عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-05-2024, 11:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,332
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حكم الحج والعمرة


الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا أَحْرَمَ الرَّقيقُ أَوْ الصَّغيرُ مُفْرِدًا أَوْ قارِنًا، وَسَعَى بَعْدَ طَوافِ الْقُدومِ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى خِلافٍ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الْحَجُّ وَلَوْ أَعادَ السَّعْيَ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ[70]؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ مُجاوَزَةُ عَدَدِهِ وَلَا تَكْرارُهُ، بِخِلافِ الْوُقوفِ؛ فَإِنَّهُ لَا قَدْرَ لَهُ مَحْدودٌ.

الْقَوْلُ الثَّاِني: إِذَا أَعادَ السَّعْيَ: أَجْزَأَهُ الْحَجُّ، وَهَذَا قالَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحابِ مِنَ الْحَنابِلَةِ[71]؛ وَذَلِكَ لِحُصولِ الرُّكْنِ الْأَعْظَمِ، وَهُوَ الْوُقوفُ، وَلَا فَرْقَ في وُجودِ ذَلِكَ قَبْلَ السَّعْيِ أَوْ بَعْدَهُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: لَوْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ ثُمَّ زالَ رِقُّهُ مَثَلًا وَهُوَ في مُزْدَلِفَةَ ثُمَّ عادَ فَوَقَفَ؛ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلامِ[72]. وَلَكِنْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجوعُ؟ الْجَوابُ: إِذَا تَقَرَّرَ لَدَيْنَا أَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ: لَزِمَهُ أَنْ يَرْجِعَ، أَمَّا إِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ عَلَى التَّراخِي: فَلَا يَلْزَمُهُ.

الْمَسْأَلَةُ الْخامِسَةُ: بُلوغُ الصَّبِيِّ أَوْ زَوالُ الرِّقِّ قَبْلَ الشُّروعِ في الطَّوافِ.

وَقَدْ ذَكَرَهَا -رَحِمَهُ الله- بِقَوْلِهِ: "وَفِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ طَوافِهَا: صَحَّ فَرْضًا"؛ أَيْ: لَوْ اعْتَمَرَ الصَّبِيُّ أَوْ الرَّقيقُ، وَفِي أَثْناءِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ في الطَّوافِ بَلَغَ الصَّغيرُ، أَوْ زالَ الرِّقُّ عَنِ الرَّقيقِ؛ فَإِنَّ عُمْرَتَهُ هَذِهِ تَكونُ فَرْضًا، وَكَذَلِكَ الْمَجْنونُ لَوْ جُنَّ بَعْدَ إِحْرامِهِ لِلْعُمْرَةِ، أَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ إِحْرامِ وَلِيِّهِ عَنْهُ، ثُمَّ عَقَلَ قَبْلَ طَوافِ الْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فَرْضًا. وَأَمَّا إِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، أَوْ أُعْتِقَ الرَّقيقُ، أَوْ عَقَلَ الْمَجْنونُ أَثْناءَ طَوافِ الْعُمْرَةِ: لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ أَعادَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُمْ فِي تَغْيِيرِ النِّيَّةِ وَانْقِلابِهَا، وَصِحَّةُ هَذَا التَّغْيِيرِ وَالِانْقِلابِ: أَنْ يَكونَ قَبْلَ بِدايَةِ الطَّوافِ، فَإِذَا ابْتَدَأَ الطَّوافُ: فَقَدْ تَلَبَّسَ بِالنُّسُكِ وَيَكونُ نَافِلَةً، أَمَّا لَوْ غَيَّرَ نِيَّتَهُ قَبْلَ الطَّوافِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ.



الْمَسْأَلَةُ الْخامِسَةُ: صِحَّةُ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالرَّقيقِ دونَ الْإِجْزاءِ عَنْ حَجِّ الْفَرْضِ، وَهَذَا قَدْ ذَكَرَهُ -رحمه الله- بِقَوْلِهِ: "وَفِعْلُهُمَا مِنَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ: نَفْلًا".

تَقَدَّمَ أَنَّ الْبُلوغَ وَالْحُرِّيَةَ: شَرْطانِ لِلْوُجوبِ وَالْإِجْزاءِ دونَ الصِّحَّةِ؛ فَلَوْ حَجَّ الصَّبِيُّ وَالرَّقيقُ: صَحَّ مِنْهُمَا، لَكِنْ لَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلامِ؛ وَالدَّليلُ عَلَى صِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلامِ: ما جاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قالَ: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ: عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى...، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عُتِقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حِجَّةً أُخْرَى»[73]. وَإِسْنادُهُ صَحيحٌ، وَظاهِرُهُ: أَنَّ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفوعِ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ: (أُمِرْنَا وَنُهينَا) وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَبِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الصَّحابِيِّ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا. وَاللهُ أَعْلَمُ.

