عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 27-05-2024, 02:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,565
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السابع
الحلقة( 272)

من صــ 276 الى صـ 295





وقد أجمع أهل العلم بالحديث إلى أنه لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه الواحد، من جنس الثعلبي والنقاش والواحدي، وأمثال هؤلاء المفسرين ; لكثرة ما يروونه من الحديث ويكون ضعيفا، بل موضوعا. فنحن لو لم نعلم كذب هؤلاء من وجوه أخرى، لم يجز أن نعتمد عليه ; لكون الثعلبي وأمثاله رووه، فكيف إذا كنا عالمين بأنه كذب؟!.
وسنذكر - إن شاء الله تعالى - ما يبين كذبه عقلا ونقلا، وإنما المقصود هنا

بيان افتراء هذا المصنف أو كثرة جهله، حيث قال: " * قد أجمعوا أنها نزلت في علي " فيا ليت شعري من نقل هذا الإجماع من أهل العلم والعالمين بالإجماع في مثل هذه الأمور؟ *. فإن نقل الإجماع في مثل هذا لا يقبل من غير أهل العلم بالمنقولات، وما فيها من إجماع واختلاف.
فالمتكلم والمفسر والمؤرخ ونحوهم، لو ادعى أحدهم نقلا مجردا بلا إسناد ثابت لم يعتمد عليه، فكيف إذا ادعى إجماعا؟!.
الوجه الثالث: أن يقال: هؤلاء المفسرون الذين نقل من كتبهم، هم - ومن هم أعلم منهم - قد نقلوا ما يناقض هذا الإجماع المدعى، والثعلبي [قد نقل] في تفسيره أن ابن عباس يقول: نزلت في أبي بكر. ونقل عن عبد الملك: قال: سألت أبا جعفر، قال: هم المؤمنون. قلت: فإن ناسا يقولون: هو علي. قال: فعلي من الذين آمنوا. وعن الضحاك مثله.

وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث، حدثنا معاوية [بن صالح]، حدثنا علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه، قال: " كل من آمن فقد تولى الله ورسوله والذين آمنوا ". قال: وحدثنا أبو سعيد الأشج، عن المحاربي، عن عبد الملك بن
أبي سليمان، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن هذه الآية، فقال: " هم الذين آمنوا ". قلت: نزلت [في علي؟ قال: علي من الذين آمنوا]. وعن السدي مثله.
الوجه الرابع: أنا نعفيه من الإجماع، ونطالبه أن ينقل ذلك بإسناد واحد صحيح. وهذا الإسناد الذي ذكره الثعلبي إسناده ضعيف، فيه رجال متهمون. وأما نقل ابن المغازلي الواسطي فأضعف وأضعف، فإن هذا قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفى أنه كذب على من له أدنى معرفة بالحديث، والمطالبة بإسناد يتناول هذا وهذا.
الوجه الخامس: أن يقال: لو كان المراد بالآية أن يؤتي الزكاة حال ركوعه، كما يزعمون أن عليا تصدق بخاتمه في الصلاة ; لوجب أن يكون
ذلك شرطا في الموالاة، وأن لا يتولى المسلمون إلا عليا وحده، فلا يتولى الحسن ولا الحسين ولا سائر بني هاشم. وهذا خلاف إجماع المسلمين.
الوجه السادس: أن قوله: " الذين " صيغة جمع ; فلا يصدق على علي وحده.
الوجه السابع: أن الله تعالى لا يثني على الإنسان [إلا] بما هو محمود عنده: إما واجب، وإما مستحب. والصدقة والعتق والهدية والهبة والإجارة والنكاح والطلاق، وغير ذلك من العقود في الصلاة، ليست واجبة ولا مستحبة باتفاق المسلمين، بل كثير منهم يقول: إن ذلك يبطل الصلاة وإن لم يتكلم، بل تبطل بالإشارة المفهمة. وآخرون يقولون: لا يحصل الملك بها لعدم الإيجاب الشرعي. ولو كان هذا مستحبا ; لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله ويحض عليه أصحابه، ولكان علي يفعله في غير هذه الواقعة.
فلما لم يكن شيء من ذلك، علم أن التصدق في الصلاة ليس من الأعمال الصالحة، وإعطاء السائل لا يفوت، فيمكن المتصدق إذا سلم أن يعطيه، وإن في الصلاة لشغلا.
الوجه الثامن: أنه لو قدر أن هذا مشروع في الصلاة، لم يختص بالركوع، بل يكون في القيام والقعود أولى منه في الركوع، فكيف يقال: لا ولي [لكم] إلا الذين يتصدقون في كل الركوع. فلو تصدق المتصدق
في حال القيام والقعود: أما كان يستحق هذه الموالاة؟.
فإن قيل: هذه أراد بها التعريف بعلي على خصوصه.
قيل له: أوصاف علي التي يعرف بها كثيرة ظاهرة، فكيف يترك تعريفه بالأمور المعروفة، ويعرفه بأمر لا يعرفه إلا من سمع هذا وصدقه؟.
وجمهور الأمة لم تسمع هذا الخبر، ولا [هو] في شيء من كتب المسلمين المعتمدة: لا الصحاح، ولا السنن، ولا الجوامع، ولا المعجمات، ولا شيء من الأمهات. فأحد الأمرين لازم: إن قصد به المدح بالوصف فهو باطل، وإن قصد به التعريف فهو باطل.
الوجه التاسع: أن يقال: قوله: {ويؤتون الزكاة وهم راكعون} على قولهم يقتضي أن يكون قد أتى الزكاة في حال ركوعه. وعلي - رضي الله عنه - لم يكن ممن تجب عليه على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان فقيرا، وزكاة الفضة إنما تجب على من ملك النصاب حولا، وعلي لم يكن من هؤلاء.
الوجه العاشر: أن إعطاء الخاتم في الزكاة لا يجزئ عند كثير من
الفقهاء، إلا إذا قيل بوجوب الزكاة في الحلي. وقيل: إنه يخرج من جنس الحلي، ومن جوز ذلك بالقيمة، فالتقويم في الصلاة متعذر، والقيم تختلف باختلاف الأحوال.
الوجه الحادي عشر: أن هذه الآية بمنزلة قوله: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} [سورة البقرة: 43] هذا أمر بالركوع.
وكذلك قوله: {يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين} [سورة آل عمران: 43] وهذا أمر بالركوع.
قد قيل: ذكر ذلك ليبين أنهم يصلون الجماعة ; لأن المصلي في الجماعة إنما يكون مدركا للركعة بإدراك ركوعها، بخلاف الذي لم يدرك إلا السجود، فإنه قد فاتته الركعة. وأما القيام فلا يشترط فيه الإدراك.
وبالجملة " الواو " إما واو الحال، وإما واو العطف. والعطف هو الأكثر، وهي المعروفة في مثل هذا الخطاب. وقوله إنما يصح إذا كانت واو الحال، فإن لم يكن ثم دليل على تعيين ذلك بطلت الحجة، [فكيف إذا كانت الأدلة تدل على خلافه؟!].
الوجه الثاني عشر: أنه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير، خلفا عن سلف، أن هذه الآية نزلت في النهي عن موالاة الكفار، والأمر بموالاة المؤمنين ; لما كان بعض المنافقين، كعبد الله بن أبي، يوالي اليهود، ويقول: إني أخاف الدوائر. فقال بعض المؤمنين، وهو عبادة بن الصامت: إني
يا رسول الله، أتولى الله ورسوله، وأبرأ إلى الله ورسوله من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم.
ولهذا لما جاءتهم بنو قينقاع وسبب تآمرهم عبد الله بن أبي بن سلول، فأنزل الله هذه الآية، يبين فيها وجوب موالاة المؤمنين عموما، وينهى عن موالاة الكفار عموما. وقد تقدم كلام الصحابة والتابعين أنها عامة لا تختص بعلي.
الوجه الثالث عشر: أن سياق الكلام يدل على ذلك لمن تدبر القرآن، فإنه قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [سورة المائدة: 51]. فهذا نهي عن موالاة اليهود والنصارى.

ثم قال: {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} إلى قوله: {فأصبحوا خاسرين} [سورة المائدة: 52 - 53]. فهذا وصف الذين في قلوبهم مرض، الذين يوالون الكفار كالمنافقين.
ثم قال: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } [سورة المائدة: 54] فذكر فعل المرتدين وأنهم لن يضروا الله شيئا، وذكر من يأتي به بدلهم.
ثم قال: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}. {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [سورة المائدة: 55 - 56].

