
30-05-2024, 09:24 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة :
|
|
أصول في دراسة مسائل التفسير
بسم الله الرحمن الرحيم
أصول في دراسة مسائل التفسير
عبد العزيز الداخل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هداه
أما بعد:
فهذه خلاصة محاضرة أصول دراسة مسائل التفسير، مع زيادات وتوضيحات.
تمهيد:
1. بيان سعة علم التفسير وتنوّع مسائله.
- علم التفسير من أوسع العلوم لصلته بكتاب الله تعالى الذي جعله الله هدى للناس في جميع شؤونهم العامة والخاصة، وامتنّ عليهم بأن جعله هادياً للتي هي أقوم في كلّ ما يحتاجون إلى الهدى فيه؛ في أمور الاعتقاد والعبادات والمعاملات والآداب، وفي كلّ ما يحتاجون إليه.
- وفي القرآن تقرير لمسائل الاعتقاد من الإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وتضمن الرد على المبطلين من المشركين وكفرة أهل الكتاب والمنافقين، وإبطال شبههم، ودحض حججهم ومعارضاتهم في أبواب كثيرة من أبواب الدين.
- وقد تناول المفسّرون مسائل الاعتقاد في التفسير وفسّرها كل بحسب اعتقاده؛ وكان من المفسّرين من هو معروف باتّباع السنّة، ومنهم مفسّرون أشاعرة وماتريدية ومعتزلة وصوفية وغيرهم، وبعض هؤلاء تفاسيرهم مشتهرة.
- إذا عرضت مسألة تتعلّق بالإيمان بالقدر وطالب العلم لم يحسن دراسة منهج أهل السنة والجماعة في مسائل القدر ثم قرأ في تفاسير بعض الأشاعرة وهم جبرية في باب القدر، أو قرأ في تفاسير بعض المعتزلة وهم قدرية في هذا الباب، إذا قرأ في تلك التفاسير وهو لا يعرف تقرير أهل السنة لمسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل وبطلان الاحتجاج بالقدر على المعاصي، فإنّه سيقع في بعض الإشكالات، بل ربّما فسّر تلك الآيات بما يوافق أقوال تلك الفرق.
- بل ربّما غرّه أن يجد في تفاسير بعض الأشاعرة نسبة قولهم إلى أهل السنّة ؛ فيقع في تفاسير بعض الأشاعرة إذا ذكروا عقيدتهم في تلك المسألة أن يقولوا: وهذا قول أهل السنة، يريدون به أنفسهم؛ فالطالب الذي لا يعرف قول أهل السنّة في تلك المسألة قد ينسب هذا القول المبتدع إلى أهل السنة.
- من أمثلة ذلك قول الرازي في تفسير قول الله تعالى: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} قال: (احتج أهل السنة بهذه الآية وكل ما أشبهها على تكليف ما لا يطاق)؛ وهذا القول هو قول الأشاعرة لأنهم جبرية في باب القدر، وليس بقول أهل السنة الذين هم أئمة أهل الحديث ومن اعتقد اعتقادهم.
- وكذلك ابن عطيّة يقع منه كثيراً في تفسيره نسبة بعض الأقوال إلى أهل السنة وربما قابل بينها وبين أقوال المعتزلة فيقول: قال المعتزلة كذا، وقال أهل السنة كذا، وهو يريد الأشاعرة، وينقل عن كبار الأشاعرة كأبي الحسن الأشعري وأبي بكر الباقلاني وابن فورك والجويني.
- وإن كان ابن عطيّة لا يوافق هؤلاء الأشاعرة في كل ما ينقله عنهم ، بل ربما استدرك عليهم، وربما كان فيما ينقله ما يوافقون فيه قول أهل السنة والجماعة حقيقة، لكن تمييز طالب العلم بين ما تصح نسبته إلى أهل السنة وما لا تصح لا يمكنه إلا بعد أن يدرس مسائل الاعتقاد دراسة حسنة.
