
26-05-2024, 08:46 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة :
|
|
رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله

كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد السادس
الحلقة (263)
صــــــــــ 173 الى صـــــــــــ 178
(قال الشافعي): وإن قالت قد انقضت عدتي بأن حضت ثلاث حيض في مدة لا يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض لم يقبل منها وإذا ادعت ذلك بعد مدة يمكن أن تحيض فيها ثلاث حيض كان القول قولها مع يمينها (قال الشافعي): ولو ماتت ولم تدع انقضاء العدة قبل أن يرجع إلى الإسلام ثم رجع إلى الإسلام لا يرثها لأنها ماتت وهو مشرك ولو رجع إلى الإسلام قبل انقضاء عدتها كانا على النكاح ولا يترك قبل أن يرجع إلى الإسلام يصيبها حتى يسلم. ولو ماتت بعد رجوعه إلى الإسلام ولم تذكر انقضاء العدة ورثها ولو كانت هي المرتدة كان القول فيما تحل به وتحرم عليه وتبين منه وتثبت معه كالقول لو كان هو المرتد وهي المؤمنة لا يختلف في شيء إلا أنها إذا ارتدت عن الإيمان فلا نفقة لها في ماله في عدة ولا غيرها لأنها هي التي حرمت فرجها عليه.
وكذلك لو ارتدت إلى نصرانية أو يهودية لم تحلل له لأنها لا تترك عليها وإن ارتد هو أنفق عليها في عدتها لأنها لم تبن منه إلا بمضي عدتها وأنه متى أسلم وهي في العدة كانت امرأته وإذا كان يلزمه في التي يملك رجعتها بعد طلاق نفقتها لأنه متى شاء راجعها كانت هكذا في مثل حالها في مثل هذه الحال أو أكثر وإذا ارتد أحد الزوجين ولم يدخل بالمرأة فقد بانت منه والبينونة فسخ بلا طلاق لأنه لا عدة عليها وإن كان هو المرتد فعليه نصف المهر لأن الفسخ جاء من قبله وإن كانت هي المرتدة فلا شيء لها لأن الفسخ جاء من قبلها. ولو ارتد وامرأته يهودية أو نصرانية كانت فيما يحل له منها ويحرم عليه ويلزمه لها كالمسلمة ولو كانت المسألة بحالها غير أنها المرتدة وهو المسلم لم تحل له حتى تسلم أو ترجع إلى دينها الذي حلت به من اليهودية أو النصرانية ولم تبن منه إلا بانقضاء عدتها ولم تقتل هي لأنها خرجت من كفر إلى كفر وسواء في هذا الحر المسلم أو العبد والحرة المسلمة أو الأمة لا يختلفون فيه.
ولو ارتد الزوج فطلقها في حال ردته أو آلى منها أو تظاهر أو قذفها في عدتها أو كانت هي المرتدة ففعل ذلك وقف على ما فعل منه فإن رجع إلى الإسلام وهي في العدة وقع ذلك كله عليها وكان بينهما اللعان وإن لم يرجع حتى تمضي عدتها أو تموت لم يقع شيء من ذلك عليها والتعن ليدرأ الحد، وهكذا إذا كانت هي المرتدة وهو المسلم إلا أنه لا حد على من قذف مرتدة.
ولو طلقها مسلمة ثم ارتد أو ارتدت ثم راجعها في عدتها لم يثبت عليها رجعة لأن الرجعة إحداث تحليل له فإذا أحدثه في حال لا يحل له فيه لم يثبت عليها ولو أسلمت أو أسلم في العدة بعد الرجعة لم تثبت الرجعة عليها ويحدث لها بعده رجعة إن شاء فتثبت عليها ولو اختلفا بعد انقضاء العدة فقال رجعت إلى الإسلام أمس وإنما انقضت عدتك اليوم وقالت رجعت اليوم فالقول
قولها مع يمينها وعليه البينة أنه رجع أمس، ولو تصادقا أنه رجع أمس وقالت انقضت قبل أمس كان القول قولها مع يمينها ولو رجع إلى الإسلام فقالت لم تنقض عدتي إلا بعد رجوعه ثم قالت بعدها قد كانت انقضت عدتي كانت زوجته ولا تصدق بعد إقرارها أنها لم تخرج من ملكه ولو لم يسمع منها في ذلك شيء قبل رجوعه فلما رجع قلت مكانها قد انقضت عدتي كان القول قولها مع يمينها.
