عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 27-06-2024, 04:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة "سلالة الفوائد الأصولية والشواهد والتطبيقات القرآنية والحديثية للمسائل الأص

قراءة في كتاب
"سلالة الفوائد الأصولية والشواهد والتطبيقات القرآنية والحديثية للمسائل الأصولية في أضواء البيان"
د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
المبحث الرابع: الزيادة على النص:

يقول الشيخ عبد الرحمن السديس:
أفرد الشيخ رحمه الله لهذا المبحث مسألة من مسائل النسخ عند كلامه على قوله تعالى: {وإذا بدلنا آية مكان آية}
حيث قال ما نصه:
"المسألة الثامنة - اعلم أن التحقيق :
أنه ما كل زيادة على النص تكون نسخاً ، وإن خالف في ذلك الإمام أبو حنيفة رحمه الله . بل الزيادة على النص قسمان :
قسم مخالف النص المذكور قبله : وهذه الزيادة تكون نسخاً على التحقيق . كزيادة تحريم الحمر الأهلية ، وكل ذي ناب من السباع مثلاً ، على المحرمات الأربعة المذكورة في آية : {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً } [ الأنعام : 145 ] الاية . لأن الحمر الأهلية وحوها لم يسكت عن حكمه في الآية ، بل مقتضى الحصر بالنفي والإثبات في قوله : { لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً } [ الأنعام : 145 ] الآية - صريح في إباحة الحمر الأهلية وما ذكر معها . فكون زيادة تحريمها نسخاً أمر ظاهر .
وقسم لا تكون الزيادة فيه مخالفة للنص: بل زيادة شيء سكت عنه النص الأول ، وهذا لا يكون نسخاً ، بل بيان حكم شيء كان مسكوتاً عنه . كتغريب الزاني البكر ، وكالحكم بالشاهد ، واليمين في الأموال . فإن القرآن في الأول أوجب الجلد وسكت عما سواه ، فزاد النَّبي حكماً كان مسكوتاً عنهن وهو التغريب . كما أن القرآن في الثاني فيه { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان } [ البقرة : 282 ] الآية . وسكت عن حكم الشاهد واليمين ، فزاد النَّبي صلى الله عليه وسلم حكماً مسكوتاً عنه .
وإلى هذا أشار في مراقي السعود بقوله:
وليس نسخاً كل ما أفاد ... فيما رسا بالنص إلا ازديادا"
1- وحين ذكر ترك أبي حنيفة العمل بحديث الشاهد واليمين وحديث تغريب الزاني البكر في ضمن كلامه عن موقفه من الأئمة في مسائل {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} من سورة محمد وبين عذره في ذلك ثم تعقبه قائلا:
" لأنه ترك العمل بذلك ونحوه احتراماً للنصوص القرآنية في ظنه .
لأنه يعتقد أن الزيادة على النص نسخ وأن القضاء بالشاهد واليمين نسخ . لقوله تعالى: { واستشهدوا شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء } [ البقرة : 282 ] .
فاحترم النص القرآني المتواتر ، فلم يرض نسخه بخبر آحاد سنده دون سنده .
لأن نسخ المتواتر بالآحاد عنده ، رفع للأقوى بالأضعف ، وذلك لا يصح .
وكذلك حديث تغريب الزاني البكر فهو عنده زيادة ناسخة لقوله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين } [ النور : 2 ] والمتواتر لا ينسخ بالآحاد .
فتركه العمل بهذا النوع من الأحاديث بناه على مقدمتين :
أحداهما : أن الزيادة على النص نسخ .
والثانية : أن المتواتر لا ينسخ بالآحاد .
وخالفه في المقدمة الأولى جمهور العلماء .
ووافقوه في الثانية .
والذي يظهر لنا ونعتقده اعتقاداً جازماً أن كلتا المقدمتين ليست بصحيحة .
أما الزيادة فيجب فيها التفصيل .
فإن كانت أثبتت حكماً نفاه النص أو نفت حكماً أثبته النص فهي نسخ .
وإن كانت لم تتعرض للنص بنفي ولا إثبات بل زادت شيئاً سكت عنه النص فلا يمكن أن تكون نسخاً لأنها إنما رفعت الإباحة العقلية التي هي البراءة الأصلية .
ورفعها ليس نسخاً إجماعاً ."
قال السديس:
ثم بين عدم صحة المقدمة الثانية التي هي المتواتر لا ينسخ الآحاد وسبق الكلام عنها في المبحث الثالث.
2- ومن الأمثلة التي توضح موقفه من الزيادة على النص قوله عند الكلام على قوله تعالى: {وأذن في الناس بالحج...}الآية ما نصه:
" وإذا علمت مما ذكرنا أن جماهير العلماء منهم الأئمة الثلاثة قالوا : باشتراط الطهارة وتسر العورة للطواف ، وأن أبا حنيفة خالف الجمهور في هذه المسألة ، فلم يشترط الطهارة ، ولا ستر العورة للطواف .
فاعلم أن حجته في ذلك هي قاعدة مقررة في أصوله ترك من أجلها العمل بأحاديث صحيحة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتلك القاعدة التي ترك من أجلها العمل ببعض الأحاديث الصحيحة ، متركبة من مقدمتين :