قالَ الْمُصَنِّفُ –رحمه الله-: "وَالْقادِرُ: مَنْ أَمْكَنَهُ الرُّكوبُ، وَوَجَدَ زادًا وَمَرْكوبًا صالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ، بَعْدَ قَضاءِ الْواجِباتِ وَالنَّفَقاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحَوائِجِ الْأَصْلِيَّةِ".


هُنَا بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ –رحمه الله- أَنَّ مِنْ شُروطِ الْحَجِّ: أَنْ يَكونَ قادِرًا؛ أي: مُسْتَطيعًا.

وَالْكَلامُ هُنَا سَيَكونُ في فَرْعَيْنِ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: اشْتِراطُ الِاسْتِطاعَةِ في الْحَجِّ.

وَالْحَديثُ في هَذَا الْمَقامِ كَالتَّالِي:
أَوَّلًا: تَعْريفُ الِاسْتِطاعَةِ لُغَةً وَاصْطِلاحًا:
الِاسْتِطاعَةُ لُغَةً: الطَّاقَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الشَّيْءِ[74].

وَالِاسْتِطاعَةُ اصْطِلاحًا: "أَنْ يَمْلِكَ زادًا وَراحِلَةً صالِحَةً لِمِثْلِهِ بِآلَتِهَا الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ، أَوْ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَحْصيلِ ذَلِكَ فاضِلًا عَمَّا يَحْتاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَن ٍوَخادِمٍ وَقَضاءِ دَيْنِهِ وَمُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيالِهِ عَلَى الدَّوامِ"[75].

فَالْمُسْتَطيعُ هُوَ الْقادِرُ في مالِهِ وَبَدَنِهِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ أَحْوالِ النَّاسِ وَعَوائِدِهِمْ، وَضابِطُهُ: أَنْ يُمْكِنَهُ الرُّكوبُ، وَيَجِدَ زادًا وَراحِلَةً صالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ بَعْدَ قَضاءِ الْواجِباتِ، وَالنَّفَقاتِ، وَالْحاجاتِ الْأَصْلِيَّةِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءِ في مَعْنَى الِاسْتِطاعَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله-، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، بَلْ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهورِ[76]؛ لِمَا رَواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنادِهِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ»، وَهَذَا الْحَديثُ فيهِ كَلامٌ[77]، بَلْ قالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- شَيْءٌ فِي هَذَا الْبابِ[78]. وَلَكِنْ قالَ الْعَلَّامَةُ الشَّنْقيطِيُّ –رحمه الله-: "الَّذِي يَظْهَرُ لي -وَاللهُ تعالى أعلم-: أَنَّ حَديثَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ الْمَذْكورِ ثابِتٌ لَا يَقِلُّ عَنْ دَرَجَةِ الِاحْتِجاجِ"[79].

الْقَوْلُ الثَّانِي: الْقُدْرَةُ الْبَدَنِيَّةُ، وَتَوَفُّرِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ[80].

ثانِيًا: الِاسْتِطاعَةُ شَرْطٌ في وُجوبِ الْحَجِّ، وَهَذَا قَدْ جاءَ التَّصْريحُ بِهِ في كِتابِ الله، حَيْثُ قالَ تعالى: ﴿ وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْماعُ عَلَى هَذَا.[81]


ثالثًا: صِفاتُ الْقادِرِ عَلَى الْحَجِّ.

وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: "وَالْقادِرُ: مَنْ أَمْكَنَهُ الرُّكوبُ، وَوَجَدَ زادًا وَمَرْكوبًا صالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ"؛ أي: أَنَّ الْقادِرَ وَالْمُسْتَطيعُ هُوَ مَنِ اتَّصَفَ بِوَصْفَيْنِ:
الْوَصْفُ الْأَوَّلُ: الْقُدْرَةُ الْبَدَنِيَّةُ.
وَهَذَا بَيَّنَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (مَنْ أَمْكَنَهُ الرُّكوبُ)؛ أي: أَنَّهُ إِذَا كانَ الْإِنْسانُ لَا يُمْكِنُهُ الرُّكوبُ وَالثَّباتُ عَلَى الراحِلَةِ؛ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ[82]؛ لِأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِطاعَةِ الْبَدَنِيَّةِ؛ فَقَدْ يوجَدُ إِنْسانٌ غَنِيٌّ، وَعِنْدَهُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَطيعُ أَنْ يَرْكَبَ السَّيَّارَةَ، أَوْ لَا يَسْتَطيعُ أَنْ يَقومَ بِأَعْمالِ الْحَجِّ؛ لِشَلَلٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطيعُ، وَاللهُ إِنَّمَا فَرَضَ الْحَجَّ عَلَى الْمُسْتَطيعِ. كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَديثُ الْخَثْعَمِيَّةِ الْمُخَرَّجُ في الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، قالَتْ: «إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ»[83]؛ فَكَوْنُهُ لَا يَسْتَطيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ قادِرٍ.