مال المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): إذا ارتد الرجل وكان حاضرا بالبلد وله أمهات أولاد ومدبرات ومدبرون ومكاتبات ومكاتبون ومماليك وحيوان ومال سوى ذلك وقف ذلك كله عنه ومنع إصابة أم ولده وجارية له غيرها، والوقف أن يوضع ماله سوى إناث الرقيق على يدي عدل ورقيقه من النساء على يدي عدلة من النساء ويؤمر من بلغ من ذكور رقيقه بالكسب وينفق عليه من كسبه ويؤخذ فضل كسبه وتؤمر ذوات الصنعة من جواريه وأمهات أولاده وغيرهم بذلك ويؤاجر من لا صنعة له منهن من امرأة ثقة ومن مرض من رجالهم ونسائهم ومن لم يبلغ كسبا أنفق عليه من ماله حتى يفيق فيقوى على الكسب أو يبلغ الكسب ثم يؤمر بالكسب كما وصفنا وإن كان المرتد هاربا إلى دار الحرب أو غير دار الحرب أو متغيبا لا يدري أين هو؟ فسواء ذلك كله ويوقف ماله ويباع عليه الحيوان كله إلا ما لا يوجد السبيل إلى بيعه من أمهات أولاده أو مكاتبيه أو مرضع لولده أو خادم يخدم زوجة له وينفق على زوجته وصغار ولده وزمناهم ومن كان هو مجبورا على نفقتهم من خدمة وأمهات أولاده من ماله ويؤخذ كتابة مكاتبيه ويعتقون إذا أدوا وله ولاؤهم ومتى رجع إلى الإسلام رد ماله عليه ولم يرد ما بيع من ماله لأنه بيع والبيع نظر لمن يصير إليه المال وفي حال لا سبيل له فيها على المال وإذا انقضت عدة امرأته قطعت عنها النفقة ولم يكن له عليها سبيل إذا رجع بعد انقضاء عدتها ولو برسم أو غلب على عقله بعد الردة تربص به يومين أو ثلاثة فإن أفاق وإلا بيع عليه كما يباع على الغائب الهارب وما كسب في ردته فهو كما ملك قبل الردة إذا قدر عليه فإذا رجع إلى الإسلام دفع إليه ماله كله وإن مات أو قتل قبل أن يرجع إلى الإسلام خمس ماله فكان الخمس لأهل الخمس والأربعة الأخماس لجماعة المسلمين.
وهكذا نصراني مات لا وارث له يخمس ماله فيكون الخمس لأهله وأربعة أخماسه لجماعة المسلمين، ولو قال ورثة المرتد من المسلمين قد أسلم قبل أن يموت كلفوا البينة فإذا جاءوا بها دفع إليهم ماله على مواريثهم وإن لم يأتوا بها فهو على الردة حتى تعلم توبته وإن كانت البينة ممن يرثه لم تقبل وكذلك لو كان أوصى بوصية فقال متى مت فلفلان وفلان كذا، ثم مات فشهد الموصى لهما بأنه رجع إلى الإسلام لم يقبلا لأنهما يجران إلى أنفسهما جواز الوصية التي قد أبطلت بردته.
ولو كان تاب ثم مات فقيل ارتد ثم مات مرتدا فهو على التوبة حتى تقوم بينة بأنه ارتد بعد التوبة لأن من عرف بشيء فهو عليه حتى تقوم بينة بخلافه. ولو قسم الحاكم ماله في الحالين حين مات وقد عرفت ردته فقامت بينة على توبته رجع بها الحاكم على من دفعها إليه حيث كانوا حتى يردها إلى ورثته وكذلك لو قسمها في موته بعد توبته ثم قامت البينة على ردته بعد التوبة وموته مرتدا رجع الحاكم على ورثته حيث كانوا وأهل وصاياه وأخذ منهم ما أعطاهم من ماله حتى يصير لأهل الخمس والمسلمين.
المكره على الردة
قال الله تبارك وتعالى {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب}.
