عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 27-05-2024, 01:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,994
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السابع
الحلقة( 271)

من صــ 261 الى صـ 275





وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أنه قرأ على المنبر {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه}. قال يقبض الله الأرض ويطوي السموات بيمينه ثم يهزهن ثم يقول: أنا الملك أنا القدوس أنا السلام أنا المؤمن أنا المهيمن أنا الذي بدأت الدنيا ولم تك شيئا أنا الذي أعيدها} وفي رواية {يمجد الرب نفسه سبحانه} فهو يحمد نفسه ويثني عليها ويمجد نفسه سبحانه وتعالى وهو الغني بنفسه لا يحتاج إلى أحد غيره بل كل ما سواه فقير إليه {يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن} وهو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
فإذا فرح بتوبة التائب وأحب من تقرب إليه بالنوافل ورضي عن السابقين الأولين ونحو ذلك لم يجز أن يقال: هو مفتقر في ذلك إلى غيره ولا مستكمل بسواه فإنه هو الذي خلق هؤلاء وهو الذي هداهم وأعانهم حتى فعلوا ما يحبه ويرضاه ويفرح به. فهذه المحبوبات لم تحصل إلا بقدرته ومشيئته وخلقه فله الملك لا شريك له وله الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون. فهذا ونحوه يحتج به الجمهور الذين يثبتون لأفعاله حكمة تتعلق به يحبها ويرضاها ويفعل لأجلها.
(فصل: أصل المحبة هو معرفة الله سبحانه وتعالى ولها أصلان)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
وأصل المحبة هو معرفة الله سبحانه وتعالى ولها أصلان:
أحدهما: وهو الذي يقال له محبة العامة لأجل إحسانه إلى عباده وهذه المحبة على هذا الأصل لا ينكرها أحد فإن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها والله سبحانه هو المنعم المحسن إلى عبده بالحقيقة فإنه المتفضل بجميع النعم وإن جرت بواسطة؛ إذ هو ميسر الوسائط ومسبب الأسباب ولكن هذه المحبة في الحقيقة إذا لم تجذب القلب إلى محبة الله نفسه فما أحب العبد في الحقيقة إلا نفسه وكذلك كل من أحب شيئا لأجل إحسانه إليه فما أحب في الحقيقة إلا نفسه. وهذا ليس بمذموم بل محمود. وهذه المحبة هي المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم {أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهلي بحبي} والمقتصر على هذه المحبة هو لم يعرف من جهة الله ما يستوجب أنه يحبه إلا إحسانه إليه وهذا كما قالوا: إن الحمد لله على " نوعين ":
" حمد " هو شكر وذلك لا يكون إلا على نعمته.
و " حمد " هو مدح وثناء عليه ومحبة له وهو بما يستحقه لنفسه سبحانه فكذلك الحب فإن الأصل الثاني فيه هو محبته لما هو له أهل وهذا حب من عرف من الله ما يستحق أن يحب لأجله وما من وجه من الوجوه التي يعرف الله بها مما دلت عليه أسماؤه وصفاته إلا وهو يستحق المحبة الكاملة من ذلك الوجه حتى جميع مفعولاته إذ كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل ولهذا استحق أن يكون محمودا على كل حال ويستحق أن يحمد على السراء والضراء وهذا أعلى وأكمل وهذا حب الخاصة.
وهؤلاء هم الذين يطلبون لذة النظر إلى وجهه الكريم ويتلذذون بذكره ومناجاته ويكون ذلك لهم أعظم من الماء للسمك حتى لو انقطعوا عن ذلك لوجدوا من الألم ما لا يطيقون وهم السابقون كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال {مر النبي صلى الله عليه وسلم بجبل يقال له: حمدان فقال: سيروا هذا حمدان سبق المفردون قالوا: يا رسول الله من المفردون؟ قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات} وفي رواية أخرى قال: {المستهترون بذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون الله يوم القيامة خفافا} والمستهتر بذكر الله يتولع به ينعم به كلف لا يفتر منه.

