عرض مشاركة واحدة
  #520  
قديم 23-06-2024, 07:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,201
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثامن

سُورَةُ الْجُمُعَةِ
الحلقة (520)
صــ 265 إلى صــ 279








أحدها: أنه المشي، قاله ابن عباس . وكان ابن مسعود يقرؤها "فامضوا" ويقول: لو قرأتها "فاسعوا" لسعيت حتى يسقط ردائي . وقال عطاء: هو الذهاب والمشي إلى الصلاة . [ ص: 265 ] والثاني: أن المراد بالسعي: العمل، قاله عكرمة، والقرظي، والضحاك، فيكون المعنى: فاعملوا على المضي إلى ذكر الله بالتفرغ له، والاشتغال بالطهارة ونحوها .

والثالث: أنه النية بالقلب، قاله الحسن . وقال ابن قتيبة: هو المبادرة بالنية والجد .

وفي المراد بـ (ذكر الله ) قولان .

أحدهما: أنه الصلاة، قاله الأكثرون . والثاني: موعظة الإمام، قاله سعيد بن المسيب .

قوله تعالى: وذروا البيع أي: دعوا التجارة في ذلك الوقت . وعندنا: أنه لا يجوز البيع في وقت النداء، ويقع البيع باطلا في حق من يلزمه فرض [ ص: 266 ] الجمعة، وبه قال مالك خلافا للأكثرين .

فصل

تجب الجمعة على من سمع النداء من المصر، إذا كان المؤذن صيتا، والريح ساكنة . وقد حده مالك بفرسخ، ولم يحده الشافعي . وعن أحمد في التحديد نحوهما . وتجب الجمعة على أهل القرى . وقال أبو حنيفة: لا تجب إلا على أهل الأمصار . ويجوز لأهل المصر أن يقيموا الجمعة في الصحراء القريبة من المصر خلافا للشافعي . ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين . وعن أحمد: أقله خمسون . وعنه: أقله ثلاثة . وقال أبو حنيفة: تنعقد بثلاثة والإمام، والعدد شرط في [ ص: 267 ] الجمعة ، وقال أبو حنيفة في إحدى الروايتين: يصح أن يخطب منفردا . وهل تجب الجمعة على العبيد؟ فيه عن أحمد روايتان . وعندنا: تجب على الأعمى إذا وجد قائدا، خلافا لأبي حنيفة . ولا تنعقد الجمعة بالعبيد والمسافرين، خلافا لأبي حنيفة . وهل تجب الجمعة والعيدان من غير إذن سلطان؟ فيه عن أحمد روايتان . وتجوز الجمعة في موضعين في البلد مع الحاجة . وقال مالك، والشافعي، وأبو يوسف: لا تجوز إلا في موضع واحد . وتجوز إقامة الجمعة قبل الزوال خلافا لأكثرهم، وإذا وقع العيد يوم الجمعة أجزأ حضوره عن يوم الجمعة، وبه قال الشعبي، والنخعي، خلافا للأكثرين . والمستحب لأهل الأعذار أن يصلوا الظهر في جماعة . وقال أبو حنيفة: يكره . ولا يجوز السفر يوم الجمعة بعد الزوال . وقال أبو حنيفة: يجوز . وهل يجوز السفر بعد طلوع الفجر؟ فيه عن أحمد روايتان . ونقل عن أحمد: أنه لا يجوز الخروج في الجمعة إلا للجهاد . وقال أبو حنيفة: يجوز لكل سفر . وقال الشافعي لا يجوز أصلا .

والخطبة شرط في الجمعة . وقال داود: هي مستحبة . والطهارة لا تشترط في الخطبة، خلافا للشافعي في أحد قوليه . والقيام ليس بشرط في الخطبة، خلافا للشافعي . ولا تجب القعدة بين الخطبتين، خلافا له أيضا .

[ ص: 268 ] ومن شرط الخطبة: التحميد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة آية، والموعظة . وقال أبو حنيفة: يجوز أن يخطب بتسبيحة .

والخطبتان واجبتان . وأما القراءة في الخطبة الثانية، فهي شرط، خلافا للشافعي .

والسنة للإمام إذا صعد المنبر، واستقبل الناس: أن يسلم، خلافا لأبي حنيفة، ومالك . وهل يحرم الكلام في حال سماع الخطبة؟ فيه عن أحمد روايتان . ويحرم على المستمع دون الخاطب، خلافا للأكثرين . ولا يكره الكلام قبل الابتداء بالخطبة، وبعد الفراغ منها، خلافا لأبي حنيفة .

ويستحب له أن يصلي تحية المسجد والإمام يخطب، خلافا لأبي حنيفة، ومالك .

وهل يجوز أن يخطب واحد، ويصلي آخر، فيه عن أحمد روايتان .