- الذي أوصيكم به أن تدرسوا من كتب الاعتقاد ما تنتقلون به إلى مرحلة المتوسّطين على الأقل، وهذا يكفيكم فيه كتب يسيرة وغالبها مختصرة؛ ككتاب التوحيد والعقيدة الواسطية والطحاوية.
- وفي المعهد دورة شرح ثلاثة الأصول وأدلّتها، حرصت فيها على تلخيص مقاصد نحو سبعين كتابا من كتب أهل العلم؛ فأرجو أن تختصر عليكم كثيراً بإذن الله، وهي دورة متاحة هذه الأيام؛ فإذا درسها الطالب، ودرس بعدها العقيدة الواسطية دراسة حسنة مع التدرب على الاستفادة مما يدرسه في بحثه لمسائل التفسير ؛ فأرجو أن ينتفع بذلك كثيراً بإذن الله تعالى.
- ودراسة مسائل الاعتقاد تفتح للطالب أبواباً في فهم بعض مسائل التفسير؛ فعلى سبيل المثال شرح أسماء الله الحسنى المذكورة في آيات كثيرة من القرآن؛ كيف يعرف الطالب سعة دلالاتها وأنواع معانيها وضوابط شرحها وهو لم يدرس قواعد الأسماء والصفات في كتب الاعتقاد، ولم يدرس شرح أسماء الله الحسنى.
- من أمثلة ذلك: معرفة الطالب بقول أهل السنّة في معنى اسم الله "الحكيم"، وأنّه يرجع إلى ثلاثة معان "الحاكِم الذي له الحكم، والمُحْكم الذي أتقن كلّ شيء خلقه وأحكم أمره ودينه، وذو الحكمة البالغة" وهذه المعاني لها آثار في الخلق والأمر لو أفاض طالب العلم في بيانها ربما كتب فيها صفحات كثيرة، ومعرفته بهذه المعاني تفتح له أبواباً في فهم القرآن، ومناسبة ختم بعض الآيات ببعض الأسماء الحسنى وهو كثير في القرآن الكريم.
- وكذلك يقال في اسم الله "العلي" وأنه يتضمّن علوّ القدر وعلوّ القهر وعلو الذات، و"الودود" وأنّه يأتي بمعنى "الوادّ" و"المودود"، وهكذا في سائر الأسماء الحسنى؛ يجد طالب العلم لمعرفتها أثراً حسناً يعينه على فهم معاني القرآن الكريم.
- لو قرأ الطالب كتاباً مختصراً في قواعد الأسماء والصفات ككتاب "القواعد المثلى" لابن عثيمين، وما كتبه ابن القيّم من قواعد الأسماء والصفات وقد جمعتها في الباب الحادي والعشرين من المرتبع الأسنى، وقرأ شرح ابن القيّم لبعض الأسماء الحسنى ؛ فهذا قدر كاف بإذن الله تعالى ونافع لطالب العلم في هذا الباب.
- وما قيل في مسائل الاعتقاد يقال نظيره في علوم اللغة، وحاجة الطالب إلى أن يكون على إلمام حسن بالأبواب المهمّة من تلك العلوم؛ فيحتاج إلى معرفة قدر من علم المفردات اللغوية وعلم النحو وعلم الصرف وعلم الاشتقاق وعلم البلاغة، ومعاني الحروف، وفي كل هذه العلوم كتب مختصرة يمكن للطالب أن يدرسها في مدّة وجيزة بإذن الله تعالى.
- والمقصود أن طالب العلم يحتاج إلى أن يكون على قدر حسن من التأهيل في عدد من العلوم، ولا يشترط أن يبلغ في تلك العلوم مرتبة المتقدّمين لكن لا يحسن به أن يكون جاهلاً فيها، ولذلك أقترح عليكم أن تحرصوا على أن تجتازوا مرحلة المبتدئين في تلك العلوم، فمن وصل إلى مرحلة المتوسطين فيها فإن ذلك يعينه بإذن الله تعالى إعانة كبيرة على حسن التأهل لدراسة مسائل التفسير دراسة شاملة.