الْوَصْفُ الثَّانِي: الْقُدْرَةُ الْمادِّيَّةُ.
وَهَذَا بَيَّنَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (وَوَجَدَ زادًا وَراحِلَةً صالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ)؛ أي: وَمِنَ الِاسْتِطاعَةِ أَيْضًا الْقُدْرَةُ الْمادِّيَّةُ، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجِدَ نَفَقَةً وَزادًا مِنَ الطَّعامِ وَالشَّرابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يَكْفيهِ مِنْ حينِ خُروجِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ إِلَى رُجوعِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَجِدَ راحِلَةً تَحْمِلُهُ مِنْ مَنْزِلِهِ إِلَى مَكَّةَ؛ فَمَنْ كانَ عِنْدَهُ مالٌ يَسْتَطيعُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ بِهِ سَيَّارَةً أَوْ طائِرَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِبُلوغِ مَكَّةَ؛ فَحينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فَمَنْ كانَ سَفَرُهُ إِلَى مَكَّةَ يَحْتاجُ إِلَى اسْتِئْجارِ سَيَّارَةٍ بِأَلْفِ رِيالٍ مَثَلًا؛ فَحينَئِذٍ نَقولُ: لَا يَجِبُ عَلَيْكَ الْحَجُّ إِلَّا إِذَا مَلَكَ أَلْفَ رِيالٍ زائِدَةً عَنْ حاجَتِهِ وَحاجَةِ أَوْلادِهِ، وَالْحُقوقِ الْواجِبَةِ عَلَيْهِ.

تَنْبيهٌ: وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الرَّاحِلَةُ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسافَةُ الْقَصْرِ، أَمَّا مَنْ كانَ دونَ ذَلِكَ، وَيُمْكِنُهُ الْمَشْيُ، فَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ الرَّاحِلَةُ[84].

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله- هُنَا ضابِطًا مُهِمًّا في الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَهُوَ: أَنْ يَكُونَا صالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ؛ أي: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكونَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ يُناسِبانِ حالَهُ؛ فَلَوْ وَجَدَ زادًا أَوْ راحِلَةً؛ لَكِنْ لَا يُناسِبُ حالَهُ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ[85]. وَهَذَا فيهِ خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكونَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ يُناسِبانِ حالَهُ[86].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْأَخْذُ بِهَذَا الْقَيْدِ، وَهُوَ: كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ صَالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ؛ لِظاهِرِ الْآيَةِ[87].

وَالْحاصِلُ: أَنَّ الْمُؤَلِّفَ –رحمه الله- بَيَّنَ لَنَا مَعْنَى الِاسْتِطاعَةِ؛ فَقالَ: (مَنْ أَمْكَنَهُ الرُّكوبُ، وَوَجَدَ زادًا وَراحِلَةً صالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ).

الْفَرْعُ الثَّانِي: الْحاجاتُ الَّتِي يُشْتَرَطُ أَنْ تَفْضُلَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (بَعْدَ قَضاءِ: الْواجِبَاتِ، وَالنَّفَقاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْحَوائِجِ الْأَصْلِيَّةِ)؛ أي: أَنَّ هَذِهِ الْأُمورَ لَا يَكونُ مُسْتَطيعًا قادِرًا إِلَّا بَعْدَ تَوَفُّرِهَا وَقَضائِهَا، وَهِيَ:
أَوَّلًا: الْواجِباتُ؛ وَهِيَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: واجِباتٌ نَحْوَ الْعِبادِ؛ مِنَ الدُّيونِ الْحالَّةِ أَوْ الْمُؤَجَّلَةِ، وَالزَّكَواتِ وَالْكَفَّاراتِ وَالنُّذورِ؛ فَإِذَا كانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، إِلَّا إِذَا كانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ وَفاءِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ بَعْدَ الْحَجِّ؛ إِمَّا مِنْ وَظيفَتِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ حينَئِذٍ، وَكَذَا إِنْ كانَ الدَّيْنُ مُقَسَّطًا، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ سَدادِهِ بِوَظيفَةٍ أَوْ ما شابَهَ ذَلِكَ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ.

