
16-05-2024, 09:16 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,500
الدولة :
|
|
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثامن
تَفْسِيرِ سُّورَةِ النِّسَاءُ
الحلقة (462)
صــ 82إلى صــ 96
ذكر من قال ذلك :
8812 - حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا [ ص: 82 ] أسباط ، عن السدي : ذكر الجواري والفتيان الذين لم ينكحوا فقال : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما .
8813 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : واللذان يأتيانها منكم البكرين فآذوهما .
وقال آخرون : بل عني بقوله : واللذان يأتيانها منكم ، الرجلان الزانيان .
ذكر من قال ذلك :
8814 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال حدثنا يحيى ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، قال : الرجلان الفاعلان لا يكني .
8815 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : واللذان يأتيانها منكم ، الزانيان .
وقال آخرون : بل عني بذلك الرجل والمرأة ، إلا أنه لم يقصد به بكر دون ثيب .
ذكر من قال ذلك :
8816 - حدثنا أبو هشام الرفاعي قال : حدثنا يحيى ، عن ابن جريج ، عن عطاء : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، قال : الرجل والمرأة .
8817 - حدثنا محمد بن حميد قال حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة والحسن البصري قالا : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى قوله : أو يجعل الله لهن سبيلا ، فذكر الرجل بعد [ ص: 83 ] المرأة ، ثم جمعهما جميعا فقال : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما .
8818 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عطاء وعبد الله بن كثير ، قوله : واللذان يأتيانها منكم ، قال : هذه للرجل والمرأة جميعا .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله : واللذان يأتيانها منكم ، قول من قال : " عني به البكران غير المحصنين إذا زنيا ، وكان أحدهما رجلا والآخر امرأة " لأنه لو كان مقصودا بذلك قصد البيان عن حكم الزناة من الرجال ، كما كان مقصودا بقوله : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم قصد البيان عن حكم الزواني ، لقيل : " والذين يأتونها منكم فآذوهم " أو قيل : " والذي يأتيها منكم " كما قيل في التي قبلها : واللاتي يأتين الفاحشة ، فأخرج ذكرهن على الجميع ، ولم يقل : " واللتان يأتيان الفاحشة " .
وكذلك تفعل العرب إذا أرادت البيان على الوعيد على فعل أو الوعد عليه ، أخرجت أسماء أهله بذكر الجميع أو الواحد وذلك أن الواحد يدل على جنسه ولا تخرجها بذكر اثنين . فتقول : " الذين يفعلون كذا فلهم كذا " " والذي يفعل كذا فله كذا " ولا تقول : " اللذان يفعلان كذا فلهما كذا " إلا أن يكون فعلا لا يكون إلا من شخصين مختلفين ، كالزنا لا يكون إلا من زان وزانية . فإذا كان ذلك كذلك قيل بذكر الاثنين ، يراد بذلك الفاعل والمفعول به . فأما أن يذكر بذكر الاثنين ، والمراد بذلك شخصان في فعل قد ينفرد كل واحد منهما به ، أو في فعل لا يكونان فيه مشتركين ، فذلك ما لا يعرف في كلامها .
وإذا كان ذلك كذلك ، فبين فساد قول من قال : " عني بقوله : " واللذان يأتيانها منكم الرجلان " وصحة قول من قال : عني به الرجل والمرأة .
[ ص: 84 ] وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أنهما غير اللواتي تقدم بيان حكمهن في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة ، لأن هذين اثنان ، وأولئك جماعة .
وإذا كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الحبس كان للثيبات عقوبة حتى يتوفين من قبل أن يجعل لهن سبيلا لأنه أغلظ في العقوبة من الأذى الذي هو تعنيف وتوبيخ أو سب وتعيير ، كما كان السبيل التي جعلت لهن من الرجم ، أغلظ من السبيل التي جعلت للأبكار من جلد المائة ونفي السنة .
القول في تأويل قوله تعالى : ( فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما ( 16 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في " الأذى " الذي كان الله تعالى ذكره جعله عقوبة للذين يأتيان الفاحشة ، من قبل أن يجعل لهما سبيلا منه .
