عرض مشاركة واحدة
  #275  
قديم 27-05-2024, 03:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,520
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السابع
الحلقة( 275)

من صــ 326 الى صـ 340





والذي اتفقت عليه الرسل وأتباعهم، ما جاء به القرآن والتوراة من أن الله موصوف بصفات الكمال، وأنه ليس كمثله شيء، فلا تمثل صفاته بصفات المخلوقين، مع إثبات ما أثبته لنفسه من الصفات، ولا يدخل في صفاته ما ليس منها، ويخرج منها ما هو داخل فيها.
إذا تبين هذا، فالمسلمون لما كان اعتقادهم بأن الله - تعالى - موصوف بما وصف به نفسه، وأنه ليس كمثله شيء، وكان ما أثبتوه له من الصفات مما جاءت به الرسل، لم يكن عليهم ملام ; لأنهم أثبتوا ما أثبته الرسل، ونفوا ما نفته الرسل، فكان في هذا النفي ما ينفي الوهم الباطل.
بخلاف من أثبت أمورا لم تأت بها الرسل، وضم إليها ما يؤكد المعنى الباطل لا ما ينفيه، وكان مما نفوا عنه أنه ليس بجسم مركب من الجواهر المنفردة، ولا من المادة والصورة.
أما على أحد قولي النظار بل أظهرهما، فإن ما سواه من الموجودات القائمة بأنفسها، ليس مركبا لا من هذا ولا من هذا.
فهو سبحانه أحق بتنزيهه عن مثل هذا، إذ كل نقص نفي عن المخلوق، فالخالق أحق بتنزيهه منه.
وأما على القول الآخر، فتارة يقولون: لأن المركب من الجواهر المنفردة يمكن افتراق أجزائه، وذلك ممتنع في حق الله - تعالى -، وتارة يقولون: لأنه مفتقر إلى أجزائه، وذلك ممتنع في حق الله
- تعالى -، إذ جزؤه غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجبا بنفسه قديما أزليا، كما قد بسط الكلام على هذه الأمور في موضع آخر.
ثم منهم من لا يطلق من النفي والإثبات إلا الألفاظ الشرعية، فكما لا يقول: هو جسم وجوهر، لا يقول: ليس بجسم ولا جوهر.
ومنهم من يطلق هذه الألفاظ، وهؤلاء منهم من ينفيها، ومنهم من يثبتها.
وكل من الطائفتين قد يدخل في ذلك ما يوافق الشرع، وقد يدخل في ذلك ما يخالف الشرع.
وكل من الطائفتين يدعي النظر العقلي أو اللغوي، وربما اعتصم بعضهم بما يظنه دليلا شرعيا.
والغالب عليهم أنهم لا يعتصمون في ذلك بشرع، إذ لم يكن في ذلك شرع، وإنما يتكلفون تغيير اللغة التي بعث بها الرسول، ثم يحملون ألفاظه على ما ابتدعوه من اللغة، كما فعلته النصارى في حمل كلام الأنبياء على ما ابتدعوه من اللغة.
فإن الأنبياء لم يسموا علم الله وحياته ابنا، وروح قدس، ولا ربا، فسمى النصارى علمه وحياته ابنا، وروح قدس، وربا، ثم حملوا كلام الأنبياء على ذلك.
كذلك طائفة من أهل الكلام كان السلف يسمونهم الجهمية، أحدثوا تسمية الواحد والأحد ونحوهما لما لا يشار إليه ويميز الحس منه
شيئا عن شيء، وهذا خلاف اللغة، فإن أهل اللغة يسمون بالواحد والوحيد والأحد في النفي لما يشار إليه ويميز الحس منه شيئا من شيء، قال تعالى: {ذرني ومن خلقت وحيدا} [المدثر: 11] فسمى الإنسان وحيدا، وقال تعالى: {وإن كانت واحدة فلها النصف} [النساء: 11] فسمى المرأة واحدة، {وما أمرنا إلا واحدة} [القمر: 50] وقال: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6] فسمى المستجير وهو الإنسان أحدا.
وكذلك قوله تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} [الإخلاص: 4] فنفى أن يكون أحد كفوا له.

