عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-06-2024, 06:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,720
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دلالة السياق وأثرها في ترتيب الدليل وبناء الحكم من كتاب إحكام الأحكام

دلالة السياق وأثرها في ترتيب الدليل وبناء الحكم من كتاب إحكام الأحكام


د. فؤاد بن يحيى الهاشمي

المثال الثالث:

البحث الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم { صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه }
يتصدى النظر هنا :
هل صلاته في جماعة في المسجد تفضل على صلاته في بيته وسوقه جماعة ، أو تفضل عليها منفردا ؟
أما الحديث فمقتضاه:
أن صلاته في المسجد جماعة تفضل على صلاته في بيته وسوقه جماعة وفرادى بهذا القدر .
لأن قوله صلى الله عليه وسلم { صلاة الرجل في جماعة } محمول على الصلاة في المسجد.
لأنه قوبل بالصلاة في بيته وسوقه .
ولو جرينا على إطلاق اللفظ:
لم تحصل المقابلة ؛ لأنه يكون قسم الشيء قسما منه .
وهو باطل .
وإذا حمل على صلاته في المسجد:
فقوله صلى الله عليه وسلم " صلاته في بيته وسوقه " عام يتناول الأفراد والجماعة .
وقد أشار بعضهم إلى هذا بالنسبة:
إلى الانفراد في المسجد والسوق من جهة ما ورد أن "الأسواق موضع الشياطين " فتكون الصلاة فيها ناقصة الرتبة ، كالصلاة في المواضع المكروهة لأجل الشياطين ، كالحمام .
وهذا الذي قاله - وإن أمكن في السوق - ليس يطرد في البيت .
فلا ينبغي أن تتساوى فضيلة الصلاة في البيت جماعة مع فضيلة الصلاة في السوق جماعة، في مقدار الفضيلة التي لا توجد إلا بالتوقيف .
فإن الأصل : أن لا يتساوى ما وجد فيه مفسدة معينة مع ما لم توجد فيه تلك المفسدة .
هذا ما يتعلق بمقتضى اللفظ .
ولكن الظاهر مما يقتضيه السياق :
أن المراد تفضيل صلاة الجماعة في المسجد على صلاته في بيته وسوقه منفردا : فكأنه خرج مخرج الغالب في أن من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا .
وبهذا يرتفع الإشكال الذي قدمناه:
من استبعاد تساوي صلاته في البيت مع صلاته في السوق جماعة فيهما ، وذلك ؛ لأن من اعتبر معنى السوق ، مع إقامة الجماعة فيه .
وجعله سببا لنقصان الجماعة فيه عن الجماعة في المسجد .
يلزمه تساوي ما وجدت فيه مفسدة معتبرة مع ما لم توجد فيه تلك المفسدة في مقدار التفاضل .
أما إذا جعلنا التفاضل بين صلاة الجماعة في المسجد وصلاتها في البيت والسوق منفردا ، فوصف " السوق " هاهنا ملغى ، غير معتبر .
فلا يلزم تساوي ما فيه مفسدة مع ما لا مفسدة فيه في مقدار التفاضل .
والذي يؤيد هذا :
أنهم لم يذكروا السوق في الأماكن المكروهة للصلاة .
وبهذا فارق الحمام المستشهد بها .
المثال الرابع:
قوله صلى الله عليه وسلم " أثقل الصلاة " محمول على الصلاة في جماعة، وإن كان غير مذكور في اللفظ .
لدلالة السياق عليه .
وقوله عليه السلام " لأتوهما ولو حبوا " وقوله " ولقد هممت - إلى قوله - لا يشهدون الصلاة " كل ذلك مشعر بأن المقصود : حضورهم إلى جماعة المسجد .


المثال الخامس:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم ، وتسبقون من بعدكم .
ولا يكون أحد أفضل منكم ، إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا : بلى ، يا رسول الله .
قال : تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة : ثلاثا وثلاثين مرة .)
قوله [صلى الله عليه وسلم] " تدركون به من سبقكم " يحتمل أن يراد به السبق المعنوي.
وهو السبق في الفضيلة .
وقوله " من بعدكم " أي من بعدكم في الفضيلة ممن لا يعمل هذا العمل.
ويحتمل أن يراد القبلية الزمانية ، والبعدية الزمانية .
ولعل الأول أقرب إلى السياق .
فإن سؤالهم كان عن أمر الفضيلة ، وتقدم الأغنياء فيها .


المثال السادس:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ليس فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمسة أوسق صدقة} .
الحديث دليل على الزكاة فيما دون هذه المقادير من هذه الأعيان.
وأبو حنيفة يخالف في زكاة الحرث .
ويعلق الزكاة بكل قليل وكثير منه .
ويستدل له بقوله عليه السلام { فيما سقت السماء العشر ، وفيما سقي بنضح أو دالية ففيه نصف العشر } وهذا عام في القليل والكثير .
وأجيب عن هذا بأن المقصود من الحديث بيان قدر المخرج ، لا بيان المخرج منه .
وهذا فيه قاعدة أصولية:
وهو أن الألفاظ العامة بوضع اللغة على ثلاث مراتب:
أحدها : ما ظهر فيه عدم قصد التعميم ، ومثل بهذا الحديث .
والثانية : ما ظهر فيه قصد التعميم بأن أورد مبتدأ لا على سبب ، لقصد تأسيس القواعد .
والثالثة : ما لم يظهر فيه قرينة زائدة تدل على التعميم، ولا قرينة تدل على عدم التعميم .
وقد وقع تنازع من بعض المتأخرين في القسم الأول في كون المقصود منه عدم التعميم:
فطالب بعضهم بالدليل على ذلك.
وهذا الطريق ليس بجيد ؛ لأن هذا أمر يعرف من سياق الكلام ، ودلالة السياق لا يقام عليها دليل ، وذلك لو فهم المقصود من الكلام ، وطولب بالدليل عليه لعسر، فالناظر يرجع إلى ذوقه ، والمناظر يرجع إلى دينه وإنصافه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.61 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.44%)]