النَّوْعُ الثَّانِي: واجِباتٌ لله تعالى؛ مِنْ كَفَّاراتٍ وَنَحْوِهَا؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ.

ثانِيًا: النَّفَقاتُ الشَّرْعِيَّةُ؛ فَإِذَا أَرادَ أَنْ يَحُجَّ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ عِنْدَ أَهْلِهِ نَفَقَتَهُمْ حالَ غَيْبَتِهِ، بِحَيْثُ يُبْقِي عِنْدَهُمْ ما يَكْفيهِمِ إِلَى رُجوعِهِ.

ثالِثًا: الْحَوائِجُ الْأَصْلِيَّةُ، وَهِيَ: الَّتِي يَحْتاجُهَا الْإِنْسانُ كَثيرًا؛ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ؛ فَهَذِهِ الْحَوائِجُ الْأَصْلِيَّةُ مُعْتَبَرَةٌ لِتَحَقُّقِ الِاسْتِطاعَةِ، وَهُناكَ أَيْضًا حَوائِجٌ فَرْعِيَّةٌ.


قالَ الْمُصَنِّفُ –رحمه الله-: "وَإِنْ أَعْجَزَهُ كِبَرٌ أَوْ مَرَضٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ: لَزِمَهُ أَنْ يُقيمَ مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَا، وَيُجْزِئُ عَنْهُ وَإِنْ عُوفِيَ بَعْدَ الْإِحْرامِ".


هُنَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله- بَعْضَ الْمَسائِلِ فِي الْعَجْزِ عَنِ الْحَجِّ، وَسَيَكونُ الْحَديثُ عَنْهَا كَالتَّالِي:
أَوَّلًا: الْأَسْبابُ الْمانِعَةُ مِنْ وُجوبِ الْحَجِّ لِمَنْ تَوَفَّرَ لَدَيْهِ الْمالُ، وَهُمَا سَبَبَانِ:
السَّبَبُ الْأَوَّلُ: الْكِبَرُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَعْجَزَهُ كِبَرٌ)؛ أي: إِنْ عَجَزَ عَنِ الْحَجِّ إِلَى بَيْتِ اللهِ لِكِبَرٍ وَكانَ الْمالُ مُتَوَفِّرًا لَدَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عاجِزٌ بِبَدَنِهِ؛ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنِيبَ مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ عَنْهُ، وَالدَّليلُ عَلَى أَنَّ الْكِبَرَ مِنَ الْأَعْذارِ: حَديثُ أَبِي رَزِينٍ: «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: ‌حُجَّ ‌عَنْ ‌أَبِيكَ ‌وَاعْتَمِرْ»[88]، وَكَذَلِكَ: حَديثُ الْخَثْعَمِيَّةِ: لَمَّا سَأَلَتْ النَّبِيَّ -عليه الصلاة والسلام- في حَجَّةِ الْوداعِ، قالَتْ: «إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ»[89].

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِبَرَ يُعْتَبَرُ مِنَ الْأَعْذارِ؛ لِأَنَّ الْكِبَرَ وَهَنُ الْإِنْسانِ؛ كَمَا قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى عَلَى لِسانِ نَبِيِّهِ زَكَرِيَّا: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم: 4].

السَّبَبُ الثَّانِي: الْمَرَضُ الَّذِي لا يُرْجَىٰ بُرْؤُهُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ)؛ أي: إِنْ عَجَزَ عَنِ الْحَجِّ بِسَبَبِ الْمَرَضِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكونَ مَرَضًا لَا يُرْجَىٰ بُرْؤُهُ، وَمِنْ هُنَا فَإِنَّ الْمَرَضَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَرَضٌ يُرْجَىٰ بُرْؤُهُ، وَهَذَا يَكونُ مانِعًا مِنْ وُجوبِ الْحَجِّ؛ لَكِنَّهُ مَنْعٌ مُؤَقَّتٌ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنيبَ، بَلْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَبْرَأَ.

النَّوْعُ الثَّانِي: مَرَضٌ لَا يُرْجَىٰ بُرْؤُهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرادَهُ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله-، وَعَلَى صاحِبِهِ أَنْ يَسْتَنيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعَتْمِرُ.

