
19-05-2024, 11:46 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,450
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (558)
سُورَةُ التَّحْرِيمِ
صـ 219 إلى صـ 226
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ التَّحْرِيمِ
قوله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية .
تقدم في أول السورة قبلها بيان علاقة الأمة بالخطاب الخاص به - صلى الله عليه وسلم - وقد اختلف في تحريم ما أحل الله له بين كونه العسل أو هو مارية جاريته - صلى الله عليه وسلم - وسيأتي زيادة إيضاحه عن الكلام على حكمه .
وقوله تعالى : لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك [ 66 \ 1 ] ، ظاهر فيه معنى العتاب ، كما في قوله تعالى : عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى [ 80 \ 1 - 3 ] .
وكلاهما له علاقة بالجانب الشخصي سواء ابتغاء مرضاة الأزواج ، أو استرضاء صناديد قريش ، وهذا مما يدل على أن التشريع الإسلامي لا مدخل للأغراض الشخصية فيه .
وبهذا نأخذ بقياس العكس دليلا واضحا على بطلان قول القائلين : إن إعماره - صلى الله عليه وسلم - لعائشة من التنعيم كان تطييبا لخاطرها ، ولا يصح لأحد غيرها .
ومحل الاستدلال هو أن من ليس له حق في تحريم ما أحل الله له ابتغاء مرضاة أزواجه لا يحل له إحلال وتجويز ما لا يجوز ابتغاء مرضاتهن ، وهذا ظاهر بين ، ولله الحمد .
أما تحلة اليمين وكفارة الحنث وغير ذلك ، فقد تقدم بيانه للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - عند قوله تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم [ 2 \ 225 ] .
أما حقيقة التحريم هنا ، ونوع الكفارة ، وهل كفر - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك أم أن الله غفر له فلم يحتج لتكفير ، فقد أوضحه الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في مذكرة الإملاء عند هذه الآية .
[ ص: 220 ] وفي الأضواء عند قوله تعالى في أول سورة " الأحزاب " : وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم [ 33 \ 4 ] ، وذلك أن للعلماء نحو عشرين قولا ، ورجح القول بأن التحريم ظهار لما يدل عليه ظاهر القرآن ، وأن القول الذي يليه أنه يمين ، وناقش المسألة بأدلتها هناك .
قوله تعالى : إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما .
أطلقت التوبة هنا وقيدت في الآية بعدها بأنها توبة نصوح ، في قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا [ 66 \ 8 ] .
وحقيقة التوبة النصوح وشروطها وآثارها تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - عند قوله تعالى وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون [ 24 \ 31 ] .
وقوله تعالى : فقد صغت قلوبكما . قال الشيخ في إملائه : ( صغت ) : بمعنى مالت ورضيت وأحبت ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم . اهـ .
وقال : ( وقلوبكما ) جمع مع أنه لاثنتين هما حفصة وعائشة ، فقيل : لأن المعنى معلوم والجمع أخف من المثنى إذا أضيف . وقيل هو مما استدل به على أن أقل الجمع اثنين كما في الميراث في قوله : فإن كان له إخوة [ 4 \ 11 ] .
وجواب الشرط في قوله تعالى : إن تتوبا محذوف تقديره ، فذلك واجب عليكما ; لأن قلوبكما مالت إلى ما لا يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم . اهـ .
وقدره القرطبي بذلك خير لكم ومعناهما متقارب .
قوله تعالى : وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير .
قال أبو حيان : الوقف على ( مولاه ) ، وتكون الولاية خاصة بالله ، ويكون ( جبريل ) مبتدأ وما بعده عطف عليه ، ( وظهير ) خبر ، وعليه يكون جبريل ذكر مرتين بالخصوص أولا وبالعموم ثانيا .
وقيل : الوقف على ( جبريل ) معطوفا على لفظ الجلالة في الولاية ، ثم ابتدئ بصالح المؤمنين وعطف عليهم الملائكة ، ويدخل فيهم جبريل ضمنا . اهـ .