فلو كان ما يشار إليه لا يسمى أحدا، لم يكن قد نزهه عن مماثلة المخلوقات له، فإن المشهود من المخلوقات كلها يشار إليها، فإن لم يدخل في أحد، لم يكن قد نزه نفسه عن مماثلتها.
فهؤلاء لما أحدثوا أن مسمى الأحد والواحد لا يكون مشارا إليه، قالوا: والرب قد سمى نفسه أحدا وواحدا، فيجب أن لا يكون مشارا إليه.
ولغة الرسول التي خاطب بها الناس لم تكن موافقة لما ابتدعوه من اللغة.
وكذلك الذين قالوا: " هو جسم " غيروا اللغة، وجعلوا الجسم اسما لما يشار إليه، أو لكل موجود، ولكل قائم بنفسه.
ثم قالوا: هو موجود، أو قائم بنفسه، أو مشار إليه، فيكون جسما
ولا يوجد في اللغة اسم الجسم، لا لهذا، ولا لهذا، ولا لهذا.
وقالوا: لا يلزم من كونه مشارا إليه أن يكون مركبا من الجواهر المفردة، ولا من المادة والصورة.
وقال أولئك: بل يلزم أن كل مركب، يسمى في اللغة جسما، فيلزم أن يسمى جسما، إذا قلنا: هو مشار إليه، أو يرى بالأبصار، أو متصفا بصفات تقوم به.
وليس ما ذكروه عن اللغة بمستقيم، فإن أهل اللغة لا يعنون بالجسم المركب، بل الجسم عندهم هو الجسد، ولا يسمون الهواء جسما.
إذا تبين هذا، فتمثيل هؤلاء النصارى باطل، على قول كل طائفة من طوائف المسلمين.
فمنهم من يقول: الجسم - في اللغة - هو المركب، والله ليس بمركب، فليس بجسم. لا يقولون بما ذكروه من أن الله له وجه يوليه إلى كل مكان، وجنب ونحو ذلك.
وكذلك من قال: إن الله ليس بمركب، وسماه جسما، بمعنى أنه قائم بنفسه، أو لم يسمه جسما، لا يقول بذلك أيضا، ومن حكى عنه يثبت له خصائص الأجسام المركبة، فهؤلاء إن أطلقوا ما نفاه، فلا حجة للنصارى عليهم، وإن لم يطلقوه، فحجتهم أبعد.
فقد تبين أنه ليس لهم حجة على أفسد الناس قولا في التجسيم، فضلا عن غيرهم.

الوجه السادس: أن يقال لهؤلاء النصارى: إما أن تعنوا بلفظ الجسم المعنى اللغوي وهو الجسد، وإما أن تعنوا به المعنى الاصطلاحي عند أهل الكلام، كالمشار إليه مثلا.
فإن عنيتم الأول، لم يلزم من نفي ذلك نفي ما ذكرتموه من الصفات لا سيما وأنتم تقولون: إنه جوهر، وقسمتم الجوهر إلى لطيف وكثيف.
فإذا كان الكثيف هو الجسم، واللطيف جوهر ليس بجسم، لم يمتنع على مثل هذا أن يكون له ما يناسبه من الصفات كالملائكة،فإن الملائكة لا يمتنع وصفها بذلك، وإن لم تكن أجساما على هذا الاصطلاح، بل هي جواهر روحانية، وكذلك روح الإنسان التي تخرج منه، لا يمتنع وصفها بما يناسبها من ذلك، وإن كانت ليست بجسم على هذا التقدير.
فتبين أن نفي مسمى الجسم اللغوي عن الشيء، لا يمتنع اتصافه بما ذكر من الصفات وأمثالها.
وإن عنيتم بالجسم القائم بنفسه أو المشار إليه، لم يمتنع - عندكم - أن يكون جسما، فإنكم سميتموه جوهرا، وعنيتم القائم بنفسه.
فإن قام الدليل على أن كل قائم بنفسه يشار إليه، كان أيضا مشارا إليه.
وإن قام دليل على أنه قائم بنفسه لا يشار إليه، كان جوهرا وجسما عند من يفسر الجسم بالقائم بنفسه، ومن فسره بالمشار إليه لم يسم عنده جسما، فتبين أنه على - أصلكم - لا يمتنع أن يسمى جسما مع تسميتكم له جوهرا، إلا إذا ثبت أن من الموجودات ما هو جوهر قائم بنفسه لا يشار إليه، وهذا لم يقيموا عليه دليلا، وليس هذا قول أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، وإنما هو قول طائفة من الفلاسفة، وقليل من أهل الملل وافقوهم.
