الأحكام المتعلقة بالصكوك الإسلامية (التوريق)
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
عُرّف التصكيك بأنه: "تقسيم ملكية الموجودات من الأعيان، أو المنافع، أو هما معاً، إلى وحدات متساوية القيمة، وإصدار صكوك بقيمتها"[1].
ويدل معدل النمو للصكوك الإسلامية على أنها توشك أن تكون في حجمها موازية لصناعة المصارف الإسلامية،[2] وقد أكدت ذلك دراسة أجراها البنك الدولي، توقعت أن يصل حجم الصكوك الإسلامية عام 2015م أكثر من ثلاثة ترليونات دولار[3].
أولاً: عرض فكرة البديل، وذكر من قال به:
الصكوك وثائق متساوية القيمة، قابلة للتداول، تمثل حصّة حاملها في مشروع استثماريّ، يتمّ إصدارها بحجم التمويل المطلوب للمشروع، ثم بيعها، واستيفاء قيمتها من حصيلة الاكتتاب فيها؛ ليموّل بثمنها مشروع معين، وهي أنواع، منها:
1- صكوك ملكية الأعيان القابلة للتأجير: فالمصدِر لها بائع للعين، والمكتتبون فيها مشترون لها، يملكونها على الشيوع، ثم يقومون بتأجيرها، واقتسام ريعها.
2- صكوك ملكية المنافع القابلة للتأجير: فالمصدِر لها بائع للمنفعة؛ سواء كانت منفعة عين؛ كمنافع الطائرات والسفن، أو خدمةً؛ كمنفعة التعليم الجامعي، أو تأمين العمّال وتشغيلهم، والمكتتبون فيها مشترون لها، يملكونها على الشيوع، ويقومون بتأجيرها، واقتسام ريعها[4].
3- صكوك السلم: والمصدِر لها هو بائع سلعة السلم، والمكتتبون فيها هم المشترون لهذه السلعة، يملكونها مشاركةً، ويستحقون ثمن بيعها في السلم الموازي[5].
4- صكوك الاستصناع: والمصدِر لها هو الصانع، والمكتتبون فيها مشترون للعين المراد صنعها، يملكونها مشاركةً، ويستحقون ثمن بيعها في الاستصناع الموازي[6].
5- صكوك المرابحة: حيث المصدِر لها هو بائع السلعة مرابحة، والمكتتبون فيها مشترون لها، يملكونها، ويستحقون ثمن بيعها[7].
وإذا أُضفي على بيوع المرابحة صفة الاستمرارية، والشراء الدوريّ لمستلزمات جهات مستفيدة، تولّدت صكوك أخرى؛ هي صكوك التوريد.
6- صكوك المضاربة أو المشاركة: والمصدِر لها طالب المشاركة في مشروع معين، والمكتتبون هم الشركاء المموّلون لرأس مال المشروع، أو جزء منه، ويستحقون حصتهم في أرباح الشركة[8].
وقد تكون المشاركة مستمرة، أو منتهية، ثابتة أو متناقصة، وقد تكون المضاربة مطلقة أو مقيّدة؛ بحسب طبيعة كل مشروع، وشروطه.
7- صكوك الوكالة بالاستثمار: والمصدِر لها هو الوكيل بالاستثمار، والمكتتبون فيها هم الموكلون، وما بذلوه هو رأس مال الاستثمار، ويستحقون ربحه.
8- صكوك المساقاة والمزارعة والمغارسة: والمصدِر لها هو بائع الشجر أو الأرض، والمكتتبون فيها هم المشترون، ثم يتعاقدون مع العامل ليعمل فيها، بنسبة معلومة مما يخرج منها، وما تبقى قُسّم على حملة الصكوك[9].
وهكذا، قد تصدر صكوك متنوعة المجالات، تقوم على أساس معاملات شرعية مختلفة.
