عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 27-05-2024, 03:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,499
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السابع
الحلقة( 277)

من صــ 356 الى صـ 370





فإذا قيل لهم: هكذا كان متحدا بغيره من الأنبياء والصالحين، ولكن أخفى نفسه لحكمة له في ذلك، أو أظهر على نفسه بعض خواص عباده، أو أظهر لطائفة لم ينقل إلينا خبرهم ونحو ذلك، لم يمكن مع تصديق النصارى فيما يدعونه الجزم بكذب هؤلاء، بل من جوز قول النصارى، جوز أن يكون متحدا بغير ذلك من الأجسام، فيجعل كثيرا من الأجسام المخلوقة هي رب العالمين، إذ كانت ليس هو متحدا بها في نفس الأمر.
فإذا اعتقدوا الاتحاد فيها، كما اعتقدته النصارى في المسيح، لم يكن ثم إله في الحقيقة إلا ذلك الجسم الناسوتي المخلوق.
لكن ظن الضال أنه رب العالمين، كما ظن عباد العجل أن العجل إله موسى. فإذا جاز أن يتحد الرب - عز وجل - ببعض الأجسام، لم ينكر على أصحاب العجل إذا جوزوا أن يكون رب العالمين اتحد بالعجل، وقد رأوا منه نوع خرق عادة. فليس للنصارى أن ينكروا على عباد العجل ولا عباد شيء من الأصنام إذا أمكن أن يكون الرب - عز وجل - حل فيها عندهم إن لم يقيموا دليلا على أن الرب لم يحل في ذلك.
فإذا قيل: إن موسى - عليه السلام - أنكر على عباد العجل.

قيل: نعم. وموسى ينكر على كل من عبد شيئا من المخلوقات، حتى لو عبد أحد الشجرة التي كلمه الله منها لأنكر عليه، فإنكاره على النصارى أعظم.
وموسى - عليه السلام - لم يقل قط: إن الله يتحد بشيء مع المخلوقات ويحل فيه، بل أخبر من عظمة الله - عز وجل - بما يناقض ذلك.
ففي التوراة من نهيه عن عبادة ما سوى الله ومن تعظيم أمره وعقوبة المشركين به، وبما أخبر به من صفات الله - عز وجل - ما يناقض قول النصارى.
ولهذا كان من تدبر التوراة وغيرها من كلام الأنبياء - عليهم السلام - من النصارى، تبين له أن دينهم يناقض دين الأنبياء كلهم، وأن ما هم عليه من التثليث والاتحاد والشرك، لم يبعث به أحد من الأنبياء - عليهم السلام -.
وما يفعلونه من دعاء المخلوقين كالملائكة، أو كالأنبياء والصالحين الذين ماتوا، مثل دعائهم مريم وغيرها، وطلبهم من الأموات الشفاعة لهم عند الله - لم يبعث به أحد من الأنبياء، فكيف وقد صوروا تماثيلهم ليكون تذكيرا لهم بأصحابها، ويدعون تلك الصور؟
وإن قصدوا دعاء أصحابها، فهم إذا صرحوا بدعاء أصحابها وطلبوا منهم الشفاعة وهم موتى وغائبون، كانوا مشركين.
فكيف إذا كان الدعاء في الظاهر لتماثيلهم المصورة، وهذا مما يعترف حذاق علمائهم بأنه مخالف لدين الأنبياء كلهم.
ولهذا وقع بينهم تنازع في اتخاذ الصور في الكنائس لما ابتدعه بعضهم، كما هو مذكور في أخبارهم، ولم يأت من ابتدع ذلك بحجة شرعية.
والمجسمة يعتقدون أن الله قديم أزلي، وأنه عظيم جدا، لا يقولون: إنه متحد بشيء من الأجسام المخلوقة، ولا يحل فيها. فمن
قال باتحاده وحلوله فيها، كان قوله شرا من قول هؤلاء المجسمة.
