
16-05-2024, 09:42 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (467)
صــ 170 إلى صــ 185
القول في تأويل قوله ( كتاب الله عليكم )
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : كتابا من الله عليكم ، فأخرج " الكتاب " مصدرا من غير لفظه . وإنما جاز ذلك لأن قوله تعالى : حرمت عليكم أمهاتكم ، إلى قوله : كتاب الله عليكم ، بمعنى : كتب الله تحريم ما حرم من ذلك وتحليل ما حلل من ذلك عليكم ، كتابا .
[ ص: 170 ] وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
9015 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم قال : كتاب الله عليكم ، قال : ما حرم عليكم .
9016 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : سألت عطاء عنها فقال : كتاب الله عليكم ، قال : هو الذي كتب عليكم الأربع ، أن لا تزيدوا .
9017 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد بن سيرين قال : قلت لعبيدة : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم ، وأشار ابن عون بأصابعه الأربع .
9018 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا هشام ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن قوله : كتاب الله عليكم ، قال : أربع .
9019 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : كتاب الله عليكم ، الأربع .
9020 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : كتاب الله عليكم ، قال : هذا أمر الله عليكم . قال : يريد ما حرم عليهم من هؤلاء وما أحل لهم . وقرأ : وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم ، إلى آخر الآية . قال : كتاب الله عليكم ، الذي كتبه ، وأمره الذي أمركم به . كتاب الله عليكم ، أمر الله .
وقد كان بعض أهل العربية يزعم أن قوله : كتاب الله عليكم ، منصوب على وجه الإغراء ، بمعنى : عليكم كتاب الله ، الزموا كتاب الله .
[ ص: 171 ] والذي قال من ذلك غير مستفيض في كلام العرب . وذلك أنها لا تكاد تنصب بالحرف الذي تغري به ، إذا أخرت الإغراء ، وقدمت المغرى به . لا تكاد تقول : " أخاك عليك ، وأباك دونك " وإن كان جائزا .
والذي هو أولى بكتاب الله : أن يكون محمولا على المعروف من لسان من نزل بلسانه هذا ، مع ما ذكرنا من تأويل أهل التأويل ذلك بمعنى ما قلنا ، وخلاف ما وجهه إليه من زعم أنه نصب على وجه الإغراء .
القول في تأويل قوله ( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : معنى ذلك : وأحل لكم ما دون الخمس ، أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح .
ذكر من قال ذلك :
9021 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وأحل لكم ما وراء ذلكم ، ما دون الأربع " أن تبتغوا أموالكم " .
9022 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن هشام ، [ ص: 172 ] عن ابن سيرين ، عن عبيدة السلماني : وأحل لكم ما وراء ذلكم ، يعني : ما دون الأربع .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأحل لكم ما وراء ذلكم : من سمى لكم تحريمه من أقاربكم .
ذكر من قال ذلك :
9023 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : سألت عطاء عنها فقال : وأحل لكم ما وراء ذلكم ، قال : ما وراء ذات القرابة أن تبتغوا بأموالكم ، الآية .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأحل لكم ما وراء ذلكم : عدد ما أحل لكم من المحصنات من النساء الحرائر ومن الإماء .
ذكر من قال ذلك :
9024 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم ، قال : ما ملكت أيمانكم .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، ما نحن مبينوه . وهو أن الله - جل ثناؤه - بين لعباده المحرمات بالنسب والصهر ، ثم المحرمات من المحصنات من النساء ، ثم أخبرهم - جل ثناؤه - أنه قد أحل لهم ما عدا هؤلاء المحرمات المبينات في هاتين الآيتين ، أن نبتغيه بأموالنا نكاحا وملك يمين ، لا سفاحا .
فإن قال قائل : عرفنا المحللات اللواتي هن وراء المحرمات بالأنساب والأصهار ، فما المحللات من المحصنات والمحرمات منهن ؟
قيل : هو ما دون الخمس من واحدة إلى أربع - على ما ذكرنا عن عبيدة [ ص: 173 ] والسدي - من الحرائر . فأما ما عدا ذوات الأزواج ، فغير عدد محصور بملك اليمين . وإنما قلنا إن ذلك كذلك ، لأن قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم - عام في كل محلل لنا من النساء أن نبتغيها بأموالنا . فليس توجيه معنى ذلك إلى بعض منهن بأولى من بعض ، إلا أن تقوم بأن ذلك كذلك حجة يجب التسليم لها . ولا حجة بأن ذلك كذلك .