ثانِيًا: مَدَى لُزومِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى مَنْ عَجَزَ لِكِبَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ الْمُزْمِنِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (لَزِمَهُ أَنْ يُقيمَ مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرَ عَنْهُ)؛ أي: أَنَّ الْكَبيرَ الْعاجِزَ، وَالْمَريضَ مَرَضًا مُزْمِنًا يَلْزَمُهُمَا أَنْ يُنِيبَا مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ عَنْهُمَا، هَذَا مَعْنَى كَلامِ الْمُؤَلِّفِ –رحمه الله-.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فيمَنْ عَجَزَ عَنِ الْحَجِّ بِسَبَبِ الْكِبَرِ، أَوْ الْمَرَضِ مَرَضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَنيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهورِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنَ الْحَنابِلَةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[90]؛ وَذَلِكَ لِمَا ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ؛ قَالَتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ»[91]، وَعَنْ أَبِي رَزينٍ الْعُقَيْلِيِّ: «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: ‌حُجَّ ‌عَنْ ‌أَبِيكَ ‌وَاعْتَمِرْ»[92]. وَمَعْنَى الظَّعْنِ: الرِّحْلَةُ، أَوْ الرَّحيلُ؛ أي: لَا يَقْوَى عَلَى السَّيْرِ وَلَا الرُّكوبِ؛ لِكِبَرِ سِنِّهِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إِلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمامِ مالِكٍ –رحمه الله-، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ[93]، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ [النجم: 39]، وَبِقَوْلِهِ: ﴿ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، وَهَذَا لَا يَسْتَطيعُ بِنَفْسِهِ؛ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ الْمُسْتَطيعِ، وَبِأَنَّهَا عِبادَةٌ لَا تَصِحُّ فيهَا النِّيَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ؛ فَكَذَلِكَ مَعَ الْعَجْزِ؛ كَالصَّلاةِ.

ثالِثًا: الْمَكانُ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ حَجُّ النَّائِبِ عَمَّنْ أَنابَهُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (مِنْ حَيْثُ وَجَبَا)؛ أي: إِذَا عَجَزَ عَنِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ؛ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَهُوَ مُقيمٌ في الْقَصيمِ مَثَلًا: لَزِمَهُ أَنْ يُقيمَ النَّائِبُ مِنَ الْقَصيمِ، وَلَوْ أَقامَ نَائِبًا مِنْ غَيْرِ الْقَصيمِ: لَمْ يُجْزِئْ، هَذَا مَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله-.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله-، وَهُوَ الصَّحيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْقَضاءَ يَكونُ بِصِفَةِ الْأَداءِ، وَهُوَ مِنَ الْمُفْرَداتِ[94].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهورِ[95]، وَلَهُ حَظُّهُ مِنَ النَّظَرِ، وَهُوَ قَوْلٌ قَوِيٌّ. وَلَكِنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَحْوَطُ وَأَبْرَأُ لِلذِّمَّةِ، وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ.

رابِعًا: إِجْزاءُ حَجِّ النَّائِبِ عَمَّنْ أَنابَهُ لِمَرَضٍ إِذَا عُوفِي مِنْهُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (وَيُجْزِئُ عَنْهُ وَإِنْ عُوفِيَ بَعْدَ الْإِحْرامِ)؛ أي: يُجْزِئُ الْحَجُّ عَنِ الْمَنوبِ عَنْهُ، وَإِنْ عُوفِيَ بَعْدَ الْإِحْرامِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله-.

وَيُمْكِنُ تَقْسيمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى ثَلاثِ صُورٍ:
الصُّورَةُ الْأُولَى: أَنْ يَبْرَأَ الْمَنوبُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ النَّائِبُ؛ فَفِي هَذِهِ الْحالِ يَجِبُ عَلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ: أَنْ يُوقِفَ النَّائِبَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ النَّائِبُ وَأَحْرَمَ عَنِ الْمَنوبِ عَنْهُ؛ فَلَا تُجْزِئُهُ هَذِهِ الْحِجَّةُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلامِ.

الصُّورَةُ الثَّانِيَّةُ: أَنْ يَبْرَأَ الْمَنوبُ عَنْهُ بَعْدَ فَراغِ النَّائِبِ، وَفِي هَذِهِ الْحالِ تُجْزِئُهُ هَذِهِ الْحِجَّةُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلامِ.

وَنَظيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِذَا لَمْ يَجِدْ ماءً فَتَيَمَّمَ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَراغِ مِنَ الصَّلاةِ وَجَدَ ماءً، فَالصَّوابُ: أَنَّهُ لَا يُعيدُ.

الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَبْرَأَ الْمَنوبُ عَنْهُ بَعْدَ إِحْرامِ النَّائِبِ أَوْ في أَثْناءِ حَجِّ النَّائِبِ، وَهَذِهِ الْحالُ قَدْ اخْتَلَفَ فيها الْعُلَماءُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ[96]؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَخَرَجَ مِنَ الْعُهْدَةِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُعيدُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَرِئَ قَبْلَ فَراغِ النَّائِبِ، كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي أَثْناءِ الصَّلاةِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهَا؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «فَلْيَتِّقِ اللهَ وَلْيُمِسِّهُ بَشْرَتَهُ»[97]، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ[98].