فقال بعضهم : ذلك الأذى ، أذى بالقول واللسان ، كالتعيير والتوبيخ على ما أتيا من الفاحشة .
ذكر من قال ذلك :
8819 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " فآذوهما " قال : كانا يؤذيان بالقول جميعا .
8820 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ، فكانت الجارية والفتى إذا زنيا يعنفان ويعيران حتى يتركا ذلك .
وقال آخرون : كان ذلك الأذى ، أذى اللسان ، غير أنه كان سبا .
[ ص: 85 ] ذكر من قال ذلك :
8821 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فآذوهما " يعني : سبا .
وقال آخرون : بل كان ذلك الأذى باللسان واليد .
ذكر من قال ذلك :
8822 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، فكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب بالنعال .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره كان أمر المؤمنين بأذى الزانيين المذكورين ، إذا أتيا ذلك وهما من أهل الإسلام . و " الأذى " قد يقع لكل مكروه نال الإنسان ، من قول سيئ باللسان أو فعل . وليس في الآية بيان أي ذلك كان أمر به المؤمنون يومئذ ، ولا خبر به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نقل الواحد ولا نقل الجماعة الموجب مجيئهما قطع العذر .
وأهل التأويل في ذلك مختلفون ، وجائز أن يكون ذلك أذى باللسان أو اليد ، وجائز أن يكون كان أذى بهما . وليس في العلم بأي ذلك كان من أي - نفع [ ص: 86 ] في دين ولا دنيا ، ولا في الجهل به مضرة ، إذ كان الله - جل ثناؤه - قد نسخ ذلك من محكمه بما أوجب من الحكم على عباده فيهما وفي اللاتي قبلهما . فأما الذي أوجب من الحكم عليهم فيهما ، فما أوجب في " سورة النور : 2 " بقوله : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) . وأما الذي أوجب في اللاتي قبلهما ، فالرجم الذي قضى به رسول الله فيهما . وأجمع أهل التأويل جميعا على أن الله تعالى ذكره قد جعل لأهل الفاحشة من الزناة والزواني سبيلا بالحدود التي حكم بها فيهم .
وقال جماعة من أهل التأويل : إن الله سبحانه نسخ بقوله : " ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) [ سورة النور : 2 ] ، قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما .
ذكر من قال ذلك :
8823 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، قال : كل ذلك نسخته الآية التي في " النور " بالحد المفروض .
8824 - حدثنا أبو هشام قال : حدثنا يحيى ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما الآية ، قال : هذا نسخته الآية في " سورة النور " بالحد المفروض .
8825 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا أبو تميلة قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي . عن عكرمة والحسن البصري قالا : في قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما الآية ، نسخ ذلك بآية الجلد فقال : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة [ ص: 87 ] ) .
8826 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، فأنزل الله بعد هذا : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) ، فإن كانا محصنين رجما في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
8827 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم الآية ، جاءت الحدود فنسختها .
8828 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول : نسخ الحد هذه الآية .
8829 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : فأمسكوهن في البيوت الآية ، قال : نسختها الحدود ، وقوله : واللذان يأتيانها منكم ، نسختها الحدود .
8830 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ، الآية ، ثم نسخ هذا ، وجعل السبيل لها إذا زنت وهي محصنة ، رجمت وأخرجت ، وجعل السبيل للذكر جلد مائة .
8831 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت ، قال : نسختها الحدود .
[ ص: 88 ] وأما قوله : فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما فإنه يعني به - جل ثناؤه - : فإن تابا من الفاحشة التي أتيا فراجعا طاعة الله بينهما " وأصلحا " يقول : وأصلحا دينهما بمراجعة التوبة من فاحشتهما ، والعمل بما يرضي الله فأعرضوا عنهما ، يقول : فاصفحوا عنهما ، وكفوا عنهما الأذى الذي كنت أمرتكم أن تؤذوهما به عقوبة لهما على ما أتيا من الفاحشة ، ولا تؤذوهما بعد توبتهما .
وأما قوله : إن الله كان توابا رحيما ، فإنه يعني : إن الله لم يزل راجعا لعبيده إلى ما يحبون إذا هم راجعوا ما يحب منهم من طاعته " رحيما " بهم ، يعني : ذا رحمة ورأفة .