واختلف القرأة في قراءة قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم .
فقرأ ذلك بعضهم : " وأحل لكم " بفتح " الألف " من " أحل " بمعنى : كتب الله عليكم ، وأحل لكم ما وراء ذلكم .
وقرأه آخرون : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) ، اعتبارا بقوله : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) ، " وأحل لكم ما وراء ذلكم " .
قال أبو جعفر : والذي نقول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قرأة الإسلام ، غير مختلفتي المعنى ، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب الحق .
وأما معنى قوله : ما وراء ذلكم ، فإنه يعني : ما عدا هؤلاء اللواتي حرمتهن عليكم أن تبتغوا بأموالكم يقول : أن تطلبوا وتلتمسوا بأموالكم ، إما شراء بها ، وإما نكاحا بصداق معلوم ، كما قال - جل ثناؤه - : ( ويكفرون بما وراءه ) [ سورة البقرة : 91 ] ، يعني : بما عداه وبما سواه .
[ ص: 174 ] وأما موضع : " أن " من قوله : أن تبتغوا بأموالكم فرفع ، ترجمة عن " ما " التي في قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم في قراءة من قرأ " وأحل " بضم " الألف " . ونصب على ذلك في قراءة من قرأ ذلك : " وأحل " بفتح " الألف " .
وقد يحتمل النصب في ذلك في القراءتين ، على معنى : وأحل لكم ما وراء ذلكم لأن تبتغوا . فلما حذفت " اللام " الخافضة ، اتصلت بالفعل قبلها فنصبت . وقد يحتمل أن تكون في موضع خفض ، بهذا المعنى ، إذ كانت " اللام " في هذا الموضع معلوما أن بالكلام إليها الحاجة .
القول في تأويل قوله ( محصنين غير مسافحين )
قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " محصنين " أعفاء بابتغائكم ما وراء ما حرم عليكم من النساء بأموالكم غير مسافحين ، يقول : غير مزانين ، كما :
9025 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " محصنين " قال : متناكحين غير مسافحين ، قال : زانين بكل زانية .
9026 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : " محصنين " متناكحين غير مسافحين ، السفاح الزنا . [ ص: 175 ] 9027 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : محصنين غير مسافحين ، يقول : محصنين غير زناة .
القول في تأويل قوله ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " فما استمتعتم به منهن " . فقال بعضهم : معناه : فما نكحتم منهن فجامعتموهن - يعني : من النساء - فآتوهن أجورهن فريضة - يعني : صدقاتهن - فريضة معلومة .
ذكر من قال ذلك :
9028 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ، يقول : إذا تزوج الرجل منكم المرأة ، ثم نكحها مرة واحدة ، فقد وجب صداقها كله و " الاستمتاع " هو النكاح ، وهو قوله : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ) [ سورة النساء : 4 ] .
9029 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن في قوله : فما استمتعتم به منهن ، قال : هو النكاح .
9030 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فما استمتعتم به منهن النكاح .
[ ص: 176 ] 9031 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : فما استمتعتم به منهن ، قال : النكاح أراد .
9032 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة الآية ، قال : هذا النكاح ، وما في القرآن إلا نكاح . إذا أخذتها واستمتعت بها ، فأعطها أجرها الصداق . فإن وضعت لك منه شيئا ، فهو لك سائغ . فرض الله عليها العدة ، وفرض لها الميراث . قال : والاستمتاع هو النكاح هاهنا ، إذا دخل بها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فما تمتعتم به منهن بأجر تمتع اللذة ، لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بولي وشهود ومهر .
ذكر من قال ذلك :
9033 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة " فهذه المتعة : الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمى ، ويشهد شاهدين ، وينكح بإذن وليها ، وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل ، وهي منه برية ، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث ، ليس يرث واحد منهما صاحبه .
9034 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فما استمتعتم به منهن ، قال : يعني نكاح المتعة .
9035 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن عيسى قال : حدثنا نصير بن أبي الأشعث قال : حدثني ابن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبيه قال : [ ص: 177 ] أعطاني ابن عباس مصحفا فقال : هذا على قراءة أبي قال أبو كريب قال يحيى : فرأيت المصحف عند نصير ، فيه : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " .
9036 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا داود ، عن أبي نضرة قال : سألت ابن عباس عن متعة النساء . قال : أما تقرأ " سورة النساء " ؟ قال قلت : بلى ! قال : فما تقرأ فيها : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " ؟ قلت : لا ! لو قرأتها هكذا ما سألتك ! قال : فإنها كذا .
9037 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثني عبد الأعلى قال : حدثني داود ، عن أبي نضرة قال : سألت ابن عباس عن المتعة ، فذكر نحوه .
9038 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي سلمة ، عن أبي نضرة قال : قرأت هذه الآية على ابن عباس : فما استمتعتم به منهن . قال ابن عباس : " إلى أجل مسمى " . قال : قلت : ما أقرؤها كذلك ! قال : والله لأنزلها الله كذلك ! ثلاث مرات .
9039 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عمير : أن ابن عباس قرأ : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " .
[ ص: 178 ] 9040 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة وحدثنا خلاد بن أسلم قال : أخبرنا النضر قال : أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق ، عن ابن عباس بنحوه .
9041 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : في قراءة أبي بن كعب : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " .
9042 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن الحكم قال : سألته عن هذه الآية : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم إلى هذا الموضع : فما استمتعتم به منهن ، أمنسوخة هي ؟ قال : لا ، قال الحكم : وقال علي رضي الله عنه : لولا أن عمر رضي الله عنه نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي .
9043 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عيسى بن عمر القارئ الأسدي ، عن عمرو بن مرة : أنه سمع سعيد بن جبير يقرأ : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن " .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بالصواب ، تأويل من تأوله : فما نكحتموه منهن فجامعتموه ، فآتوهن أجورهن لقيام الحجة بتحريم الله متعة النساء على غير وجه النكاح الصحيح أو الملك الصحيح على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
9044 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : حدثني الربيع بن سبرة الجهني ، عن أبيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : استمتعوا من هذه النساء والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج .
[ ص: 179 ] وقد دللنا على أن المتعة على غير النكاح الصحيح حرام ، في غير هذا الموضع من كتبنا ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وأما ما روي عن أبي بن كعب وابن عباس من قراءتهما : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى " فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين . وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت به الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه .
[ ص: 180 ] القول في تأويل قوله ( ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما ( 24 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : معنى ذلك لا حرج عليكم ، أيها الأزواج ، إن أدركتكم عسرة بعد أن فرضتم لنسائكم أجورهن فريضة ، فيما تراضيتم به من حط وبراءة ، بعد الفرض الذي سلف منكم لهن ما كنتم فرضتم .
ذكر من قال ذلك :
9045 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم حضرمي : أن رجالا كانوا يفرضون المهر ، ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة ، فقال الله : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة .
وقال آخرون : معنى ذلك : ولا جناح عليكم ، أيها الناس ، فيما تراضيتم أنتم والنساء اللواتي استمتعتم بهن إلى أجل مسمى ، إذا انقضى الأجل الذي أجلتموه بينكم وبينهن في الفراق ، أن يزدنكم في الأجل ، وتزيدوا من الأجر والفريضة ، قبل أن يستبرئن أرحامهن .
ذكر من قال ذلك :
9046 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى - يعني الأجرة التي أعطاها على تمتعه بها - قبل [ ص: 181 ] انقضاء الأجل بينهما ، فقال : " أتمتع منك أيضا بكذا وكذا " فازداد قبل أن يستبرئ رحمها ، ثم تنقضي المدة . وهو قوله : فيما تراضيتم به من بعد الفريضة "
وقال آخرون : معنى ذلك : ولا جناح عليكم ، أيها الناس ، فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم بعد أن تؤتوهن أجورهن على استمتاعكم بهن من مقام وفراق .
ذكر من قال ذلك :
9047 - حدثنا المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، والتراضي : أن يوفيها صداقها ثم يخيرها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولا جناح عليكم فيما وضعت عنكم نساؤكم من صدقاتهن من بعد الفريضة .
ذكر من قال ذلك :
9048 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، قال : إن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب - قول من قال : معنى ذلك : ولا حرج عليكم ، أيها الناس ، فيما تراضيتم به أنتم ونساؤكم من بعد إعطائهن أجورهن على النكاح الذي جرى بينكم وبينهن ، من حط ما وجب لهن عليكم ، أو إبراء ، أو تأخير ووضع . وذلك نظير قوله - جل ثناؤه - : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) [ سورة النساء : 4 ] .
