عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 16-05-2024, 10:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,970
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

كتاب الصلاة
شرح سنن أبي داود [104]
الحلقة (135)

شرح سنن أبي داود [104]

قراءة الفاتحة في الصلاة ركن من أركانها، ثم يقرأ المرء ما تيسر له بعدها، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بعد الفاتحة في الأوليين والأخريين من صلاة الظهر والعصر، وكان يطيل أحياناً ويخفف أحياناً، ولكل من الفرضين مقدار من زمن القراءة.

ما جاء في القراءة في الظهر


شرح حديث (في كل صلاة يقرأ)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ما جاء في القراءة في الظهر. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قيس بن سعد و عمارة بن ميمون و حبيب عن عطاء بن أبي رباح أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (في كل صلاة يقرأ، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفى علينا أخفينا عليكم) ]. أورد أبو داود رحمه الله القراءة في صلاة الظهر، والمقصود من هذه الترجمة أن صلاة الظهر فيها قراءة، ولكنها تكون سراً، ويأتي في هذه الترجمة عدة أحاديث فيها ما يدل على القراءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يقرأ فيها غير الفاتحة، ويستدل على ذلك بعدة أمور ستأتي في هذه الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة. وقد أورد أولاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: [ في كل صلاة يقرأ -يعني: فيها قراءة- فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفى علينا أخفينا عليكم ]. ومعناه: ما سمعناه يجهر به فنحن نسمعكم إياه ونخبركم به، وما أخفاه -يعني: أسره- فإننا نخفيه عليكم، يعني: نسر به. أي أن الصلاة يكون فيها جهر وفيها إسرار، ونحن نؤدي كما أخذنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أسر به أسررنا به، وما جهر به جهرنا به، وعلى هذا فمحل الشاهد من إيراد الحديث قوله: [ (في كل صلاة يقرأ) ] يعني: فيها القراءة، ويدخل في ذلك صلاة الظهر، وكذلك في قوله: [ (وما أخفاه علينا أخفيناه عليكم) ] يعني الإسرار، ففيه قراءة ولكن قد أسر بها ولم يجهر بها، وصلاة النهار هي سرية، إلا الجمعة، فإنه يجهر فيها بالقراءة، فيسر في الظهر والعصر، وأما صلاة الليل فإنه يجهر بها.

تراجم رجال إسناد حديث (في كل صلاة يقرأ)


قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ]. موسى بن إسماعيل مر ذكره. [ حدثنا حماد ]. هو حماد بن سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة. و حماد هنا غير منسوب، فيحتمل أن يكون ابن زيد ويحتمل أن يكون ابن سلمة ، ولكن حيث جاء أن الراوي هو موسى بن إسماعيل فهو حماد بن سلمة ، وهو ثقة. [ عن قيس بن سعد ]. هو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة . [ وعمارة بن ميمون ]. عمارة بن ميمون مجهول، أخرج حديثه البخاري في (جزء القراءة) وأبو داود ، وهذا المجهول لا يؤثر؛ لأنه لم ينفرد، إذ قد توبع. [ وحبيب ]. يحتمل أن يكون حبيب بن أبي ثابت ، ويحتمل أن يكون حبيباً المعلم ، وكما هو معلوم أن المجهول هنا لا يؤثر؛ لأنه لم ينفرد، فقد توبع. [ عن عطاء بن أبي رباح ]. عطاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أن أبا هريرة ]. هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، وقد مر ذكره.