ثانيًا: الحكم الشرعي لهذا البديل:
تتعلق بهذه الصكوك أحكام عامة وخاصة:
أولاً: الأحكام العامة للصكوك الإسلامية:
تُشكل على هذا البديل - في صورته العامة - أربعة أمور:
أ- الإشكال الأول: التزام مصدِر الصكوك بشرائها عند انتهاء مدّتها بالقيمة الاسمية، وهي القيمة التي اُشتريت بها عند الاكتتاب، وسبب هذا الالتزام هو أن الصكوك لا يتمّ تداولها في الأسواق المالية إلا بعد تصنيفها من هيئات التصنيف وفق مستوى معين، وأهم معايير هيئات التصنيف قدرة مصدِر الصكوك على ردّ رأس المال لحملتها، ولا يكون ذلك إلا بأن يعدّ المصدِر حملة الصكوك وعدًا ملزمًا بشرائها بثمن بيعها[10].
فتكون بهذا قد وافقت السندات الربوية في أهمّ خصائصها، وهو ضمان رأس المال لحملة الصكوك، وقد سبق عدم جواز ذلك؛ لدخوله في ربح ما لم يضمن، وعلاجه -كما سبق- أن يملك حملة الصكوك من موجودات الشركة في حدود حصصهم، لهم غنمها، وعليهم غرمها، فلا تضمن لهم قيمة ما بذلوه، ولا يلزمون ببيعها إلا برضاهم، وبما يُتفق عليه يوم البيع[11].
ب- الإشكال الثاني: تداول الصكوك التي تمثل ديونًا:
وحتى تجري الصكوك كبديل للسندات، أُعطيت خصيصة التداول في الأسواق المالية، والقدرة الفورية على تسييلها، ووقع الإشكال في تداول الصكوك التي تمثل ديونًا؛ فمن ذلك: تداول صكوك المرابحة بعد بيع سلع المرابحة للمشترين؛ لأنها أصبحت حينئذٍ تمثل ديونًا في ذمّة المشترين، وتداول صكوك السلم قبل تسلم السلع المسلم فيها؛ لأنها حينئذٍ تمثل ملكية هذه السلع، وهي دين في ذمّة المسلم إليه، وتداول صكوك منافع الأعيان قبل تعيينها؛ لأنها ما زالت دينًا موصوفًا في الذمّة، وبعد تعيينها، وتأجيرها لطرف آخر؛ لأنها حينئذٍ تمثل ملكية الأجرة، والأجرة دين في ذمّة المستأجر[12].
وقد سبق أن تداول الصكوك التي تمثل ديونًا يجب أن تجري عليه أحكام التعامل بالديون[13].
ج- الإشكال الثالث: تصكيك أصول لا يمكن تملك حملة الصكوك لها:
ومن ذلك: تصكيك بعض المرافق السيادية للدول؛ كالمطارات، والموانئ في دول لا يمكن حقيقةً أن تتنازل عن ملكيتها.
وتصكيك هذه الأصول - في حقيقته - بيع صوري، لا يدخل في ملك المشترين، ولا في ضمانهم، فبيعهم لها بعد ذلك من بيع ما لا يملك، وربحهم منها من ربح ما لم يضمن، ولا يعدو أن يكون بيع هذه المرافق السيادية مجرد ضمان من مصدِر الصكوك لردّ نقود حملتها، مع الزيادة[14].
د- الإشكال الرابع: ربط عائد الصكوك بأسعار الفائدة العالمية:
وحتى تكون الصكوك قريبة من السندات الربوية،[15] فقد سعى مصدِروها إلى ربطها بأسعار الفائدة، ولهم في هذا طريقان[16]:
الأول: أن يكون العائد منتظمًا، فيُربط بمؤشر سعر الفائدة[17] ابتداءً؛ خصوصًا في صكوك الإجارة الممتدّة مدّة طويلة.
والثاني: أن يكون العائد غير منضبط، فيقوم مدير الإصدار بضبط العائد الموزع على حملة الصكوك بحسب سعر الفائدة، فإذا زاد العائد أخذ الزائد حافزًا له على حسن إدارته، أو ادّخره في حساب احتياطي، وإذا قلّ سحب من المبالغ الاحتياطية، فإن لم تكفِ أقرض حملة الصكوك، ثم استوفى من زيادة العائد في فترات التوزيع التالية، فإن لم تتوفر الأموال الكافية لسداد القرض طوال مدّة العقد، حسمه من ثمن شراء الصكوك عند مرحلة الإطفاء في نهاية العقد.
