عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-05-2024, 03:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السابع
الحلقة( 273)

من صــ 296 الى صـ 310





الوجه التاسع عشر: أنه ليس كل من تولى عليه إمام عادل يكون من حزب الله، ويكون غالبا ; فإن أئمة العدل يتولون على المنافقين والكفار، كما كان في مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت حكمه ذميون ومنافقون. وكذلك كان تحت ولاية علي كفار ومنافقون. والله تعالى يقول: {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [سورة المائدة: 56] ; فلو أراد الإمارة لكان المعنى: إن كل من تأمر عليهم الذين آمنوا يكونون من حزبه الغالبين، وليس كذلك. وكذلك الكفار والمنافقون تحت أمر الله الذي هو قضاؤه وقدره، مع كونه لا يتولاهم بل يبغضهم.
(قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل (60)
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
هذا تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد في طائفة من كتب التفسير إلا ما هو خطأ.
منها قوله: {وعبد الطاغوت} والصواب عطفه على قوله: {من لعنه الله} فعل ماض معطوف على ما قبله من الأفعال الماضية؛ لكن المتقدمة الفاعل الله مظهرا أو مضمرا وهذا الفعل اسم من عبد الطاغوت وهو الضمير في عبد ولم يعد حرف (من) لأن هذه الأفعال لصنف واحد وهم اليهود.
(وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين (64)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:

قال: {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} فهذا اللفظ أصله أن المحاربين يوقدون نارا يجتمع إليها أعوانهم وينصرون وليهم على عدوهم فلا تتم محاربتهم إلا بها فإذا طفئت لم يجتمع أمرهم ثم صار هذا كما تستعمل الأمثال في كل محارب بطل كيده كما يقال: يداك أوكتا وفوك نفخ ومعناه أنت الجاني على نفسك. وكما يقال: الصيف ضيعت اللبن معناه: فرطت وقت الإمكان. وهذه الألفاظ كان لها معنى خاص نقلت بعرف الاستعمال إلى معنى أعم من ذلك وصار يفهم منها ذلك عند الإطلاق لغلبة الاستعمال ولا يفهم منها خصوص معناها الأول كسائر الألفاظ التي نقلها أهل العرف إلى أعم من معناها مثل لفظ الرقبة والرأس في قوله: {فتحرير رقبة} وقد يقال: إن هذا من باب دلالة اللزوم فإن تحرير العنق يستلزم تحرير سائر البدن؛ ولهذا تنازع الفقهاء إذا قال: يدك حر إن دخلت الدار؛ فقطعت يده ثم دخل الدار: هل يعتق؟ على وجهين بناء على أنه من باب السراية أو من باب العبادة. والصحيح أنه من باب العبادة ومعناه: أنت حر إن فعلت كذا والحقيقة الحرفية والشرعية معلومة في اللغة.
[فصل: الجواب عن شبهة النصارى في إقرار المسلمين في الصفات وأنه لا يقتضي التشبيه والتجسيم]
قال الحاكي عنهم: فقلت لهم: إنهم يقولون لنا: إذا كان اعتقادكم في الباري - تعالى - أنه واحد، فما حملكم على أن تقولوا: أب وابن وروح قدس، فتوهمون السامعين أنكم تعتقدون في الله ثلاثة أشخاص مركبة، أو ثلاثة آلهة، أو ثلاثة أجزاء، وأن له ابنا، ويظن من لا يعرف اعتقادكم أنكم تريدون بذلك ابن المباضعة والتناسل، فتطرقون على أنفسكم تهمة أنتم منها بريئون؟
قالوا: وهم أيضا، لما كان اعتقادهم في الباري جلت عظمته أنه غير ذي جسم، وغير ذي جوارح وأعضاء، وغير محصور في مكان، فما حملهم على أن يقولوا: إن له عينين يبصر بهما، ويدين يبسطهما، وساقا، ووجها يوليه إلى كل مكان، وجنبا، وأنه يأتي في ظلل من الغمام، فيوهمون السامعين أن الله ذو جسم وذو أعضاء وجوارح، وأنه ينتقل من مكان إلى مكان في ظلل من الغمام، فيظن من لا يعرف اعتقادهم أنهم يجسمون الباري، حتى إن قوما منهم اعتقدوا ذلك واتخذوه مذهبا، ومن لم يتحقق اعتقادهم يتهمهم بما هم بريئون منه.
قال: فقلت لهم: إنهم يقولون: إن العلة في قولهم هذا، أن الله له عينان ويدان ووجه وساق وجنب، وأنه يأتي في ظلل من الغمام، فهو أن القرآن نطق به، وأن ذلك غير ظاهر اللفظ، وكل من يحمل ذلك على ظاهر اللفظ ويعتقد أن الله له عينان ويدان ووجه وجنب وجوارح وأعضاء، وأن ذاته تنتقل، فهم يلعنونه ويكفرونه، فإذا كفروا من يعتقد هذا، فليس لمخالفيهم أن يلزموهم هذا بعد أن لا يعتقدوه.
قالوا: وكذلك نحن أيضا النصارى، العلة في قولنا: إن الله ثلاثة أقانيم: أب، وابن، وروح قدس، أن الإنجيل نطق به، والمراد بالأقانيم: غير الأشخاص المركبة والأجزاء والأبعاض وغير ذلك مما يقتضي الشرك والتكثير، وبالأب والابن غير أبوة وبنوة نكاح أو تناسل، أو جماع أو مباضعة.
وكل من يعتقد أن الثلاثة أقانيم ثلاثة آلهة مختلفة، أو ثلاثة آلهة متفقة، أو ثلاثة أجسام مؤلفة، أو ثلاثة أجزاء متفرقة، أو ثلاثة أشخاص مركبة، أو أعراض، أو قوى، أو غير ذلك مما يقتضي الاشتراك والتكثير والتبعيض والتشبيه، أو بنوة نكاح، أو تناسل، أو مباضعة، أو جماع، أو ولادة زوجة، أو من بعض الأجسام، أو من بعض الملائكة، أو من بعض المخلوقين، فنحن نلعنه ونكفره ونجرمه.