مَسْأَلَةٌ: حُكْمُ اسْتِنابَةِ الْقادِرِ في الْحَجِّ إِنْ كانَ نَفْلًا.

اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَصِحُّ لِلْقادِرِ وَمِنْ بَابٍ أَوْلَى لِلْعاجِزِ: أَنْ يَسْتَنيبَ مَنْ يُتِمُّ عَنْهُ أَفْعالَ الْحَجِّ إِذَا كانَ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ يَجوزُ أَنْ يَسْتَنيبَ في الْجُمْلَةِ؛ فَجازَ في النَّفْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ[99].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلْقادِرِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَنيبَ في الْحَجِّ إِنْ كانَ نَفْلًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ عِبادَةٌ لابُدَّ لَهَا مِنْ دَليلٍ؛ فَإِذَا جاءَ الْإِذْنُ في الْفَرْضِ فَنَقْتَصِرُ عَلَى مَا جاءَ بِهِ النَّصُّ وَلَا نُعَدِّي ذَلِكَ إِلَى النَّفْلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحابَةِ -رضي الله عنهم- أَنَّهُ كانَ يُنِيبُ مَنْ يَحُجُّ أَوْ يُتِمُّ عَنْهُ؛ وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمامِ أَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوايَتَيْنِ عَنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ[100].


[1] انظر: لسان العرب (2/ 226)، ومقاييس اللغة (2/ 29)، وتهذيب اللغة (3/ 249).

[2] المفردات في غريب القرآن (ص: 218).

[3] التعريفات (ص: 82).

[4] انظر: المفردات في غريب القرآن (ص: 218).

[5] انظر: لسان العرب (4/ 605)، والصحاح (2/ 757).

[6] انظر: دستور العلماء (2/ 269)، وسبل السلام (2/ 178).

[7] انظر: الإنصاف للمرداوي (3/ 387)، والمقدمات الممهدات (1/ 382)، والتجريد (4/ 1672).

[8] انظر: شرح عمدة الفقه لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 114).

[9] انظر: زاد المعاد (2/ 96).

[10] أخرجه البخاري (1543)، ومسلم (1347).

[11] انظر: حاشية الطحطاوي (ص: 726)، والمجموع، للنووي (7/ 102).

[12] انظر: شرح عمدة الفقه لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 523).

[13] انظر: زاد المعاد (2/ 96).

[14] انظر: أصول الشاشي (ص: 185)، والمبسوط للسرخسي (4/ 59)، وأحكام القرآن لابن العربي (1/ 168).

[15] انظر: منسك الشنقيطي (1/ 149)، جمع الطيار.

[16] انظر: الشرح الكبير للرافعي (7/ 31).

[17] أخرجه البخاري (63)، ومسلم (12).

[18] الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 396).

[19] ذكره الإمام أحمد في "المناسك" كما في منهاج السنة (4/ 584)، وأخرجه عبدالرزاق (5/ 13)، والفاكهي في أخبار مكة (811)، عن ابن عباس قال: «لو ترك الناسُ زيارة هذا البيت عامًا واحدًا ما مُطِروا». هذا لفظ عبد الرزاق. ولفظ الفاكهي: «ما نوظروا». وفي إسناده رجلٌ لم يُسَمَّ.

[20] مفتاح دار السعادة (2/ 869).

[21] أخرجه البخاري (1773)، ومسلم (1349).

[22] توضيح الأحكام (4/ 4).

[23] أخرجه البخاري (8) واللفظ له، ومسلم (16).

[24] أخرجه مسلم (1337).

[25] انظر: الإجماع، لابن المنذر (ص: 51)، ومراتب الإجماع (ص: ٤١)، وبدائع الصنائع (2/ 118)، واختلاف الأئمة العلماء (1/ 269)، والإقناع، لابن القطان (1/ ٢٤٦)، والإعلام، لابن الملقن (6/ 9).

[26] انظر: البيان والتحصيل (16/ 394).

[27] وهذا ذكره الطبري عن السدي، وذكره ابن أبي حاتم عن ابن عمر، واستظهر ابن رجب أنه رأي عمر رضي الله عنه، ونقله القرطبي عن الحسن، وذهب إليه: ابن حبيب من المالكية. ينظر: تفسير الطبري (6/ 51)، وتفسير ابن أبي حاتم (3/ 715)، برقم (3869)، والجامع لمسائل المدونة (4/ 370)، وتفسير القرطبي (4/ 153)، وجامع العلوم والحكم (1/ 113).