[ ص: 221 ] فعلى الوقف الأول يكون درج صالح المؤمنين بين جبريل وبين الملائكة تنبيها على علو منزلة صالح المؤمنين ، وبيان منزلتهم من عموم الملائكة بعد جبريل ، وعلى الوقف الثاني فيه عطف جبريل على لفظ الجلالة في الولاية بالواو ، وليس فيه ما يوهم التعارض مع الحديث في ثم إذ محل العطف هو الولاية ، وهي قدر ممكن من الخلق ومن الله تعالى كما في قوله تعالى : هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين [ 8 \ 62 ] لأن النصر يكون من الله ويكون من العباد ، من باب الأخذ بالأسباب : إلا تنصروه فقد نصره الله [ 9 \ 40 ] .
وكما في قوله تعالى : وينصرون الله ورسوله [ 59 \ 8 ] .
وقوله : من أنصاري إلى الله [ 3 \ 52 ] ، بخلاف سياق الحديث ، فقد كان في موضوع المشيئة حينما قال الأعرابي : ما شاء الله وشئت . فقال له صلى الله عليه وسلم : " أجعلتني لله ندا ؟ قل ما شاء الله وحده " ; لأن حقيقة المشيئة لله تعالى وحده كما في قوله : وما تشاءون إلا أن يشاء الله [ 81 \ 29 ] ، وكقوله : بل لله الأمر جميعا [ 13 \ 31 ] ، وكقوله : لله الأمر من قبل ومن بعد [ 30 \ 4 ] .
ومن اللطائف في قوله تعالى : وإن تظاهرا عليه إلى آخر ما سمعته من الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - أنه قال : إن المتظاهرتين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأتان فقط تآمرتا عليه فيما بينهما ، فجاء بيان الموالين له ضدهما كل من ذكر في الآية . فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة ، ما يدل على عظم كيدهن وضعف الرجال أمامهن ، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى : إن كيدكن عظيم [ 12 \ 28 ] ، بينما قال في كيد الشيطان : إن كيد الشيطان كان ضعيفا [ 4 \ 76 ] .
وقد عبر الشاعر عن ذلك بقوله :
ما استعظم الإله كيدهنه إلا لأنهن هن هنه
قوله تعالى : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا .
فيه بيان أن الخيرية التي يختارها الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في النساء هي تلك الصفات من الإيمان والصلاح .
[ ص: 222 ] وجاء الحديث " فعليك بذات الدين تربت يمينك " .
وقوله تعالى : ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم [ 2 \ 221 ] .
وفي تقديم الثيبات على الأبكار هنا في معرض التخيير ما يشعر بأولويتهن ، مع أن الحديث : " هلا بكرا تداعبك وتداعبها " ، ونساء الجنة لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، ففيه أولوية الأبكار ، وقد أجاب المفسرون بأن هذا للتنويع فقط ، وأن الثيبات في الدنيا والأبكار في الجنة كمريم ابنة عمران ، والذي يظهر والله تعالى أعلم ، أنه لما كان في مقام الانتصار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتنبيههن لما يليق بمقامه عندهن ذكر من الصفات العالية دينا وخلقا ، وقدم الثيبات ; ليبين أن الخيرية فيهن بحسب العشرة ومحاسن الأخلاق .
وقوله تعالى : عسى ربه إن طلقكن ، لم يبين هل طلقهن ، أم لا ؟ مع أن عسى من الله للتحقيق ، ولكنه لم يقع طلاقهن كما بينه تعالى في سورة " الأحزاب " ، بأنه تعالى خيرهن بين الله ورسوله ، وبين الحياة الدنيا وزينتها ، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة فلم يطلقهن ، ولم يبدله أزواجا خيرا منهن .
وقد بين الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - هذه المسألة وإخلال الزواج إليه وتحريم النساء بعدهن عليه عند قوله تعالى : ياأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك الآية [ 33 \ 50 ] .