كما أن المتفلسفة الذين يقولون بأن الأفلاك أجسام قديمة أزلية واجبة بنفسها أولها علة تتشبه بها كما يقوله " أرسطو " وذووه، أو يثبتون لها علة فاعلة، لم تزل مقارنة لها، كما يقوله " ابن سينا " وأمثاله.
وهؤلاء قولهم شر من قول اليهود والنصارى ومشركي العرب الذين يثبتون للسموات والأرض خالقا خلقها بمشيئته وقدرته.
ولو قال من قال منهم: إن ذلك جسم فغايته أن يثبت جسما قديما أزليا موصوفا بصفات الكمال
فمن أثبت جسما قديما أزليا ليس موصوفا بصفات الكمال، كان قوله شرا من قول هذا.
فتبين أن المجسمة الذين يثبتون جسما قديما أزليا واجب الوجود بنفسه عالما بكل شيء قادرا على كل شيء مع قولهم: إنه تحله الحوادث وتقوم به الحركة والسكون - خير من قول
الفلاسفة الذين يقولون: إن الأفلاك أجسام قديمة أزلية واجبة الوجود بنفسها، كما يقوله " أرسطو " وذووه، وخير من النصارى أيضا.
الوجه الثالث عشر: قولهم: من قال: ثلاثة آلهة مختلفة أو متفقة، أو ثلاثة أشخاص مركبة، أو غير ذلك مما يقتضي الاشتراك والتكثير والتبعيض والتشبيه - فنحن نلعنه ونكفره.
فيقال لهم: وأنتم أيضا تلعنون من قال: إن المسيح ليس هو إله حق من إله حق، ولا هو مساوي الأب في الجوهر، ومن قال: إنه
ليس بخالق، ومن قال: إنه ليس بجالس عن يمين أبيه، ومن قال أيضا: إن روح القدس ليس برب حق محي، ومن قال: إنه ليس ثلاثة أقانيم.
وتلعنون أيضا مع قولكم إنه الخالق من قال: إنه الأب، والأب هو الخالق، فتلعنون من قال: هو الأب الخالق، ومن قال: ليس هو الخالق، فتجمعون بين النقيضين.
فتلعنون من جرد التوحيد بلا شرك ولا تثليث، ومن أثبت التثليث مع انفصال كل واحد عن الآخر، وتجمعون بين النقيضين.
فمن أثبت أحدهما منفكا عن الآخر لعنتموه، كمن قال: عندي واحد ثلاثة.
فمن قال: هو واحد ليس بثلاثة - كذبه، ومن قال: هو ثلاثة ليس واحدا - كذبه.
ومن قال: عندي شيء موجود معدوم، فمن قال: هو موجود ليس بمعدوم - كذبه، ومن قال: معدوم ليس بموجود - كذبه.
ومن قال: عندي شيء هو حي ميت، هو عالم جاهل، هو قادر عاجز، فمن قال: هو حي ليس بميت - كذبه، ومن قال: هو ميت ليس بحي - كذبه.
فهكذا أنتم تجمعون بين قولين متناقضين، أحدهما حق والآخر باطل.
فمن قال الحق ونفى الباطل لعنتموه، ومن قال الباطل ونفى
الحق لعنتموه.
وأنتم تشبهون الملاحدة من الجهمية والفلاسفة والباطنية الذين يسلبون عنه النقيضين، أو يمتنعون عن إثبات أحد النقيضين، فيقولون: لا نقول هو حي ولا ليس بحي، ولا هو عالم ولا ليس بعالم، ولا قادر ولا ليس بقادر.
بل منهم من يقول: لا نقول: هو موجود ولا معدوم، ولا نقول هو شيء ولا نقول ليس بشيء.

ومنهم من يقول: ليس بحي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز.
ومنهم من يقول: لا نطلق لا هذا ولا هذا.
فيقال لهم: رفع النقيضين كجمع النقيضين، والامتناع عن إثبات أحد النقيضين، كالامتناع عن نفي أحد النقيضين.
وكذلك من وصفه بأنه موجود واجب الوجود لذاته، ثم وصفه بصفات تستلزم عدمه، فقد جمع بين النقيضين.