ومواضع الإشكال في هذا الإجراء كثيرة:
أولها: ضبط العائد بمؤشر الفائدة العالمي:
ليست في الشريعة طريقة معينة ملزمة لتحديد الأرباح والعوائد، بل تركت الشريعة ذلك لظروف السوق الاقتصادية ورضا المتعاقدين، وقد يكون ضبط العائد سائغًا؛ لمصلحة حملة الصكوك، وبرضاهم، فإذا احتيج إليه فينبغي أن يُربط بالعائد أو الربحية المتوقعة من الاستثمار، وأما سعر الفائدة فهو أقل بكثير من عوائد الاستثمار المشروع، وفي ربط العائد به ظلم وبخس لحملة الصكوك[18].
مع ما في ذلك من التبعية للاقتصاد الربوي، وتشكيك المسلمين في المصارف الإسلامية، ومضاهاة أكلة الربا، وهي مظاهر قام الاقتصاد الإسلامي على أساس معالجتها.
وثانيها: أخذ مدير الإصدار حافزًا إذا زاد العائد عن معدل الفائدة:
تتضمن هذه المسألة غررًا في تحديد العائد الذي يحصل عليه مدير الإصدار، فهل هذا الغرر مما يتسامح فيه؟
بحث الفقهاء المتقدمون حكم جعل الفـائض عن البيع أو الشراء أجرة للوكيل ونحوه، - وهي أشبه ما تكون بالمسألة السابقة -، واختلفوا فيها على قولين:
القول الأول: لا يجوز جعل الفائض من البيع أو الشراء أجرةً للوكيل.
وهو مذهب الجمهور، من الحنفية،[19] والمالكية،[20] والشافعية،[21] واختاره ابن المنذر[22].
ففي عمدة القاري: "وقال ابن عباس: لا بأس أن يقول: بع هذا الثوب، فما زاد على كذا وكذا فهو لك"، ثم نقل نحوه عن ابن سيرين، ثم قال: "وأما قول ابن عباس وابن سيرين فأكثر العلماء لا يجيزون هذا البيع، وممن كرهه: الثوري، والكوفيون"[23].
وفي الكافي، لابن عبد البر: "ولا تجوز الإجارة ولا الكراء بالمجهول، الذي يقلّ مرة، ويكثر أخرى"[24].
وفي روضة الطالبين: "يشترط العلم بقدر الأجرة، ووصفها إذا كانت في الذمّة كالثمن في الذمّة... ولو أعطاه ثوبًا، وقال: إن خطته اليوم فلك درهم، أو غدًا فنصف، فسد العقد ووجبت أجرة المثل متى خاطه"[25].
واستدلوا: بأن الأجرة مجهولة، ومحتملة الوجود والعدم، ويشترط في الوكالة بأجر أن تكون الأجرة معلومة[26].
ويناقش: أن في إذن الموكل للوكيل بأخذ الفائض نوع تبرع ومسامحة، فلم تتمحض المعاملة؛ كإجارة، والجهالة في عقود التبرعات مغتفرة[27].
القول الثاني: يجوز جعل الفائض من البيع أو الشراء أجرةً للوكيل.
وهو مذهب الحنابلة،[28] وقال به إسحاق بن راهويه،[29] وأفتى به بعض المعاصرين[30].
ففي المغني: "إذا دفع إلى رجل ثوبًا، وقال: بعه بكذا، فما ازددتَ فهو لك صح"[31].
واستدلوا: بما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يرى بأساً أن يعطي الرجلُ الرجلَ الثوب، فيقول: بعه بكذا وكذا، فما ازددتَ فهو لك[32].
ووجه الدلالة: أن ابن عباس رضي الله عنهما قد أجاز هذا التصرف، ولا يعرف له مخالف في عصره[33].