وفي حديث هارون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {قال موسى يا رب أي عبادك أحب إليك؟ قال الذي يذكرني ولا ينساني قال: أي عبادك أعلم؟ قال: الذي يطلب علم الناس إلى علمه ليجد كلمة تدله على هدى أو ترده عن رديء قال أي عبادك أحكم؟ قال: الذي يحكم على نفسه كما يحكم على غيره ويحكم لغيره كما يحكم لنفسه} فذكر في هذا الحديث الحب والعلم والعدل وذلك جماع الخير.

ومما ينبغي التفطن له أنه لا يجوز أن يظن في باب محبة الله تعالى ما يظن في محبة غيره مما هو من جنس التجني والهجر والقطيعة لغير سبب ونحو ذلك مما قد يغلط فيه طوائف من الناس حتى يتمثلون في حبه بجنس ما يتمثلون به في حب من يصد ويقطع بغير ذنب أو يبعد من يتقرب إليه وإن غلط في ذلك من غلط من المصنفين في رسائلهم حتى يكون مضمون كلامهم إقامة الحجة على الله بل لله الحجة البالغة. وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تعالى: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة}. وفي بعض الآثار يقول الله تعالى: {أهل ذكري أهل مجالستي وأهل شكري أهل زيارتي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي وإن تابوا فأنا حبيبهم} - لأن الله يحب التوابين - {وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب حتى أطهرهم من المعائب}.
وقد قال تعالى {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما} قالوا: الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره والهضم أن ينقص من حسنات نفسه. وقال تعالى: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} وفي الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يقول الله تعالى: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم.

يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب ولا أبالي فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه}.

(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (55) ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون (56)
وقد وضع بعض الكذابين حديثا مفترى، أن هذه الآية نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل، وكذبه بين من وجوه كثيرة.
منها أن قوله الذين صيغة جمع. وعلي واحد.
ومنها أن الواو ليست واو الحال إذ لو كان كذلك لكان لا يسوغ أن يتولى إلا من أعطى الزكاة في حال الركوع. فلا يتولى سائر الصحابة والقرابة.
ومنها أن المدح إنما يكون بعمل واجب أو مستحب، وإيتاء الزكاة في نفس الصلاة ليس واجب ولا مستحب، باتفاق علماء الملة، فإن الصلاة شغلا.
ومنها أنه لو كان إيتاؤها في الصلاة حسنا لم يكن فرق بين حال الركوع وغير الركوع، بل إيتاؤها في القيام والقعود أمكن.
ومنها أن عليا لم يكن عليه زكاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها أن إيتاء غير الخاتم في الزكاة خير من إيتاء الخاتم، فإن أكثر الفقهاء يقولون لا يجزئ إخراج الخاتم في الزكاة.
ومنها أن هذا الحديث فيه أنه أعطاه السائل، والمدح في الزكاة أن يخرجها ابتداء ويخرجها على الفور، لا ينتظر أن يسأله سائل.
ومنها أن الكلام في سياق النهي عن موالاة الكفار، والأمر بموالاة المؤمنين، كما يدل عليه سياق الكلام، وسيجيء إن شاء الله تعالى تمام الكلام على هذه الآية، فإن الرافضة لا يكادون يحتجون بحجة إلا كانت حجة عليهم لا لهم، كاحتجاجهم بهذه الآية على الولاية التي هي الإمارة، وإنما هي في الولاية التي هي ضد العداوة.
والرافضة مخالفون لها، والإسماعيلية والنصيرية ونحوهم يوالون الكفار، من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين، ويعادون المؤمنين من المهاجرين والأنصار والذين اتبوعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهذا أمر مشهور.
[فصل: في المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلة من القرآن على إمامة علي رضي الله عنه]
[البرهان الأول " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " والجواب عليه]

