عرض مشاركة واحدة
  #503  
قديم 23-06-2024, 01:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,892
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثامن

سُورَةُ ق
الحلقة (503)
صــ 16 إلى صــ 30





وأنشدني أبو ثروان:

[ ص: 16 ]
فإن تزجراني يابن عفان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا


ونرى أن ذلك منهم، لأن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة، فجرى الكلام على صاحبيه، ألا ترى الشعر أكثر شيء قيلا: يا صاحبي ويا خليلي . قال امرؤ القيس:


خليلي مرا بي على أم جندب نقضي لبانات الفؤاد المعذب


ثم قال:


ألم تر أني كلما جئت طارقا وجدت بها طيبا وإن لم تطيب


فرجع إلى الواحد، وأول كلامه اثنان، وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل، وقال: "ألقيا" خطاب للخازن، يعني خازن النار .

والثاني: أنه فعل ثني توكيدا، كأنه لما قال: "ألقيا" ، ناب عن ألق ألق، وكذلك، قفا نبك، معناه: قف قف، فلما ناب عن فعلين، ثني، قاله المبرد .

والثالث: أنه أمر للملكين، يعني السائق والشهيد، وهذا اختيار الزجاج .

[ ص: 17 ] فأما "الكفار" فهو أشد مبالغة من الكافر . و"العنيد" قد فسرناه في [هود: 59]

قوله تعالى: مناع للخير في المراد بالخير ها هنا ثلاثة أقوال .

أحدها: الزكاة المفروضة، قاله قتادة .

والثاني: أنه الإسلام، يمنع الناس من الدخول فيه، قاله الضحاك، ومقاتل، وذكر أنها نزلت في الوليد بن المغيرة، منع بني أخيه عن الإسلام .

والثالث: أنه عام في كل خير من قول أو فعل، حكاه الماوردي .

قوله تعالى: معتد أي: ظالم لا يقر بالتوحيد مريب أي: شاك في الحق، من قولهم: أراب الرجل: إذا صار ذا ريب .

قوله تعالى: قال قرينه فيه قولان .

أحدهما: شيطانه، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والجمهور . وفي الكلام اختصار تقديره: إن الإنسان ادعى على قرينه من الشياطين أنه أضله [ ص: 18 ] فقال: ربنا ما أطغيته أي: لم يكن لي قوة على إضلاله بالإكراه، وإنما طغى هو بضلاله .

والثاني: أنه الملك الذي كان يكتب السيئات .

ثم فيما يدعيه الكافر على الملك قولان .

أحدهما: [أنه] يقول: زاد علي فيما كتب، فيقول الملك: ما أطغيته، أي: ما زدت عليه، قاله سعيد بن جبير .

والثاني: أنه يقول: كان يعجلني عن التوبة، فيقول: ربنا ما أطغيته، هذا قول الفراء .

قوله تعالى: ولكن كان في ضلال بعيد أي: بعيد من الهدى، فيقول الله تعالى: لا تختصموا لدي في هذا الخصام قولان . أحدهما: أنه اعتذارهم بغير عذر، قاله ابن عباس .

والثاني: أنه خصامهم مع قرنائهم الذين أغووهم، قاله أبو العالية . فأما اختصامهم فيما كان بينهم من المظالم في الدنيا، فلا يجوز أن يهمل، لأنه يوم التناصف .

قوله تعالى: وقد قدمت إليكم بالوعيد أي: قد أخبرتكم على ألسن الرسل بعذابي في الآخرة لمن كفر .

ما يبدل القول لدي فيه قولان .

أحدهما: ما يبدل القول فيما وعدته من ثواب وعقاب، قاله الأكثرون .

والثاني: ما يكذب عندي ولا يغير القول عن جهته، لأني أعلم الغيب وأعلم كيف ضلوا وكيف أضللتموهم، هذا قول ابن السائب واختيار الفراء وابن قتيبة، ويدل عليه أنه قال تعالى: ما يبدل القول لدي ولم يقل: [ ص: 19 ] ما يبدل قولي وما أنا بظلام للعبيد فأزيد على إساءة المسيء، أو أنقص من إحسان المحسن .

يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود

"يوم نقول لجهنم" قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر; وحمزة، والكسائي: "يوم نقول" بالنون المفتوحة وضم القاف . [وقرأ نافع، وأبو بكر، والمفضل عن عاصم: "يوم يقول" بالياء المفتوحة وضم القاف] . وقرأ أبي بن كعب ، والحسن ، وعبد الوارث عن أبي عمرو: "يوم يقال" بياء مضمومة وفتح القاف وإثبات ألف . قال الزجاج: وانتصاب "يوم" على وجهين، أحدهما: على معنى: ما يبدل القول لدي في ذلك اليوم . والثاني: على معنى: وأنذرهم يوم نقول لجهنم .

فأما فائدة سؤاله إياها، وقد علم هل امتلأت أم لا، فإنه توبيخ لمن أدخلها، وزيادة في مكروهه، ودليل على تصديق قوله: لأملأن جهنم

[الأعراف: 18] وفي قولها: هل من مزيد قولان عند أهل اللغة .

[ ص: 20 ] أحدهما: أنها تقول ذلك بعد امتلائها، فالمعنى: هل بقي في موضع لم يمتلئ؟ أي: قد امتلأت .

والثاني: أنها تقول تغيظا على من عصى الله تعالى، وجعل الله فيها أن تميز وتخاطب، كما جعل في النملة أن قالت: ادخلوا مساكنكم [النمل: 18] وفي المخلوقات أن تسبح بحمده .

قوله تعالى: وأزلفت الجنة للمتقين أي: قربت للمتقين [الشرك] (غير بعيد) أي: جعلت عن يمين العرش حيث يراها أهل الموقف، ويقال لهم: "هذا" الذي ترونه ما توعدون وقرأ عثمان بن عفان، وابن عمر، ومجاهد، وعكرمة، وابن محيصن: "يوعدون" بالياء لكل أواب وفيه أقوال قد ذكرناها في [بني إسرائيل: 25] . وفي حفيظ قولان .

أحدهما: الحافظ لذنوبه حتى يرجع عنها، قاله ابن عباس .

والثاني: الحافظ لأمر الله تعالى، قاله مقاتل .

قوله تعالى: من خشي الرحمن بالغيب قد بيناه في [الأنبياء: 49] وجاء بقلب منيب أي: راجع إلى طاعة الله عن معصيته .

(ادخلوها) أي: يقال لهم: ادخلوا الجنة بسلام وذلك أنهم سلموا من عذاب الله، وسلموا فيها من الغموم والتغير والزوال، وسلم الله وملائكته عليهم ذلك يوم الخلود في الجنة، لأنه لا موت فيها ولا زوال .

لهم ما يشاءون فيها وذلك أنهم يسألون الله حتى تنتهي مسائلهم، [ ص: 21 ] فيعطون ما شاؤوا، ثم يزيدهم ما لم يسألوا، فذلك قوله: ولدينا مزيد . وللمفسرين في المراد بهذا المزيد ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه النظر إلى الله عز وجل; روى علي رضي الله عنه عن النبي عليه السلام في قوله: "ولدينا مزيد" قال: يتجلى لهم . وقال أنس بن مالك في قوله: "ولدينا مزيد": يتجلى لهم الرب تعالى في كل جمعة .

والثاني: أن السحاب يمر بأهل الجنة، فيمطرهم الحور، فتقول الحور: نحن اللواتي قال الله عز وجل: "ولدينا مزيد" حكاه الزجاج . والثالث: أن الزيادة على ما تمنوه وسألوا مما لم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر ذكره أبو سليمان الدمشقي .

