عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 23-06-2024, 06:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,662
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثامن

سُورَةُ المجادلة
الحلقة (514)
صــ 176 إلى صــ 189






ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون

قوله تعالى: وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب يعني: الكتب "فمنهم" يعني: من الذرية مهتد وكثير منهم فاسقون فيه قولان .

أحدهما: كافرون، قاله ابن عباس . والثاني عاصون قاله مقاتل .

قوله تعالى: ثم قفينا على آثارهم أي: أتبعنا على آثار نوح، وإبراهيم، وذريتهما "بعيسى" وكان آخر أنبياء بني إسرائيل، وجعلنا في قلوب الذين [ ص: 176 ] اتبعوه يعني: الحواريين وغيرهم من أتباعه على دينه "رأفة" وقد سبق بيانها [النور: 2] متوادين، كما وصف الله تعالى أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، فقال تعالى: رحماء بينهم [الفتح: 29] .

قوله تعالى: ورهبانية ابتدعوها ليس هذا معطوفا على ما قبله، وإنما انتصب بفعل مضمر، يدل عليه ما بعده، تقديره: وابتدعوا رهبانية ابتدعوها، أي: جاؤوا بها من قبل أنفسهم، وهي غلوهم في العبادة، وحمل المشاق على أنفسهم في الامتناع عن المطعم والمشرب والملبس والنكاح ، والتعبد في الجبال ما كتبناها عليهم أي: ما فرضناها عليهم . وفي قوله تعالى: إلا ابتغاء رضوان الله قولان .

أحدهما: أنه يرجع إلى قوله تعالى ابتدعوها وتقديره: ما كتبناها عليهم إلا أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، ذكره علي بن عيسى، والرماني عن قتادة، وزيد بن أسلم .

والثاني: أنه راجع إلى قوله تعالى: ما كتبناها ثم في معنى الكلام قولان أحدهما: ما كتبناها عليهم بعد دخولهم فيها تطوعا إلا ابتغاء رضوان الله . قال الحسن: تطوعوا بابتداعها ثم كتبها الله عليهم . وقال الزجاج: لما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع لزمهم إتمامه، كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفترض عليه، لزمه أن يتمه . قال القاضي أبو يعلى: والابتداع قد يكون بالقول، [ ص: 177 ] وهو ما ينذره ويوجبه على نفسه، وقد يكون بالفعل بالدخول فيه . وعموم الآية تتضمن الأمرين، فاقتضى ذلك أن كل من ابتدع قربة، قولا، أو فعلا، فعليه رعايتها وإتمامها . والثاني: أن المعنى: ما أمرناهم منها إلا بما يرضي الله عز وجل، لا غير ذلك، قاله ابن قتيبة .

قوله تعالى: فما رعوها حق رعايتها في المشار إليهم قولان .

أحدهما: أنهم الذين ابتدعوا الرهبانية، قاله الجمهور . ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال . أحدها: أنهم ما رعوها لتبديل دينهم وتغييرهم له، قاله عطية العوفي . والثاني: لتقصيرهم فيما ألزموه أنفسهم . والثالث: لكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث، ذكر القولين الزجاج .

والثاني: أنهم الذين اتبعوا مبتدعي الرهبانية في رهبانيتهم، ما رعوها بسلوك طريق أوليهم، روى هذا المعنى سعيد بن جبير عن ابن عباس .

قوله تعالى: فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم فيهم ثلاثة أقوال .

أحدها: الذين آمنوا بمحمد وكثير منهم فاسقون وهم الذين لم يؤمنوا به .

والثاني: أن الذين آمنوا: المؤمنون بعيسى، والفاسقون: المشركون .

والثالث: أن الذين آمنوا: مبتدعو الرهبانية، والفاسقون: متبعوهم على غير القانون الصحيح .

