
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
المجلد الثانى
الحلقة (164)
صـ 587 إلى صـ 593
أن هذه الأسماء عامة كلية - (1 سواء سميت متواطئة أو مشككة 1) (1) - ليست ألفاظا (2) مشتركة اشتراكا لفظيا فقط. وهذا مذهب المعتزلة والشيعة والأشعرية والكرامية، وهو مذهب سائر المسلمين: أهل السنة والجماعة والحديث وغيرهم، إلا من شذ (3) .
وأما الشبه التي أوقعت هؤلاء (4) ، فجوابها من وجهين: تمثيل وتخييل (5) . أما التمثيل فأن يقال: القول في لفظ " الوجود " كالقول في لفظ " الحقيقة " و " الماهية " و " النفس " و " الذات "، وسائر الألفاظ التي تقال على الواجب والممكن، بل تقال على كل موجود.
فهم إذا قالوا: يشتركان في الوجود، ويمتاز أحدهما عن الآخر بحقيقته.
(6 قيل لهم: القول في لفظ " الحقيقة " كالقول في لفظ " الوجود "، فإن هذا له حقيقة وهذا له حقيقة، كما أن لهذا وجودا ولهذا وجودا، وأحدهما يمتاز عن الآخر بوجوده المختص به، كما هو ممتاز عنه بحقيقته 6) (6) التي تختص به فقول القائل: إنهما يشتركان (7) في مسمى الوجود، ويمتاز كل
_________
(1) (1 - 1) سقطت " سميت " من (ب) ، (أ) . وفي (ن) : سواء كانت هذه الأسماء متواطئة أو كانت مشكلة.
(2) ألفاظا: ساقطة من (ع) .
(3) عبارة " إلا من شذ " ليست في (ع) .
(4) ب، أ: وأما الشبهة التي وقعت لهؤلاء ; ن، م: وأما الشبهة التي أوقعت هؤلاء.
(5) ب، أ، م: وتحليل.
(6) : (6 - 6) ساقط من (ب) ، (أ) ، وهو في (ع) ، (ن) ، (م) ولكن بعض كلماته في (ن) ، (م) محرفة.
(7) ن، م، أ: مشتركان
==================================
[واحد] (1) منهما بحقيقته التي تخصه (2) ، (* كما لو قيل: هما مشتركان في مسمى الحقيقة ويمتاز كل منهما *) (3) بوجوده الذي يخصه.
وإنما وقع الغلط لأنه أخذ الوجود مطلقا لا مختصا، وأخذت الحقيقة مختصة لا مطلقة، ومن المعلوم أن كلا منهما يمكن أن يوجد (4) مطلقا ويمكن أن يوجد (5) مختصا، فإذا أخذا مطلقين تساويا في العموم، وإذا أخذا مختصين تساويا في الخصوص، وأما (6) أخذ أحدهما عاما والآخر مختصا فليس هذا بأولى من العكس.
وأما حل الشبهة فهو أنهم توهموا (7) [أنه] (8) إذا قيل إنهما مشتركان في مسمى الوجود، يكون في الخارج وجود مشترك هو نفسه في هذا، وهو نفسه في هذا، فيكون نفس المشترك فيهما، والمشترك لا يميز، فلا بد له من مميز.
وهذا غلط فإن قول القائل: يشتركان في مسمى الوجود، أي يشتبهان في ذلك (9) ويتفقان فيه، فهذا (10) موجود وهذا موجود، ولم يشرك أحدهما الآخر في نفس وجوده ألبتة.
_________
(1) واحد: في (ع) فقط.
(2) ب، أ: بحقيقة تخصه.
(3) ما بين النجمتين ساقط ساقط من (ب) ، (أ) .
(4) ب (فقط) : يؤخذ.
(5) ب (فقط) : يؤخذ.
(6) ب، أ، ن، م: أما.
(7) ع: فإنهم توهموا.
(8) أنه في (ع) فقط.
(9) ع: أي يشتبهان فيه.
(10) ع: وهذا
===================================
وإذا قيل: يشتركان في الوجود المطلق الكلي، فذاك المطلق الكلي لا يكون مطلقا كليا إلا في الذهن، فليس في الخارج مطلق كلي يشتركان فيه، بل هذا له حصة منه، وهذا له حصة منه، وكل من الحصتين (1) ممتازة عن الأخرى.