قوله تعالى: ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون أي: إن كان لكم علم بالأصلح فإذا قضيت الصلاة أي: فرغتم منها فانتشروا في الأرض هذا أمر إباحة وابتغوا من فضل الله إباحة لطلب الرزق بالتجارة بعد المنع منها بقوله تعالى: وذروا البيع وقال الحسن، وابن جبير: هو طلب العلم .

[ ص: 269 ] وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين

قوله تعالى: وإذا رأوا تجارة سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة، إذ أقبلت عير قد قدمت، فخرجوا إليها حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا، فنزلت هذه الآية، أخرجه البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث جابر بن عبد الله، قاله الحسن: وذلك أنهم أصابهم جوع، وغلاء سعر، فلما سمعوا بها خرجوا إليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو اتبع آخرهم أولهم التهب عليهم الوادي نارا" . قال المفسرون: كان الذي قدم بالتجارة دحية بن خليفة الكلبي، قال مقاتل: وذلك قبل أن يسلم . قالوا: قدم بها من الشام، وضرب لها طبل يؤذن الناس بقدومها . وهذه كانت عادتهم إذا قدمت عير . قال جابر بن عبد الله: كانت التجارة طعاما . وقال أبو مالك: كانت زيتا . والمراد باللهو: ضرب الطبل . و"انفضوا" بمعنى: تفرقوا عنك، فذهبوا إليها . والضمير للتجارة . وإنما خصت برد الضمير إليها، لأنها كانت أهم إليهم، هذا قول الفراء، والمبرد . وقال الزجاج: المعنى: وإذا رأوا [ ص: 270 ] تجارة انفضوا إليها، أو لهوا انفضوا إليه، فحذف خبر أحدهما، لأن الخبر الثاني يدل على الخبر المحذوف . وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة "انفضوا إليهما" على التثنية . وعن ابن مسعود، وابن أبي عبلة "انفضوا إليه" على ضمير مذكر وتركوك قائما وهذا القيام كان في الخطبة قل ما عند الله من ثواب الصلاة والثبات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين لأنه يرزق من يؤمن به ويعبده، ومن يكفر به ويجحده، فهو يعطي من سأل، ويبتدئ من لا يسأل، وغيره إنما يرزق من يرجو منفعته، ويقبل على خدمته .

سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ

وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ

وذكر أهل التفسير أنها نزلت في عبد الله بن أبي ونظرائه . وكان السبب أن عبد الله خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في خلق كثير من المنافقين إلى المريسيع، وهو ماء لبني المصطلق طلبا للغنيمة، لا للرغبة في الجهاد، لأن السفر قريب . فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوه، أقبل رجل من جهينة، يقال له: سنان، وهو حليف لعبد الله بن أبي، ورجل من بني غفار يقال له: جهجاه بن سعيد، وهو أجير لعمر بن الخطاب لاستقاء الماء، فدار بينهما كلام، فرفع الغفاري يده فلطم الجهني، فأدماه، فنادى الجهني: يا آل الخزرج، فأقبلوا، ونادى الغفاري: يا آل قريش ، فأقبلوا، فأصلح الأمر قوم من المهاجرين . فبلغ الخبر عبد الله ابن أبي ، فقال وعنده جماعة من المنافقين: والله ما مثلكم ومثل هؤلاء الرهط من قريش إلا مثل ما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، ولكن هذا فعلكم بأنفسكم، آويتموهم في منازلكم، وأنفقتم عليهم أموالكم، فقووا وضعفتم . وايم الله: لو أمسكتم أيديكم لتفرقت عن هذا جموعه، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وكان في القوم زيد بن أرقم، وهو غلام يومئذ لا يؤبه له، فقال لعبد الله: أنت والله الذليل القليل، فقال: إنما كنت ألعب، فأقبل زيد بالخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دعني أضرب عنقه . فقال: إذن ترعد له آنف كبيرة، قال: فإن كرهت أن يقتله رجل من المهاجرين، فمر سعد بن عبادة، أو محمد بن مسلمة، أو عباد بن بشر فليقتله، فقال: إذن يتحدث [ ص: 272 ] الناس أن محمدا يقتل أصحابه، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبي ، فأتاه، فقال: أنت صاحب هذا الكلام؟ فقال: والذي أنزل عليك ما قلت شيئا من هذا، وإن زيدا لكذاب، فقال من حضر: لا يصدق عليه كلام غلام، عسى أن يكون قد وهم، فعذره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفشت الملامة من الأنصار لزيد، وكذبوه، وقال له عمه: ما أردت إلا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، ومقتوك! فاستحيا زيد، وجلس في بيته . فبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي ، لما بلغك عنه . فإن كنت فاعلا فمرني، فأنا أحمل إليك رأسه، فإني أخشى أن يقتله غيري، فلا تدعني نفسي حتى أقتل قاتله، فأدخل النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل تحسن صحبته ما بقي معنا" وأنزل الله سورة [المنافقين] في تصديق زيد، وتكذيب عبد الله، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليه، فقال: إن الله قد صدقك . ولما أراد عبد الله بن أبي أن يدخل المدينة جاء ابنه، فقال: ما وراءك، قال: مالك ويلك؟ قال: والله لا تدخلها أبدا إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلم اليوم من الأعز، ومن الأذل، فشكا عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل عنه حتى يدخل، فلما نزلت السورة وبان كذبه قيل له: يا أبا حباب: إنه قد نزلت فيك آيات شداد، فاذهب إلى رسول الله ليستغفر لك، فلوى به رأسه، فذلك قوله تعالى: لووا رءوسهم وقيل: الذي قال له هذا [ ص: 273 ] عبادة بن الصامت .