القول في تأويل قوله ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة )
قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، ما التوبة على الله لأحد من خلقه ، إلا للذين يعملون السوء من المؤمنين بجهالة ثم يتوبون من قريب ، يقول : ما الله براجع لأحد من خلقه إلى ما يحبه من العفو عنه والصفح عن ذنوبه التي سلفت منه ، إلا للذين يأتون ما يأتونه من ذنوبهم جهالة منهم وهم بربهم مؤمنون ، ثم يراجعون طاعة الله ويتوبون منه إلى ما أمرهم الله به من الندم عليه والاستغفار وترك العود إلى مثله من قبل نزول الموت بهم .
[ ص: 89 ] وذلك هو " القريب " الذي ذكره الله تعالى ذكره فقال : ثم يتوبون من قريب .
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل ، غير أنهم اختلفوا في معنى قوله : " بجهالة " .
فقال بعضهم في ذلك بنحو ما قلنا فيه ، وذهب إلى أن عمله السوء ، هو " الجهالة " التي عناها .
ذكر من قال ذلك :
8832 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي العالية : أنه كان يحدث : أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون : كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة .
8833 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأوا أن كل شيء عصي به فهو " جهالة " عمدا كان أو غيره .
8834 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : كل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته .
8835 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : كل من عمل بمعصية الله ، فذاك منه بجهل حتى يرجع عنه .
8836 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا [ ص: 90 ] أسباط ، عن السدي : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، ما دام يعصي الله فهو جاهل .
8837 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان ، عن أبي النضر ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : من عمل السوء فهو جاهل ، من جهالته عمل السوء .
8838 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته قال ابن جريج : وأخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قال : كل عامل بمعصية فهو جاهل حين عمل بها قال ابن جريج : وقال لي عطاء بن أبي رباح نحوه .
8839 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، قال : " الجهالة " كل امرئ عمل شيئا من معاصي الله فهو جاهل أبدا حتى ينزع عنها ، وقرأ : ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون ) [ سورة يوسف : 89 ] ، وقرأ : وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين [ سورة يوسف : 33 ] . قال : من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته .
وقال آخرون : معنى قوله : للذين يعملون السوء بجهالة ، يعملون ذلك على عمد منهم له .
ذكر من قال ذلك :
8840 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن مجاهد : يعملون السوء بجهالة ، قال : الجهالة العمد .
[ ص: 91 ] 8841 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد مثله .
8842 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : الجهالة العمد .
وقال آخرون : معنى ذلك : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء في الدنيا .
ذكر من قال ذلك :
8843 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة قوله : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ، قال : الدنيا كلها جهالة .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ، قول من قال : تأويلها : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء ، وعملهم السوء هو الجهالة التي جهلوها ، عامدين كانوا للإثم ، أو جاهلين بما أعد الله لأهلها .
وذلك أنه غير موجود في كلام العرب تسمية العامد للشيء : " الجاهل به " إلا أن يكون معنيا به أنه جاهل بقدر منفعته ومضرته ، فيقال : " هو به جاهل " على معنى جهله بمعنى نفعه وضره . فأما إذا كان عالما بقدر مبلغ نفعه وضره ، قاصدا إليه ، فغير جائز من أجل قصده إليه أن يقال " هو به جاهل " [ ص: 92 ] لأن " الجاهل بالشيء " هو الذي لا يعلمه ولا يعرفه عند التقدم عليه أو الذي يعلمه ، فيشبه فاعله ، إذ كان خطأ ما فعله - بالجاهل الذي يأتي الأمر وهو به جاهل ، فيخطئ موضع الإصابة منه ، فيقال : " إنه لجاهل به " وإن كان به عالما ، لإتيانه الأمر الذي لا يأتي مثله إلا أهل الجهل به .