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولو أن رجلا أسره العدو فأكرهه على الكفر لم تبن منه امرأته ولم يحكم عليه بشيء من حكم المرتد، قد أكره بعض من أسلم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الكفر فقاله ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ما عذب به فنزل فيه هذا ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - باجتناب زوجته ولا بشيء مما على المرتد ولو مات المكره على الكفر ولم تظهر له توبة ببلاد الحرب ورثه ورثته المسلمون، ولو انفلت فرجع إلى بلاد الإسلام قيل له أظهر الإسلام فإن فعل وإلا كان مرتدا بامتناعه من إظهار الإسلام يحكم عليه الحكم على المرتد وإذا أسر الرجل أو كان مستأمنا ببلاد العدو فشهد شاهدان على أنه كان يأكل الخنزير ويشرب الخمر ولم يشهدا على نفس الردة ولا على كلام كفر بين ثم مات ورث ماله ورثته من المسلمين إلا أن يقروا بأنه مرتد فيكون ماله فيئا فإن أقر بعضهم بردته ولم يقر بها بعضهم ورث الذين لم يقروا نصيبهم من ميراثه ويوقف نصيب الذين أقروا بردته حتى تستبان ردته وفيها قول آخر أنه يغنم لأنهم يصدقون على ما يملكون ولا يوقف، ولو شهد عليه شاهدان أنهما سمعاه يرتد وقالا ارتد مكرها أو ارتد محدودا أو ارتد محبوسا لم يغنم ماله وورثه ورثته من المسلمين ولو قالا كان محليا آمنا حين ارتد كانت تلك ردة وغنم ماله ولو ادعى ورثته أنه رجع إلى الإسلام لم يقبل منهم إلا ببينة ولو أقاموا بينة على أنهم رأوه في مدة بعد الشهادة بالردة يصلي صلاة المسلمين قبلت ذلك منهم وورثتهم ماله ولو كان هذا في بلاد الإسلام والمرتد ليس في حال ضرورة لم أقبل هذا منهم حتى يشهد عليه شاهدان بالتوبة بعد الردة ولم أقبل من ورثته أنه ارتد مسجونا ولا محدودا إذا لم تقطع البينة أنه سجن وحد ليرتد.
ما أحدث المرتد في حال ردته في ماله
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فلم يوقف ماله فما صنع فيه فهو جائز كما يجوز له في ماله ما صنع قبل الردة فإذا وقف فلا سبيل له على إتلاف شيء من ماله بعوض ولا غيره ما كان موقوفا فإن أعتق أو كاتب أو دبر أو اشترى أو باع فذلك كله موقوف لا ينفذ منه شيء في حال ردته فإن رجع إلى الإسلام لزمه ذلك كله إلا البيع فإذا فسخ بيعه فقد انفسخ لأنه لم يكن محولا بينه وبين ماله في الحال الذي أحدث ذلك فيه حول الحجر إنما كان موقوفا عنه ليقتل فيعلم أن ملكه كان زائلا عنه بالردة إن لم يتب حتى يموت فيصير فيئا أو يسلم فيكون على ما كان في ملكه أولا فلما أسلم علمنا أن فعله فيما يملك.
(قال الشافعي): ولو كان في ردته في يديه شيء يدعي أنه ملك له ثم أقر بذلك الشيء بعينه لغيره كان لغيره أخذه منه في حال ردته وكذلك يلزمه ما أقر به من الدين لأجنبي وكذلك يؤخذ من ماله ما لزم الرجل غير المرتد في ماله ولو قال في عبد من عبيده في حال ردته هذا عبد اشتريته أو وهب لي وهو حر كان حرا ولم ينتظر إسلامه بما أقر به لغيره إنما أرد ما أحدث إتلافه بلا سبب متقدم يقربه احتياطا عليه لا حجرا عنه (وفيها قول آخر) أنه إذا حجر عليه فهو كالمحجور في جميع حالاته حتى يرجع إلى الإسلام فيفك عنه الحجر.