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون [ ص: 274 ] قوله تعالى: إذا جاءك المنافقون يعني: عبد الله بن أبي وأصحابه قالوا نشهد إنك لرسول الله وها هنا تم الخبر عنهم . ثم ابتدأ فقال تعالى: والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون وإنما جعلهم كاذبين، لأنهم أضمروا غير ما أظهروا . قال الفراء: إنما كذب ضميرهم . اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله قد ذكرناه في [المجادلة: 16] . قال القاضي أبو يعلى: وهذه الآية تدل على أن قول القائل: "أشهد" يمين، لأنهم قالوا: "نشهد" فجعله يمينا بقوله تعالى: اتخذوا أيمانهم جنة وقد قال أحمد، والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة: أشهد، وأقسم، وأعزم، وأحلف، كلها أيمان . وقال الشافعي: "أقسم" ليس بيمين . وإنما قوله: ( أقسم بالله) يمين إذا أراد اليمين .

قوله تعالى: ذلك أي: ذلك الكذب بأنهم آمنوا باللسان ثم كفروا في السر فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون الإيمان والقرآن وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم يعني: أن لهم أجساما ومناظر . قال ابن عباس: كان [ ص: 275 ] عبد الله بن أبي جسيما فصيحا، ذلق اللسان، فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله . وقال غيره: المعنى: تصغي إلى قولهم، فتحسب أنه حق كأنهم خشب قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: وحمزة: ( خشب ) بضم الخاء، والشين جميعا، وهو جمع خشبة . مثل ثمرة، وثمر . وقرأ الكسائي: بضم الخاء، وتسكين الشين، مثل: بدنة، وبدن، وأكمة، وأكم . وعن ابن كثير، وأبي عمرو، مثله . وقرأ أبو بكر الصديق، وعروة، وابن سيرين: "خشب" بفتح الخاء، والشين جميعا . وقرأ أبو نهيك، وأبو المتوكل ، وأبو عمران بفتح الخاء، وتسكين الشين، فوصفهم الله بحسن الصورة، وإبانة المنطق، ثم أعلم أنهم في ترك التفهم والاستبصار بمنزلة الخشب . والمسندة: الممالة إلى الجدار . والمراد: أنها ليست بأشجار تثمر وتنمي، بل خشب مسندة إلى حائط . ثم عابهم بالجبن فقال تعالى: يحسبون كل صيحة عليهم أي: لا يسمعون صوتا إلا ظنوا أنهم قد أتوا لما في قلوبهم من الرعب أن يكشف الله أسرارهم، وهذه مبالغة في الجبن . وأنشدوا في هذا المعنى:


ولو أنها عصفورة لحسبتها مسومة تدعو عبيدا وأزنما


أي: لو طارت عصفورة لحسبتها من جبنك خيلا تدعو هاتين القبيلتين

قوله تعالى هم العدو فاحذرهم أي: لا تأمنهم على سرك، لأنهم [ ص: 276 ] عيون لأعدائك من الكفار قاتلهم الله أنى يؤفكون مفسر في [براءة: 30]

وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون

قوله تعالى: وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله قد بينا سببه في نزول السورة لووا رءوسهم وقرأ نافع، والمفضل عن عاصم، ويعقوب: "لووا" بالتخفيف . واختار أبو عبيدة التشديد . وقال: لأنهم فعلوا ذلك مرة بعد مرة . قال مجاهد: لما قيل لعبد الله بن أبي: تعال يستغفر لك رسول الله لوى رأسه، قال: ماذا قلت؟ وقال مقاتل: عطفوا رؤوسهم رغبة عن الاستغفار . وقال الفراء: حركوها استهزاء بالنبي وبدعائه .

قوله تعالى: ورأيتهم يصدون أي: يعرضون عن الاستغفار . وهم مستكبرون أي: متكبرون عن ذلك . ثم ذكر أن استغفاره لهم لا ينفعهم بقوله تعالى: سواء عليهم أستغفرت لهم وقرأ أبو جعفر : ( آستغفرت ) بالمد .