فتضمن هذا الكلام ذكر أحوال من دخل في الإسلام من المنافقين، وممن يرتد عنه، وحال المؤمنين الثابتين عليه ظاهرا وباطنا.
فهذا السياق، مع إتيانه أتى بصيغة الجمع، مما يوجب لمن تدبر ذلك علما يقينا لا يمكنه دفعه عن نفسه: أن الآية عامة في كل المؤمنين المتصفين بهذه الصفات، لا تختص بواحد بعينه: لا أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، ولا غيرهم. لكن هؤلاء أحق الأمة بالدخول فيها.
الوجه الرابع عشر: أن الألفاظ المذكورة في الحديث مما يعلم أنها كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن عليا ليس قائدا لكل البررة، بل لهذه الأمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا هو أيضا قاتلا لكل الكفرة، بل قتل بعضهم، كما قتل غيره بعضهم. وما أحد من المجاهدين القاتلين لبعض الكفار، إلا وهو قاتل لبعض الكفرة.
وكذلك قوله: " "منصور من نصره، مخذول من خذله" " هو خلاف
الواقع. والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقول إلا حقا، لا سيما على قول الشيعة ; فإنهم يدعون أن الأمة كلها خذلته إلى قتل عثمان.

ومن المعلوم أن الأمة كانت منصورة في أعصار الخلفاء الثلاثة، نصرا لم يحصل لها بعده مثله. ثم لما قتل عثمان، وصار الناس ثلاثة أحزاب: حزب نصره وقاتل معه، وحزب قاتلوه، وحزب خذلوه لم يقاتلوا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء - لم يكن الذين قاتلوا معه منصورين على الحزبين الآخرين ولا على الكفار، بل أولئك الذين نصروا عليهم، وصار الأمر لهم ; لما تولى معاوية، فانتصروا على الكفار، وفتحوا البلاد، إنما كان علي منصورا كنصر أمثاله في قتال الخوارج والكفار.
والصحابة الذين قاتلوا الكفار والمرتدين كانوا منصورين نصرا عظيما، فالنصر وقع كما وعد الله به حيث قال: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} [سورة غافر: 51].
فالقتال الذي كان بأمر الله وأمر رسوله من المؤمنين للكفار والمرتدين والخوارج، كانوا فيه منصورين [نصرا عظيما] إذا اتقوا وصبروا، فإن التقوى والصبر من تحقيق الإيمان الذي علق به النصر.
وأيضا فالدعاء الذي ذكره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب التصدق بالخاتم من أظهر الكذب. فمن المعلوم أن الصحابة أنفقوا في سبيل الله وقت الحاجة إليه، ما هو أعظم قدرا ونفعا من إعطاء سائل خاتما.
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " "ما نفعني مال كمال أبي بكر" "، " "إن أمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر، ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا".
وقد "تصدق عثمان بألف بعير في سبيل الله في غزوة العسرة، حتى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم" ".

والإنفاق في سبيل الله وفي إقامة الدين في أول الإسلام أعظم من صدقة على سائل محتاج. ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " "لا تسبوا أصحابي ; فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" " أخرجاه في الصحيحين.
قال تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} [سورة الحديد: 10].
فكذلك الإنفاق الذي صدر في أول الإسلام في إقامة الدين ما بقي له نظير يساويه.
وأما إعطاء السؤال لحاجتهم فهذا البر يوجد مثله إلى يوم القيامة. فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لأجل تلك النفقات العظيمة النافعة الضرورية لا يدعو بمثل هذا الدعاء، فكيف يدعو به لأجل إعطاء خاتم لسائل قد يكون كاذبا في سؤاله؟.