ثم يقال لكم: أنتم قلتم: إنه حي ناطق، وله حياة ونطق، بل زدتم على ذلك حتى جعلتموه أقانيم ثلاثة.
ومعلوم أن الحياة والنطق لا تعقل إلا صفة قائمة بموصوف، ولا يعلم موصوف بالحياة والنطق إلا ما هو مشار إليه، بل ما هو جسم كالإنسان.
فإن جاز لكم أن تثبتوا هذه الأعراض في غير جسم، جاز لغيركم أن يثبت المجيء واليد ونحو ذلك لغير الجسم.
وإن قلتم: هذا لا يعقل إلا لجسم، قيل لكم: وذلك لا يعقل إلا لجسم، فإن رجعتم إلى الشاهد، كان حجة عليكم، وإن جاز لكم أن تثبتوا في الغائب حكما على خلاف الشاهد، جاز لغيركم، وحينئذ فلا تناقض بين ما نفاه المسلمون وأثبتموه، لو كان ما ذكرتموه عنهم من النفي والإثبات حقا على وجهه، فكيف وقد وقع التحريف في الطرفين؟
الوجه السابع: أن يقال: غاية مقصودكم أن تقولوا: إن المسلمين لما أطلقوا ألفاظا ظاهرها كفر عندهم، لمجيء النص بها، وهم لا يعتقدون ظاهر مدلولها، كذلك نحن أطلقنا هذه الألفاظ التي ظاهرها كفر، لمجيء النص بها، ونحن لا نعتقد مدلولها.
فيقال لكم: أولا: إن ما أطلقه المسلمون من نصوص الصفات أطلقتموه أنتم، كما وردت به التوراة، فهذا مشترك بينكم وبينهم، وما اختصصتم به من التثليث، والاتحاد لم يشركوكم فيه.
ثم يقال ثانيا: إن المسلمين أطلقوا ألفاظ النصوص، وأنتم أطلقتم ألفاظا لم يرد بها نص.
والمسلمون قرنوا تلك الألفاظ بما جاءت به النصوص من نفي التمثيل.
وأنتم لم تقرنوا بألفاظكم ما ينفي ما أثبتموه من التثليث والاتحاد.
والمسلمون لم يعتقدوا معنى باطلا.
وأنتم اعتقدتم من التثليث في الأقانيم والاتحاد ما هو معنى باطل.
والمسلمون لم يسموا صفات الله بأسماء أحدثوا تسمية الصفات بها وحملوا كلام الرسل عليها.
وأنتم أحدثتم لصفات الله أسماء سميتموه أنتم بها لم تسمعه الرسل، وحملتم كلام الرسل عليها.
والمسلمون لم يعدلوا عن النصوص الكثيرة المحكمة البينة الواضحة إلى ألفاظ قليلة متشابهة.
وأنتم عدلتم عن هذا إلى هذا.
والمسلمون لم يضعوا لهم شريعة اعتقاد غير ما جاءت به الرسل.
وأنتم وضعتم شريعة اعتقاد غير ما جاءت به الرسل.

والمسلمون لم يقولوا قولا لا يعقل.
وأنتم قلتم قولا لا يعقل.
والمسلمون لم يتناقضوا، فيجعلوا الإله واحدا ويجعلونه
اثنين، بل ثلاثة، وأنتم تناقضتم.
فهذه الفروق وغيرها مما يبين فساد تشبيهكم أنفسكم بالمسلمين.
الوجه الثامن: قولكم: وكذلك - نحن النصارى - العلة في قولنا: (إن الله ثلاثة أقانيم، أب، وابن، وروح قدس، أن الإنجيل نطق به.
