
22-07-2024, 12:02 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة :
|
|
رد: حل إشكالات الإنتصار
حل إشكالات الإنتصار
وضاح أحمد الحمادي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فقط لأن هناك من يتعلل في رد كل حديث بتمسكه بحكمة أوجبت رده أو صرفه عن ظاهره ونحو ذلك ، وقد ادعي ذلك في هذا الحديث خاصة ، أنقل كلام الإمام عبد الرحمن المعلمي رحمه الله من (التنكيل) حيث بيّن الحكمة من تشريع خيار المجلس فقال :
"وقوله تعالى: «عن تراض» نص في اشتراط رضا كلٍ من المتبايعين، والرضا معنى خفي، وسنة الشارع في مثله أن يضبطه بأمر ظاهر منضبط يشتمل على المعنى الذي عليه مدار الحكمة كالرضا ههنا، فيكون مدار الحكم على ذاك الضابط ههنا؟
بنى الأستاذ ـ أي الكوثري ـ على أنه الصيغة أي الإيجاب والقبول كما في النكاح. وذلك مدفوع بوجهين:
الأول: أن الصيغة قد علمت بقوله: «تجارة» .
الثاني: أنها ليست بواضحه الدلالة على الرضا إذ تكون عن هزل أو سبق لسان أو استعجال قبل تمكن الرضا من النفس، ويكثر وقوعه ويتكرر، ويكثر التغابن لكثرة الجهل بقيمة المثل بخلاف النكاح فإنه قد لا يقع في العمر إلا مرة، ويحتاط الناس له ما لا يحتاطون للبيع، والشارع يتشوف إلى تثبيت النكاح ما لا يتشوف إلى تثبيت البيع، جاء في الحديث: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق » وجاء فيه: «من أقال نادماً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة» ومبنى البيع على المشاحة ومبنى النكاح على مكارمه، وأوضح من هذا كله أن في الحديث: «ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة» ففرق بين هذا ثلاثة وبين غيرها كالبيع، على أن تعين الضابط غنما هو للشارع، فإذا لم يظهر من الكتاب وجب الرجوع إلى السنة، فنجدها قد تعيين الضابط التراضي بحصول أحد أمرين بعد الإيجاب والقبول، إما اختيار اللزوم، وأما أن يستمرا على ظاهر حالهما من التراضي مدة اجتماعهما ويتفرقا على ذلك، ولا يخفى على المتدبر أن هذا بغاية المطابقة للحكمة، أما اختيار اللزوم فواضح أنه بين في استحكام التراضي، وأما الاستمرار على ظاهر الحال من التراضي والتفرق على ذلك فلأن الغالب أنه إذا كان هناك هزل أو سبق لسان أو استعجال أن يتدار كه صاحبه قبل التفرق ولا سيما إذا علم أن التفرق يقطع الخيار.
فبان بهذا أن الحديث مفسر للآية التفسير الواضح المطابق للحكمة، لا مخالف لها كما زعم الكوثري، وراجع (تفسير أبن جرير) .
ويؤكد هذا المعنى مافي (سنن أبي داود) وغيرهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً: «المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا أن تكون الصفقة خيار ولا يحل له ان يفارق صاحبه خشية أن يستقيله»
والمراد والله أعلم انه لا يحل لأحدهما أن يستغفل صاحبه فيفارقه وهو لا يشعر إذ قد لا يكون استحكم رضاه وكان يريد الفسخ إلا أنه أمهل اعتماداً على أن ذلك لا يفوت، حتى لورآه يريد المفارقة لبادر بالفسخ.
فأما ما جاء عن ابن عمر أنه كان إذا اشترى شيئاًُ يعجبه فارق صاحبه، فمحمول على مبادرته بالمفارق وصاحبه يراه، أو لا يكون وقف على هذه الزيادة، وقوله: «حتى يستقيله» ، لا يدل على الزوم العقد، فإن الاستقاله بعد الزوم العقد لا تمنع فيها المفارقة. إذا قد يستقله بعد أن يفارقه ويمضي زمان، وإنما المراد والله أعلم أن صاحبه قد يندم في المجلس فلا يبادر إلى الفسخ ويرى من حسن الأدب والعشرة أن يقول له: «أقلني» ليكون الفسخ برضاهما فإنه أطيب للنفوس" انتهى
ووكلامه رحمه الله ظاهر يقبله العقل ولا يخالف ظاهر النقل ، ومع ذلك فلا يخفاك أن من يُجَوِّز أن ثم حكمة في كلام الشارع لم نطلع عليها ، خيرٌ ممن زعم أن الشارع لم يراعِ الحكمة في النص الفلاني مما يوجب رده والتنكب عنه ، أو التعسف في تأويله وصرفه عن ظاهره ، من أجل حكمة هي في نفسها مستنبطة باجتهاده يخالفه فيها غيره.
ومن التزم ظاهر النص ، لم يلتزمه لأنه منكر للحكمة ، أو أنه يردها متى دل عليها الدليل الظاهر للحفاظ على ظاهر يمكن تأويله بيسر من غير تعسف ، بل من أجل ما قاله الله سبحانه لملائكته {أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} قال الزمخشري المعتزلي رحمه الله : "{أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} أي أعلم من المصالح في ذلك ما هو خفي عليكم.
فإن قلت: هلا بين لهم تلك المصالح؟
قلت: كفى العباد أن يعلموا أن أفعال اللَّه كلها حسنة وحكمة، وإن خفى عليهم وجه الحسن والحكمة" انتهى
ما أجمل هذا من قلم هذا المعتزلي الذي تنسب مدرسته إلى تقديم العقل على النقل. يا ليت هذا صنيع ما ينتسب إلى مدرسة اتباع النقل. من ذا يظن في نفسه أنه أعلم من الملائكة بالمصالح والحكم؟ ومن ذا يظن في نفسه أنه أبعد منهم عن الخطأ في تقديرها؟
من قال (أنا) فليتهم عقله.
أنا أخوف نفسي والقراء من التجرء على النصوص بالرد معتذراً عن ذلك بالدعاوى، ويكفينا جميعاً في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (كل أمتي يدخل الجنة إلا من أبى) قالوا : ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال (من أطاعني دخل الجني ، ومن عصاني فقد أبا).
والله أعلم
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|