ولا ريب أن هذا ومثله من كذب جاهل أراد أن يعارض ما ثبت لأبي بكر بقوله: {وسيجنبها الأتقى - الذي يؤتي ماله يتزكى - وما لأحد عنده من نعمة تجزى - إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى - ولسوف يرضى} [سورة الليل: 17 - 21]. بأن يذكر لعلي شيئا من هذا الجنس، فما أمكنه أن يكذب أنه فعل ذلك في أول الإسلام، فكذب هذه الأكذوبة التي لا تروج إلا على مفرط في الجهل.
وأيضا فكيف يجوز أن يقول النبي - صلى الله عليه وسلم في المدينة بعد الهجرة والنصرة -: واجعل لي وزيرا من أهلي، عليا اشدد به ظهري، مع أن الله قد أعزه بنصره وبالمؤمنين، كما قال تعالي: {هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} [سورة الأنفال: 62]، وقال: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} [سورة التوبة: 40].
فالذي كان معه حين نصره الله ; {إذ أخرجه الذين كفروا}، هو أبو بكر وكانا اثنين الله ثالثهما، وكذلك لما كان يوم بدر ; لما صنع له عريش كان الذي دخل معه في العريش دون سائر الصحابة أبو بكر، وكل من الصحابة له في نصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سعي مشكور وعمل مبرور.
وروي أنه "لما جاء علي بسيفه يوم أحد، قال لفاطمة: اغسليه يوم أحد
غير ذميم. فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن تك أحسنت فقد أحسن فلان وفلان وفلان" " فعدد جماعة من الصحابة.
ولم يكن لعلي اختصاص بنصر النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أمثاله، ولا عرف موطن احتاج النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه إلى معونة علي وحده، لا باليد ولا باللسان، ولا كان إيمان الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطاعتهم له لأجل علي، بسبب دعوة علي لهم، وغير ذلك من الأسباب الخاصة، كما كان هارون وموسى، فإن بني إسرائيل كانوا يحبون هارون جدا ويهابون موسى، وكان هارون يتألفهم.
والرافضة تدعي أن الناس كانوا يبغضون عليا، وأنهم لبغضهم له لم يبايعوه. فكيف يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتاج إليه، كما احتاج موسى إلى هارون؟.
وهذا أبو بكرالصديق أسلم على يديه ستة أو خمسة من العشرة: عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة. ولم يعلم أنه أسلم على يد علي وعثمان وغيرهما أحد من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
ومصعب بن عمير هو الذي بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة لما بايعه الأنصار ليلة العقبة، وأسلم على يده رءوس الأنصار كسعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمن لموته، وأسيد بن حضير وغير هؤلاء.
وكان أبو بكر يخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو معه الكفار إلى الإسلام في الموسم، ويعاونه معاونة عظيمة في الدعوة، بخلاف غيره. ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: " "لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا" ".
وقال: " "أيها الناس إني جئت إليكم، فقلت: إني رسول الله، فقلتم: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت. فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ " ".
ثم إن موسى دعا بهذا الدعاء قبل أن يبلغ الرسالة إلى الكفار ليعاون عليها. ونبينا - صلى الله عليه وسلم - قد بلغ الرسالة لما بعثه الله: بلغها وحده، وأول من آمن به باتفاق أهل الأرض أربعة، أول من آمن به من الرجال أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي، ومن الموالي زيد.

وكان أنفع الجماعة في الدعوه باتفاق الناس أبو بكر، ثم خديجة ; لأن أبا بكر هو أول رجل حر بالغ آمن به باتفاق الناس، وكان له قدر عند قريش لما كان فيه من المحاسن، فكان أمن الناس عليه في صحبته وذات يده. ومع هذا فما دعا الله أن يشد أزره بأحد: لا بأبي بكر ولا بغيره،بل قام مطيعا لربه، متوكلا عليه، صابرا له، كما أمره بقوله: {قم فأنذر}. {وربك فكبر}. {وثيابك فطهر}. {والرجز فاهجر}. {ولا تمنن تستكثر}. {ولربك فاصبر} [سورة المدثر: 2 - 7] وقال: {فاعبده وتوكل عليه} [سورة هود: 123].
فمن زعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل الله - عز وجل - أن يشد أزره بشخص من الناس، كما سأل موسى أن يشد أزره بهارون، فقد افترى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبخسه حقه. ولا ريب أن الرفض مشتق من الشرك والإلحاد والنفاق، لكن تارة يظهر [لهم] ذلك فيه وتارة يخفى.