شرح حديث (كان رسول الله يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ، عن هشام بن أبي عبد الله، ح: وحدثنا ابن المثنى ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن الحجاج -وهذا لفظه- عن يحيى ، عن عبد الله بن أبي قتادة -قال ابن المثنى : وأبي سلمة ، ثم اتفقا- عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحياناً، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية، وكذلك في الصبح). قال أبو داود : لم يذكر مسدد فاتحة الكتاب وسورة ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري ، وهو الحارث بن ربعي رضي الله تعالى عنه قال: [ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحياناً ]. فهذا يدل على قراءته، وذلك أنهم يستدلون على قراءته بكونه يسمعهم الآية أحياناً، ويظهر من هذا أنه كان يجهر ببعض الآية أو بطرف منها، لذلك كانوا يعرفون السورة التي يقرأ فيها، وهذا يدل -أيضاً- على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ، وكانوا يستدلون على قراءته بأدلة منها أنه كان يسمعهم الآية أحياناً، وهذا لا يدل على أن الصلاة السرية يجهر بها، فكونه يسمع منه طرف الآية التي يعرف بها السورة التي يقرأ بها لا يوجب أن يقال: إنّ الصلاة صارت جهرية، بل هي سرية، وإنما يسمعهم أحياناً حتى يعرفوا السورة التي تقرأ في هذه الصلاة، وهذا كان يقع أحياناً وليس دائماً. قوله: [ (وكان يطول الركعة الأولى من الظهر، ويقصر الثانية) ] قد قيل في سبب تطويل الأولى تعليلان: أحدهما: ما جاء في الأحاديث أو الآثار كما سيأتي في هذا الباب، وهو انتظار من سيأتي، أي: الذين تأخر مجيئهم قبل الإقامة؛ حتى ليدركوا الركعة. والأمر الثاني: أن أول الصلاة يكون فيها نشاط للمصلي، فإذا حصلت الإطالة في الأولى أكثر من الثانية فلا بأس بذلك، لنشاط المصلي في البداية. قوله: [ وكذلك في الصبح ] يعني: يطول في الأولى.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ...)


قوله: [ حدثنا مسدد ]. هو ابن مسرهد ، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا يحيى ]. هو ابن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن هشام بن أبي عبد الله ]. هو الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله: [ ح ] وهو للتحول من إسناد إلى إسناد. [ حدثنا ابن المثنى ]. هو محمد بن المثنى العنزي الملقب بالزمن ، البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة. [ حدثنا ابن أبي عدي ]. هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ، منسوب إلى جده، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الحجاج ]. هو الصواف ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ وهذا لفظه ] يعني لفظ الطريق الثاني. [ عن يحيى ]. هو ابن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله بن أبي قتادة ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ قال ابن المثنى : وأبي سلمة ]. أي: في الطريق الثانية؛لأن الطريق الأولى ليس فيها إلا عن عبد الله بن أبي قتادة ، وهي طريق مسدد ، فمسدد لم يروِ هذا الحديث إلا من طريق عبد الله بن أبي قتادة ، وأما الطريق الثانية -وهي طريق ابن المثنى- فإنه يرويها عن شيخين: عبد الله بن أبي قتادة وأبي سلمة بن عبد الرحمن . [ عن أبي قتادة ]. هو الحارث بن ربعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث أبي قتادة في صلاة الظهر: (... وكان يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية ...)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ما جاء في القراءة في الظهر. حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا همام وأبان بن يزيد العطار ، عن يحيى ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ببعض هذا، وزاد: (في الأخريين بفاتحة الكتاب)، وزاد عن همام قال: (وكان يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية، وهكذا في صلاة العصر، وهكذا في صلاة الغداة) ] سبق أن مرت بعض الأحاديث التي تتعلّق بصلاة الظهر وصلاة العصر، وأورد هنا أبو داود رحمه الله حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: [ وكان -أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية ]، وذلك لانتظار الداخل كما جاء في بعض الآثار كما سيذكره المصنف فيما بعد، وأيضاً لكون المصلي في أول صلاته يكون عنده من النشاط ما لا يكون عنده بعد ذلك، فكان يطيل في الركعة الأولى ما لا يطيله في الثانية، وكذلك يفعل في صلاة الغداة، وهي صلاة الفجر، فكان يطيل الركعة الأولى فيها، ويطيل القراءة فيها أيضاً، وتكون الثانية أقل منها، ولعل ذلك للسببين المشار إليهما آنفاً، وكان يقرأ في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب، وقد جاء في بعض الروايات التي ستأتي عند المصنف أنه كان يقرأ -أيضاً- في الركعتين الأخريين من صلاة الظهر والعصر غير الفاتحة، وذلك في الحديث الذي سيأتي من أنهم حزروا قراءته فكانت ثلاثين آية في الركعتين الأوليين، وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك، وهذا في الظهر، وفي العصر في الركعتين الأوليين على النصف من الركعتين الأخريين في الظهر، أي: مقدار خمس عشرة آية، وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك، وذلك يعني أنه يسوغ للإنسان أن يقرأ في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر بغير فاتحة الكتاب أيضاً.