- وعناية طالب العلم باجتياز مرحلة المبتدئين في تلك العلوم يختصر عليه كثيراً من الجهد والوقت في دراسة مسائل التفسير وبحثها، ومن تهاون في ذلك فقد يضيع عليه من الوقت أضعاف ما تقتضيه تلك الدراسة؛ وسيجد نفسه كثيراً ما يتوقف في بعض المسائل أو يصعب عليه فهما لتوقّفه في مسألة من مسائل تلك العلوم يعرفها المبتدؤون فيها، وقد يحجبه جهله بأساسيات تلك العلوم عن علم كثير في التفسير.
2. الفرق بين التلخيص وبين الدراسة والبحث.
- ينبغي أن يفرّق الطالب بين تلخيص المسائل من تفاسير معدودة وبين بحث المسألة التفسيرية وتحرير القول فيها.
- التلخيص يكفي فيه أن يفهم الطالب ما يقرأ في تلك التفاسير ، ويتعرف على الأقوال وأدلتها ونسبتها إلى قائليها من تلك التفاسير المحددة، وهو ما درستموه في دورة "تلخيص دروس التفسير".
- وأما دراسة المسألة التفسيرية وبحثها فيستدعي أمراً أكبر من ذلك، على ما سيفصّل باختصار في هذه المحاضرة بإذن الله تعالى.
3. التفريق بين بحث المسألة التفسيرية وبين تفسير الآية.
- إذا كان لدى الباحث مسألة تفسيرية يريد البحث عنها، وهذه المسألة محدّدة فينتقل إلى خطوات دراسة المسألة التفسيرية.
- وإذا كان الباحث يريد تفسير آية ويريد أن يتعرّف على المسائل التفسيرية فيها؛ فينبغي له أولاً أن يحدّد تلك المسائل؛ ثم يصنّفها إلى أنواع على ما يأتي توضيحه؛ ثم يدرس ما يحتاج إليه منها.
- التعرف على المسائل التفسيرية له طريقتان:
إحداهما: أن يختار عددا من التفاسير المعروفة بالعناية بوفرة المسائل التفسيرية ويستخلص تلك المسائل منها، وهذا هو موضوع الدرس الأول من دروس دورة مهارات التفسير ( استخلاص المسائل التفسيرية من كتب التفسير).
الثاني: أن يستخرج مسائل التفسير من الآية مباشرة؛ باستعمال الأدوات العلمية ، وهذا هو موضوع الدرس الثاني من دروس دورة "مهارات التفسير" ( استخراج المسائل التفسيرية من الآيات القرآنية ).
- إذا استخرج الباحث المسائل التفسيرية؛ فالغالب أنه يجد أكثرها ظاهراً بيّنا يكفي فيه بيان يسير؛ يمكنه أداؤه بالاستعانة بعدد محدود من التفاسير.
- وقد يكون منها مسائل يحتاج فيها إلى دراسة وبحث، وهذا هو موضوع هذه المحاضرة.
4. بيان أنواع مسائل التفسير
- المسائل التفسيرية إما أن تكون مسائل ظاهرة أو مسائل خفية؛ فأمّا المسائل الظاهرة التي يتداولها المفسّرون وتنقل عنهم الأقوال فيها فهي على نوعين:
النوع الأول: مسائل إجماع، فيجمع المفسّرون فيها على معنى الآية أو على حكم فيها؛ فيكون إجماعهم حجة قاطعة للنزاع.
- تحرير المراد بالإجماع في التفسير، ومظان معرفته، وطرق حكايته، وما يقدح في ثبوته وما لا يقدح، والتمثيل بأمثلة لك ذلك بأمثلة وافية يحتاج إلى دورة خاصة، أو لقاء مع أحد المعتنين بدراسة الإجماع في التفسير، وأسأل الله تعالى أن ييسرها، ويمكن للطالب أن يرجع إلى كتاب "الإجماع في التفسير" للدكتور: محمد بن عبد العزيز الخضيري؛ ففيه فوائد قيّمة في هذا الباب.