[ ص: 178 ] يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله عامة المفسرين على أن هذا الخطاب لليهود والنصارى . والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله، وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم "يؤتكم كفلين" أي: نصيبين، وحظين "من رحمته" قال الزجاج: الكفل: كساء يمنع الراكب أن يسقط، فالمعنى: يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي . وقد بينا معنى "الكفل" في سورة [النساء: 85] وفي المراد بالكفلين ها هنا قولان .

أحدهما: لإيمانهم بمن تقدم من الأنبياء، والآخر لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس .

والثاني: أن أحدهما: أجر الدنيا، والثاني: أجر الآخرة، قاله ابن زيد .

قوله تعالى: ويجعل لكم نورا فيه أربعة أقوال . [ ص: 179 ] أحدها: القرآن، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثاني: نورا تمشون به على الصراط . رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث: الهدى، قاله مجاهد . والرابع: الإيمان، قاله ابن السائب .

قوله تعالى: لئلا يعلم "لا" زائدة . قاله الفراء: والعرب تجعل "لا" صلة في كل كلام دخل في آخره أو أوله جحد . فهذا مما جعل في آخره جحد . والمعنى: ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد ألا يقدرون أي: أنهم لا يقدرون "على شيء من فضل الله" والمعنى: أنه جعل الأجرين لمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ليعلم من لم يؤمن به أنه لا أجر لهم ولا نصيب في فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فآتاه المؤمنين . هذا تلخيص قول الجمهور في هاتين الآيتين وقد ذهب قوم إلى أنه لما نزل في مسلمة أهل الكتاب الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون إلى قوله تعالى: أولئك يؤتون أجرهم مرتين [القصص: 52 -54] افتخروا على المسلمين بزيادة الأجر، فشق ذلك على المسلمين، فنزلت هاتان الآيتان، وهذا المعنى في رواية أبي صالح عن ابن عباس، وبه قال مقاتل . فعلى هذا يكون الخطاب للمسلمين، ويكون المعنى: يؤتكم أجرين ليعلم مؤمنو أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله الذي خصكم، فإنه فضلكم على جميع الخلائق . وقال قتادة: لما نزل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله . . . الآية . حسد أهل الكتاب المسلمين عليها، فأنزل الله تعالى: لئلا يعلم أهل الكتاب الآية .

سورة المجادلة

وهي مدنية في قول ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، والجمهور . وروي عن عطاء أنه قال: العشر الأول منها مدني، والباقي مكي . وعن ابن السائب: أنها مدنية سوى آية، وهي قوله تعالى: ما يكون من نجوى ثلاثة

بسم الله الرحمن الرحيم

قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير

قوله تعالى: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها أما سبب نزولها، فروي عن عائشة أنها قالت: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في جانب البيت أسمع كلامها، ويخفى علي بعضه، وهي تشتكي زوجها وتقول: يا رسول الله: أبلى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات . [ ص: 181 ] فأما تفسيرها، فقوله تعالى: قد سمع الله قال الزجاج: إدغام الدال في السين حسن لقرب المخرجين، لأنهما من حروف طرف اللسان، وإظهار الدال جائز، لأنه وإن قرب من مخرج السين، فله حيز على حدة، ومن موضع الدال الطاء والتاء، فهذه الأحرف الثلاثة موضعها واحد، والسين والزاي والصاد من موضع واحد، وهي تسمى: حروف الصفير . وفي اسم هذه المجادلة ونسبتها أربعة أقوال .

أحدها: خولة بنت ثعلبة، رواه مجاهد، عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، وقتادة، والقرظي .

والثاني: خولة بنت خويلد، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثالث: خولة بنت الصامت، رواه العوفي عن ابن عباس .

والرابع: خولة بنت الدليج، قاله أبو العالية . واسم زوجها: أوس بن الصامت، وكانا من الأنصار .