تراجم رجال إسناد حديث أبي قتادة في قدر القراءة في صلاة الظهر
قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ]. الحسن بن علي هو الحلواني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا النسائي . [ حدثنا يزيد بن هارون ]. هو الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا همام ]. هو ابن يحيى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الستة. [ وأبان بن يزيد العطار ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلّا ابن ماجة . [ عن يحيى ]. هو ابن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن عبد الله ]. هو عبد الله بن أبي قتادة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [عن أبيه ]. هو أبو قتادة الأنصاري واسمه: الحارث بن ربعي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

طريق أخرى لحديث أبي قتادة في قدر القراءة في صلاة الظهر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن يحيى ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى) ]. ثم أورد أبو داود الأثر عن أبي قتادة رضي الله عنه في سبب تطويل الرسول صلى الله عليه وسلم للركعة الأولى أكثر من الثانية كما جاء في الأحاديث المتقدمة، وأنهم ظنوا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة، يعني الذين يأتون وقد أقيمت الصلاة، فيدركون الركعة الأولى إذا أطيل في القراءة. وهناك تعليل آخر أشرت إليه سابقاً، وذكره بعض أهل العلم، وهو أنه يكون في الركعة الأولى من النشاط ما لا يكون بعد ذلك، فناسب ذلك أن يطال في القراءة في الركعة الأولى.

تراجم رجال إسناد الطريق الأخرى لحديث أبي قتادة في قدر القرءاة في صلاة الظهر

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق ]. الحسن بن علي مر ذكره، وعبد الرزاق هو ابن همام الصنعاني اليماني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ أخبرنا معمر ]. هو معمر بن راشد الأزدي ، ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن يحيى ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ]. قد مر ذكرهم.

شرح حديث سؤال خباب عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر أنه قال: قلنا لخباب رضي الله عنه: (هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم. قلنا: بم كنتم تعرفون ذاك؟ قال: باضطراب لحيته) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه أنه سئل: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قيل: بم كنتم تعرفون ذلك مع أنّ الصلاة سرّية؟ قال: باضطراب لحيته، وهذا دليل آخر يدل على القراءة في الصلاة السرية. إذاً: مرّ بنا دليلان على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة السرية، الدليل الأول: أنه كان يسمعهم الآية أحياناً؛ حتى يعرفوا السورة التي يقرأ فيها، وهذا كما مرّ سابقاً. والدليل الثاني هو هذا الحديث، وهو أنهم كانوا يستدلون على ذلك باضطراب لحيته، فهم يصلون وراءه صلى الله عليه وسلم الصلاة السرية كالظهر والعصر فيعلمون أنه يقرأ باضطراب لحيته، فبسبب تحريك شفتيه في القراءة تضطرب اللحية يميناً وشمالاً، فيظهر شعر لحيته ويبدو من الجانبين فيرونه يتحرك فيعلمون أنه يقرأ، وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهم وأرضاهم- من العناية والاهتمام بتتبع أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة الأحكام الشرعية، ومعرفة السنن التي جاءت عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأنهم ينظرون إليه وهو يصلي بهم الصلاة السرية، فيفهمون من تحرك لحيته واضطرابها أنه يقرأ. فهذا فيه دليل على القراءة في الصلاة السرية، ويدلنا -أيضاً- على أن القراءة لا بد فيها من تحريك الشفتين، وأن الإنسان لا يكفي أن يقرأ وهو مطبق شفتيه؛ لأن الاستذكار في القلب لا يقال له قراءة، وإنما تكون القراءة بتحريك اللسان والشفتين، ولهذا قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة:16] ، فعندما كان جبريل يتلو عليه القرآن، ويلقي عليه الوحي كان يحرك لسانه، ويقرأ مع قراءة جبريل، فنهي عن أن يحرك لسانه، ووعد بأن يحفظ له القرآن، وأن يمكن من حفظه، وأنه لا يفوته منه شيء، فقال تعالى: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ [القيامة:18] أي: قرأه جبريل، (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:18] أي: استمع، وبعد فراغه فإنه يكون محفوظاً في صدره صلى الله عليه وسلم، فاضطراب اللحية وتحريك الشفتين يدلنا على أن القراءة إنما تكون كذلك، ولا تكون مع إطباق الشفتين، وكون الإنسان يستذكر القرآن استذكاراً، ويتأمله تأملاً دون أن يقرأ لا يقال له قراءة. والحديث يدل -أيضاً- على أنه صلى الله عليه وسلم كان صاحب لحية، وأن لحيته كانت كثة، وذلك أنهم كانوا يرون الشعر من جوانبه وهم من ورائه.