وقوله : ترجي من تشاء منهن [ 33 \ 51 ] .
وقوله : لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن الآية [ 33 \ 52 ] .
وبين الناسخ من المنسوخ في ذلك في دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب .
قوله تعالى : يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم .
لم يبين هنا نوع الاعتذار الذي نهوا عنه ولا سبب النهي عنه لماذا ؟ ولا زمنه ، وقد بين تعالى نوع اعتذارهم في مثل قوله تعالى : حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار [ 7 \ 38 ] .
وكقوله تعالى : ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين انظر كيف كذبوا على أنفسهم [ 6 \ 23 ] .
[ ص: 223 ] وكقوله بعدها : ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين [ 6 \ 27 ] فهذا غاية في الاعتذار ، ولكنهم نهوا عنه وذلك يوم القيامة ، كما في قوله : إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ، أي : إلى الدنيا .
وقد نهوا عن هذا الاعتذار ; لأنه لا ينفعهم كما في قوله تعالى : فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون [ 30 \ 57 ] .
وقوله : يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار [ 40 \ 52 ] .
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا .
تقدمت الإحالة على كلام الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في بيان أنواع التوبة ، وشروط كونها نصوحا على قوله تعالى : وتوبوا إلى الله جميعا [ 24 \ 31 ] .
قوله تعالى : نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم إلى آخر الآية .
تقدم بيان هذا النور وحالتهم تلك للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في سورة " الحديد " عند قوله تعالى : يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم [ 57 \ 12 ] .
قوله تعالى : يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم .
فيه الأمر بقتال الكفار ، والمنافقين والغلظة عليهم ، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاتل الكفار ، ولم يعلم أنه قاتل المنافقين قتاله للكفار ، فما نوع قتاله - صلى الله عليه وسلم - للمنافقين وبينه ؟ والله تعالى أعلم .
قوله تعالى : وجاهدهم به جهادا كبيرا [ 25 \ 52 ] ، أي : بالقرآن لقوله قبله : ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا [ 25 \ 50 ] .
ومعلوم أن المنافقين كافرون ، فكان جهاده - صلى الله عليه وسلم - للكفار بالسيف ومع المنافقين بالقرآن .
[ ص: 224 ] كما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - في عدم قتلهم ; لئلا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ، ولكن كان جهادهم بالقرآن لا يقل شدة عليهم من السيف ، لأنهم أصبحوا في خوف وذعر يحسبون كل صيحة عليهم ، وأصبحت قلوبهم خاوية كأنهم خشب مسندة ، وهذا أشد عليهم من الملاقاة بالسيف ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا .
أجمع المفسرون هنا على أن الخيانة ليست زوجية .
وقال ابن عباس : نساء الأنبياء معصومات ، ولكنها خيانة دينية بعدم إسلامهن وإخبار أقوامهن بمن يؤمن مع أزواجهن . اهـ .
وقد يستأنس لقول ابن عباس هذا بتحريم التزوج من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده ، والتعليل له بأن ذلك يؤذيه ، كما في قوله تعالى : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما [ 33 \ 53 ] .
فإذا كان تساؤلهن بدون حجاب يؤذيه ، والزواج بهن من بعده عند الله عظيم ، فكيف إذا كان غير التساؤل وبغير الزواج ؟ إن مكانة الأنبياء عند الله أعظم من ذلك .
وقوله تعالى : فلم يغنيا عنهما من الله شيئا ، فيه بيان أن العلاقة الزوجية لا تنفع شيئا مع الكفر ، وقد بين تعالى ما هو أهم من ذلك في عموم القرابات كقوله تعالى : يوم لا ينفع مال ولا بنون [ 26 \ 88 ] .
وقوله : يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه الآية [ 80 \ 34 - 35 ] .
وجعل الله هاتين المرأتين مثلا للذين كفروا ، وهو شامل لجميع الأقارب كما قدمنا .