وإذا لعنا أو كفرنا من يعتقد ذلك، فليس لمخالفينا أن يلزمونا بعد أن لا نعتقده، وإن ألزمونا الشرك والتشبيه لأجل قولنا: أب وابن وروح
قدس ; لأن ظاهر ذلك يقتضي التكثير والتشبيه، ألزمناهم أيضا - نحن - التجسيم والتشبيه لقولهم: إن الله له عينان ويدان ووجه وساق وجنب، وأن ذاته تنتقل من مكان إلى مكان، وأنه استوى على العرش من بعد أن لم يكن عليه، وغير ذلك مما يقتضي ظاهره التجسيم والتشبيه.
والجواب من وجوه:أحدها: أن يقال: من آمن بما جاءت به الرسل وقال ما قالوه من غير تحريف للفظه ولا معناه، فهذا لا إنكار عليه، بخلاف من ابتدع أقوالا لم تقلها الرسل، بل هي تخالف ما قالوه، وحرف ما قالوه، إما لفظا ومعنى، وإما معنى فقط، فهذا يستحق الإنكار عليه باتفاق الطوائف.

وأصل دين المسلمين أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه في كتبه، وبما وصفته به رسله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يثبتون له - تعالى - ما أثبته لنفسه، وينفون عنه ما نفاه عن نفسه، ويتبعون في ذلك أقوال رسله، ويجتنبون ما خالف أقوال الرسل، كما قال تعالى: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} [الصافات: 180] أي عما يصفه الكفار المخالفون للرسل. {وسلام على المرسلين} [الصافات: 181]
لسلامة ما قالوه من النقص والعيب. {والحمد لله رب العالمين} [الأنعام: 45].
فالرسل وصفوا الله بصفات الكمال، ونزهوه عن النقائص المناقضة للكمال، ونزهوه عن أن يكون له مثل في شيء من صفات الكمال، وأثبتوا له صفات الكمال على وجه التفصيل، ونفوا عنه التمثيل، فأتوا بإثبات مفصل ونفي مجمل.
فمن نفى عنه ما أثبته لنفسه من الصفات، كان معطلا، ومن جعلها مثل صفات المخلوقين، كان ممثلا، والمعطل يعبد عدما، والممثل يعبد صنما.
وقد قال تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] وهو رد على الممثلة، {وهو السميع البصير} [الشورى: 11] وهو رد على المعطلة.
فوصفته الرسل بأنه حي منزه عن الموت، عليم منزه عن الجهل، قدير قوي عزيز منزه عن العجز والضعف والذل واللغوب، سميع بصير منزه عن الصم والعمى، غني منزه عن الفقر، جواد منزه عن البخل، حكيم حليم منزه عن السفه، صادق منزه عن الكذب، إلى سائر صفات الكمال، مثل وصفه بأنه ودود رحيم لطيف، وقد قال تعالى: {قل هو الله أحد - الله الصمد - لم يلد ولم يولد - ولم يكن له كفوا أحد} [الإخلاص: 1 - 4].
فالصمد، اسم يتضمن إثبات صفات الكمال ونفي النقائص، وهو العليم الكامل في علمه، القدير الكامل في قدرته، الحكيم الكامل في حكمته.
ولنا مصنف مبسوط في تفسير هذه السورة، وآخر في بيان أنها تعادل ثلث القرآن، وذكرنا كلام علماء المسلمين من الصحابة والتابعين في معنى " الصمد " وأن عامة ما قالوه حق، كقول من قال منهم: (إن الصمد الذي لا جوف له) ومن قال منهم: (إنه السيد الذي انتهى سؤدده) كما قيل: (إنه المستغني عن كل ما سواه، وكل ما سواه محتاج إليه) وكما قيل: (إنه العليم الكامل في علمه، والقدير الكامل في قدرته) إلى سائر صفات الكمال.
وذكر تعالى في هذه السورة، أنه أحد ليس له كفوا أحد، فنفى بذلك أن يكون شيئا من الأشياء له كفوا، وبين أنه أحد لا نظير له.