قال ابن عباس: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية: أنت علي كظهر أمي، حرمت عليه، فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس، ثم ندم، وقال لامرأته: انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه، فأتته، فنزلت هذه الآيات . فأما مجادلتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان كلما قال لها: قد حرمت عليه تقول: والله ما ذكر طلاقا، فقال: ما أوحي إلي في هذا شيء، فجعلت تشتكي إلى الله . وتشتكي بمعنى: تشكو . يقال: اشتكيت ما بي، وشكوته . وقالت: إن لي [ ص: 182 ] صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا . فأما التحاور، فهو مراجعة الكلام . قال عنترة في فرسه:


لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ولكان لو علم الكلام مكلمي

الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم

قوله تعالى: الذين يظاهرون منكم من نسائهم قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو "يظهرون" بفتح الياء، وتشديد الظاء والهاء وفتحهما من غير ألف . وقرأ أبو جعفر ، وابن عامر، وحمزة، والكسائي بفتح الياء، وتشديد الظاء، وبألف، وتخفيف الهاء . وقرأ عاصم "يظاهرون" بضم الياء، وتخفيف الظاء والهاء، وكسر الهاء في الموضعين مع إثبات الألف . وقرأ ابن مسعود "يتظاهرون" بياء، وتاء، وألف . وقرأ أبي بن كعب "يتظهرون" بياء، وتاء، وتخفيف الياء، وتشديد الهاء من غير ألف . وقرأ الحسن، وقتادة، والضحاك "يظهرون" بفتح الياء، وفتح الظاء، مخففة، مكسورة الهاء مشددة . والمعنى: تقولون لهن: أنتن كظهور أمهاتنا ما هن أمهاتهم قرأ الأكثرون بكسر التاء . وروى المفضل عن عاصم رفعها . والمعنى: ما اللواتي تجعلن كالأمهات بأمهات لهم إن أمهاتهم [ ص: 183 ] أي: ما أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم قال الفراء: وانتصاب "الأمهات" ها هنا بإلقاء الباء، وهي قراءة عبد الله "ما هن بأمهاتهم"، ومثله: ما هذا بشرا [يوسف: 31]، المعنى: ما هذا ببشر، فلما ألقيت الباء أبقي أثرها، وهو: النصب، وعلى هذا كلام أهل الحجاز . فأما أهل نجد، فإنهم إذا ألقوا الباء رفعوا، وقالوا: "ما هن أمهاتهم" و"ما هذا بشر" أنشدني بعض العرب:



ركاب حسيل آخر الصيف بدن وناقة عمرو ما يحل لها رحل

ويزعم حسل أنه فرع قومه
وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل


قوله تعالى: وإنهم يعني: المظاهرين ليقولون منكرا من القول لتشبيههم الزوجات بالأمهات، والأمهات محرمات على التأبيد، بخلاف الزوجات . وزورا أي: كذبا وإن الله لعفو غفور إذ شرع الكفارة لذلك .

قوله تعالى: ثم يعودون لما قالوا اللام في "لما" بمعنى "إلى" والمعنى: ثم يعودون إلى تحليل ما حرموا على أنفسهم من وطء الزوجة بالعزم على الوطء . قال الفراء: معنى الآية: يرجعون عما قالوا، وفي نقض ما قالوا . وقال سعيد بن جبير : المعنى: يريدون أن يعودوا إلى الجماع الذي قد حرموه على [ ص: 184 ] أنفسهم . وقال الحسن، وطاووس، والزهري: العود: هو الوطء . وهذا يرجع إلى ما قلناه . وقال الشافعي: هو أن يمسكها بعد الظهار مدة يمكنه طلاقها فيه فلا يطلقها . فإذا وجد هذا، استقرت عليه الكفارة، لأنه قصد بالظهار تحريمها، فإن وصل ذلك بالطلاق فقد جرى على ما ابتدأه، وإن سكت عن الطلاق، فقد ندم على ما ابتدأ به، فهو عود إلى ما كان عليه، فحينئذ تجب الكفارة . وقال داود: هو إعادة اللفظ ثانيا، لأن ظاهر قوله تعالى: " يعودون " يدل على تكرير اللفظ . قال الزجاج: وهذا قول من لا يدري اللغة . وقال أبو علي الفارسي: ليس في هذا كما ادعوا، لأن العود قد يكون إلى شيء لم يكن الإنسان عليه قبل، وسميت الآخرة معادا، ولم يكن فيها أحد ثم عاد إليها قال الهذلي:


وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل سوى الحق شيئا واستراح العواذل


وقد شرحنا هذا في قوله تعالى: وإلى الله ترجع الأمور [البقرة: 210] قال ابن قتيبة: من توهم أن الظهار لا يقع حتى يلفظ به ثانية، فليس بشيء، لأن الناس قد أجمعوا أن الظهار يقع بلفظ واحد . وإنما تأويل الآية: أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بالظهار، فجعل الله حكم الظهار في الإسلام خلاف حكمه عندهم في [ ص: 185 ] الجاهلية، وأنزل قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم يريد في الجاهلية ثم يعودون لما قالوا في الإسلام، أي: يعودون لما كانوا يقولونه من هذا الكلام، فتحرير رقبة قال المفسرون: المعنى: فعليهم، أو فكفارتهم تحرير رقبة، أي: عتقها . وهل يشترط أن تكون مؤمنة؟ فيه عن أحمد روايتان .

قوله تعالى: من قبل أن يتماسا وهو كناية عن الجماع على أن العلماء قد اختلفوا: هل يباح للمظاهر الاستمتاع باللمس والقبلة؟ وعن أحمد روايتان . وقال أبو الحسن الأخفش: تقدير الآية " والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا ثم يعودون إلى نسائهم " .

[ ص: 186 ]

فصل

إذا وطئ المظاهر قبل أن يكفر أثم، واستقرت الكفارة . وقال أبو حنيفة: يسقط الظهار والكفارة . واختلف العلماء فيما يجب عليه إذا فعل ذلك، فقال الحسن، وسعيد بن المسيب، وطاووس، ومجاهد، وإبراهيم، وابن سيرين: عليه كفارة واحدة، وقال الزهري، وقتادة في آخرين: عليه كفارتان . فإن قال: أنت علي كظهر أمي اليوم، بطل الظهار بمضي اليوم، هذا قول أصحابنا، وأبي حنيفة، والثوري، والشافعي . وقال ابن أبي ليلى، ومالك، والحسن بن صالح: هو مظاهر أبدا .

واختلفوا في الظهار من الأمة، فقال ابن عباس: ليس من أمة ظهار، وبه قال سعيد بن المسيب، والشعبي، والنخعي، وأبو حنيفة، والشافعي . وقال سعيد بن جبير ، وطاووس، وعطاء، والأوزاعي، والثوري، ومالك: هو ظهار . ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال: لا يكون مظاهرا من أمته، لكن تلزمه كفارة الظهار، كما قال في المرأة إذا ظاهرت من زوجها لم تكن مظاهرة، وتلزمها كفارة الظهار .

واختلفوا فيمن ظاهر مرارا، فقال أبو حنيفة، والشافعي: إن كان في مجالس، فكفارات، وإن كان في مجلس واحد، فكفارة: قال القاضي أبو يعلى: وعلى قول أصحابنا: يلزمه كفارة واحدة سواء كان في مجلس، أو في مجالس، ما لم يكفر، وهذا قول مالك .

قوله تعالى: ذلكم توعظون به قال الزجاج: ذلكم التغليظ توعظون به . والمعنى: أن غلظ الكفارة وعظ لكم حتى تتركوا الظهار .