تراجم رجال إسناد حديث سؤال خباب عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر

قوله: [ حدثنا مسدد ]. مسدد هو ابن مسرهد البصري، ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي . [ حدثنا عبد الواحد بن زياد ]. عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن الأعمش ]. الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، والأعمش لقبه، واسمه سليمان ، ومن الأمور المهمة في علم المصطلح معرفة الألقاب، وفائدة معرفتها أن لا يظن الشخص الواحد شخصين، فإذا ذكر باسمه مرة ثم ذكر بلقبه مرة أخرى فالذي لا يعرفه يظن هذا شخصاً وهذا شخصاً، فإذا جاء في بعض الأسانيد سليمان بن مهران ، أو سليمان فقط، ثم جاء في إسناد آخر الأعمش ، فالذي لا يعرف أن الأعمش لقب لسليمان بن مهران الكاهلي يظن أن الأعمش شخص، وأن سليمان شخص آخر، إذاً: ففائدة معرفة الألقاب أن لا يظن الشخص الواحد شخصين. [ عن عمارة بن عمير ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن أبي معمر ]. هو عبد الله بن سخبرة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن خباب ]. هو ابن الأرت رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (أن النبي كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم)


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا محمد بن جحادة عن رجل عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم) ]. أورد أبو داود هذا الحديث عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم في الركعة الأولى حتى لا يسمع وقع قدم) ] ومعنى ذلك أنه كان يطيل الركعة الأولى فيدرك الداخلون والآتون بعد ذلك هذه الركعة حتى لا يبقى أحد آت إلى الصلاة، فقد تكاملوا، ووصلوا جميعهم، وهذا هو سبب الإطالة، كما جاء عن أبي قتادة آنفاً، حيث قال (فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى). وهذا الحديث نص في هذا المعنى، إلا أن الحديث فيه رجل مبهم، فهو غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا المبهم غير مسمى، فلا يدرى من هو، والإبهام والجهالة يؤثران في غير الصحابة، وأما الإبهام والجهالة في الصحابة فلا يؤثران؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم، ويكفي أن يقال عن رجل: صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحتاج إلى معرفة شخصه ولا حاله؛ لأن الصحابة كلهم عدول بتعديل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم، فهم لا يحتاجون بعد ثناء الله عز وجل وثناء رسوله عليه الصلاة والسلام عليهم إلى تعديل المعدلين، أو توثيق الموثقين، رضي الله تعالى عنهم أجمعين. وعلى هذا فهذا الحديث يدل على ذلك الذي ظنه الصحابة كما أشار إليه أبو قتادة في الأثر المتقدم، ولو صح لكان نصاً في ذلك، ولكن الحديث لم يصح لوجود هذا الرجل المبهم.

تراجم رجال إسناد حديث (أنّ النبي كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم)


قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]. هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي . [ حدثنا عفان ]. هو ابن مسلم الصفار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ حدثنا همام ، حدثنا محمد بن جحادة ]. همام مر ذكره، ومحمد بن جحادة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن رجل عن عبد الله بن أبي أوفى ]. عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