ومن قال: المطلق جزء من المعين، (* والموجود جزء من هذا الموجود (2) ، والإنسان جزء من هذا الإنسان: إن أراد به أن المعين *) (3) يوصف به، فيكون صفة له، ومع كونه صفة له، فما هو صفة له (4) لا توجد عينه لآخر (5) ، فهذا معنى صحيح، ولكن تسمية الصفة جزء الموصوف ليس هو المفهوم منها عند الإطلاق.
وإن أريد أن نفس ما في المعين من وجود أو إنسان هو في ذلك بعينه، فهذا مكابرة.
وإن قال: إنما أردت أن النوع في الآخر عاد الكلام في النوع، فإن النوع أيضا كلي (6) .
والكليات الخمسة: كليات الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام ; والقول فيها واحد، فليس فيها ما يوجد في الخارج كليا مطلقا، ولا تكون كلية مطلقة إلا في الأذهان لا في الأعيان.
_________
(1) ب، أ: الحقيقتين.
(2) ب (فقط) : والوجود جزء من هذا الوجود.
(3) ما بين النجمتين ساقط ساقط من (م) فقط.
(4) له: ساقطة من (ب) ، (أ) .
(5) ن، م: لا يوجد عنه الآخر.
(6) ب، أ: وإن قال: إنما أردت النوع الآخر عادم الكلام في النوع أيضا كلي، وفيه سقط وتحريف
==================================
وما يدعى فيها من عموم وكلية أو من تركيب كتركيب النوع من الجنس والفصل، هي أمور عقلية ذهنية لا وجود لها في الخارج، فليس في الخارج شيء يعم هذا وهذا، [ولا في الخارج إنسان مركب من هذا وهذا] (1) ، بل الإنسان موصوف بهذا وهذا [وهذا] (2) بصفة يوجد نظيرها في كل إنسان، وبصفة يوجد نظيرها في كل حيوان، وبصفة يوجد نظيرها في كل نام.
وأما نفس الصفة التي قامت به (3) ، ونفس الموصوف الذي قامت به الصفة، فلا اشتراك فيه أصلا ولا عموم، ولا هو (4) مركب من عام وخاص.
وهذا الموضع منشأ زلل كثير من المنطقيين في الكليات، وكثير من المتكلمين في مسألة الحال. وبسبب ذلك (5) غلط من غلط من هؤلاء وهؤلاء في الإلهيات (6) فيما يتعلق بهذا، (7 فإن المتكلمين أيضا رأوا أن الأشياء تتفق بصفات وتختلف بصفات 7) (7) ، والمشترك عين المميز (8) ، فصاروا حزبين: حزبا أثبت هذه الأمور في الخارج، لكنه قال: لا موجودة ولا معدومة، لأنها لو كانت موجودة لكانت أعيانا موجودة أو
_________
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.
(2) وهذا: ساقطة من (ن) ، (م) ، (ع) .
(3) ن، م: بها.
(4) هو: ساقطة من (ب) ، (أ) .
(5) ب، أ: وسبب ذلك، وهو خطأ.
(6) ب، أ: في الهيئات، وهو تحريف.
(7) (7 - 7) : الكلام في (ن) ، (م) في هذه العبارات ناقص ومضطرب.
(8) ب، أ: والمشترك غير المميز
===================================
صفات للأعيان، ولو كانت كذلك لم يكن فيها اشتراك وعموم، [فإن صفة الموصوف الموجودة لا يشركه فيها غيره.
وآخرون علموا أن كل موجود مختص بصفة فقالوا: لا عموم] (1) ولا اشتراك إلا في الألفاظ دون المعاني.
والتحقيق أن هذه الأمور العامة المشترك فيها هي ثابتة في الأذهان، وهي معاني الألفاظ العامة، فعمومها بمنزلة عموم الألفاظ، فالخط يطابق اللفظ، واللفظ يطابق المعنى، والمعنى عام، وعموم اللفظ يطابق عموم المعنى، وعموم الخط يطابق عموم اللفظ.
وقد اتفق الناس على أن العموم يكون من عوارض [الألفاظ، وتنازعوا هل يكون من عوارض المعاني؟ فقيل: يكون أيضا (2) من عوارض] (3) المعاني، كقولهم مطر عام، وعدل عام، وخصب عام.