وقد سمعت من الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في معرض محاضرة له الاستطراد في ذلك ، وذكر قصة هاتين المرأتين ، وقصة إبراهيم مع أبيه ونوح مع ولده ، فاستكمل جهات القرابات زوجة مع زوجها ، وولد مع والده ، ووالد مع ولده . وذكر حديث . " يا فاطمة اعملي ; فإني لا أغني عنك من الله شيئا " .
ثم قال : ليعلم المسلم أن أحدا لا يملك نفع أحد يوم القيامة ، ولو كان أقرب قريب [ ص: 225 ] إلا بواسطة الإيمان بالله ، وبما يكرم الله به من شاء بالشفاعة ، كما في قوله تعالى : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الآية [ 52 \ 21 ] .
قوله تعالى : وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين .
جاء في هذا المثل بيان مقابل للبيان المتقدم والمفهوم المخالف له ، وهو أن المؤمن لا تضره معاشرة الكافر ، كما أن الكافر لا تنفعه معاشرة المؤمن ، وفي هذا المثل قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في مذكرة الإملاء :
لقد اختارت امرأة فرعون في طلبها حسن الجوار قبل الدار . اهـ .
أي : في قولها : ابن لي عندك بيتا في الجنة الآية [ 66 \ 11 ] .
قوله تعالى : ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا .
بين تعالى المراد بالروح بأنه جبريل - عليه السلام - في قوله : فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا [ 19 \ 17 ] ، وهو جبريل .
كما في قوله : نزل به الروح الأمين أي نزل جبريل بالقرآن ، وفي هذه الآية رد على النصارى استدلالهم بها على أن عيسى - عليه السلام - ابن الله ومن روحه تعالى ، سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وبيان هذا الرد أن قوله تعالى : فأرسلنا إليها روحنا تعدية أرسل بنفسه يدل على أن الذي أرسل يمكن إرساله بنفسه ، وهو فرق عند أهل اللغة ، بينما يرسل نفسه وما يرسل مع غيره كالرسالة والهدية ، فيقال فيه : أرسلت إليه بكذا ، كما في قوله : وإني مرسلة إليهم بهدية الآية [ 27 \ 35 ] .
فالهدية لا ترسل بنفسها ، ومثله بعثت ، تقول : بعثت البعير من مكانه ، وبعثت مبعوثا ، وبعثت برسالة ، ثانيا قوله : فتمثل لها لفظ الروح مؤنث ، كما في قوله تعالى : فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون [ 56 \ 83 - 84 ] ، أنث الفعل في بلغت ، وهنا الضمير مذكر عائد لجبريل .
وقوله : فتمثل لها بشرا سويا ، ولو أنه من روح الله على ما ذهب إليه النصارى ، لما كان في حاجة إلى هذا التمثيل .
[ ص: 226 ] ثالثا قوله لها : إنما أنا رسول ربك [ 19 \ 19 ] ورسول ربها هو جبريل - عليه السلام - وليس روحه تعالى .
رابعا : قوله : لأهب لك غلاما زكيا [ 19 \ 19 ] ، ولم يقل لأهب لك روحا من الله .
ومن هذا أيضا قوله تعالى للملائكة : إني خالق بشرا من طين [ 38 \ 71 ] يعني آدم عليه السلام : فإذا سويته ونفخت فيه من روحي [ 15 \ 29 ] ، أي : نفخت فيه الروح التي بها الحياة : فقعوا له ساجدين [ 15 \ 29 ] . فلو أن الروح من الله لكان آدم أولى من عيسى ; لأنه لم يذكر إرسال رسول له ، وقد قال تعالى : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون [ 3 \ 59 ] ، فكذلك عيسى - عليه السلام - لما بشرتها به الملائكة : قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون [ 3 \ 47 ] ، فكل من آدم وعيسى ، قال له تعالى : كن فكان والله تعالى أعلم .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|