ثم خوف كفار مكة بما بعد هذا إلى قوله: "فنقبوا في البلاد" قرأ الجمهور " فنقبوا " بفتح النون والقاف مع تشديدها . وقرأ أبي بن كعب ، وابن عباس، والحسن، وابن السميفع، ويحيى بن يعمر . كذلك، إلا أنهم كسروا القاف على جهة الأمر تهددا . وقرأ عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، وابن أبي عبلة، وعبيد عن أبي عمرو: "فنقبوا" بفتح القاف وتخفيفها . قال الفراء: ومعنى "فنقبوا" ساروا في البلاد، فهل كان لهم من الموت "من محيص" فأضمرت "كان" ها هنا، كقوله: أهلكناهم فلا ناصر لهم [محمد: 13] أي: فلم يكن لهم ناصر . ومن قرأ "فنقبوا" بكسر القاف، فإنه [ ص: 22 ] كالوعيد; والمعنى: اذهبوا في البلاد وجيئوا فهل من الموت من محيص؟! وقال الزجاج: "نقبوا": طوقوا وفتشوا، فلم تروا محيصا من الموت قال امرؤ القيس:


لقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب


فأما المحيص: فهو المعدل; وقد استوفينا شرحه في سورة [ النساء: 121 ] .

قوله تعالى: إن في ذلك يعني الذي ذكره من إهلاك القرى لذكرى أي: تذكرة وعظة لمن كان له قلب قال ابن عباس: أي: عقل . قال الفراء: وهذا جائز في اللغة أن تقول: ما لك قلب، وما معك قلبك، تريد العقل . وقال ابن قتيبة: لما كان القلب موضعا للعقل كنى به [عنه] . وقال الزجاج: المعنى: لمن صرف قلبه إلى التفهم أو ألقى السمع أي: استمع مني (وهو شهيد) أي: وقلبه فيما يسمع . وقال الفراء: "وهو شهيد" أي: شاهد ليس بغائب .

قوله تعالى: ولقد خلقنا السماوات والأرض ذكر المفسرون أن اليهود قالت: خلق الله السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، آخرها يوم الجمعة، واستراح يوم السبت، فلذلك لا نعمل فيه شيئا، فنزلت هذه الآيات، فأكذبهم الله عز وجل بقوله: وما مسنا من لغوب قال الزجاج: واللغوب: التعب والإعياء . [ ص: 23 ] قوله تعالى: فاصبر على ما يقولون أي: من بهتهم وكذبهم . قال المفسرون: ونسخ معنى قوله: "فاصبر" بآية السيف وسبح بحمد ربك أي: صل بالثناء على ربك والتنزيه [له] مما يقول المبطلون قبل طلوع الشمس وهي صلاة الفجر وقبل الغروب فيها قولان .

أحدهما: صلاة الظهر والعصر، قاله ابن عباس .

والثاني: صلاة العصر، قاله قتادة . وروى البخاري ومسلم في "الصحيحين" من حديث جرير بن عبد الله، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البدر، فقال: إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فافعلوا . وقرأ: "فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب" .

قوله تعالى: ومن الليل فسبحه فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنها صلاة الليل كله، أي وقت صلى منه، قاله مجاهد .

والثاني: صلاة العشاء، قاله ابن زيد .

والثالث: صلاة المغرب والعشاء، قاله مقاتل .

قوله تعالى: وأدبار السجود قرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، وخلف: [ ص: 24 ] بكسر الهمزة; وقرأ الباقون بفتحها . قال الزجاج: من فتح ألف "أدبار" فهو جمع دبر، ومن كسرها فهو مصدر: أدبر يدبر إدبارا .

وللمفسرين في هذا التسبيح ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه الركعتان بعد صلاة المغرب، روي عن عمر، وعلي، والحسن بن علي، رضي الله عنهم، وأبي هريرة، والحسن، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وقتادة في آخرين، وهو رواية العوفي عن ابن عباس .

والثاني أنه النوافل بعد المفروضات ،قاله ابن زيد .

والثالث: أنه التسبيح باللسان في أدبار الصلوات المكتوبات، رواه مجاهد عن ابن عباس . وروي عن أبي الأحوص أنه قال في جميع التسبيح المذكور في هاتين الآيتين كذلك .

واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد

قوله تعالى: واستمع يوم يناد المناد قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر "ينادي المنادي" بياء في الوصل . ووقف ابن كثير بياء، ووقف نافع وأبو عمرو بغير ياء . ووقف الباقون ووصلوا بياء . قال أبو سليمان الدمشقي: المعنى: واستمع حديث يوم ينادي المنادي . قال المفسرون: والمنادي: إسرافيل، يقف على صخرة بيت المقدس فينادي: يا أيها الناس هلموا إلى الحساب، إن الله يأمركم أن تجتمعوا لفصل القضاء; وهذه هي النفخة [ ص: 25 ] الأخيرة . والمكان القريب: صخرة بيت المقدس . قال كعب ومقاتل: هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا . وقال ابن السائب باثني عشر ميلا . قال الزجاج: ويقال: إن تلك الصخرة في وسط الأرض .

قوله تعالى: يوم يسمعون الصيحة وهي [هذه] النفخة الثانية بالحق أي: بالبعث الذي لا شك فيه ذلك يوم الخروج من القبور .

إنا نحن نحيي ونميت أي: نميت في الدنيا ونحيي للبعث وإلينا المصير بعد البعث، وهو قوله: يوم تشقق الأرض عنهم قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: "تشقق" بتشديد الشين; وقرأ الباقون بتخفيفها سراعا أي: فيخرجون منها سراعا ذلك حشر علينا يسير أي: هين .

ثم عزى نبيه فقال: "نحن أعلم بما يقولون" في تكذيبك، يعني كفار مكة "وما أنت عليهم بجبار" قال ابن عباس: لم تبعث لتجبرهم على الإسلام إنما بعثت مذكرا، وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم، وأنكر الفراء هذا القول فقال: العرب لا تقول: "فعال من أفعلت" لا يقولون: "خراج" يريدون "مخرج" ولا "دخال" يريدون "مدخل" إنما يقولون: "فعال" من "فعلت"، وإنما الجبار هنا في موضع السلطان من الجبرية، وقد قالت العرب في حرف واحد: "دراك" من "أدركت" وهو شاذ، فإن جعل هذا على هذه الكلمة فهو وجه . وقال ابن قتيبة: "بجبار" أي: بمسلط، والجبار: الملك، سمي بذلك لتجبره، يقول: لست عليهم بملك مسلط .

[ ص: 26 ] قال اليزيدي: لست بمسلط فتقهرهم على الإسلام . وقال مقاتل: لتقتلهم . وذكر المفسرون أن قوله: "وما أنت عليهم بجبار" منسوخ بآية السيف .

قوله تعالى: فذكر بالقرآن أي: فعظ به "من يخاف وعيد" وقرأ يعقوب: "وعيدي" بياء في الحالين]، أي: ما أوعدت من عصاني من العذاب .

سُورَةُ الذَّارِيَاتِ

مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والذاريات ذروا . فالحاملات وقرا . فالجاريات يسرا . فالمقسمات أمرا . إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون

قوله تعالى: والذاريات ذروا يعني الرياح، يقال: ذرت الريح التراب تذروه ذروا: إذا فرقته . قال الزجاج: يقال: ذرت فهي ذارية، وأذرت فهي مذرية بمعنى واحد .

"والذاريات"، مجرورة على القسم، المعنى: أحلف بالذاريات وهذه الأشياء، والجواب "إنما توعدون لصادق" قال قوم: المعنى: ورب الذاريات، ورب الجاريات .

[ ص: 28 ] قوله تعالى: فالحاملات وقرا يعني السحاب التي تحمل وقرها من الماء .

"فالجاريات يسرا" يعني السفن تجري ميسرة في [الماء] جريا سهلا .

"فالمقسمات أمرا" يعني الملائكة تقسم الأمور على ما أمر الله به . قال ابن السائب: والمقسمات أربعة، جبريل، وهو صاحب الوحي والغلظة، وميكائيل، وهو صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل، وهو صاحب الصور واللوح، وعزرائيل، وهو قابض الأرواح . وإنما أقسم بهذه الأشياء لما فيها من الدلالة على صنعه وقدرته .

ثم ذكر المقسم عليه فقال: "إنما توعدون" أي: من الثواب والعقاب يوم القيامة "لصادق" أي: لحق .

"وإن الدين" فيه قولان .

أحدهما: الحساب . والثاني: الجزاء "لواقع" أي: لكائن .