قال الرافضي: " المنهج الثاني: في الأدلة المأخوذة من القرآن، والبراهين الدالة على إمامة علي من الكتاب العزيز كثيرة.
الأول: قوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [سورة المائدة: 55] وقد أجمعوا أنها نزلت في علي. قال الثعلبي في إسناده إلى أبي ذر: قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهاتين وإلا صمتا، ورأيته بهاتين وإلا عميتا يقول: "علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، فمنصور من نصره، ومخذول من خذله " أما إني صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما) صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئا، فرفع السائل يده إلى السماء، وقال: " اللهم إنك تشهد أني) سألت في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعطني أحد شيئا، وكان علي راكعا، فأومأ بخنصره اليمنى، وكان متختما فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم، وذلك بعين النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء، وقال: " اللهم إن موسى سألك وقال: {رب اشرح لي صدري - ويسر لي أمري - واحلل عقدة من لساني - يفقهوا قولي - واجعل لي وزيرا من أهلي - هارون أخي - اشدد به أزري - وأشركه في أمري} [سورة طه: 25 - 32] فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا} [سورة القصص: 35]. اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي، عليا اشدد به ظهري " قال أبو ذر: " فما استتم كلام [رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] حتى نزل عليه جبريل من عند الله فقال: يا محمد اقرأ.

قال: وما أقرأ؟ قال: اقرأ: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [سورة المائدة: 55] ".
ونقل الفقيه ابن المغازلي الواسطي الشافعي أن هذه نزلت في علي، والولي هو المتصرف، وقد أثبت له الولاية في الآية، كما أثبتها الله تعالى لنفسه ولرسوله ".
والجواب من وجوه: أحدها: أن يقال: " ليس فيما ذكره ما يصلح أن يقبل ظنا، بل كل ما ذكره كذب وباطل، من جنس السفسطة. وهو لو أفاده ظنونا كان تسميته براهين تسمية منكرة ; فإن البرهان في القرآن وغيره يطلق على ما يفيد العلم واليقين، كقوله تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [سورة البقرة: 111].

وقال تعالى: {أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء
والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [سورة النمل: 64].
فالصادق لا بد له من برهان على صدقه، والصدق المجزوم بأنه صدق هو المعلوم.
وهذا الرجل جميع ما ذكره من الحجج فيها كذب، فلا يمكن أن يذكر حجة واحدة جميع مقدماتها صادقة، فإن المقدمات الصادقة يمتنع أن تقوم على باطل. وسنبين - إن شاء الله تعالى - عند كل واحدة منها ما يبين كذبها، فتسمية هذه براهين من أقبح الكذب.
ثم إنه يعتمد في تفسير القرآن على قول يحكى عن بعض الناس، مع أنه قد يكون كذبا عليه، وإن كان صدقا فقد خالفه أكثر الناس. فإن كان قول الواحد [الذي] لم يعلم صدقه، وقد خالفه الأكثرون برهانا، فإنه يقيم براهين كثيرة من هذا الجنس على نقيض ما يقوله، فتتعارض البراهين فتتناقض، والبراهين لا تتناقض.

بل سنبين - إن شاء الله تعالى - قيام البراهين الصادقة التي لا تتناقض على كذب ما يدعيه من البراهين، وأن الكذب في عامتها كذب ظاهر،
لا يخفى إلا على من أعمى الله قلبه، وأن البراهين الدالة على نبوة الرسول حق، وأن القرآن حق، وأن دين الإسلام حق - تناقض ما ذكره من البراهين، فإن غاية ما يدعيه من البراهين إذا تأمله اللبيب، وتأمل لوازمه وجده يقدح في الإيمان والقرآن والرسول.
وهذا لأن أصل الرفض كان من وضع قوم زنادقة منافقين، مقصودهم الطعن في القرآن والرسول ودين الإسلام، فوضعوا من الأحاديث ما يكون التصديق به طعنا في دين الإسلام، وروجوها على أقوام، فمنهم من كان صاحب هوى وجهل، فقبلها لهواه، ولم ينظر في حقيقتها. ومنهم من كان له نظر فتدبرها، فوجدها تقدح في [حق] الإسلام، فقال بموجبها، وقدح بها في دين الإسلام، إما لفساد اعتقاده في الدين، وإما لاعتقاده أن هذه صحيحة وقدحت فيما كان يعتقده من دين الإسلام.

