عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 28-06-2024, 03:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,318
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة في تعليل الأحكام الواردة في كتاب ابن دقيق إحكام الأحكام

قراءة في تعليل الأحكام الواردة في كتاب ابن دقيق إحكام الأحكام


د. فؤاد بن يحيى الهاشمي

المسألة الرابعة والثلاثون:

عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه:
{ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن الربيع بن عبد شمس ، فإذا سجد وضعها ، وإذا قام حملها }
والكلام على هذا الحديث من وجهين :
أحدهما :النظر في هذا الحمل ووجه إباحته .

فقد تكلموا في تخريجه على وجوه :

أحدها : أن ذلك في النافلة وهو مروي عن مالك .
وكأنه لما رأى المسامحة في النافلة قد تقع في بعض الأركان والشرائط ، كان ذلك تأنيسا بالمسامحة في مثل هذا.
ورد هذا القول:
بما وقع في بعض الروايات الصحيحة { بينما نحن ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر - أو العصر - خرج علينا حاملا أمامة } - وذكر الحديث .
وظاهره يقتضي : أن ذلك كان في الفريضة ، وإن كان يحتمل أنه في نافلة سابقة على الفريضة .
ومما يبعد هذا التأويل:
أن الغالب في إمامة النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت في الفرائض دون النوافل .
وهذا يتوقف على أن يكون الدليل قائما على كون النبي صلى الله عليه وسلم كان إماما .
وقد ورد ذلك مصرحا به في رواية سفيان بن عيينة بسنده إلى { أبي قتادة الأنصاري، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس ، وأمامة بنت أبي العاص - وهي بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - على عاتقه } الحديث " .

الوجه الثاني : أن هذا الفعل كان للضرورة .
وهو مروي أيضا عن مالك وفرق بعض أتباعه بين أن تكون الحاجة شديدة ، بحيث لا يجد من يكفيه أمر الصبي ، ويخشى عليه .
فهذا يجوز في النافلة والفريضة .
وإن كان حمل الصبي في الصلاة على معنى الكفاية لأمه ، لشغلها بغير ذلك : لم يصلح إلا في النافلة .
وهذا أيضا عليه من الإشكال:
أن الأصل استواء الفرض والنفل في الشرائط والأركان إلا ما خصه الدليل .

الوجه الثالث : أن هذا منسوخ، وهو مروي أيضا عن مالك .
قال أبو عمر : ولعل هذا نسخ بتحريم العمل والاشتغال في الصلاة بغيرها .
وقد رد هذا:
بأن قوله صلى الله عليه وسلم { إن في الصلاة لشغلا } كان قبل بدر عند قدوم عبد الله بن مسعود من الحبشة .
فإن قدوم زينب وابنتها إلى المدينة كان بعد ذلك ، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان فيه إثبات النسخ بمجرد الاحتمال .

الوجه الرابع : أن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم .
ذكره القاضي عياض .
وقد قيل :
هذا مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ لا يؤمن من الطفل البول وغير ذلك على حامله .
وقد يعصم منه النبي صلى الله عليه وسلم وتعلم سلامته من ذلك مدة حمله .
وهذا الذي ذكره :
إن كان دليلا على الخصوص فبالنسبة إلى ملابسة الصبية ، مع احتمال خروج النجاسة منها .
وليس في ذلك تعرض لأمر الحمل بخصوصه الذي الكلام فيه .
ولعل قائل هذا:
لما أثبت الخصوصية في الحمل بما ذكره - من اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم بجواز علمه بعصمة الصبية من البول حالة الحمل - تأنس بذلك .
فجعله مخصوصا بالعمل الكثير أيضا .
فقد يفعلون ذلك في الأبواب التي ظهرت خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، ويقولون : خص بكذا في هذا الباب .
فيكون هذا مخصوصا .
إلا أن هذا ضعيف من وجهين :
أحدهما : أنه لا يلزم من الاختصاص في أمر : الاختصاص في غيره بلا دليل ، فلا يدخل القياس في مثل هذا .
والأصل عدم التخصيص .
الثاني : أن الذي قرب دعواه الاختصاص لجواز الحمل : هو ما ذكره من جواز اختصاص الرسول صلى الله عليه وسلم بالعلم بالعصمة من البول .
وهذا معنى مناسب لاختصاصه بجواز ملابسته للصبية في الصلاة .
وهو معدوم فيما نتكلم فيه من أمر الحمل بخصوصه .
فالقول بالاختصاص فيه قول بلا علة تناسب الاختصاص .