[28] وهذا مذهب الجمهور من: الحنابلة، والحنفية، والمالكية، والشافعية. انظر: والإقناع في فقه الإمام أحمد (4/ 437، 438)، والتجريد، للقدوري (4/ 1669)، والرسالة، للقيرواني (ص: 127)، والجامع لمسائل المدونة (4/ 370)، والبيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 48).

[29] الإيمان (ص: 237).

[30] انظر: الإنصاف للمرداوي (3/ 387)، والأم للشافعي (2/ 144)، والنوادر والزيادات (2/ 362).

[31] انظر: إرشاد الفحول للشوكاني (2/ 197).

[32] أخرجه أحمد (16185)، وأبو داود (1810)، والترمذي (930)، وقال: "حسن صحيح"، والنسائي (2637)، وابن ماجه (2906)، وصححه ابن خزيمة (3040)، وابن حبان (3991)، والحاكم (1768).

[33] أخرجه البيهقي في الكبرى (8756).

[34] أخرجه ابن المبارك في الجهاد (164)، والدارقطني (2708)، والبيهقي في الكبرى (8755)، وصححه ابن خزيمة (1)، والحاكم (165).

[35] انظر: تنقيح التحقيق لابن عبدالهادي (3/ 423).

[36] أخرجه أحمد (25322)، وابن ماجه (2901)، وصححه ابن خزيمة (3074).

[37] انظر: الإنصاف للمرداوي (3/ 387)، والتجريد للقدوري (4/ 1692)، والرسالة، للقيرواني (ص: 78)، والأم، للشافعي (2/ 144).

[38] تقدم تخريجه.

[39] تقدم تخريجها.

[40] أخرجه أحمد (14397)، والترمذي (931)، وقال: "حسن صحيح"، وصححه ابن خزيمة (3068).

[41] انظر: تذكرة الحفاظ، لابن القيسراني (ص11).

[42] انظر: معرفة السنن والآثار (7/ 58)، وسنن الدارقطني (3/ 348)، والمحرر في الحديث، لابن عبد الهادي (ص: 384).

[43] أخرجه ابن ماجه (2989)، وقال ابن عبد البر في الاستذكار (4/ 111): "منقطع ولا حجة فيه".

[44] انظر: نيل الأوطار (4/ 333).

[45] انظر: مجموع الفتاوى (26/ 45).

[46] تقدم تخريجه.

[47] انظر: المغني لابن قدامة (3/ 213).

[48] انظر: مراتب الإجماع لابن حزم (ص: 41)، والمغني لابن قدامة (3/ 213)، ومغني المحتاج للشربيني (1/ 462).

[49] أخرجه مسلم (1336).

[50] انظر: تبيين الحقائق (2/ 5)، وحاشية العدوي (1/ 517)، والمجموع، للنووي (7/ 20).

[51] انظر: الإنصاف (8/ 12)، وحاشية ابن عابدين (2/459)، ومواهب الجليل (2/479)، والمجموع، للنووي (7/20).

[52] انظر: الإجماع، لابن المنذر (ص: 60)، والاستذكار (4/ 398).

[53] انظر: المحلى (5/ 13).

[54] انظر: مراتب الإجماع، لابن حزم (ص: 41)، والمغني، لابن قدامة (3/ 213)، وتفسير القرطبي (4/ 150)، والمجموع، للنووي (7/ 63).

[55] انظر: المغني، لابن قدامة (3/ 214)، وحاشية ابن عابدين (2/ 459)، وحاشية الدسوقي (2/ 5)، والمجموع، للنووي (7/ 20).

[56] انظر: المبدع شرح المقنع (7/ 20).

[57] انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (1/ 469)، ومختصر اختلاف العلماء (2/ 57).

[58] انظر: اختلاف الأئمة العلماء (1/ 269).

[59] انظر: الإنصاف، للمرداوي (3/ 404)، وبدائع الصنائع (2/ 119)، والتلقين في الفقه المالكي (1/ 79).

[60] أخرجه مسلم (1337).

[61] أخرجه أحمد (2867).

[62] انظر: الحاوي الكبير (4/ 24)، والإنصاف، للمرداوي (3/ 404)، وبدائع الصنائع (2/ 119)، والمقدمات الممهدات (1/ 381).

[63] انظر: الأم (2/ 173).

[64] انظر: المغني، لابن قدامة (3/ 238)، والكافي في فقه أهل المدينة (1/ 413)، والحاوي الكبير (4/ 244).

[65] أخرجه أبو داود (1811)، وابن ماجه (2903)، وصحح ابن خزيمة (3039)، وابن حبان (3988).

[66] انظر: المبسوط، للسرخسي (4/ 174).

[67] انظر: الشرح الممتع (7/ 18).