تخفيف الأخريين


شرح حديث سعد بن أبي وقاص في شكوى أهل الكوفة منه


قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: تخفيف الأُخْرَيين. حدثنا حفص بن عمر ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن عبيد الله أبي عون ، عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أنه قال: [ قال عمر لسعد رضي الله عنهما: قد شكاك الناس في كل شيء حتى في الصلاة! قال: أما أنا فأمد في الأوليين، وأحذف في الأخريين، ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ذاك الظن بك ]. أورد أبو داود رحمه الله [ باب تخفيف الأخريين ]، فكما أن الأوليين تطولان فإن الأخريين تخففان، والأخريان هما الركعتان الأخيرتان من الظهر والعصر والعشاء، ومثلهما الركعة الأخيرة من المغرب، فالتخفيف يكون في الأخريين في الصلاة الرباعية، وفي الثالثة في الصلاة الثلاثية كما في المغرب، وتخفف وتسر فيها القراءة بالنسبة للصلاة الجهرية، كالركعتين الأخيرتين من العشاء، والركعة الأخيرة بالنسبة للمغرب، فحكم هذه الركعات الإسرار والاختصار، أن يسر بها وأن تختصر وتخفف، ولا تطول كما تطول الركعتان الأوليان. وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث، منها حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه لما أمره عمر على الكوفة مكث بها مدة، فحصل بينه وبين بعض أهلها شيء حتى تكلموا فيه، وقدحوا فيه وسبوه، حتى بلغ بهم الحد -والعياذ بالله- أنهم قالوا: (لا يحسن أن يصلي!!) وهذا الكلام قالوه في رجل يمشي على الأرض وهو من أهل الجنة، في رجل من العشرة المبشرين بالجنة، ومع ذلك لم يسلم من أذاهم. فلما بلغ عمر رضي الله عنه وأرضاه شكواهم، وأنهم قالوا عنه: (لا يحسن أن يصلي) كلم سعداً في ذلك، فأخبره سعد أنه كان يصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يمد القراءة في الأوليين ويطيلهما، ويحذف في الأخريين، أي: يقصر القراءة فيهما، وقال: إنه لا يألوا -أي: لا يقصر- فيما اتبع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن هذا الفعل الذي يفعله إنما هو اقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام، فقال له عمر رضي الله عنه: (هذا هو الظن بك يا أبا إسحاق) كما في صحيح البخاري، فكنية سعد أبو إسحاق ، فرضي الله عن سعد بن أبي وقاص وأرضاه. وبلغ بهم الحد إلى أن قال واحد منهم - لما أرسل عمر يسأل عما شكوه به-: (أما إنه لا يحكم في القضية، ولا يعدل بالسوية) فدعا عليه سعد -وكان مجاب الدعوة كما في صحيح البخاري- فقال: (اللهم إن كان كاذباً فيما يقول فأطل عمره، وأكثر فقره، وعرضه للفتن) فطال عمره، وكثر فقره، ونزل حاجباه على عينيه، وكان يلاحق النساء فتنة وابتلاء وامتحاناً، فأصابته دعوة سعد ، وقال عن نفسه: (أصابتني دعوة سعد) رضي الله عن سعد وعن الصحابة أجمعين. ولكن عمر رضي الله عنه وأرضاه رأى من المصلحة أن يعزل سعداً عن الكوفة ما دام أن الأمر قد وصل إلى هذا الحد خشية أن يحصل له شيء لا يحمد عقباه، ولم ينس أن ينبه على ذلك رضي الله عنه وأرضاه، فإنه لما اختار ستة -بعدما طعن- ليكونوا أهل الشورى فيختاروا خليفة منهم كان سعد واحداً من هؤلاء الستة، فخشي عمر أن يقول قائل: لقد نسي عمر ، فكيف يعزله من الكوفة وهي قرية ثم يرشحه للخلافة؟ فأراد أن يبين أنه لم ينس، وأنه ما زال ذاكراً للذي حصل منه من عزل سعد ، فقال رضي الله عنه وأرضاه: (إن أصابت الإمارة سعداً فذاك، هو أهل لها، وإن لم تصبه فليستعن به من أُمرَّ، فإنني لم أعزله من عجز ولا خيانة) فمسوغات العزل: العجز والخيانة، وإنما كان عزله لمصلحة، وهي: أن لا يعتدي عليه أحد، أو يحصل له ضرر لا تحمد عقباه من هؤلاء السفهاء الذين بلغ بهم الحد إلى أن قالوا فيه ما قالوا، فهو رجل يمشي على الأرض وهو من أهل الجنة رضي الله تعالى عنه وأرضاه. ومحل الشاهد من إيراد هذا الحديث هو قوله: [ وأحذف في الأخريين ] أي أنه يخفف القراءة في الركعتين الأخريين، فيقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وشيء من القرآن غير الفاتحة، وهو دون ما يقرأ به في الركعتين الأوليين، وقد جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]