وسائل الفئة للشيخ: بدر الدين العيني
عبد العزيز الداخل
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه ثقتي
الحمد لله الذي خلق الإنسان علمه البيان، والصلاة والسلام على من بُعِثَ في آخر الزمان محمد المصطفى المرسل بالفرقان، وعلى آله وصحبه أهل الخير والإحسان.
وبعد فإن العبد الفقير إلى رحمة ربه الغني أبا محمد محمود بن أحمد العيني، عامله ربه بلطفه الجلي والخفي.
يقول: قد سألني من لا يسعني رَدُّهُ، ولا يوافقني صده أن أشرح العوامل المائة التي لخصها الإمام الحبر المدقق الشيخ عبد القاهر الجرجاني، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته، فأجبته إلى سؤاله، ملتمسًا في ذلك من خالص دعائه، فشرحتها بعون الله، بحيثُ يُغْنِي الناظر فيه عن بعض المطولات ويوقفه على مسائل ونكات، وسميته:
وسائل الفئة في شرح العوامل المائة
والله يُمَتَّعُ الناظر فيه، والآخذ من معانيه، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.
قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم" أقول: ابتدأ كل مقصود بالبسملة تتبع بالحديث وهو قوله- عليه الصلاة والسلام:- ((كل أمر ذي بال لا يُبْدَأُ بسم الله الرحمن الرحيم أقطع)) أخرجه أبو داود – ابن ماجه- في سننهما، وأبو عوانة الأسفراييني في مسنده المخرج على صحيح مسلم.
ومعنى قوله: ذي بال: أي ذي شان يهتم به، ومعنى أقطع ناقص قليل البركة.
قوله: "بسم الله" أي بسم الله أشرع، وقدرنا المتعلق متأخرًا لفائدة الاختصاص كما في {إياك نعبد} [سورة الفاتحة: 1/5]، ولفظ الله اسم غير صفة، والصحيح أنه موضوع، والذهاب إلى اشتقاقه، تكلف والرحمن الرحمن صفتان لله من الصفات المادحة.
فالأول: خاص فعلان من رحم، والثاني: عام فعيل من رحم، ففي الأول من المبالغة ما ليس في الثاني، ولذلك قالوا: رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا؛ لأن الزيادة في اللفظ لزيادة في المعنى، فيكون هذا من باب التتميم والتكميل، لا من باب الترقي، وفيه أبحاث كثيرة لا يتحملها هذا المختصر.
قوله: "قال الشيخ الإمام الفاضل الكامل عبد القاهر الجرجاني" أقول: الشيخ من يصلح أن يتتلمذ له، والإمام الذي يقتدى به مطلقًا، وعبد القاهر اسمه، والجرجاني نسبته إلى جرجان، معرب كركان اسم مدينة في بلاد العجم.
قوله: "العوامل في النحو مائة عامل" أقول: العامل في اصطلاح النحاة ما أوجب كون آخر الكلمة على وجه مخصوص، مثلا إذا قلت: جاءني زيد، ورأيت زيدًا، ومررت بزيد، وجدت اختلاف العوامل فيه، فإن الأول مرفوع؛ لأن الفعل رفعه وهو العامل فيه، والثاني منصوب لوقوع الفعل عليه، والثالث مجرور بحرف الجر، فقولك: جاءني عامل، وقولك زيد معمول، وقد عرفت أن هذا لا يكون إلا في المعرب، وهو الاسم والفعل المضارع، والأصل في الإعراب الاسم، والمضارع قد لحق به بسبب المضارعة، وغيرهما يسمى مبنيًا.
واعلم أن الكلمات تنقسم بحسب القسمة العقلية إلى أربعة أقسام:
الأول: ما يكون عاملاً ومعمولاً فيه كالأسماء المتمكنة والأفعال المضارعة.
والثاني: ما لا يكون عاملاً ولا معمولاً فيه كالحروف غير العاملة، والأسماء غير المتمكنة كالمضمرات وأسماء الإشارة، إلا ما تضمن منها حرف الجزم كقولك: حيثما وإذ ما، وهما يجزمان.
والثالث: ما يكون عاملاً ولا يكون معمولاً فيه، كالماضي والأمر بغير اللام، والأسماء غير المتمكنة الجازمة للفعل المضارع.
والرابع: ما لا يكون عاملاً ويكون معمولاً فيه، وقد أهمل المطرزي هذا القسم ظانًا أنه غير واقع متوهمًا أنه لا يتصور معمول فيه إلى وأن يكون عاملاً؛ لأن المعمول فيه إما المضارع -ولا شبهة غرة في أن كل مضارع عامل- وإما الاسم المتمكن، وكل متمكن تصح إضافته فيعمل الجر، وهذا هو الذي غره ولكنه واقع في الكلام نحو: طرا وقاطبة، فإنه لا يجر المضاف إليه ولا ينصب به التمييز، وهو معمول فيه وليس بعامل.
قوله: "مائة عامل" هذا الحصر بطريق الغلبة والشهرة في الاستعمال، وقد ضبطها المصنف تيسيرًا للطالبين.
قوله: "لفظية ومعنوية" هذا خبر مبتدأ محذوف، أي بعضها لفظية وبعضها معنوية.
قوله: "فاللفظية" أي فالعوامل اللفظية على ضربين أي على نوعين.
قوله: "سماعية وقياسية" أي بعضها سماعية وبعضها قياسية، والسماعي ما يكون منحصرًا على السماع وموقوفًا عليه ولا يتعدى إلى غيره، والقياسي ما لا ينحصر ولا يوقف على شيء.
قوله: "فالسماعية" أي فالعوامل السماعية أحد وتسعون عاملاً.
قوله: "والقياسية" أي العوامل القياسية سبعة عوامل، فصار الجمع ثمانية وتسعين، وبقي عددان.
وهو قوله: "والمعنوية عددان" أي العوامل المعنوية عددان، فصال الجميع مائة؛ لأنك إذا ضممت الاثنين على السبعة يصير تسعة، وإذا ضممت التسعة على أحد وتسعين يصير مائة بالضرورة.