جناية المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا جنى المرتد في حال ردته على آدمي جناية عمدا في مثلها قصاص فالمجني عليه بالخيار في أن يقتص منه أو يأخذ قدر الجناية من ماله الذي كان له قبل الردة وما اكتسب بعدها وذلك كله سواء وكذلك إن كانت عمدا لا قصاص فيها وكذلك ما أحرق وأفسد لآدمي كان في ماله لا تسقطه عنه الردة (قال): وإن كانت الجناية خطأ فهي في ماله كما تكون على عاقلته إلى أجلها فإذا مات فهي حالة ولا تعقل العاقلة عنه شيئا جناه في حال ردته فإن كانت الجناية نفسا فهي في ماله في ثلاث سنين فإن قتل أو مات على الردة فهي حالة. ولو كانت الجناية وهو مسلم ثم ارتد فإن كانت عمدا فهي كجنايته وهو مرتد وإن كانت خطأ فهي على عاقلته لأن الجناية لزمتهم إذ جنى وهو مسلم. ولو ارتد وقتل فأراد ولي القتيل القتل كان ذلك له وإذا قتله وهو على الردة فماله لمن وصفته من المسلمين وكذلك لو قطع أو جرح أقصصنا منه ثم قتلناه على الردة فإن عجل الإمام فقتله على الردة أو مات عليها قبل القصاص فلولي الدم والجرح عمدا عقل النفس والجراح في مال الجاني المرتد، ولو كان الجاني المرتد عبدا أو أمة فجنى على من بينه وبينه القود كان لولي المجني عليه الخيار في القود أو أخذ العقل فإن أراد القود فهو له وإن أراد العقل فهو له في رقبة الجاني إلا أن يفديه سيده فإن فداه قتل على الردة وإن لم يفده قتل على الردة إلا أن يتوب فيباع ويعطى ولي المجني عليه قيمة جنايته ويرد الفضل إن كان فيه فضل عن الجناية على سيده ولو جنى وهو مرتد عبد ثم عته فاختار ولي الدم العقل ولم يتطوع مولاه بأن يفديه بيع مرتدا معتوها فأعطي ولي الجناية قيمة جنايته ورد فضل إن كان في ثمنه على سيده فإذا أفاق ولم يتب قتل على الردة ولا يباع إلا بالبراء من الردة والعته وما أحدث العبد من الجناية في الردة مخالفة ما أحدث من الذين من قبل أن الجناية لا تسقط عن صبي ولا محجور عليه ولا عبد لأنها بغير إذن المجني عليه والدين يسقط عن المحجور عليه وعن العبيد ما كانوا في الرق لأنه بإذن رب الدين.
الجناية على المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا ارتد الرجل عن الإسلام فجنى عليه رجل جناية فإن كانت قتلا فلا عقل ولا قود ويعزر لأن الحاكم الوالي للحكم عليه وليس للحاكم قتله حتى يستتاب وإن كانت دون النفس فكذلك. ولو جنى عليه مرتدا ثم أسلم ثم مات من الجناية فالجناية هدر لأنها كانت غير ممنوعة بأن يحكم فيها بعقل أو قود ولو جنى عليه مرتدا فقطع يده ثم تاب ثم قطع رجله كان له القود في الرجل إن شاء لأنه جنى عليه مسلما ولو مات كانت لهم نصف الدية لأنه مات من جنايتين جناية ممنوعة وجناية غير ممنوعة.
الدين على المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان على المرتد دين ببينة قبل الردة ثم ارتد قضي عنه دينه إن كان حالا وإن كان إلى أجل فهو إلى أجله إلا أن يموت فيحل بموته وكذلك كل ما أقر به قبل الردة
لأحد (قال): وإن لم يعرف الدين ببينة تقوم ولا بإقرار منه متقدم للردة ولم يعرف إلا بإقرار منه في الردة فإقراره جائز عليه وما دان في الردة قبل وقف ماله لزمه وما دان بعد وقف ماله فإن كان من بيع رد البيع وإن كان من سلف وقف فإن مات على الردة بطل وإن رجع إلى الإسلام لزمه لأنا نعلم برجوعه إلى الإسلام أن ماله لم يكن خرج من يده (قال الربيع) وللشافعي قول آخر أنه إذا ضربه مرتدا ثم أسلم ثم مات أنه يدرأ عنه القود بالشبهة ويغرم الدية وله أيضا قول آخر أنه لا شيء عليه لأن الحق قتله كما أنه لو قطع يدي رجل فقطعنا يده قصاصا ثم مات من القصاص لم يكن على آخذ القصاص شيء والحق قتله وكذلك المرتد إذا جرحه مرتد ثم أسلم فمات فلا شيء على من جرحه لأن الجرح منه كان مباحا في وقته ذلك فالحق قتله فلا شيء على من جرح.