ونوقش: أن هذا الأثر محمولٌ على كون العاقد وعَد وعدًا على سبيل التبرع، لا أنه اشترطه في العقد[34].
القول المخــتار:
الأقرب جواز أن يجعل الموكل الفائض عن البيع أو الشراء أجرة للوكيل؛ لأثر ابن عباس رضي الله عنهما السابق، وفي هذا الإجراء مع عقود الإجارات نوع تبرع، كما أن فيه مع عقود المشاركات نوع تحفيز، ففيه مصلحة للعاقدين، أو لأحدهما دون ضرر على الآخر، ولا تمنع الشريعة من مثل هذا[35].
لكن إعطاء مدير الإصدار حافزًا على حسن عمله ينبغي أن يُربط بالعائد أو الربحية المتوقعة من الاستثمار؛ ليكون حافزًا له إلى بلوغه، وفي ربطه بسعر الفائدة ظلم لحملة الصكوك؛ كما سبق قريبًا.
وثالثها: إقراض مدير الإصدار حملة الصكوك في حالة نقصان العائد عن مؤشر الفائدة:
لا حرج من تثبيت العائد من المبالغ الاحتياطية التي تجمع من أرباح المشروع، برضا حملة الصكوك، على أن تبقى ملكًا لهم، وتردّ عليهم في نهاية المشروع، وقد سبق جواز ذلك[36].
أما الطريقة المذكورة سابقًا، ففيها عدة مخالفات من أهمها:
أ- أن مدير الصكوك غالبًا ما يكون هو البائع لها، فيجمع بذلك بين بيع وسلف، وهو ممنوع إجماعًا[37].
ب- كما أنه لا يُقرض إلا بشرط أن يكون له حافز إذا زاد العائد، فهو قرض جرّ نفعًا.
ثانيًا: الأحكام الخاصة بأنواعٍ معينة من الصكوك الإسلامية:
أ- تتعلق بصكوك المضاربة والمشاركات جملة من الأحكام، سبق تناولها عند الكلام على سندات المقارضة[38].
ب- ويتعلق بصكوك المرابحة ما سبق توضيحه في حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء،[39] لكن لما كان تصكيك العقد يسمح بتداول الصكوك، وكانت حقيقة عوائد هذه الصكوك دينًا ثابتًا لحملتها في ذمة المشتري بالأجل، تعلقت بها مسألة حكم اقتسام الشركاء دينهم الثابت في ذمّة مدين واحد.
وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: عدم جواز اقتسام الشركاء دينهم الثابت في ذمّة مدين واحد.
وهو مذهب الجمهور؛ من الحنفية،[40] والشافعية،[41] والحنابلة[42].
ففي المبسوط: "إن كان الدين كله على رجل واحد، فقسمتهم فيه قبل القبض باطلة"[43].
وفي أسنى المطالب: "ولا تصح قسمة الديون المشتركة في الذمم؛ لأنها إما بيع دين بدين، أو إفراز ما في الذمّة، وكلاهما ممتنع"[44].
وفي الإنصاف: "وإن تقاسما الدين في الذمّة لم يصح في إحدى الروايتين، وهو المذهب"[45].
واستدلوا بدليلين:
الدليل الأول: أن قسمة الدين إما أن تكون بمنـزلة بيع الدين، وبيع الدين غير جائز، أو بمنـزلة إفراز ما في الذمّة، وهو ممتنع كذلك لعدم قبضه[46].
ونوقش: أن القسمة إن كانت بيعًا، فكل واحد من الدائنين يأخذ نصيبه من الدين من نفس مدينه، فليس فيه بيع ذمّة بذمّة،[47] وإن كانت إفرازًا فإن الدين وإن لم يتعين تحقيقًا، فإنه يتعين تقديرًا، ويكفي في إمكان القسمة التعين بوجه[48].
الدليل الثاني: أن القسمة حيازة، ولا يتحقق ذلك فيما في الذمّة،[49] "لأن الفعل الحسي يستدعي محلاً حسيًا، والدين حكمي، فلا يرد عليه الفعل الحسي"[50].