قوله تعالى: هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله قد بينا أنه قول ابن أبي . و ينفضوا بمعنى: يتفرقوا . ولله خزائن السماوات والأرض قال المفسرون: خزائن السموات: المطر، وخزائن الأرض: النبات . والمعنى: أنه هو الرزاق لهؤلاء المهاجرين، لا أولئك، ولكن المنافقين [ ص: 277 ] لا يفقهون أي: لا يعلمون أن الله رازقهم في حال إنفاق هؤلاء عليهم يقولون لئن رجعنا من هذه الغزوة . وقد تقدم ذكرها وهذا قول ابن أبي ليخرجن الأعز يعني: نفسه، وعنى بـ الأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقرأ الحسن: ( لنخرجن ) بالنون مضمومة وكسر الراء، ( الأعز ) بنصب الزاي [والأذل منصوب] على الحال [بناء على جواز تعريف الحال، أو زيادة "أل" فيه، أو بتقدير "مثل"] . المعنى: لنخرجنه ذليلا على أي حال ذل . والكل نصبوا "الأذل" فرد الله عز وجل عليه فقال: ولله العزة وهي: المنعة والقوة ولرسوله وللمؤمنين بإعزاز الله ونصره إياهم ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك .

يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون

قوله تعالى: لا تلهكم أي: لا تشغلكم . وفي المراد بذكر الله ها هنا أربعة أقوال .

أحدها: طاعة الله في الجهاد، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

والثاني: الصلاة المكتوبة، قاله عطاء، ومقاتل .

والثالث: الفرائض من الصلاة، وغيرها، قاله الضحاك .

والرابع: أنه على إطلاقه . قال الزجاج: حضهم بهذا على إدامة الذكر .

قوله تعالى: وأنفقوا من ما رزقناكم في هذه النفقة ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه زكاة الأموال، قاله ابن عباس .

والثاني: أنها النفقة في الحقوق الواجبة بالمال، كالزكاة والحج، ونحو ذلك، وهذا المعنى مروي عن الضحاك . [ ص: 278 ] والثالث: أنه صدقة التطوع، ذكره الماوردي . فعلى هذا يكون الأمر ندبا، وعلى ما قبله يكون أمر وجوب .

قوله تعالى: من قبل أن يأتي أحدكم الموت قال الزجاج: أي: من قبل أن يعاين ما يعلم منه أنه ميت .

قوله تعالى: لولا أخرتني أي: هلا أخرتني إلى أجل قريب يعني بذلك الاستزادة في أجله ليتصدق ويزكي، وهو قوله تعالى: فأصدق قال أبو عبيدة: فأصدق نصب، لأن كل جواب بالفاء للاستفهام منصوب .

تقول: من عندك فآتيك . هلا فعلت كذا، فأفعل كذا، ثم تبعتها وأكن من الصالحين بغير واو . وقال أبو عمرو: إنما هي، وأكون، فذهبت الواو من الخط . كما يكتب أبو جاد أبجد هجاء، وهكذا يقرؤها أبو عمرو "وأكون" بالواو، ونصب النون . والباقون يقرؤون "وأكن" بغير واو . قال الزجاج: من قرأ "وأكون" فهو على لفظ فأصدق . ومن جزم "أكن" فهو على موضع "فأصدق" لأن المعنى: إن أخرتني أصدق وأكن . وروى أبو صالح عن ابن عباس "فأصدق" أي: أزكي مالي وأكن من الصالحين أي: أحج مع المؤمنين، وقال في قوله تعالى: والله خبير بما تعملون والمعنى: بما تعملون من التكذيب بالصدقة . قال مقاتل: يعني: المنافقين . وروى الضحاك عن ابن عباس، ما من أحد يموت، وقد كان له مال لم يزكه، وأطاق الحج فلم يحج، إلا سأل الله الرجعة عند الموت، فقالوا له: إنما يسأل الرجعة الكفار، فقال: أنا أتلو عليكم به قرآنا، ثم قرأ هذه الآية .

سُورَةُ التَّغَابُنِ

وَفِيهَا قَوْلَانِ .

أحدهما: أنها مدنية، قاله الجمهور، منهم ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة .

والثاني: أنها مكية، قاله الضحاك . وقال عطاء بن يسار: هي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلن بالمدينة قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم واللتان بعدها .

بسم الله الرحمن الرحيم

يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد

وقد سبق تفسير فاتحتها إلى قوله تعالى: فمنكم كافر ومنكم مؤمن وفيه قولان .

أحدهما: أن الله خلق بني آدم مؤمنا وكافرا، رواه الوالبي عن ابن عباس .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-06-2024 الساعة 11:48 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.14 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]