الدين للمرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): وإذا كان للمرتد دين حال أخذ ممن هو عليه ويوقف في ماله وإن كان إلى أجل فهو إلى أجله فإذا حل وقف إلا أن يموت المرتد قبل ذلك أو يقتل على ردته فيكون الدين إلى أجله فإذا قبض كان فيئا
(قال الربيع) في رجل جرح مرتدا ثم أسلم ثم مات ففيها قولان أحدهما أن يكون عليه الدية لأنه مات مسلما والقول الثاني أنه لا شيء على من جرحه وإن أسلم فمات من قبل أن الضربة كانت وهو مرتد فيها فالحق الذي قتله ولا شيء على من جرحه.
ذبيحة المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): لا تؤكل ذبيحة المرتد إلى أي دين ما ارتد لأنه إنما رخص في ذبائح أهل الكتاب الذين يقرون على أديانهم (قال): فلو عدا على شاة رجل فذبحها بغير إذنه ضمن قيمتها حية، وهكذا كل ما استهلك، ولو أمره أن يذبحها له وهو يعلمه مرتدا أو لا يعلمه لم يضمن شيئا لأنه لم يتعد ولا يأكلها صاحب الشاة (قال): ولو ذبح لنفسه أو استهلك متاعا لنفسه أو قتل عبدا لنفسه لم يضمن لأنه إن قتل أو مات على ردته فكل مال وجدناه له فهو فيء، وإن رجع إلى الإسلام علمنا برجوعه أنه إنما جنى على ماله ولا يضمن لنفسه مال نفسه.
نكاح المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولا يجوز للمرتد أن ينكح قبل الحجر ولا بعده مسلمة لأنه مشرك ولا وثنية لأنه لا يحل له إلا ما يحل للمسلمين ولا كتابية لأنه لا يقر على دينه فإن نكح فأصاب واحدة منهن فلها مهر مثلها والنكاح مفسوخ ولا يكون للمرتد أن يزوج ابنته ولا أمته ولا امرأة هو وليها مسلمة أو مشركة ولا مسلما ولا مشركا وإذا أنكح فإنكاحه باطل والله الموفق.
الخلاف في المرتد
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): فخالفنا بعض أهل ناحيتنا في المرتد بوجهين. أحدهما: أن قائلا منهم قال من ولد على الإسلام فارتد قتلته إلى أي دين ارتد وقتلته وإن تاب. وقال آخر منهم: من رجع إلى دين يظهره كاليهودية والنصرانية استتبته فإن تاب قبلت منه وإن لم يتب قتلته، وإن رجع إلى دين يستخفي به كالزندقة وما يستخفي به قتلته وإن أظهر التوبة لم أقبلها وأحسبه سوى بين من ولد على الإسلام ومن لم يولد عليه (قال الشافعي): فوافقنا بعض أصحابنا من المدنيين والمكيين والمشرقيين وغيرهم من أهل العلم في أن لا يقتل من أظهر التوبة وفي أن يسوي بين من ولد على الإسلام ومن لم يولد عليه ودان دينا يظهره أو دينا يستخفي به لأن كل ذلك كفر (قال الشافعي): والحجة على من فرق بين من ولد على الإسلام ومن لم يولد عليه أن الله أنزل حدوده فلم نعلم كتابا نزل ولا سنة مضت ولا أحدا من المسلمين خالف في الحدود بين أحد من المسلمين ولد على الكفر فأحدث إسلاما أو ولد على الإسلام والقتل على الردة حد ليس للإمام أن يعطله ولا يجوز لأحد إلا من فرضت طاعته أن يفرق بين الحدود والله أعلم.
