
16-05-2024, 09:26 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (464)
صــ 112 إلى صــ 126
8885 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ولا تعضلوهن ، يقول : لا يحل لك أن تحبس امرأتك ضرارا حتى تفتدي منك قال وأخبرنا معمر قال : وأخبرني سماك بن الفضل ، عن ابن البيلماني قال : نزلت هاتان الآيتان ، [ ص: 112 ] إحداهما في أمر الجاهلية ، والأخرى في أمر الإسلام .
8886 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن معمر قال : أخبرنا سماك بن الفضل ، عن عبد الرحمن بن البيلماني في قوله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن ، قال : نزلت هاتان الآيتان : إحداهما في الجاهلية ، والأخرى في أمر الإسلام ، قال عبد الله : لا يحل لكم أن ترثوا النساء في الجاهلية ، ولا تعضلوهن في الإسلام .
8887 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد : ولا تعضلوهن ، قال : لا تحبسوهن .
8888 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ، أما " تعضلوهن " فيقول : تضاروهن ليفتدين منكم .
8889 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ولا تعضلوهن ، قال : " العضل " أن يكره الرجل امرأته فيضر بها حتى تفتدي منه ، قال الله تبارك وتعالى : ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) [ سورة النساء : 21 ] .
وقال آخرون : المعني بالنهي عن عضل النساء في هذه الآية : أولياؤهن .
ذكر من قال ذلك :
8890 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن أن ينكحن أزواجهن " كالعضل في " سورة البقرة " . [ ص: 113 ] 8891 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
وقال آخرون : بل المنهي عن ذلك : زوج المرأة بعد فراقه إياها . وقالوا : ذلك كان من فعل الجاهلية ، فنهوا عنه في الإسلام .
ذكر من قال ذلك :
8892 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : كان العضل في قريش بمكة ، ينكح الرجل المرأة الشريفة فلعلها أن لا توافقه ، فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه ، فيأتي بالشهود فيكتب ذلك عليها ويشهد ، فإذا خطبها خاطب ، فإن أعطته وأرضته أذن لها ، وإلا عضلها ، قال : فهذا قول الله : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الآية .
قال أبو جعفر : قد بينا فيما مضى معنى " العضل " وما أصله ، بشواهد ذلك من الأدلة .
وأولى هذه الأقوال التي ذكرناها بالصحة في تأويل قوله : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن ، قول من قال : نهى الله - جل ثناؤه - زوج المرأة عن التضييق عليها والإضرار بها ، وهو لصحبتها كاره ولفراقها محب ، لتفتدي منه ببعض ما آتاها من الصداق .
وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة ، لأنه لا سبيل لأحد إلى عضل امرأة ، إلا لأحد رجلين : إما لزوجها بالتضييق عليها وحبسها على نفسه وهو لها كاره ، مضارة منه لها بذلك ، ليأخذ منها ما آتاها بافتدائها منه نفسها بذلك أو لوليها الذي إليه إنكاحها .
[ ص: 114 ] وإذا كان لا سبيل إلى عضلها لأحد غيرهما ، وكان الولي معلوما أنه ليس ممن أتاها شيئا فيقال إن عضلها عن النكاح : " عضلها ليذهب ببعض ما آتاها " كان معلوما أن الذي عنى الله تبارك وتعالى بنهيه عن عضلها - هو زوجها الذي له السبيل إلى عضلها ضرارا لتفتدي منه .
وإذا صح ذلك ، وكان معلوما أن الله تعالى ذكره لم يجعل لأحد السبيل على زوجته بعد فراقه إياها وبينونتها منه ، فيكون له إلى عضلها سبيل لتفتدي منه من عضله إياها ، أتت بفاحشة أم لم تأت بها ، وكان الله - جل ثناؤه - قد أباح للأزواج عضلهن إذا أتين بفاحشة مبينة حتى يفتدين منه كان بينا بذلك خطأ التأويل الذي تأوله ابن زيد ، وتأويل من قال : " عنى بالنهي عن العضل في هذه الآية أولياء الأيامى " - وصحة ما قلنا فيه .
قوله : ولا تعضلوهن ، في موضع نصب ، عطفا على قوله : أن ترثوا النساء كرها . ومعناه : لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ، ولا أن تعضلوهن .