وكذلك معنى قوله : يعملون السوء بجهالة ، قيل فيهم : يعملون السوء بجهالة وإن أتوه على علم منهم بمبلغ عقاب الله أهله ، عامدين إتيانه ، مع معرفتهم بأنه عليهم حرام لأن فعلهم ذلك كان من الأفعال التي لا يأتي مثله إلا من جهل عظيم عقاب الله عليه أهله في عاجل الدنيا وآجل الآخرة ، فقيل لمن أتاه وهو به عالم : " أتاه بجهالة " بمعنى أنه فعل فعل الجهال به ، لا أنه كان جاهلا .
وقد زعم بعض أهل العربية أن معناه : أنهم جهلوا كنه ما فيه من العقاب ، فلم يعلموه كعلم العالم ، وإن علموه ذنبا ، فلذلك قيل : " يعملون السوء بجهالة " .
قال أبو جعفر : ولو كان الأمر على ما قال صاحب هذا القول ، لوجب أن لا تكون توبة لمن علم كنه ما فيه . وذلك أنه - جل ثناؤه - قال : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب دون غيرهم . فالواجب على صاحب هذا القول أن لا يكون للعالم الذي عمل سوءا على علم منه بكنه ما فيه ، ثم تاب من قريب توبة ، وذلك خلاف الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أن كل تائب عسى الله أن يتوب عليه وقوله : " باب التوبة مفتوح ما لم تطلع الشمس [ ص: 93 ] من مغربها " وخلاف قول الله عز وجل : ( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) [ سورة الفرقان : 70 ] .
القول في تأويل قوله ( ثم يتوبون من قريب )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى : " القريب " في هذا الموضع .
فقال بعضهم : معنى ذلك : ثم يتوبون في صحتهم قبل مرضهم وقبل موتهم .
ذكر من قال ذلك :
8844 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ثم يتوبون من قريب ، والقريب قبل الموت ما دام في صحته .
8845 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبي النضر ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : ثم يتوبون من قريب ، قال : في الحياة والصحة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم يتوبون من قبل معاينة ملك الموت .
[ ص: 94 ] ذكر من قال ذلك .
8846 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ثم يتوبون من قريب ، والقريب فيما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت .
8847 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت عمران بن حدير قال : قال أبو مجلز : لا يزال الرجل في توبة حتى يعاين الملائكة .
8848 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس قال : القريب ، ما لم تنزل به آية من آيات الله تعالى ، وينزل به الموت .
4849 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب ، وله التوبة ما بينه وبين أن يعاين ملك الموت ، فإذا تاب حين ينظر إلى ملك الموت ، فليس له ذاك .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم يتوبون من قبل الموت .
ذكر من قال ذلك :
8850 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن رجل ، عن الضحاك ، ثم يتوبون من قريب ، قال : كل شيء قبل الموت فهو قريب .
8851 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة : ثم يتوبون من قريب ، قال : الدنيا كلها قريب . [ ص: 95 ] 8852 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ثم يتوبون من قريب ، قبل الموت .
8853 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن أبي قلابة قال : ذكر لنا أن إبليس لما لعن وأنظر ، قال : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح . فقال تبارك وتعالى : وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح .
8854 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عمران ، عن قتادة قال : كنا عند أنس بن مالك وثم أبو قلابة ، فحدث أبو قلابة قال : إن الله تبارك وتعالى لما لعن إبليس سأله النظرة ، فقال : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ! فقال الله تبارك وتعالى : وعزتي لا أمنعه التوبة ما دام فيه الروح .
8855 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة قال : إن الله تبارك وتعالى لما لعن إبليس سأله النظرة ، فأنظره إلى يوم الدين ، فقال : وعزتك لا أخرج من قلب ابن آدم ما دام فيه الروح ! قال : وعزتي لا أحجب عنه التوبة ما دام فيه الروح .
8856 - حدثني ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا عوف ، عن الحسن قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن إبليس لما رأى آدم أجوف قال : وعزتك لا أخرج من جوفه ما دام فيه الروح ! فقال الله تبارك وتعالى : وعزتي لا أحول بينه وبين التوبة ما دام فيه الروح .
[ ص: 96 ] 8857 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا معاذ بن هشام قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن العلاء بن زياد ، عن أبي أيوب بشير بن كعب : أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " .
8858 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الأعلى قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عبادة بن الصامت : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فذكر مثله .
8859 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الله تبارك وتعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|