وكل قول يتضمن جمع النقيضين وإثبات الشيء ونفيه، أو رفع النقيضين الإثبات والنفي - فهو باطل.
والنصارى في هذا الباب من أبلغ الناس تناقضا يقولون الشيء ويقولون بما يناقضه، ويلعنون من قال هذا ومن قال هذا.
وأيضا فكل طائفة منكم تلعن الأخرى، فإن أهل الأمانة تلعن الأريوسية وغيرهم من طوائف النصارى، وهم يلعنونكم وكل من فرقكم
الثلاثة، النسطورية، واليعقوبية، والملكية، تلعن الطائفتين الأخريين.
فأنتم واليعقوبية تلعنون من يقول: إن مريم لم تلد إلها، ويقولون: إن مريم ولدت إنسانا تاما إلها تاما.
وأنتم والنسطورية تلعنون من قال: إنهما جوهر واحد بمشيئة واحدة وطبيعة واحدة.
ومن قال: إن اللاهوت تألم مع قولكم: إن اللاهوت مولود من مريم، ومع قولكم: المسيح الذي ولدته مريم مات وصلب، وفي أقوالكم من العجائب المتناقضة التي توجب أنكم ملعونون، ما يطول وصفه، فما منكم من أحد إلا وهو لاعن ملعون، فلعنكم من قال بهذه المقالات، لا يوجب أنكم على الحق، بل يوجب أن يكون من جملة الملعونين عندكم كطائفة من طوائفكم. والنصارى طوائف كثيرون مختلفون اختلافا كثيرا.
والطوائف الثلاثة المشهورة في الأزمان المتأخرة منهم - بعض طوائفهم، وإلا فهم طوائف كثيرون مختلفون في التثليث والاتحاد.
وتجد كل صنف منهم أو غيرهم في مقالاتهم يحكي أقوالا غير الأقوال التي حكاها الآخرون.
ومن أجل من جمع أخبارهم عندهم، سعيد بن البطريق بترك الإسكندرية في أثناء المائة الرابعة من دولة الإسلام، وقد بحث لهم بحثا استقصى فيه - بزعمه - نصر مذهبهم، وهو ملكي، وقد ذكرت
كلامه في غير هذا الموضع.
وفيهم من يقول: إن مريم زوجة الله، وفيهم من يجعلها إلها آخر كالمسيح.
وفيهم من يثبت أن المسيح ابن الله، الولادة المعقولة المعروفة من الحيوان.
والأمانة التي جعلوها عقيدتهم وأصل إيمانهم في زمن " قسطنطين " بعد المسيح بأكثر من ثلاثمائة سنة، هي وغيرها من أقوالهم الظاهرة تدل على هذه الأمور المنكرة القبيحة دلالة بينة.
لكن علماؤهم يتأولونها بتأويلات تناقض مدلولها، مع فساد تلك المعاني التي يحملونها عليها عقلا وشرعا.

وليست تلك ألفاظ الأنبياء حتى يقال: حكمهم في ذلك حكم سائر الطوائف من المسلمين وغيرهم، الذين يقولون ما يرونه متشابها من كلام الأنبياء، ويقولون: إن الأنبياء تكلموا بما لا يعرف أحد معناه، أو إنهم خاطبوا الجمهور بما أرادوا به تفهيمهم أمورا ينتفعون بها، وإن كان ذلك كذبا باطلا في نفس الأمر.
فإن هؤلاء الطوائف، وإن كان فيهم من الضلال والجهل ما قد بسط في غير هذا الموضع، فقد فعلوا ذلك في ألفاظ الأنبياء التي لها حرمة النبوة.
بخلاف النصارى فإنهم وضعوا عقيدة وشريعة، ليست ألفاظها منقولة عن أحد من الأنبياء.
الوجه الرابع عشر: قولهم: ويراد بالأب والابن غير أبوة وبنوة نكاح، ومن أراد ولادة زوجة لعناه.