[68] انظر: كشاف القناع (2/ 494)، وحاشية الدسوقي (2/ 3)، وروضة الطالبين (3/ 123).

[69] انظر: بدائع الصنائع (2/ 121).

[70] انظر: الإنصاف (3/ 389).

[71] انظر: الإنصاف (3/ 389).

[72] انظر: المغني، لابن قدامة (3/ 238).

[73] أخرجه الطبراني في الأوسط (2731)، والبيهقي في الصغرى (1479)، مرفوعًا، وصحح رفعه الحاكم (1769)، وصحح وقفه ابن خزيمة في صحيحه (3050)، وابن عبد الهادي في المحرر (ص: 385)، والبيهقي في السنن الصغير (2/ 140). ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (14875) بإسناد صحيح.

[74] انظر: المصباح المنير، للفيومي (2/ 380).

[75] المقنع في فقه الإمام أحمد (ص: 110).

[76] انظر: المغني لابن قدامة (3/ 221)، وفتح القدير، لابن الهمام (2/ 416)، والمجموع، للنووي (7/ 94).

[77] أخرجه الدارقطني (2426)، وصححه الحاكم (1613)، وقال البيهقي في الكبرى (8638): "ولا أراه إلا وهمًا"، وأخرجه الترمذي (2998)، عن ابن عمر، وقال: "هذا حديث لا نعرفه من حديث ابن عمر إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي، وقد تكلم بعض أهل العلم في إبراهيم بن يزيد من قبل حفظه".

[78] قال ابن عبد البر في الاستذكار (4/ 165): "روي عن النبي عليه السلام أنه قال: السبيل الزاد والراحلة، من وجوه؛ منها: مرسلة، ومنها: ضعيفة"، وقال الحافظ في التلخيص (2/ 485): "وطرقها كلها ضعيفة، وقد قال عبد الحق: إن طرقه كلها ضعيفة، وقال أبو بكر بن المنذر: لا يثبت الحديث في ذلك مسندا، والصحيح من الروايات: رواية الحسن المرسلة"، وينظر: الأحكام الوسطى، للإشبيلي (2/ 258).

[79] منسك الشنقيطي (1/ 106)، جمع الطيار.

[80] انظر: فتح القدير، لابن الهمام (2/416)، والمعونة على مذهب عالم المدينة (ص:501).

[81] انظر: المغني لابن قدامة (3/ 213)، ومراتب الإجماع (ص: 41)، والمجموع، للنووي (7/ 63).

[82] قال ابن عبد البر –رحمه الله- في التمهيد (9/ 128): "اتفق مالك وأبو حنيفة أن المعضوب الذي لا يتمسك على الراحلة ليس عليه الحج"، وقال القرطبي ~ في تفسيره (4/ 150): "من انتهى إلى ألا يقدر أن يستمسك على الراحلة، ولا يثبت عليها؛ بمنزلة من قطعت أعضاؤه، إذ لا يقدر على شيء، وقد اختلف العلماء في حكمهما بعد إجماعهم أنه لا يلزمهما المسير إلى الحج؛ لأن الحج إنما فرضه على المستطيع إجماعًا، والمريض والمعضوب لا استطاعة لهما".

[83] أخرجه البخاري (4399)، ومسلم (1334).

[84] انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (3/ 25).

[85] انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (3/ 24).

[86] انظر: المجموع، للنووي (7/ 66)، والفروع، لابن مفلح (5/ 235).

[87] انظر: الإنصاف، للمرداوي (8/ 44، 45)، والفروع، لابن مفلح (5/ 235).

[88] تقدم تخريجه.

[89] تقدم تخريجه.

[90] انظر: : المغني، لابن قدامة (3/ 221، 222)، وفتح القدير، لابن الهمام (2/ 416)، والمجموع، للنووي (7/ 94).

[91] تقدم تخريجه.

[92] تقدم تخريجه.

[93] انظر: فتح القدير، لابن الهمام (2/416)، والمعونة على مذهب عالم المدينة (ص:501).

[94] انظر: الروض المربع (2/ 69)، وشرح منتهى الإرادات (1/ 519).

[95] انظر: شرح مختصر خليل، للخرشي (2/ 299)، والمجموع، للنووي (15/ 451).

[96] انظر: الشرح الكبير على المقنع (8/ 57)، والمغني، لابن قدامة (3/ 223).

[97] أخرجه البزار (10068).

[98] انظر: المجموع، للنووي (7/ 113).

[99] انظر: المغني، لابن قدامة (3/224)، وكشاف القناع (2/397)، وفتح القدير، لابن الهمام (3/144).

[100] انظر: المغني لابن قدامة (3/224)، والمجموع للنووي (7/ 114).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.79 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]