إحداهما : أن الزيادة على النص نسخ .
والثانية : أن الأخبار المتواترة لا تنسخ بأخبار الآحاد ، فقال في المسألة التي نحن بصددها : قال الله تعالى في كتابه { وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق } [ الحج : 29 ] وهو نص متواتر ، فلو زدنا على الطواف اشتراط الطهارة ، والستر ، فإن هذه الزيادة نسخ ، وأخبارها أبخار آحاد فلا تنسخ المتواتر الذي هو الآية ، ولأجل هذا لم يقل بتغريب الزاني البكر ، لأن الأحاديث الصحيحة الدالة عليه عنده أخبار آحاد ، وزيادة التغريب على قوله { الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا } [ النور : 2 ] الآية نسخ له ، وهو متواتر ، فلا ينسخ بأخبار الآحاد . ولأجل ذلك أيضاً لم يقل بثبوت المال بالشاهد واليمين ، لأنه يرى ذلك زيادة على قوله تعالى { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشهدآء } [ البقرة : 282 ] الآية والزيادة نسخ ، والمتواتر لا ينسخ بالآحاد ا ه والتحقيق في مسألة الزيادة على النص هو التفصيل . فإن كانت الزيادة أثبتت شيئاً نفاه المتواتر ، أو نفت شيئاً أثبته ، فهي نسخ له ، وإن كان الزيادة زيد فيها شيء ، لم يتعرض له النص المتواتر ، فهي زيادة شيء مسكوت عنه لم ترفع حكماً شرعياً ، وإنما رفعت البراءة الأصلية التي هي الإباحة العقلية ، ورفعها ليس بنسخ .
مثال الزيادة التي هي نسخ على التحقيق :
زيادة تحريم الخمر بالقرآن ، وتحريم الحمر الأهلية بالنسبة الصحيحة ، على قوله تعالى {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ } [ الأنعام : 145 ] فإن هذه الآية الكريمة لم تسكت عن إباحة الخمر والحمر الأهلية وقت نزولها ، بل صرحت بإباحتهما بمقتضى الحصر الصريح بالنفي في { لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ } والإثبات في قوله { إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً } الآية .
فتحريم شيء زائد على الأربعة المذكورة في الآية زيادة ناسخة ، لأنها أثبتت تحريماً دلت الآية على نفيه .
ومثال الزيادة التي لم يتعرض لها النص بنفي ولا إثبات :
زيادة تغريب الزاني البكر عاماً بالسنة الصحيحة على آية الجلد ، وزيادة الحكم بالشاهد واليمين . على آية { فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان } [ البقرة : 282 ] الآية وزيادة الطهارة ، والستر التي بينا أدلتها على آية { وَلْيَطَّوَّفُواْ بالبيت العتيق } [ الحج : 29 ] "([1])
قال السديس:
هذا هو موقف الشيخ رحمه الله تعالى من الزيادة على النص وهو عند النظر الدقيق غاية في التحقيق والوضوح والسلام من الاعتراضات التي يوجهها بعض الأصوليين.
وقد أشبع المسألة بحثا ومناقشة العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم (أعلام الموقعين) في ثلاث وعشرين صفحة ورد على الأحناف من اثنين وخمسين وجها وصدر البحث بفرض مناظرة ذكر فيها مذهب الأحناف في الزيادة على النص قائلا :
"فإن قيل : السنن الزائدة على ما دل عليه القرآن تارة تكون بيانا له ، وتارة تكون منشئة لحكم لم يتعرض القرآن له ، وتارة تكون مغيرة لحكمه ، وليس نزاعنا في القسمين الأولين فإنهما حجة باتفاق ، ولكن النزاع في القسم الثالث وهو الذي ترجمته بمسألة الزيادة على النص...."([2])
ثم سرد ابن القيم على لسان المناظر تفصيل مذهب الأحناف منسوبا إلى أئمتهم ثم أجاب عنه باثنين وخمسين وجها وإن كان بعضها كالتكرار لما قبله أو تمثيلا له أو توضيحا له وهو مبحث نفيس من ما كتب في هذه المسألة فيما وقفت عليه
والمسألة بحثها الأصوليون وأطالوا فيها الاستدلال والاعتراض والنقاش وقد سبقت الإشارة إلى مواضع ذلك في بعض كتب الأصول
وقد عرَّض إمام الحرمين الجويني بالأحناف: حيث عملوا بما خالف رسم المصحف مما نقله الآحاد وردوا زيادة الثقة على نصوص القرآن قائلا:
"ولا يكاد يخفى على ذي بصيرة أن العمل بزيادة في القرآن بنقل الآحاد يناقض رد ما ينفرد به بعض الثقات من الزيادة في الأخبار التي لا تقتضي العادة نقلها متواترا"([3])

والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ

([1]) أضواء البيان

([2]) أعلام الموقعين

([3]) البرهان للجويني 1/667




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.74 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]