وقال في آية أخرى: {فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا} [مريم: 65] وقال: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11] وقال: {فلا تضربوا لله الأمثال} [النحل: 74] وقال: {فلا تجعلوا لله أندادا} [البقرة: 22]
وما ورد في القرآن والسنة من إثبات صفات الله، فقد ورد في التوراة وغيرها من كتب الله مثل ذلك.
فهو أمر اتفقت عليه الرسل، وأهل الكتاب في ذلك كالمسلمين.
وإذا كان كذلك، فهم في أمانتهم لم يقولوا ما قاله المسيح والأنبياء، بل ابتدعوا اعتقادا لا يوجد في كلام الأنبياء، فليس في كلام الأنبياء لا المسيح ولا غيره ذكر أقانيم لله، لا ثلاثة ولا أكثر، ولا إثبات ثلاث صفات، ولا تسمية شيء من صفات الله ابنا لله ولا ربا، ولا تسمية حياته روحا، ولا أن لله ابنا هو إله حق من إله حق، من جوهر أبيه، وأنه خالق كما أن الله خالق، إلى غير ذلك من الأقوال المتضمنة لأنواع من الكفر، لم تنقل عن نبي من الأنبياء.
فقالوا في شريعة إيمانهم: نؤمن بالله الأب، مالك كل شيء، صانع ما يرى وما لايرى، وهذا حق.
ثم قالوا: وبالرب الواحد يسوع المسيح ابن الله الواحد، بكر الخلايق كلها، مولود ليس بمصنوع، إله حق من إله حق، من جوهر أبيه، نور من نور، مساو للأب في الجوهر الذي بيده أتقنت العوالم وخلق كل شيء، الذي من أجلنا - معشر الناس - ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسد من روح القدس، ومن مريم العذراء البتول، وصار إنسانا، وحبل به وولد من مريم البتول، وتألم وصلب ودفن، وقام في اليوم الثالث، كما هو مكتوب، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء.
ونؤمن بروح القدس المحيي، وروح الحق المنبثق من أبيه، أو الذي خرج من أبيه روح محييه.
فأين في كلام الأنبياء أن شيئا من صفات الله أو من مخلوقاته يقال فيه: إنه أقنوم، وإنه حق من إله حق، من جوهر أبيه، وإنه مساو لله في الجوهر، وإنه خالق خلق كل شيء، وإنه قعد عن يمين الله فوق العرش، وإنه الذي يقضي بين الناس يوم القيامة؟
وأين في كلام الأنبياء أن لله ولدا قديما أزليا؟
ومن الذي سمى كلام الله أو علمه أو حكمته - مولودا له أو ابنا له، أو شيئا من صفاته مولودا له أو ابنا له؟
ومن الذي قال من الأنبياء: إنه مولود، وهو - مع ذلك - قديم أزلي؟
وأين في كلامهم أن لله أقنوما ثالثا هو حياته، ويسمى بروح القدس، وأنه أيضا رب حي محي.
فلو كان النصارى آمنوا بنصوص الأنبياء، كما آمن المؤمنون،
لم يكن عليهم ملام.
ومن اعترض على نصوص الأنبياء، كان لفساد فهمه ونقص معرفته.