ولهذا دخلت عامة الزنادقة من هذا الباب، فإن ما تنقله الرافضة من الأكاذيب تسلطوا به على الطعن في الإسلام، وصارت شبها عند من لم [يعلم] أنه كذب، وكان عنده خبرة بحقيقة الإسلام.
وضلت طوائف كثيرة من الإسماعيلية والنصيرية، وغيرهم من الزنادقة الملاحدة المنافقين. وكان مبدأ ضلالهم تصديق الرافضة في أكاذيبهم التي يذكرونها في تفسير القرآن والحديث، كأئمة العبيديين إنما يقيمون مبدأ دعوتهم بالأكاذيب التي اختلقتها الرافضة ; ليستجيب لهم بذلك الشيعة الضلال، ثم ينقلون الرجل من القدح في الصحابة، إلى القدح في علي، ثم في النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم في الإلهية، كما رتبه لهم صاحب البلاغ الأكبر، والناموس الأعظم. ولهذا كان الرفض أعظم باب ودهليز إلى الكفر والإلحاد.
***
ثم نقول: ثانيا: الجواب عن هذه الآية حق من وجوه: الأول: أنا نطالبه بصحة هذا النقل، أو لا يذكر هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة ; فإن مجرد عزوه إلى تفسير الثعلبي، أو نقل الإجماع على ذلك من غير العالمين بالمنقولات، الصادقين في نقلها، ليس بحجة باتفاق أهل العلم، إن لم نعرف ثبوت إسناده، وكذلك إذا روى فضيلة لأبي بكر وعمر، لم يجز اعتقاد ثبوت ذلك بمجرد ثبوت روايته باتفاق أهل العلم.
فالجمهور - أهل السنة - لا يثبتون بمثل هذا شيئا يريدون إثباته: لا حكما، ولا فضيلة، ولا غير ذلك. وكذلك الشيعة.
وإذا كان هذا بمجرده ليس بحجة باتفاق [الطوائف] كلها، بطل الاحتجاج به. وهكذا القول في كل ما نقله وعزاه إلى أبي نعيم أو الثعلبي أو النقاش أو ابن المغازلي ونحوهم.
الثاني: قوله: " قد أجمعوا أنها نزلت في علي " من أعظم الدعاوى الكاذبة، بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه، وأن عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع.
وأما ما نقله من تفسير الثعلبي، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات، كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي أمامة في فضل تلك السورة، وكأمثال ذلك. ولهذا يقولون: " هو كحاطب ليل ".
وهكذا الواحدي تلميذه، وأمثالهما من المفسرين: ينقلون الصحيح والضعيف.
ولهذا لما كان البغوي عالما بالحديث، أعلم به من الثعلبي والواحدي، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي، لم يذكر في تفسيره شيئا من الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي، مع أن الثعلبي فيه خير ودين، لكنه لا خبرة له بالصحيح من الأحاديث، ولا يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال.

وأما أهل العلم الكبار: أهل التفسير، مثل تفسير محمد بن جرير الطبري، وبقي بن مخلد، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم، وأمثالهم - فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات.
دع من هو أعلم منهم، مثل تفسير أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. بل ولا يذكر مثل هذا عند ابن حميد ولا عبد الرزاق، مع أن عبد الرزاق كان يميل إلى التشيع، ويروي كثيرا من فضائل علي، وإن كانت ضعيفة ; لكنه أجل قدرا من أن يروي مثل هذا الكذب الظاهر.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]