تكلف الحجة على قائل القول الأول وعلى من قال أقبل إظهار التوبة إذا كان رجع إلى دين يظهره ولا أقبل ذلك إذا رجع إلى دين لا يظهره
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -): ولولا غفلة في بعض السامعين الذين لعل من نوى الأجر في تبيينهم أن يؤجر ما تكلفت لأنه إنما يكتفي في هذين القولين بأن يحكيا فيعلم أن ليس فيهما مذهب يجوز أن يغلط به عالم بحال وأن كتاب الله تعالى ثم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم المعقول والقياس يدل على غير ما قال من قال هذا والله أعلم. ومن أوجز ما بين به أن الأمر على غير ما قيل أن يقال قد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من بدل دينه فاضربوا عنقه» فهل يعد وهذا القول أبدا واحدا من معنيين؟ أن يكون من بدل دينه وأقام على تبديله ضربت عنقه كما تضرب عناق أهل الحرب. أو تكون كلمة التبديل توجب القتل وإن تاب كما يوجبه الزنا بعد الإحصان وقتل النفس بغير النفس فليس قولك واحدا منهما وأن يقال له لم قبلت إظهار التوبة من الذي رجع إلى النصرانية واليهودية ودين أظهره؟ ألأنك على ثقة من أنه إذا أظهر التوبة فقد صحت توبته أو قد يكون يظهرها وهو مشتمل على الكفر ودين النصرانية أو منتقل عنه إلى دين يخفيه؟ ولم أبيت قبول من أظهر التوبة وقد كان مستخفيا بالشرك؟ أعلى علم أنت من أن هذا لا يتوب توبة صحيحة أم قد يتوب توبة صحيحة؟ فلا يجوز لأحد أن يدعي علم هذا لأنه لا يعلم حقيقة علم هذا أحد من الآدميين غير المؤمن نفسه وإنما تولى الله عز ذكره علم الغيب، أو رأيت لو قال رجل من استسر بالكفر قبلت توبته لضعفه في استسراره ومن أعلنه لم تقبل توبته لما انكشف به من الكفر بالله وإن المنكشف بالمعصية أولى أن تنفر القلوب منه ويكاد أن يؤيس من صحة توبته لأنا رأينا من انكشف بالمعاصي سوى الشرك كان أحرى أن لا يتوب ما الحجة عليه؟ هل هي إلا أن هذا مما لا يعلمه إلا الله عز وجل وأن حكم الله تعالى في الدنيا قبول ظاهر الآدميين وأنه تولى سرائرهم ولم يجعل لنبي مرسل ولا لأحد من خلقه أن يحكم إلا على الظاهر وتولى دونهم السرائر لانفراده بعلمها وهكذا الحجة على من قال هذا القول. وأخبر الله عز وجل عن قوم من الأعراب فقال {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} فأعلم أنه لم يدخل الإيمان في قلوبهم وأنهم أظهروه وحقن به دماءهم قال مجاهد في قوله " أسلمنا "، قال أسلمنا مخافة القتل والسباء (قال الشافعي): وأخبر الله جل ثناؤه عن المنافقين في عدد آي من كتابه بإظهار الإيمان والاستسرار بالشرك وأخبرنا بأن قد جزاهم بعلمه عنهم بالدرك الأسفل من النار فقال {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} فأعلم أن حكمهم في الآخرة النار بعلمه أسرارهم وأن حكمه عليهم في الدنيا إن أظهروا الإيمان جنة لهم، وأخبر عن طائفة غيرهم فقال {وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا} وهذه حكاية عنهم وعن الطائفة معهم مع ما حكى من كفر المنافقين منفردا وحكى من أن الإيمان لم يدخل قلوب من حكى من الأعراب وكل من حقن دمه في الدنيا بما أظهر مما يعلم جل ثناؤه خلافه من شركهم لأنه أبان أنه لم يول الحكم على السرائر غيره وأن قد ولى نبيه الحكم على الظاهر وعاشرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يقتل منهم أحدا ولم يحبسه ولم يعاقبه ولم يمنعه سهمه في الإسلام إذا حضر القتال ولا مناكحة المؤمنين وموارثتهم والصلاة على موتاهم وجميع حكم الإسلام وهؤلاء من المنافقين والذين في قلوبهم مرض والأعراب لا يدينون دينا يظهر بل يظهرون الإسلام ويستخفون بالشرك والتعطيل قال الله عز وجل {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} فإن قال قائل فلعل من سميت لم يظهر شركا سمعه منه آدمي وإنما أخبر الله أسرارهم فقد سمع من عدد منهم الشرك وشهد به عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فمنهم من جحده وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أظهر ولم يقفه على أن يقول أقر ومنهم من أقر بما شهد به عليه وقال تبت إلى الله وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما أظهر. ومنهم من عرف النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن الزهري عن أسامة بن زيد وقال شهدت من نفاق عبد الله بن أبي ثلاثة مجالس فإن قال قائل فقد قال الله عز وجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله} إلى قوله {وهم كافرون} قيل فهذا يبين ما قلنا وخلاف ما قال من خالفنا، فأما أمره أن لا يصلي عليهم فإن صلاته بأبي هو وأمي مخالفة صلاة غيره وأرجو أن يكون قضى إذ أمره بترك الصلاة على المنافقين أن لا يصلي على أحد إلا غفر له وقضى أن لا يغفر للمقيم على شر فنهاه عن الصلاة على من لا يغفر له.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|