فيقال: لفظ الولادة المعروفة، إنما يكون من أصلين، وإنما يكون بانفصال جزء من الأصلين، وإنما يكون بحدوث المولود سواء أريد ولادة الحيوان أو غيرها، كما تتولد النار من بين الزنادين، فإذا قدح أحدهما بالآخر، خرج منهما جزء لطيف، فاستحال نارا، ثم سقط على الحراق.
وقد توسع بعض الناس في الولادة حتى عبر به عما يحدث عن الشيء، وإن لم يكن بانفصال جزء منه، كتولد الشعاع عن النار والشمس وغيرها ; لأن هذا يحدث بشيئين أحدهما ما يصدر عنه من الشمس والنار، والثاني المحل القابل له الذي ينعكس عليه، وهو الجرم المقابل له الذي يقوم به الشعاع.
فأما ما يحدث عن شيء واحد، فلا يعرف أنه يسمى ولادة إن قدر وجود ذلك، وكذلك لا يعرف ما يلزم الشيء الواحد أنه يسمى ولدا.
فأما ما يقوم بالموصوف من صفاته اللازمة له، فهذا أبعد
شيء عن أن يسمى هذا الملزوم ولادة، بل لا تكون الولادة إلا عن أصلين.
وكل من قال: إن لله ولدا، لزمه أن يكون له صاحبة بأي وجه فسر الولادة، وأن يكون له ولد حادث، ولهذا قال تعالى: {وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون - بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم} [الأنعام: 100 - 101]. فاستفهم تعالى استفهام إنكار، ليبين امتناع أن يكون له ولد، إذ لم تكن له صاحبة، فإن الولد لا يكون إلا من أصلين، وهذا مما ينبغي أن يتفطن له، فإن جعل ما يلزم الشيء الواحد متولدا عنه لا يعرف، لا سيما صفاته القائمة به اللازمة له، كعلمه وحياته، لا سيما الصفات القديمة الأزلية اللازمة لذات رب العالمين الذي لم يزل ولا يزال موصوفا بها، فإن صفات العبد اللازمة له، كحياته وقدرته ونحو ذلك، ليست متولدة عنه عند جميع العقلاء.
ولا يقول عاقل يعقل ما يقول: إن لون السماء وقدرها متولد عنها، ولا إن قدر الشمس وضوءها القائم بها اللازم لها متولد عنها، ولا يقول أحد: إن حرارة النار وضوءها القائم بها متولد عنها.
وإنما يقال: إن قيل فيما ليس بقائم بها، بل قائم بغيرها، أو فيما هو حادث بعد أن لم يكن، كالشعاع القائم بالأرض والحيطان، وهذا ليس بقائم بها، بل قائم بغيرها، هو حادث متولد عن أصلين لا عن أصل واحد.
فأما صفات المخلوق القائمة به اللازمة له، فلا يقول أحد من العقلاء: إنها متولدة عنه.
والنصارى يزعمون أن كلمة الله التي يفسرونها بعلمه أو حكمته، وروح القدس التي يفسرونها بحياته وقدرته - هي صفة له قديمة أزلية، لم يزل ولا يزال موصوفا بها.
ويقولون - مع ذلك -: إن الكلمة هي مولودة منه، فيجعلون علمه القديم الأزلي متولدا عنه، ولا يجعلون حياته القديمة الأزلية متولدة عنه.
وقد أصابوا في أنهم لم يجعلوا حياته متولدة عنه، لكن ظهر بذلك بعض مناقضاتهم وضلالهم، فإنه أنواع كثيرة، فإنه إن كانت صفة الموصوف القديمة اللازمة لذاته يقال: إنها ابنه وولده ومتولد عنه، ونحو ذلك، فتكون حياته أيضا ابنه وولده ومتولدا عنه، وإن لم يكن كذلك، فلا يكون علمه ابنه ولا ولده ولا متولدا عنه.
وأبلغ من ذلك أن روح القدس المنفصلة عنه القائمة بالأنبياء والصديقين، يقولون إنها ولده ولا إنها متولدة عنه، بل يخصون
ذلك بالكلمة، فلا ينقلون عن أحد من الأنبياء أنه سمى شيئا من صفات الله ابنا ولا ولدا، ولا قال: إن علم الله أو كلامه أو حكمته ولده أو ابنه، أو هو متولد عنه.