ولكنهم ابتدعوا أقوالا وعقائد ليست منصوصة عن أحد من الأنبياء - عليهم السلام - وفيها كفر ظاهر وتناقض بين.
فلو قدر أنهم أرادوا بها معنى صحيحا، لم يكن لأحد أن يبتدع كلاما لم يأت به نبي يدل على الكفر المتناقض الذي يخالف الشرع والعقل، ويقول: إني أردت به معنى صحيحا، من غير أن يكون لفظه دالا على ذلك، فكيف والمراد الذي يفسرون به كلامهم فاسد متناقض كما تقدم؟
فهم ابتدعوا أقوالا منكرة وفسروها بتفسير منكر، فكان الرد عليهم من كل واحد من الوجهين، وهم - في ذلك - نظير بعض ملاحدة المسلمين الذين يعتقدون إلهية بعض أهل البيت، أو بعض المشايخ، ويصفون الله بصفات لم ينطق بها كتاب، وهؤلاء ملحدون عند المسلمين.
بخلاف المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسله، الذين آمنوا بما قالت الأنبياء، ولم يبتدعوا أقوالا لم يأت بها الأنبياء، وجعلوها أصل دينهم.
الوجه الثاني: أن يقال: ما ذكرتموه عن المسلمين كذب ظاهر عليهم.
فهذا النظم الذي ذكروه ليس هو في القرآن، ولا في الحديث،
ولا يعرف عالم مشهور من علماء المسلمين، ولا طائفة مشهورة من طوائفهم، يطلقون العبارة التي حكوها عن المسلمين، حيث قالوا عنهم: (إنهم يقولون: إن لله عينين يبصر بهما، ويدين يبسطهما، وساقا ووجها يوليه إلى كل مكان، وجنبا).
ولكن هؤلاء ركبوا من ألفاظ القرآن بسوء تصرفهم وفهمهم، تركيبا زعموا أن المسلمين يطلقونه.
وليس في القرآن ما يدل ظاهره على ما ذكروه، فإن الله - تعالى - قال في كتابه: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء} [المائدة: 64]
واليهود أرادوا بقولهم: (يد الله مغلولة) أنه بخيل، فكذبهم الله في ذلك، وبين أنه جواد لا يبخل، فأخبر أن يديه مبسوطتان، كما قال: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} [الإسراء: 29]
فبسط اليدين المراد به الجواد والعطاء، ليس المراد ما توهموه من بسط مجرد.
ولما كان العطاء باليد يكون ببسطها، صار من المعروف في اللغة التعبير ببسط اليد عن العطاء.
فلما قالت اليهود: (يد الله مغلولة) وأرادوا بذلك أنه بخيل، كذبهم الله في ذلك، وبين أنه جواد ماجد.
وإثبات اليدين له موجود في التوراة وسائر النبوات، كما هو موجود في القرآن.
فلم يكن في هذا شيء يخالف ما جاءت به الرسل، ولا ما يناقض العقل، وقد قال تعالى لإبليس: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} [ص: 75]
فأخبر أنه خلق آدم بيديه، وجاءت الأحاديث الصحيحة توافق ذلك.
وأما لفظ (العينين)، فليس هو في القرآن، ولكن جاء في حديث.

وذكر الأشعري عن أهل السنة والحديث أنهم يقولون: إن لله عينين.
ولكن الذي جاء في القرآن: {ولتصنع على عيني - واصنع الفلك بأعيننا ووحينا} [هود: 39 - 37]،
{وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا} [القمر: 13].
وأما قولهم: (له وجه يوليه إلى كل مكان) فليس هذا في القرآن ولكن في القرآن: {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} [الرحمن: 26] وقوله: {كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} [القصص: 88] وقوله: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115]
وهذا قد قال فيه طائفة من السلف: فثم قبلة الله ; أي فثم جهة الله، والجهة كالوعد والعدة، والوزن والزنة.
والمراد بوجه الله وجهة الله - الوجه، والجهة والوجهة الذي لله يستقبل في الصلاة، كما قال في أول الآية: {ولله المشرق والمغرب} [البقرة: 115] ثم قال: {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115]

كما قال تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [البقرة: 142]
فإذا كان لله المشرق والمغرب، {ولكل وجهة هو موليها} [البقرة: 148] وقوله: (موليها) ; أي متوليها أو مستقبلها، فهذا كقوله: {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115] أي فأينما تستقبلوا فثم وجه الله. وقد قيل: إنه يدل على صفة الله، لكن يدل على أن ثم وجه لله، وأن العباد أينما يولون فثم وجه الله، فهم الذين يولون ويستقبلون، لا أنه هو يولي وجهه إلى كل مكان، فهذا تحريف منهم للفظ القرآن عن معناه وكذب على المسلمين.
ومن قال بالقول الثاني من المسلمين، فإن ذلك يقتضي أن الله محيط بالعالم كله، كما قد بسطت هذه الأمور في غير هذا الموضع.
إذ المقصود هنا بيان ضلال هؤلاء في دينهم فيما ابتدعوا من الكفر والتثليث والاتحاد، دون الذين آمنوا بالله ورسله، وما أخبرت به الرسل عن الله - تبارك وتعالى -.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.37 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.07%)]