الوجه الخامس عشر: أن يقال: غاية ما في الآية أن المؤمنين عليهم موالاة الله ورسوله والمؤمنين، فيوالون عليا. ولا ريب أن موالاة علي واجبة على كل مؤمن، كما يجب على كل مؤمن مولاة أمثاله من المؤمنين.
قال تعالى: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} [سورة التحريم: 4]. فبين الله أن كل صالح من المؤمنين فهو مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله مولاه، وجبريل مولاه، وليس في كون الصالح من المؤمنين مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما أن الله مولاه، وجبريل مولاه، أن يكون صالح المؤمنين متوليا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا متصرفا فيه.
وأيضا فقد قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}
[سورة التوبة: 71]، فجعل كل مؤمن وليا لكل مؤمن. وذلك لا يوجب أن يكون أميرا عليه معصوما، لا يتولى عليه إلا هو.
وقال تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. {الذين آمنوا وكانوا يتقون} [سورة يونس: 62 - 63]، فكل مؤمن تقي فهو ولي لله، والله وليه. كما قال تعالى: {الله ولي الذين آمنوا} [سورة البقرة: 257] وقال: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} [سورة محمد: 11] وقال: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا} إلى قوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} [سورة الأنفال: 72 - 75].
فهذه النصوص كلها ثبتت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأن هذا ولي هذا، وهذا ولي هذا، وأنهم أولياء الله، وأن الله وملائكته والمؤمنين موالي رسوله، كما أن الله ورسوله والذين آمنوا هم أولياء المؤمنين. وليس في شيء من هذه النصوص أن من كان وليا للآخر كان أميرا عليه دون غيره، وأنه يتصرف فيه دون سائر الناس.
الوجه السادس عشر: أن الفرق بين " الولاية " بالفتح و " الولاية " بالكسر معروف ; فالولاية ضد العداوة، وهي المذكوره في هذه النصوص، ليست هي الولاية بالكسر التي هي الإمارة. وهؤلاء الجهال يجعلون الولي هو الأمير، ولم يفرقوا بين الولاية والولاية. والأمير يسمى الوالي لا يسمى
الولي، ولكن قد يقال: هو ولي الأمر، كما يقال: وليت أمركم، ويقال: أولو الأمر.
وأما إطلاق القول بالمولى وإراده الولي، فهذا لا يعرف، بل يقال في الولي: المولى، ولا يقال الوالي. ولهذا قال الفقهاء: إذا اجتمع في الجنازة الوالي والولي، فقيل: يقدم الوالي، وهو قول أكثرهم. وقيل: يقدم الولي.
فبين أن الولاية دلت على الموالاة، المخالفة للمعاداة، الثابتة لجميع المؤمنين بعضهم على بعض. وهذا مما يشترك فيه الخلفاء الأربعة، وسائر أهل بدر، وأهل بيعة الرضوان. فكلهم بعضهم أولياء بعض، ولم تدل الآية على أحد منهم يكون أميرا على غيره، بل هذا باطل من وجوه كثيرة، إذ لفظ " الولي " و " الولاية " غير لفظ " الوالي ". والآية عامة في المؤمنين، والإمارة لا تكون عامة.
الوجه السابع عشر: أنه لو أراد الولاية التي هي الإمارة لقال: إنما يتولى عليكم الله ورسوله والذين آمنوا، ولم يقل: ومن يتولى الله ورسوله ; فإنه لا يقال لمن ولي عليهم وال: إنهم يقولون: تولوه، بل يقال: تولى عليهم.
الوجه الثامن عشر: أن الله - سبحانه وتعالى - لا يوصف بأنه متول على عباده وأنه أمير عليهم، جل جلاله، وتقدست أسماؤه، فإنه خالقهم ورازقهم، وربهم ومليكهم، له الخلق والأمر، ولا يقال: إن الله أمير المؤمنين، كما يسمى المتولي، مثل علي وغيره: أمير المؤمنين بل الرسول - صلى الله عليه وسلم - أيضا لا يقال إنه متول على الناس، وإنه أمير عليهم، فإن قدره أجل من هذا. بل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لم يكونوا يسمونه إلا خليفة رسول الله وأول من سمي من الخلفاء " أمير المؤمنين " هو عمر - رضي الله عنه -.

وقد روي أن عبد الله بن جحش كان أميرا في سرية، فسمي أمير المؤمنين، لكن إمارة خاصة في تلك السرية، لم يسم أحد بإمارة المؤمنين عموما قبل عمر، وكان خليقا بهذا الاسم.
وأما الولاية المخالفة للعداوة فإنه يتولى عباده المؤمنين ; فيحبهم ويحبونه، ويرضى عنهم ويرضون عنه، ومن عادى له وليا فقد بارزه بالمحاربة. وهذه الولاية من رحمته وإحسانه، ليست كولاية المخلوق للمخلوق لحاجته إليه.
قال تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل} [سورة الإسراء: 111]. فالله تعالى ليس له ولي من الذل، بل هو القائل: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعا} [سورة فاطر: 10] بخلاف الملوك وغيرهم ممن يتولاه لذاته، إذا لم يكن له ولي ينصره.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]