فيقال لكم: هذا باطل، فإنه لم ينطق لا الإنجيل ولا شيء من النبوات بأن الله ثلاثة أقانيم، ولا خص أحد من الأنبياء الرب بثلاث صفات دون غيرها، ولا قال المسيح ولا غيره: إن الله هو الأب والابن وروح القدس، ولا إن له أقنوما هو الابن، وأقنوما هو روح القدس، ولا قال: إن الابن كلمته أو علمه أو حكمته أو نطقه، وإن روح القدس حياته، ولا سمى شيئا من صفاته ابنا ولا ولدا، ولا قال عن شيء من صفات الرب إنه مولود، ولا جعل القديم الأزلي مولودا، ولا قال لا عن قديم ولا مخلوق، إنه إله حق من إله حق، ولا قال عن صفات الله إنها آلهة، وإن الكلمة إله والروح إله، ولا قال إن الله اتحد لا بذاته ولا بصفاته بشيء من البشر، بل هذا كله مما ابتدعتموه وخرجتم به عن الشرع والعقل، فخالفتم الكتب المنزلة والعقول الصريحة، وكنتم ممن قيل فيهم: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [الملك: 10]
فإنكم أنتم الذين سميتم نطق الله ابنا، وقلتم: سميناه ابنا ; لأنه تولد منه كما يتولد الكلام من العقل، فكان ينبغي أيضا أن تسموا حياته ابنا ; لأنها منبثقة منه ومتولدة عنه أيضا، إذ لا فرق بين علم الرب وحياته.
فعلمه لازم له وحياته لازمة له، فلماذا جعلتم هذا ابنا دون هذا.
وقلتم: إنه مولود من الله، وإنه قديم أزلي، وأنتم تعترفون بأن أحدا من الأنبياء لم يسم علم الله ولا كلامه ولا حكمته مولودا منه.
والذي يعقله الخلق في المولود الذي يولد من غيره، كما يتولد العلم والكلام من نفس الإنسان، أنه حادث فيه أو منفصل عنه، لا يعقل أنه قائم به، وأنه متولد منه قديم أزلي.
ثم قلتم في أمانتكم، إنه تجسم من روح القدس، أو منه ومن مريم.
وهو إنما تجسم عندكم من الكلمة التي سميتموها الابن دون روح القدس.
وإن كان تجسم من روح القدس، فيكون هو روح القدس لا يكون هو الكلمة التي هي الابن.
ثم تقولون: هو كلمة الله وروحه، فيكون حينئذ أقنومين، أقنوم الكلمة وأقنوم الروح، وإنما هو عندكم أقنوم واحد.
فهذا تناقض وحيرة، تجعلونه الابن الذي هو الكلمة، وهو أقنوم الكلمة فقط
وتقولون: تجسم من روح القدس، ولا تقولون: إنه تجسم من الكلمة.
وتقولون: هو كلمة الله وروحه، والكلمة والروح أقنومان.
ولا تقولون: إنه أقنومان، بل أقنوم واحد.

وتقولون: إنه خالق العالم، والخالق هو الأب وتقولون: ليس هو الأب، وتقولون: إله حق من إله حق، وتقولون: إله واحد ساوى الأب في الجوهر.
وتقولون: ليس له مثل، وليس شيء من هذا في كلام أحد من الأنبياء، فكيف تشبهون أنفسكم بمن اتبع نصوص الأنبياء، ولم يحرفها؟
وغاية ما عندكم ما وجد في إنجيل " متى " دون سائر الأناجيل من أن المسيح - عليه السلام - قال: (عمدوا الناس باسم الأب والابن والروح القدس).
وأنتم قد عرفتم في كلام المسيح وغيره من الأنبياء أنهم يريدون بالابن صفة الله، لا كلامه ولا علمه ولا حكمته.
ولا يريدون بالابن: إله حق من إله حق، ولا مولود قديم أزلي،
بل يريدون به وليه، وهو ناسوت لا لاهوت، كيعقوب والحواريين.
ولا يريدون بروح القدس نفس حياة الله، ولا يريدون به أنه رب حي، وإنما يريدون بها الملك أو ما ينزله الله على قلوب أنبيائه وأصفيائه من الهدى والتأييد ونحو ذلك.
فروح القدس يكون عندكم وعند المسلمين في الأنبياء وغيرهم، كما كانت في داود وغيره وكانت في الحواريين.
فلو قدر أن لفظ الابن وجد في كلام المسيح مستعملا تارة في كلمة الله، وتارة في وليه الناسوت، وروح القدس مستعملا تارة في حياته، وتارة فيما ينزله على قلوب أنبيائه - كان جزمكم بأنه أراد بذلك هنا صفات الله جزما باطلا.