الوجه الخامس : حمل هذا الفعل على أن تكون أمامة في تعلقها بالرسول صلى الله عليه وسلم وتأنسها به ، كانت تتعلق به بنفسها فيتركها فإذا أراد السجود وضعها : فإن الفعل الصادر منه : إنما هو الوضع لا الرفع ، فيقل العمل الذي توهم من الحديث .
ولقد وقع لي أن هذا حسن .
فإن لفظة " وضع " لا تساوي " حمل " في قضاء فعل الفاعل .
فإنا نقول لبعض الحوامل " حمل كذا " وإن لم يكن هو فعل الحمل .
ولا يقال " وضع " إلا بفعل حتى نظرت في بعض طرق الحديث الصحيحة.
فوجدت فيه " فإذا قام أعادها " وهذا يقتضي الفعل ظاهرا .
الوجه السادس : وهو معتمد بعض مصنفي أصحاب الشافعي ، وهو أن العمل
الكثير إنما يفسد إذا وقع متواليا ، وهذه الأفعال قد لا تكون متوالية فلا تكون مفسدة .
والطمأنينة في الأركان - لا سيما في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - تكون فاصلة .
ولا شك أن مدة القيام طويلة فاصلة.
وهذا الوجه إنما يخرج به إشكال كونه عملا كثيرا ، ولا يتعرض لمطلق الحمل .
المسألة الخامسة والثلاثون:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
{ اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب } .
لعل " الاعتدال " ههنا محمول على أمر معنوي .
وهو وضع هيئة السجود موضع الشرع وعلى وفق الأمر .
فإن الاعتدال الخلقي الذي طلبناه في الركوع لا يتأدى في السجود .
فإنه ثم : استواء الظهر والعنق ، والمطلوب هنا : ارتفاع الأسافل على الأعالي ، حتى لو تساويا ففي بطلان الصلاة وجهان لأصحاب الشافعي ومما يقوي هذا الاحتمال : أنه قد يفهم من قوله عقيب ذلك { ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب } أنه كالتتمة للأول.
وأن الأول كالعلة له .
فيكون الاعتدال الذي هو فعل الشيء على وفق الشرع علة لترك الانبساط انبساط الكلب .
فإنه مناف لوضع الشرع .
وقد تقدم الكلام في كراهة هذه الصفة .
وقد ذكر في هذا الحديث الحكم مقرونا بعلته .
فإن التشبيه بالأشياء الخسيسة مما يناسب تركه في الصلاة .
ومثل هذا التشبيه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قصد التنفير عن الرجوع في الهبة قال: { مثل الراجع في هبته: كالكلب يعود في قيئه } أو كما قال .


المسألة السادسة والثلاثون:

واختلف الفقهاء في محل السجود:
فقيل : كله قبل السلام، وهو مذهب الشافعي.
وقيل : كله بعد السلام، وهو مذهب أبي حنيفة .
وقيل : ما كان من نقص فمحله قبل السلام، وما كان من زيادة فمحله بعد السلام .
وهو مذهب مالك، وأومأ إليه الشافعي في القديم .
وقد ثبت في الأحاديث السجود بعد السلام في الزيادة ، وقبله في النقص .
واختلف الفقهاء:
فذهب مالك إلى الجمع:
بأن استعمل كل حديث قبل السلام في النقص ، وبعده في الزيادة....
وذهب أحمد بن حنبل:
إلى الجمع بين الأحاديث بطريق أخرى ، غير ما ذهب إليه مالك:
وهو أن يستعمل كل حديث فيما ورد فيه، وما لم يرد فيه حديث فمحل السجود فيه قبل السلام .
وكأن هذا:
نظر إلى أن الأصل في الجابر : أن يقع في المجبور ، فلا يخرج عن هذا الأصل إلا في مورد النص .
ويبقى فيما عداه على الأصل .
وهذا المذهب مع مذهب مالك متفقان في طلب الجمع ، وعدم سلوك طريق الترجيح ، لكنهما اختلفا في وجه الجمع .
ويترجح قول مالك:
بأن تذكر المناسبة في كون سجود السهو قبل السلام عند النقص.
وبعده عند الزيادة .
وإذا ظهرت المناسبة - وكان الحكم على وفقها - كانت علة ، وإذ كانت علة : عم الحكم
فلا يتخصص ذلك بمورد النص .