وقيل: بل ذلك مجاز ; لأن المطر الذي حل بهذه البقعة ليس هو المطر الذي حل بهذه البقعة، وكذلك الخصب والعدل (4) .
والتحقيق أن معنى المطر القائم بقلب المتكلم عام كعموم (5) اللفظ سواء، بل اللفظ دليل على ذلك المعنى، فكيف يكون اللفظ عاما دون معناه الذي هو المقصود بالبيان؟ فأما (6) المعاني الخارجية (7) فليس فيها
_________
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(2) ب، أ: أيضا يكون.
(3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
(4) ب: وكذا العدل. وفي (أ) العبارة مضطربة هكذا: بهذه البقعة والعدل.
(5) ن، م: لعموم.
(6) ب، أ، ن، م: وأما.
(7) ب، أ: الخارجة
=====================================
شيء بعينه عام، وإنما العموم للنوع: كعموم الحيوانية للحيوان، والإنسانية للإنسان.
فمسألة الكليات والأحوال وعروض العموم (1) لغير الألفاظ من جنس واحد ; ومن فهم الأمر على ما هو عليه، تبين له أنه ليس في الخارج شيء هو بعينه موجود في هذا وهذا.
وإذا قال: نوعه موجود، أو الكلي (2) الطبيعي موجود، أو الحقيقة موجودة، أو الإنسانية من حيث هي موجودة، ونحو هذه العبارات، فالمراد به (3) أنه وجد في هذا نظير ما وجد في هذا أو شبهه (4) ومثله ونحو ذلك.
والمتماثلان يجمعهما (5) نوع واحد، وذلك النوع هو الذي بعينه يعم هذا ويعم هذا، لا يكون عاما مطلقا كليا إلا في الذهن. وأنت إذا قلت: الإنسانية موجودة في الخارج، والكلي الطبيعي موجود في الخارج، كان صحيحا: بمعنى أن ما تصوره الذهن كليا يكون في الخارج، لكنه إذا كان في الخارج لا يكون كليا ; كما أنك إذا قلت: زيد في الخارج، فليس المراد هذا اللفظ ولا المعنى القائم في الذهن، بل المراد المقصود بهذا اللفظ موجود في الخارج.
_________
(1) ن: وعموم العروض.
(2) ب، أ، ن: والكلي.
(3) به: ساقطة من (ب) ، (أ) .
(4) ب، أ، ن، م: وشبهه.
(5) ن، م: والمتماثلات يجمعها
====================================
ومن هنا تنازع الناس في مسألة (1) الاسم والمسمى، ونزاعهم شبيه (2) بهذا النزاع، وأنت (3) إذا نظرت في [الماء أو] المرآة (4) فقلت: هذه الشمس أو هذا القمر فهو صحيح، وليس مرادك أن نفس ما في السماء حصل في الماء أو المرآة (5) ، ولكن ذلك شوهد في المرآة، وظهر في المرآة، وتجلى في المرآة.
فإذا قلت: الكليات في الخارج [فصحيح] (6) ، أو الإنسان من حيث هو في الخارج فصحيح، لكن لا يكون في الخارج إلا مقيدا مخصوصا لا يشركه في نفس [الأمر] (7) شيء من الموجودات الخارجية (8) .
وبهذا ينحل كثير من المواضع التي اشتبهت على [كثير من] (9) المنطقيين وغلطوا فيها، مثل زعمهم أن الماهية الموجودة في الخارج غير الوجود (10) ، فإنك تتصور المثلث قبل أن تعلم وجوده، وبنوا على ذلك الفرق بين الصفات الذاتية واللازمة العرضية، وغير ذلك من مسائلهم.
ولا ريب أن الفرق ثابت بين ما هو في الذهن وما هو في الخارج، فإذا
_________
(1) مسألة: ساقطة من (أ) ، (ب) ، (ع) .
(2) أ: ونازعهم مثبتيه ; ب: ونازعهم مثبته، وهو تحريف.
(3) ب، أ: فأنت.
(4) ب، أ: في الماء والمرآة ; ن، م: في المرآة.
(5) ب، أ، ن، م: في الماء والمرآة.
(6) ما بين المعقوفتين في (ع) فقط.
(7) الأمر: ساقطة من (ن) ، (م) .
(8) ن، م: الخارجة.
(9) كثير من: في (ع) فقط.
(10) ع: غير الموجودة، وهو خطأ
==================================