فما وصف به المسيح من أنه ابن الله، ومن أن روح القدس فيه - قد وصف به غيره من الأنبياء والصالحين.
فإن كان الابن وروح القدس صفتين لله، وجب أن يكون غير المسيح لاهوتا وناسوتا كالمسيح، إذ الذي حل في المسيح حل في غيره.
ثم جزمكم بأن هذه الصفات أقانيم، وأنه ليس لله صفات ذاتية أو جوهرية أو نحو ذلك إلا هذه الثلاثة، ثم تفرقتم في الثلاثة، هل المراد بالأقانيم الوجود والعلم والحياة، أو الحكمة والكلام، أو النطق

بدل لفظ العلم، أو المراد الوجود والعلم والقدرة، بدل الحياة، أو المراد الوجود والحياة والقدرة، أو المراد الوجود مع الحياة والعلم والقدرة؟ إلى أقوال أخرى يطول أمرها.
فيا ليت شعري، ما الذي أراد المسيح بلفظ الأب والابن وروح القدس من هذه الأمور التي اختلفتم فيها، لو كان مراده ما ادعيتموه من الأقانيم؟
والأقانيم - لفظا ومعنى - لا يوجد في كلام أحد من الأنبياء، بل قيل فيها: إنها لفظة رومية، يفسرونها تارة بالأصل، وتارة بالشخص، وتارة بالذات مع الصفة، ويفسرونها تارة بالخاصة، وتارة بالصفة.
فهلا تركتم كلام المسيح على حاله، ولم تحرفوه هذه التحريفات.
ولقد أحسن بعض الفضلاء إذ قال: لو سألت نصرانيا وابنه وابن ابنه عما يعتقدونه، لأخبرك كل واحد بعقيدة تخالف عقيدة الآخر، إذ كان أصل اعتقادهم جهلا وضلالا، ليس معهم علم لا نقل ولا عقل، فهم كما قال الله - تعالى -: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} [الحج: 8]
وليس معهم بما اعتقدوه من التثليث والاتحاد علم، بوجه من الوجوه فضلا عما هو أخص من ذلك، وهو علم يهتدون به، فليسوا
بمهتدين فضلا عما هو أخص من الهدى وهو " كتاب منير " فليس معهم به كتاب منير.
ولو تكلمتم بهذا الكلام، وقلتم: لا نفهم معناه أو ظاهره باطل، وله تأويل مقبول، كما حكيتموه عمن تشبهتم به من المسلمين من أنه يقوله في الصفات - لكان هذا أقرب إلى القياس.
فكيف والأمر بعكس ما ذكرتم؟
وذلك يتبين بالوجه التاسع: وهو أنكم إنما ضللتم بعدولكم عن صريح كلام الأنبياء وظاهره، إلى ما تأولتموه عليه من التأويلات التي لا يدل عليها لفظه، لا نصا ولا ظاهرا، فعدلتم عن المحكم واتبعتم المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.

فلو تمسكتم بظاهر هذا الكلام، لم تضلوا، فإن الابن ظاهره في كلام الأنبياء، لا يراد به شيء من صفات الله، بل يراد به وليه وحبيبه ونحو ذلك، وروح القدس يراد به صفته، بل يراد به وحيه وملكه ونحو ذلك، فعدلتم عن ظاهر اللفظ ومفهومه إلى معنى لا يدل عليه اللفظ البتة، فكيف تدعون أنكم اتبعتم نصوص الأنبياء؟
الوجه العاشر: أنكم بالغتم في ذم المسيح وإنجيله، كما بالغتم في سب الله وشتمه، وإن كنتم لا تعلمون أن ذلك ذم، فلم ترضوا أن تجعلوا ظاهر كلام المسيح ما أنتم عليه من الكفر حتى جعلتم ظاهره كفرا لا ترضونه، مثل ثلاثة آلهة متفقة أو متفرقة، أو ثلاثة أجسام مؤلفة، أو ثلاثة أجزاء مفرقة، أو ثلاثة أشخاص مركبة.
فهذا ونحوه هو الذي ادعيتم أنه ظاهر كلام المسيح - عليه السلام -.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.95 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.05%)]