المسألة السابعة والثلاثون:

عن عائشة رضي الله عنها قالت :
{ لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة ، يقال لها : مارية - وكانت أم سلمة وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة - فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها ، فرفع رأسه صلى الله عليه وسلم وقال : أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ، ثم صوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله.}
فيه دليل على تحريم مثل هذا الفعل .
وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور .
ولقد أبعد غاية البعد من قال:
إن ذلك محمول على الكراهة ، وإن هذا التشديد كان في ذلك الزمان ، لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان، وهذا الزمان حيث انتشر الإسلام وتمهدت قواعده - لا يساويه في هذا المعنى.
فلا يساويه في هذا التشديد - هذا أو معناه - وهذا القول عندنا باطل قطعا .
لأنه قد ورد في الأحاديث:
الإخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين .
وأنهم يقال لهم " أحيوا ما خلقتم " وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل وقد صرح بذلك في قوله عليه السلام { المشبهون بخلق الله } وهذه علة عامة مستقلة مناسبة .
لا تخص زمانا دون زمان .
وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي .
يمكن أن يكون هو المراد ، مع اقتضاء اللفظ التعليل بغيره وهو التشبه بخلق الله .
المسألة الثامنة والثلاثون:

عن رافع بن خديج رضي الله عنه:
{ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث ، وكسب الحجام خبيث }
وأما " الكلب " فإذا قيل بثبوت الحديث الذي يدل على جواز بيع كلب الصيد : كان ذلك دليلا على طهارته .
وليس يدل النهي عن بيعه على نجاسته ؛ لأن علة منع البيع : متعددة لا تنحصر في النجاسة

المسألة التاسعة والثلاثون:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
{من السنة إذا تزوج البكر على الثيب : أقام عندها سبعا ثم قسم .
وإذا تزوج الثيب : أقام عندها ثلاثا ثم قسم .
قال أبو قلابة ولو شئت لقلت : إن أنسا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم } .
الحديث يقتضي : أن هذا الحق للبكر أو الثيب : إنما هو فيه إذا كانتا متجددتين على نكاح امرأة قبلهما ، ولا يقتضي أنه ثابت لكل متجددة ، وإن لم يكن قبلها غيرها وقد استمر عمل الناس على هذا ، وإن لم يكن قبلها امرأة في النكاح ، والحديث لا يقتضيه .
وتكلموا في علة هذا:
فقيل : إنه حق للمرأة على الزوج ، لأجل إيناسها وإزالة الحشمة عنها لتجددها ، أو يقال : إنه حق للزوج على المرأة .
وأفرط بعض الفقهاء من المالكية:
فجعل مقامه عندها عذرا في إسقاط الجمعة إذا جاءت في أثناء المدة .
وهذا ساقط ، مناف للقواعد ، فإن مثل هذا من الآداب أو السنن ، لا يترك له الواجب.
ولما شعر بهذا بعض المتأخرين وأنه لا يصلح أن يكون عذرا :
توهم أن قائله يرى الجمعة فرض كفاية ، وهو فاسد جدا ؛ لأن قول هذا القائل متردد ، محتمل أن يكون جعله عذرا ، أو أخطأ في ذلك وتخطئته في هذا أولى من تخطئته فيما دلت عليه النصوص وعمل الأمة ، من وجوب الجمعة على الأعيان .

المسألة الأربعون:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
{ إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها ، أو يلعقها } .
وقد جاءت علة هذا مبينة في بعض الروايات:
{ فإنه لا يدري في أي طعامه البركة }
وقد يعلل:
بأن مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما مسح به ، مع الاستغناء عنه بالريق ولكن إذا صح الحديث بالتعليل لم نعدل عنه .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.14 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.04%)]