ونوقش: أن عدم تعين ما في الذمّة لا يمنع الحيازة؛ لاعتبار تعينه تقديرًا[51].
القول الثاني: جواز اقتسام الشركاء دينهم الثابت في ذمّة مدين واحد.
وهو مذهب المالكية،[52] ورواية لأحمد،[53] اختارها ابن تيمية،[54] وابن القيم[55].
ففي المدونة: "لو أن رجلين ورثا دينًا على رجل، فاقتسما ما عليه جاز ذلك، وصار ذلك كالدين، يكون لهما على رجل، لكل واحدٍ منهما صكٌ على حدة"[56].
وفي الفتاوى الكبرى: "ويجوز قسمة الدين في ذمّة، أو ذمم، وهو رواية عن أحمد"[57].
واستدلوا بدليلين:
الدليل الأول: أن الأصل في المعاملات الحلّ، ولا يترتب على هذه القسمة أيّ محذور[58].
ونوقش: بما سبق من أدلة القول الأول المتضمنة للمنع.
والدليل الثاني: أن "الدين في الذمّة يقوم مقام العين، ولهذا تصح المعاوضة عليه من الغريم وغيره، وتجب على صاحبه زكاته إذا تمكن من قبضه، ويجب عليه الإنفاق على أهله وولده ورقيقه منه، ولا يعد فقيرًا معدمًا، فاقتسامه يجري مجرى اقتسام الأعيان والمنافع"[59].
القول المختـار:
هو القول الثاني؛ لأن الديون تقوم مقام الأعيان، حيث لا محذور يترتب على ذلك، ولأجل ذلك صَحَّتْ الحوالة على الدين، وبيعه للمدين وغيره، والله تعالى أعلى وأعلم.
ج- وتتعلق بصكوك السلم والاستصناع أحكام العقود الموازية، وقد سبق الحديث عنها،[60] لكن لما كان تصكيك العقد يسمح بتداول الصكوك، تعلقت بصكوك السلم خاصة مسألة بيع المسلم فيه قبل قبضه:
وقد اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجوز بيع دين السلم (المسلم فيه) قبل قبضه، لمن هو في ذمّته، ولا لغيره.
وهو مذهب الجمهور؛ من الحنفية،[61] والشافعية،[62] والحنابلة[63].
ففي بدائع الصنائع: "لا يجوز استبدال المسلم فيه قبل قبضه"[64].
وفي المهذب: "لا يجوز بيع المسلم فيه قبل القبض"[65].
وفي الإنصاف: "ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه، هذا المذهب"[66].
واستدلوا من السنة والمعقول:
(1) استدلوا من السنة: بما أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أسلف في شيء، فلا يصرفه إلى غيره"[67].
ونوقش: أن الحديث لا يصح، ففي سنده عطية العوفي،[68] وهو ضعيف[69].
(2) واستدلوا من المعقول بدليلين:
الدليل الأول: أن دين السلم لم يدخل في ملك المسلِم، فلم يجز بيعه قبل قبضه[70].
ونوقش: أن البيع لا يجوز قبل قبض المبيع إذا كان معيّنًا، أو يحتاج إلى توفية؛ من وزن، أو كيل، وأما المبيع الموصوف في الذمّة فلا حرج من بيعه قبل قبضه؛ لأن حقيقة الاعتياض عنه من جنس الاستيفاء، وفائدته سقوط ما في ذمّته عنه، لا حدوث ملك له[71].
والدليل الثاني: أن بيع دين السلم قبل قبضه من ربح ما لم يضمن؛ لأنه في ذمّة المسلم إليه[72].
ونوقش من وجهين:
الأول: أن المسلِم الأول إذا باع دين السلم الموصوف في الذمّة تعلق بذمّته، فيرجع المسلِم الثاني عليه، وهو يرجع على المسلم إليه الأول.
والثاني: أن ممن أجاز بيع السلم قبل قبضه من اشترط أن لا يربح المسلِم في هذا البيع، بل يبيعه بثمنه، أو بأقل، حتى لا يربح فيما لم يدخل في ضمانه[73].
يتبع