فعلم أن القوم في غاية التناقض في المعاني والألفاظ، وأنهم مخالفون للكتب الإلهية كلها، ولما فطر الله عليه عباده من المعقولات التي يسمونها نواميس عقلية، ومخالفون لجميع لغات الآدميين، وهذا مما يظهر به فساد تمثيلهم، فإنهم قالوا: تولدت الكلمة عنه، كما تولد الكلمة والحكمة فينا عن العقل.
فيقال لهم: لو قدر أن الأنبياء سموا ذلك تولدا، فما يتولد فينا حادث بعد أن لم يكن، وحدوثه يتسبب من فعلنا وقدرتنا ومشيئتنا.
فأما صفاتنا اللازمة لنا، التي لا اختيار لنا في اتصافنا بها، ولم نزل متصفين بها، فلا يقول عاقل: إنها متولدة فينا وعنا.
وأنتم تجعلون صفة الله القديمة اللازمة له التي لم يزل ولا يزال متصفا بها، متولدة عنه.
فلو قدر أن ما ذكرتموه من التولد العقلي أمر معروف في اللغة والعقل والشرع، لم يكن لكم أن تجعلوا علم الله وحكمته التي فسرتم بها كلمته ابنا له ومولودا منه، لم يزل مولودا منه ; لأن هذا باطل عقلا وشرعا ولغة.
أما العقل، فإن صفة الموصوف اللازمة له - وإن كان مخلوقا -
ليست متولدة عنه، فكيف الصفة القديمة للموصوف القديم؟
ولو جاز هذا، جاز أن يجعل ما كان لازما لغيره ولدا له ومولودا منه، فيجعل كيفيات الأشياء وكمياتها متولدة عنها وأمثالها.
ويقال: إن طول الجسم وعرضه وعمقه متولد عنه، وإن حياة الحي متولدة عنه، وإن القوى والطبايع التي جعلها الله في المخلوقات متولدة عنها.
وأما الشرع، فإن هذا لو كان متولدا وهو في بعض اللغات يسمى ولدا، لم يجز أن يحمل على ذلك كلام الأنبياء، إلا أن يكون في لغتهم يسمى ولدا.
وكل من نظر في كتب الأنبياء من علماء النصارى وغيرهم، لم يجد أحدا من الأنبياء يسمي علم الله وكلمته وحياته ولدا له، ولا ابنا له، ولا قال: إن ذلك يتولد عنه.
فقولهم عن المسيح: عمدوا الناس باسم الأب والابن وروح القدس: إنه أراد بالابن كلمة الله القديمة الأزلية، وإنها متولدة منه، وإنه أراد بروح القدس حياة الله القديمة الأزلية - كذب محض على المسيح - عليه السلام - لا يوجد قط في كلامه ولا كلام غيره من الأنبياء أنهم سموا علم الله وحكمته، ولا شيئا من صفاته القائمة به ابنا، ولا سموا حياته روح القدس.
وأما اللغة، فإن هذا التعبير الذي ذكروا - وهو تسمية صفات
الموصوف اللازمة له ولدا وابنا ومتولدا - لا يعرف في لغات بني آدم المعروفة.
وقد يتبنى الرجل ولد غيره فيتخذه ولدا ويجعله بمنزلة الولد، وإن لم يكن متولدا عنه، كما كانت تفعله أهل الجاهلية من العرب وغيرهم، ولهذا نزه الله - تعالى - نفسه عن الولادة وعن اتخاذ الولد فقال تعالى: {ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون} [الصافات: 151] وقال تعالى: {وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون - بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم} [الأنعام: 100 - 101]. وقال تعالى: {لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد} [الإخلاص: 3]
وأما اتخاذ الولد، ففي مواضع متعددة، كقوله تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك} [الإسراء: 111] وقوله تعالى:

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.07%)]