[ ص: 187 ] قوله تعالى: فمن لم يجد يعني: الرقبة فصيام شهرين أي: فعليه صيام شهرين ( متتابعين فمن لم يستطع ) الصيام "فـ" كفارته " إطعام ستين مسكينا ذلك " أي: الفرض ذلك الذي وصفنا لتؤمنوا بالله ورسوله أي: تصدقوا بأن الله أمر بذلك، وتصدقوا بما أتى به الرسول وتلك حدود الله يعني: ما وصفه الله من الكفارات في الظهار وللكافرين عذاب أليم قال ابن عباس: لمن جحد هذا وكذب به .

إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم

قوله تعالى: إن الذين يحادون الله ورسوله قد ذكرنا معنى المحادة في [التوبة: 63] ومعنى "كبتوا" في "آل عمران" عند قوله تعالى: أو يكبتهم [آية: 127] . وقال ابن عباس: أخزوا يوم الخندق بالهزيمة كما أخزي الذين من قبلهم ممن قاتل الرسل .

قوله تعالى: يوم يبعثهم الله جميعا أي: من قبورهم فينبئهم بما عملوا من معاصيه، وتضييع فرائضه "أحصاه الله" أي: حفظه الله عليهم "ونسوه والله على كل شيء" من أعمالهم في السر والعلانية "شهيد" ألم تر أي: ألم تعلم .

قوله تعالى: ما يكون من نجوى ثلاثة وقرأ أبو جعفر "ما تكون" بالتاء . قال ابن قتيبة: النجوى: السرار . وقال الزجاج: ما يكون من خلوة [ ص: 188 ] ثلاثة يسرون شيئا، ويتناجون به "إلا هو رابعهم" أي: عالم به . "ونجوى" مشتق من النجوة، وهو ما ارتفع . وقرأ يعقوب "ولا أكثر" بالرفع . وقال الضحاك: "إلا هو معهم" أي: علمه معهم .

ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون

قوله تعالى: ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى في سبب نزولها قولان .

أحدهما: نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين، وينظرون إلى المؤمنين، ويتغامزون بأعينهم، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا: ما نراهم إلا قد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا، قتل أو موت، أو مصيبة، فيقع ذلك في قلوبهم، ويحزنهم، فلا يزالون كذلك حتى تقدم أصحابهم . فلما طال ذلك وكثر، شكا المؤمنون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين، فلم ينتهوا عن ذلك، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس .

والثاني: نزلت في اليهود، قاله مجاهد . قال مقاتل: وكان بين اليهود وبين رسول الله موادعة، فإذا رأوا رجلا من المسلمين وحده تناجوا بينهم، فيظن [ ص: 189 ] المسلم أنهم يتناجون بقتله، أو بما يكره، فيترك الطريق من المخافة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن النجوى، فلم ينتهوا، وعادوا إليها، فنزلت هذه الآية . وقال ابن السائب: نزلت في المنافقين . والنجوى: بمعنى المناجاة "ثم يعودون" إلى المناجاة التي نهوا عنها "ويتناجون" قرأ حمزة، ويعقوب إلا زيدا، وروحا "ويتنجون" وقرأ الباقون "ويتناجون" بألف . وفي معنى تناجيهم "بالإثم والعدوان" وجهان .

أحدهما: يتناجون بما يسوء المسلمين، فذلك الإثم والعدوان، ويوصي بعضهم بعضا بمعصية الرسول .

والثاني: يتناجون بعد نهي الرسول، ذلك هو الإثم والعدوان ومعصية الرسول .

قوله تعالى: وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله اختلفوا فيمن نزلت على قولين .

أحدهما: نزلت في اليهود . قالت عائشة رضي الله عنها: جاء ناس من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم، وفعل الله بكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا عائشة، فإن الله لا يحب الفحش، ولا التفحش، فقلت: يا رسول الله: ترى ما يقولون؟ فقال: ألست تريني أرد عليهم ما يقولون . وأقول: وعليكم، قالت: فنزلت هذه الآية في ذلك . قال الزجاج: والسام: الموت .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-06-2024 الساعة 11:38 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.15 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (1.32%)]