ثم ذكر قسما آخر فقال: "والسماء ذات الحبك" وقرأ عمر بن الخطاب، وأبو رزين: "الحبك" بكسر الحاء والباء جميعا . وقرأ عثمان بن عفان، والشعبي، وأبو العالية، وأبو حيوة: "الحبك" بكسر الحاء وإسكان الباء . وقرأ أبي ابن كعب ، وابن عباس، وأبو رجاء ، وابن أبي عبلة: "الحبك" برفع الحاء وإسكان الباء . وقرأ ابن مسعود، وعكرمة: "الحبك" بفتح الحاء و الباء جميعا .

[ ص: 29 ] وقرأ أبو الدرداء، وأبو الجوزاء، وأبو المتوكل ، وأبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: [ "الحبك"] بفتح الحاء وكسر الباء .

ثم في معنى "الحبك" أربعة أقوال . أحدها: ذات الخلق الحسن، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال قتادة . والثاني: البنيان المتقن، قاله مجاهد . والثالث: ذات الزينة، قاله سعيد بن جبير . وقال الحسن: حبكها: نجومها . والرابع: ذات الطرائق، قاله الضحاك واللغويون . وقال الفراء: الحبك: تكسر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة، والماء القائم إذا مرت به الريح ، والشعرة الجعدة تكسرها حبك، وواحد الحبك: حباك وحبيكة وقال الزجاج: أهل اللغة يقولون: الحبك: الطرائق الحسنة، والمحبوك في اللغة: ما أجيد عمله، وكل ما تراه من الطرائق في الماء وفي الرمل إذا أصابته الريح فهو حبك . وروي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: هذه هي السماء السابعة .

ثم ذكر جواب القسم الثاني، قال: "إنكم" يعني أهل مكة لفي قول مختلف في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، بعضكم يقول: شاعر، وبعضكم يقول: مجنون . وفي القرآن [بعضكم] يقول: سحر، وبعضكم يقول: كهانة ورجز، إلى غير ذلك .

يؤفك عنه من أفك أي: يصرف عن الإيمان [به] من صرف [فحرمه] . [والهاء في "عنه" عائدة إلى القرآن . وقيل: يصرف عن هذا [ ص: 30 ] القول، أي: من أجله وسببه عن الإيمان من صرف] . وقرأ قتادة: "من أفك" بفتح الألف والفاء . وقرأ عمرو بن دينار: "من أفك" بفتح الألف وكسر الفاء .

قتل الخراصون قال الفراء: يعني [لعن] الكذابون الذين قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ساحر وكذاب وشاعر، خرصوا ما لا علم لهم به . وفي رواية العوفي عن ابن عباس: أنهم الكهنة . وقال ابن الأنباري: والقتل إذ أخبر عن الله به فهو بمعنى اللعنة، لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك .

قوله تعالى: الذين هم في غمرة أي: في عمى وجهالة بأمر الآخرة ساهون أي: غافلون . والسهو: الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه .

يسألون أيان يوم الدين أي: يقولون: يا محمد متى يوم الجزاء؟! تكذيبا منهم واستهزاء .

ثم أخبر عن ذلك اليوم، فقال: يوم هم على النار قال الزجاج: "اليوم" منصوب على معنى: يقع الجزاء يوم هم على النار يفتنون أي: يحرقون ويعذبون، ومن ذلك يقال للحجارة السود التي كأنها قد أحرقت بالنار: الفتين .

قوله تعالى: ذوقوا المعنى: يقال لهم: ذوقوا فتنتكم وفيها قولان .

أحدهما: تكذيبكم، قاله ابن عباس . والثاني: حريقكم، قاله مجاهد . قال أبو عبيدة: ها هنا تم الكلام، ثم ائتنف، فقال: هذا الذي كنتم به تستعجلون قال المفسرون: يعني الذي كنتم تستعجلونه في الدنيا استهزاء . ثم ذكر ما وعد الله لأهل الجنة فقال: إن المتقين في جنات وعيون وقد سبق شرح هذا [البقرة: 25، الحجر 45] .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-06-2024 الساعة 11:17 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 52.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 51.59 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]