وكذلك هي فيما ذكر في حرف ابن مسعود .
ولو قيل : هو في موضع جزم على وجه النهي ، لم يكن خطأ .
[ ص: 115 ] القول في تأويل قوله : ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة )
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : لا يحل لكم ، أيها المؤمنون ، أن تعضلوا نساءكم ضرارا منكم لهن ، وأنتم لصحبتهن كارهون ، وهن لكم طائعات ، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صدقاتهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، فيحل لكم حينئذ الضرار بهن ليفتدين منكم .
ثم اختلف أهل التأويل في معنى " الفاحشة " التي ذكرها الله - جل ثناؤه - في هذا الموضع .
فقال بعضهم : معناها الزنا ، وقال : إذا زنت امرأة الرجل حل له عضلها والضرار بها ، لتفتدي منه بما آتاها من صداقها .
ذكر من قال ذلك :
8893 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا أشعث ، عن الحسن في البكر تفجر قال : تضرب مائة ، وتنفى سنة ، وترد إلى زوجها ما أخذت منه . وتأول هذه الآية : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة .
8894 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن عطاء الخراساني - في الرجل إذا أصابت امرأته فاحشة ، أخذ ما ساق إليها وأخرجها ، فنسخ ذلك الحدود . [ ص: 116 ] 8895 - حدثنا أحمد بن منيع قال : حدثنا عبد الله بن المبارك قال : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة قال : إذا رأى الرجل من امرأته فاحشة ، فلا بأس أن يضارها ويشق عليها حتى تختلع منه .
8896 - حدثنا ابن حميد قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرني معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة - في الرجل يطلع من امرأته على فاحشة ، فذكر نحوه .
8897 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، وهو الزنا ، فإذا فعلن ذلك فخذوا مهورهن .
8898 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الكريم : أنه سمع الحسن البصري : إلا أن يأتين بفاحشة ، قال : الزنا . قال : وسمعت الحسن وأبا الشعثاء يقولان : فإن فعلت ، حل لزوجها أن يكون هو يسألها الخلع ، تفتدي نفسها .
وقال آخرون : " الفاحشة المبينة " في هذا الموضع ، النشوز .
ذكر من قال ذلك :
8899 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، وهو البغض والنشوز ، فإذا فعلت ذلك فقد حل له منها الفدية .
8900 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام قال : حدثنا عنبسة ، عن علي بن بذيمة ، عن مقسم في قوله " ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يفحشن" في قراءة ابن مسعود . قال : إذا عصتك وآذتك ، فقد حل لك [ ص: 117 ] أخذ ما أخذت منك .
8901 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مطرف بن طريف ، عن خالد ، عن الضحاك بن مزاحم : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، قال : الفاحشة هاهنا النشوز . فإذا نشزت ، حل له أن يأخذ خلعها منها .
8902 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، قال : هو النشوز .
8903 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عطاء بن أبي رباح : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن : إن شئتم أمسكتموهن ، وإن شئتم أرسلتموهن .
8904 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، قال : عدل ربنا تبارك وتعالى في القضاء ، فرجع إلى النساء فقال : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، و " الفاحشة " : العصيان والنشوز . فإذا كان ذلك من قبلها ، فإن الله أمره أن يضربها ، وأمره بالهجر . فإن لم تدع العصيان والنشوز ، فلا جناح عليه بعد ذلك أن يأخذ منها الفدية .
[ ص: 118 ] قال أبو جعفر : وأولى ما قيل في تأويل قوله : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، أنه معني به كل " فاحشة " : من بذاء باللسان على زوجها ، وأذى له ، وزنا بفرجها . وذلك أن الله - جل ثناؤه - عم بقوله : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، كل فاحشة متبينة ظاهرة . فكل زوج امرأة أتت بفاحشة من الفواحش التي هي زنا أو نشوز ، فله عضلها على ما بين الله في كتابه ، والتضييق عليها حتى تفتدي منه ، بأي معاني الفواحش أتت ، بعد أن تكون ظاهرة مبينة بظاهر كتاب الله تبارك وتعالى ، وصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالذي :
8905 - حدثني يونس بن سليمان البصري قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل قال : حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وإن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف .
[ ص: 119 ] 8906 - حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : حدثنا زيد بن الحباب قال : حدثنا موسى بن عبيدة الربذي قال : حدثني صدقة بن يسار ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أيها الناس ، إن النساء عندكم عوان ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن حق ، ولهن عليكم حق . ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا ولا يعصينكم في معروف ، وإذا فعلن ذلك ، فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف .
فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن من حق الزوج على المرأة أن لا توطئ فراشه أحدا ، وأن لا تعصيه في معروف ، وأن الذي يجب لها من الرزق والكسوة عليه ، وإنما هو واجب عليه إذا أدت هي إليه ما يجب عليها من الحق ، بتركها إيطاء فراشه غيره ، وتركها معصيته في معروف .
ومعلوم أن معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من حقكم عليهن أن لا يوطئن [ ص: 120 ] فرشكم أحدا " إنما هو أن لا يمكن من أنفسهن أحدا سواكم .
وإذ كان ما روينا في ذلك صحيحا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبين أن لزوج المرأة إذا أوطأت امرأته نفسها غيره وأمكنت من جماعها سواه ، أن له من منعها الكسوة والرزق بالمعروف ، مثل الذي له من منعها ذلك إذا هي عصته في المعروف . وإذ كان ذلك له ؛ فمعلوم أنه غير مانع لها - بمنعه إياها ما له منعها - حقا لها واجبا عليه . وإذ كان ذلك كذلك ، فبين أنها إذا افتدت نفسها عند ذلك من زوجها ؛ فأخذ منها زوجها ما أعطته - أنه لم يأخذ ذلك عن عضل منهي عنه ، بل هو أخذ ما أخذ منها عن عضل له مباح . وإذ كان ذلك كذلك ، كان بينا أنه داخل في استثناء الله تبارك وتعالى الذي استثناه من العاضلين بقوله : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة . وإذ صح ذلك ، فبين فساد قول من قال : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة منسوخ بالحدود ؛ لأن الحد حق الله - جل ثناؤه - على من أتى بالفاحشة التي هي زنا . وأما العضل لتفتدي المرأة من الزوج بما آتاها أو ببعضه ، فحق لزوجها كما : عضله إياها وتضييقه عليها إذا هي نشزت عليه لتفتدي منه - حق له . وليس حكم أحدهما يبطل حكم الآخر .
قال أبو جعفر : فمعنى الآية : ولا يحل لكم ، أيها الذين آمنوا ، أن تعضلوا نساءكم فتضيقوا عليهن وتمنعوهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صدقاتكم ، إلا أن يأتين بفاحشة من زنا أو بذاء عليكم ، وخلاف لكم فيما يجب عليهن لكم - مبينة ظاهرة ، فيحل لكم حينئذ عضلهن [ ص: 121 ] والتضييق عليهن ، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صداق إن هن افتدين منكم به .
واختلف القرأة في قراءة قوله : " مبينة " .
فقرأه بعضهم : " مبينة " بفتح " الياء " بمعنى أنها قد بينت لكم وأعلنت وأظهرت .
وقرأه بعضهم : " مبينة " بكسر " الياء " بمعنى أنها ظاهرة بينة للناس أنها فاحشة .
وهما قراءتان مستفيضتان في قرأة أمصار الإسلام ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب في قراءته الصواب ، لأن الفاحشة إذا أظهرها صاحبها فهي ظاهرة بينة . وإذا ظهرت ، فبإظهار صاحبها إياها ظهرت . فلا تكون ظاهرة بينة إلا وهي مبينة ، ولا مبينة إلا وهي مبينة . فلذلك رأيت القراءة بأيهما قرأ القارئ صوابا .
القول في تأويل قوله : ( وعاشروهن بالمعروف )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : وعاشروهن بالمعروف ، وخالقوا ، أيها الرجال ، نساءكم وصاحبوهن " بالمعروف " يعني بما أمرتكم به من المصاحبة ، وذلك : إمساكهن بأداء حقوقهن التي فرض الله - جل ثناؤه - لهن عليكم إليهن ، أو تسريح منكم لهن بإحسان ، كما :
8907 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا [ ص: 122 ] أسباط ، عن السدي : وعاشروهن بالمعروف ، يقول : وخالطوهن .
