مشكلات في طريق الدعوة (3)
– الفوضوية في حياة الدعاة
تواجه الدعوة، في سيرها، كثيرًا من المشكلات التي تُعيقها، أو تسبب وهنًا وضعفًا في جانب من جوانبها، وهذه المشكلات التي تواجهها الدعوة، على كثرتها، يبرز قطاع منها بسب التصدر الإداري لبعض العاملين الذين تنقصهم الكفاءة، وتعوزهم الخبرة في ساحة العمل الدعوي، فالمشكلة التي نريد التحدث عنها هنا، ليست هي ضعف كفاءة الداعية؛ فلا شك أنه ليس كل من ينتمي للدعوة يمتلك الأهلية للعمل الإداري فيها، وإنما مشكلة التصدر الإداري لأمثال هؤلاء، أقصد ضِعاف الكفاءة وقليلي الخبرة، وما تعانيه الدعوة من ذلك، وما يترتب عليه من آثار.
كثيرة هي السلبيات ومظاهر الفوضوية في العمل الدعوي، وليس من الصواب أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونتهرب منها، بل علينا أن نعترف بها، ونواجهها بشجاعة ونسعى إلى حلها. ومن أبرز تلك السلبيات:
1- الانتقاء العشوائي:
فالداعية يهتم بمن جاء إليه، ودخل تحت سقف مسجده، دون تأمل أو تفكير عميق، هل يصلح هذا المدعو أم لا؟ إلى أي مرحلة سأصل معه؟ ومن ثم نجد من يمشي مع صاحبه سنين عدداً، يصاب بالإحباط؛ لأنه فوجئ بأن صاحبه هذا لا يمكن أن يستمر بحال. أفلا وعيت من قبل أيها الداعي؟
2- هل لديك ورقة وقلم؟
إن سير الدعوة دون تخطيط على الورق معناه الفوضى وعدم الانضباط، وانظر في واقعنا: لو سألت أحد الدعاة: ما المرحلة التي بلغها من تدعوه؟ لما عرف كيف يجيبك، ولو طلبت منه أن يشرح لك تصوره التفصيلي للمرحلة القادمة، لما أجابك إلا بعموميات لا تفصيل فيها.
3- لا أدري ماذا أقول!
وهذا شعور يدل على فوضوية الداعي، فحين يكون مع المدعو في سيارة أو في مجلس، تجده صامتاً لا يدري ماذا يقول؟ أو تجده يرمي الكلام على عواهنه دون وعي أو تفكير، وفي أحسن الأحوال تخطر في باله قصة أو فكرة، فيقولها دون أن تكون منتظمة في إطار متناسق مع غيرها من الأفكار والقصص.
4- عناصر الاجتماعات:
كثيراً ما يحتار الداعية، ولا يدري ما الموضوعات التي يجب نقاشها في الاجتماعات؟
5- ماذا أعطيه؟
تسأل الداعية أحياناً: ماذا أعطيت المدعو ليقرأه أو ليسمعه؟ فتجد خلطاً عجيباً من العناوين، وتجد أشياء غير جيدة، وتجد أشياء لا تناسب المستوى الفكري والإيماني للمدعو، وتجد أن بعض الجوانب فيها يطغى على بعض.
6- عدم التجانس التربوي:
وهذه ظاهرة خطيرة، وصورة سيئة من الفوضوية لدى الدعاة، فحين يغيب النظام وتحل الفوضوية، تتأمل في طرائق التربية فتجد أن الداعية الذي تميز في الجانب الإيماني، يغترف من بضاعته للمدعو فيغرقه بالإيمانيات، أما الفكر والثقافة والمهارات العملية، فتجده أبعد ما يكون عن محاولة تعلمها، فضلاً عن تلقينها لصاحبه!
وتجد الداعية الذي تميز بالفكر والاطلاع يغرق صاحبه في بحر من القراءات والتحليلات، على حين أنه لم يزر معه مقبرة، ولم يصلّ معه ركعتي قيام! وهكذا تصبح لدينا في النهاية تضخمات في جوانب معينة على حساب إهمال جوانب أخرى.
7- الداعية وتضييع العمر:
فالعمر الوظيفي المفترض قضاؤه مع المدعو سنتان، يمكن خلالهما البلوغ بالمدعو إلى قمة عالية، ولكن عندما توجد الفوضوية نجد أن السنين تمر دون حساب، فيقضي المدعو أربع سنوات أو خمساً وهو «محلك سر».!
8- الداعية السائق:
حيث يتحول الداعية عند الفوضوية إلى مجرد سائق للمدعو، يقوم بتوصيله وإرجاعه وكفى، فهو مرتبط بالمرور على (سين) للذهاب إلى الملعب، ومع (صاد) لمراجعة المستشفى، ومع (عين) لزيارة أقاربه... وهكذا يتحول العمل الدعوي إلى مجرد مرور وإحضار، وتوصيل وإرجاع، أما التربية والتوجيه فقد ضاعا في زحمة (المشاوير).
اعداد: محمد علي