرفون أن العمرى ترجع إلى المعمِر بعد موت المعمَر ، فما معنى إخبارهم بذلك. هذا ضعيف في البيان ، ويصان كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمل عليه.
وانتقال الملك إلى المُعْمَرِ هو ما فهمه مالك من الحديث ، يدل عليه قوله : "لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ" ولو كان المراد بالحديث أنها ترجع بعد موتِ المعْمَرِ كما زعمه المصنف رحمه، لكان العمل عند مالك عليه ، ولكنه رحمه الله نفى ذلك ، وكذلك فهم أصحابه :
قال ابن عبد البر : "وَلَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِحَدِيثِهِ الْمُسْنَدِ فِي هَذَا الباب"
وقال ابن رشد الجد في (البيان والتبيين) : "ولم يأخذ مالك في العُمْرى بحديثه الذي رواه في موطئه" ولو كان الحديث لا يمنع رجوع العمرى إلى من أعمرها لكان مالكٌ آخذاً به ، ولكن لما لم يفهم ابن عبد البر وابن رشد من الحديث إلا انتقال الملك في العمرى إلى المعمَرِ .. حكما على مالك بأنه ترك العمل بحديثه ولم يأخذ به .
ثم قال رحمه الله : (واسم العمرى مشتق من العمر ، وقد علق الملك بالعمر دون التأبيد ، فصار ملكاً إلى أجل ، وهو العمر ، فليس ملكاً مستقراً ، والملك المستقر ليس يعلق بأجل ، ولا عمر، إلا ملك مطلق، فلما رأينا أن الأمر هكذا ، وجب علينا طلب الدلالة لقوله : "لا ترجع إلى الذي أعطاها" وقول أبي سلمة : "لأنه أعطى عطاءً وقعت فيه المواريث" ما وجهه؟
فوجهنا له وجهاً يعني أن الذي فرضه الله عز وجل، قال الله عز وجل { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ} ولم يكن ذلك على وجه المواريث ، وإنما هو أنه إنما أخذ منهم ما كان بأيديهم ، وكذلك المعمر أخذ عنه ما كان بيد المعمر ، وكذلك العقب يأخذ ذلك بعد أبيه يعطيه المعمر حقيقة الشيء لأن العمرى عند العرب إنما هي : تمليك منفعة لا تمليك رقبة ، بدليل : لو كانت أمرة لم يطأها المعمر ، ولا عقبه من بعده ، ولو كان ملك الرقبة ، لحل لهم الوطء
)
أقول : حاصل ما ذكره أن العمرى في لغة العرب تطلق على تمليك مقيد بمدة ترجع بعدها إلى صاحبها الذي أعمرها.
فنقول : نعم ، فكان ماذا ؟
ونحن لا زلنا نقول أن هذه هي دلالة لفظ العمرى قبل النهي عنها وبعده حتى يومنا هذا ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل العمل بمقتضى دلالته اللفظية ، وجعل العمرى هبة جائزة.
فهو كالظهار في قولهم (أنتِ علي كظهر أمي) فإنه صريح في أن المرأة تحرم بها حرمة مؤبدة كما هو الشأن بالنسبة لظهر أمه ، لذا كانت من طلاق أهل الجاهلية، لكن هذه الدلالة متروكة بنسخ الشريعة لها .
والألفاظ ، إن لم تكن أوامرَ الشارع ونواهيه ، لا تفيد حكماً ، بل هي محكومٌ عليها ، ولو كانت تفيده ، لما منع ذلك من جواز نسخها لفظا ومعنى أو منع من العمل بمقتضاها ولو كان ذلك المقتضى هو مدلول ذلك اللفظ في اللغة.
فبطل ما زعمه من احتياجنا إلى تطلب وجه نحمل عليه باقي الحديث ، إذ لا حاجة إلا تطلب وجه نصرف به الحديث عن ظاهره للحفاظ على دلالة لغوية لا يمتنع في الشرع ولا في العقل إبطال العمل بها.
بل نحمل الحديث كله على ظاهره ، ونبطل العمل بدلالة اللفظ اللغوية، لا على معنى أن اللفظ لم يعد يدل عليها بعد النهي ، بل على معنى أنه مع دلالته عليها غير معمول بها، لمنع الشرع من العمل بتلك الدلالة.

وقوله : (والدليل على أن العمرى راجعة إلى صاحبها ، ولا تكون مبتولة للمعمر : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "المسلمون على شروطهم ، ما وافق الحق منها" وقوله صلى الله عليه وسلم :"من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة شرط" والمعمر قد شرط أنها عمرى لا هبة ولا عطية ولا صدقة ، فهو على شرطه فيما أعطى، وشرطه جائز ، لأنه ليس بخلاف لكتاب الله عز وجل ، بل هو موافق للكتاب والسنة، ....)
أقول : دل ما ذكره من الحديث على أن شرط المسلم جائز إن لم يخالف كتاب الله ، فإن خالفه ، فقد قال صلى الله عليه وسلم "شرط الله أحق، وكتاب الله أوثق" وكان مما شرط الله للمُعمَرِ أن يملك العمرى ، وألغى الشرط المفهوم من لفظ العمرى الذي هو عود العمرى إلى من أعمرها ، فعلمنا بذلك بطلان ما زعمه أن العمرى ليست بهبة ، لأنه سبحانه قد ردها إلى أن تكون هبة على لسان نبيه ، وبطل ما زعمه من أن هذا شرط جائز ، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن العمرى وتصريحه صلى الله عليه وسلم بإلغاء الشرط المستفاد من دلالة اللفظ اللغوية.
فحجتنا عليه هو عين ما احتج به ، وقد أطال بما هو مردود بعين ما قدمناه ، فلا حاجة إلى تطلب رده.

والله أعلم
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.13 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.54%)]