كذا قال محمد بن الحسين ، وإنما هو " خالقوهن " من " العشرة " وهي المصاحبة .
القول في تأويل قوله : ( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ( 19 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : لا تعضلوا نساءكم لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من غير ريبة ولا نشوز كان منهن ، ولكن عاشروهن بالمعروف وإن كرهتموهن ، فلعلكم أن تكرهوهن فتمسكوهن ، فيجعل الله لكم في إمساككم إياهن على كره منكم لهن - خيرا كثيرا ، من ولد يرزقكم منهن ، أو عطفكم عليهن بعد كراهتكم إياهن ، كما :
8908 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ، يقول ، فعسى الله أن يجعل في الكراهة خيرا كثيرا .
8909 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله :
8910 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثني أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ، قال : الولد .
[ ص: 123 ] 8911 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ، والخير الكثير : أن يعطف عليها ، فيرزق الرجل ولدها ، ويجعل الله في ولدها خيرا كثيرا .
و " الهاء " في قوله : ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ، على قول مجاهد الذي ذكرناه ، كناية عن مصدر " تكرهوا " كأن معنى الكلام عنده : فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله في كرهه خيرا كثيرا .
ولو كان تأويل الكلام : فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله في ذلك الشيء الذي تكرهونه خيرا كثيرا ، كان جائزا صحيحا .
القول في تأويل قوله : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، وإن أردتم ، أيها المؤمنون ، نكاح امرأة مكان امرأة لكم تطلقونها وآتيتم إحداهن ، يقول : وقد أعطيتم التي تريدون طلاقها من المهر " قنطارا " .
و " القنطار " المال الكثير . وقد ذكرنا فيما مضى اختلاف أهل التأويل في مبلغه ، والصواب من القول في ذلك عندنا .
[ ص: 124 ] فلا تأخذوا منه شيئا ، يقول : فلا تضروا بهن إذا أردتم طلاقهن ليفتدين منكم بما آتيتموهن ، كما :
8912 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، طلاق امرأة مكان أخرى ، فلا يحل له من مال المطلقة شيء وإن كثر .
8913 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
القول في تأويل قوله : ( أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ( 20 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " أتأخذونه " أتأخذون ما آتيتموهن من مهورهن " بهتانا " يقول : ظلما بغير حق وإثما مبينا ، يعني : وإثما قد أبان أمر آخذه : أنه بأخذه إياه لمن أخذه منه - ظالم .
[ ص: 125 ] القول في تأويل قوله : ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض )
قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : وكيف تأخذونه ، وعلى أي وجه تأخذون من نسائكم ما آتيتموهن من صدقاتهن ، إذا أردتم طلاقهن واستبدال غيرهن بهن أزواجا وقد أفضى بعضكم إلى بعض ، فتباشرتم وتلامستم .
وهذا كلام وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام ، فإنه في معنى النكير والتغليظ ، كما يقول الرجل لآخر : " كيف تفعل كذا وكذا ، وأنا غير راض به ؟ " على معنى التهديد والوعيد .
وأما " الإفضاء " إلى الشيء ، فإنه الوصول إليه بالمباشرة له ، كما قال الشاعر :
بلين بلى أفضى إلى كل كتبة بدا سيرها من باطن بعد ظاهر يعني بذلك أن الفساد والبلى وصل إلى الخرز . والذي عني به " الإفضاء " في هذا الموضع ، الجماع في الفرج .
[ ص: 126 ] فتأويل الكلام إذ كان ذلك معناه : وكيف تأخذون ما آتيتموهن ، وقد أفضى بعضكم إلى بعض بالجماع .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
8914 - حدثني عبد الحميد بن بيان القناد قال : حدثنا إسحاق ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن بكر بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : الإفضاء المباشرة ، ولكن الله كريم يكني عما يشاء .
8915 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن بكر ، عن ابن عباس قال : الإفضاء الجماع ، ولكن الله يكني .
8916 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن عاصم ، عن بكر بن عبد الله المزني ، عن ابن عباس قال : الإفضاء هو الجماع .
8917 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وقد أفضى بعضكم إلى بعض ، قال : مجامعة النساء .
8918 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
8919 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ، يعني المجامعة .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|