- إذا عرف طالب العلم مواضع الإجماع في التفسير؛ أعانه ذلك تيسّر دفع ما خالفه، والرد على المبطلين الذين يثيرون الشبه للتشكيك في صحّة ما أجمع عليه المفسّرون.
- ليس كل ما يدّعى فيه الإجماع تصحّ فيه الدعوى.
والنوع الآخر: مسائل الخلاف المشتهرة، وهي على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: مسائل الخلاف القوي، مسائل الخلاف القوي تطلق على نوعين من المسائل:
أ. المسائل التي تكثر فيها الأقوال ، ويكون في تحريرها شيء من الصعوبة.
ب. المسائل التي يكون يكثر التنازع فيها بالحجج والردود وإن كانت الأقوال المحكية فيها قليلة.
- مسائل هذه الدرجة ليست كثيرة إذا ما قورنت بعدد مسائل التفسير التي ينقل فيها الخلاف.
- غالب هذه المسائل يجد الطالب وفرة في مراجع بحثها، لكثرة كلام أهل العلم فيها، بل ربّما كان في بعضها مصنفات مفردة.
- إذا أتقن طالب علم دراسة مسائل هذه الدرجة ، فسيكون ما سواها من المسائل أيسر عليه.
الدرجة الثانية: مسائل الخلاف المتوسّط.
- وهي المسائل التي يكون الخلاف فيها على أقوال قليلة، والحجج فيها قليلة كذلك، وتحريرها غير متعسّر، وغالب هذا النوع من المسائل يكون الخلاف فيه خلاف تنوّع.
والدرجة الثالثة: مسائل الخلاف الضعيف.
- وهي المسائل التي يكون فيها القول الصحيح ظاهراً بيّنا، والقول الضعيف بيّن الضعف لغرابته ونكارته ، أو مما يسهل بيان علته، أو لظهور ردّ المفسّرين عليه، أو لشذوذه، أو لمخالفته أصلاً صحيحاً متفقاً عليه.
- الأقوال الضعيفة في التفسير على أنواع ودرجات؛ فمن أنواعها: الأقوال المهجورة، والأقوال المبتدعة، والأقوال التي لا أصل لها، والأقوال المعلّة، والأقوال التي تؤدّي إلى معنى فاسد، والأقوال المنكرة (أي التي تكرر إنكار المفسّرين لها).
- تنوّعت عبارات المفسّرين في وصف الأقوال الضعيفة، ومن عباراتهم ما يشعر بشدّة الضعف والاستهجان كقول بعض المفسّرين في وصف بعض الأقوال: (باطل، مرذول، بارد، بارد جدا، لا أصل له، فاسد، سمج، تمحّل، تكلّف بعيد، غلط، مردود، منكر، شنيع).
- ومنها عبارات تشعر بالضعف كقولهم: غيره المعتمد، غيره أولى، لا أتجاسر عليه، فيه ضعف.
الخلاصة:
المقصود من التمهيدات السابقة أن تحدّد المسألة التي يجدر بحثها ودراستها، وأن يرتّب الطالب أولويات بحثه عند الاختيار.
مراحل بحث المسألة التفسيرية:
- هذه المراحل مستفادة من معاناة البحث في مسائل التفسير سنوات طويلة ، ومما علق بالذهن من وصايا العلماء وفوائدهم وتجاربهم في طلب العلم، وما تحصّل من دراسة ما يتّصل بها المبحث من المتون العلمية وشروحها.
- ومقصود هذه المحاضرة إعانة الطالب على رسم خطة بحث المسائل التفسيرية، وأن يكون لبحثه قيمة علمية، وأن يتجنّب بعض الأخطاء الفادحة، وأن يختصر على نفسه كثيراً من الجهد والوقت.
اختصار بيان مراحل بحث المسألة التفسيرية:
1: تصنيف المسألة.
2. اختيار المراجع.
3. جمع النقول واستخلاص الأقوال.
4. التحقق من صحة النسبة.
5. جمع الأدلة.
6. تحرير المسألة.
7. التهذيب والمراجعة والعرض.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|