فأما الذي قاله السدي : فقول لا معنى له ، لفساد القول بإحلال جماع [ ص: 182 ] امرأة بغير نكاح ولا ملك يمين .
وأما قوله : " إن الله كان عليما حكيما " فإنه يعني : إن الله كان ذا علم بما يصلحكم ، أيها الناس ، في مناكحكم وغيرها من أموركم وأمور سائر خلقه ، " حكيما " فيما يدبر لكم ولهم من التدبير ، وفيما يأمركم وينهاكم ، لا يدخل حكمته خلل ولا زلل .
القول في تأويل قوله ( ومن لم يستطع منكم طولا )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى : " الطول " الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية .
فقال بعضهم : هو الفضل والمال والسعة .
ذكر من قال ذلك :
9049 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، قال : الغنى .
9050 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
9051 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، يقول : من لم يكن له سعة .
9052 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، يقول : من لم يستطع منكم سعة .
9053 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا هشيم قال : [ ص: 183 ] حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، قال : الطول الغنى .
9054 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، قال : الطول السعة .
9055 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ومن لم يستطع منكم طولا ، أما قوله : " طولا " فسعة من المال .
9056 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ومن لم يستطع منكم طولا ، الآية ، قال : " طولا " لا يجد ما ينكح به حرة .
وقال آخرون : معنى " الطول " في هذا الموضع : الهوى .
ذكر من قال ذلك :
9057 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : حدثني عبد الجبار بن عمر ، عن ربيعة : أنه قال في قوله الله : ومن لم يستطع منكم طولا قال : الطول الهوى . قال : ينكح الأمة إذا كان هواه فيها .
9058 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : كان ربيعة يلين فيه بعض التليين ، كان يقول : إذا خشي على نفسه إذا أحبها - أي الأمة - وإن كان يقدر على نكاح غيرها ، فإني أرى أن ينكحها .
[ ص: 184 ] 9059 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر : أنه سئل عن الحر يتزوج الأمة ، فقال : إن كان ذا طول فلا . قيل : إن وقع حب الأمة في نفسه ؟ قال : إن خشي العنت فليتزوجها .
9060 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن عبيدة ، عن الشعبي قال : لا يتزوج الحر الأمة ، إلا أن لا يجد وكان إبراهيم يقول : لا بأس به .
9061 - حدثني المثنى قال : حدثنا حبان بن موسى قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا ابن جريج قال : سمعت عطاء يقول : لا نكره أن ينكح ذو اليسار اليوم الأمة ، إذا خشي أن يشقى بها .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب - قول من قال : معنى " الطول " في هذا الموضع ، السعة والغنى من المال ، لإجماع الجميع على أن الله تبارك وتعالى لم يحرم شيئا من الأشياء - سوى نكاح الإماء لواجد الطول إلى الحرة - فأحل ما حرم من ذلك عند غلبة المحرم عليه له ، لقضاء لذة . فإذ كان ذلك إجماعا من الجميع فيما عدا نكاح الإماء لواجد الطول ، فمثله في التحريم نكاح الإماء لواجد الطول لا يحل له من أجل غلبة هوى عنده فيها ، لأن ذلك - مع وجوده [ ص: 185 ] الطول إلى الحرة - منه قضاء لذة وشهوة ، وليس بموضع ضرورة ترفع برخصة ، كالميتة للمضطر الذي يخاف هلاك نفسه ، فيترخص في أكلها ليحيي بها نفسه ، وما أشبه ذلك من المحرمات اللواتي رخص الله لعباده في حال الضرورة والخوف على أنفسهم الهلاك منه - ما حرم عليهم منها في غيرها من الأحوال . ولم يرخص الله تبارك وتعالى لعبد في حرام لقضاء لذة . وفي إجماع الجميع على أن رجلا لو غلبه هوى امرأة حرة أو أمة ، أنها لا تحل له إلا بنكاح أو شراء على ما أذن الله به - ما يوضح فساد قول من قال : " معنى الطول في هذا الموضع : الهوى " وأجاز لواجد الطول لحرة نكاح الإماء .
فتأويل الآية إذ كان الأمر على ما وصفنا : ومن لم يجد منكم سعة من مال لنكاح الحرائر ، فلينكح مما ملكت أيمانكم .
وأصل " الطول " الإفضال : يقال منه : " طال عليه يطول طولا " في الإفضال و " طال يطول طولا " في الطول الذي هو خلاف القصر .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|