
07-05-2024, 12:28 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,161
الدولة :
|
|
رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام

فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ المائدة
المجلد السابع
الحلقة( 264)
من صــ 156 الى صـ 170
فكذلك إذا قيل أنه وقع تبديل في بعض ألفاظ الكتب المتقدمة كان في الكتب ما يبين لك الغلط وقد قدمنا أن المسلمين لا يدعون أن كل نسخة في العالم من زمن محمد - صلى الله عليه وسلم - بكل لسان من التوراة والإنجيل والزبور بدلت ألفاظها، فإن هذا لا أعرف أحدا من السلف قاله وإن كان من المتأخرين من قد يقول ذلك، كما في بعض المتأخرين من يجوز الاستنجاء بكل ما في العالم من نسخ التوراة والإنجيل فليست هذه الأقوال ونحوها من أقوال سلف الأمة وأئمتها وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما رأى بيد كعب الأحبار نسخة من التوراة قال: يا كعب إن كنت تعلم أن هذه هي التوراة التي أنزلها الله على موسى بن عمران فاقرأها فعلق الأمر على ما يمتنع العلم به ولم يجزم عمر - رضي الله عنه - بأن ألفاظ تلك مبدلة لما لم يتأمل كل ما فيها.
والقرآن والسنة المتواترة يدلان على أن التوراة والإنجيل الموجودين في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهما ما أنزله الله - عز وجل - والجزم بتبديل ذلك في جميع النسخ التي في العالم متعذر ولا حاجة بنا إلى ذكره ولا علم لنا بذلك ولا يمكن أحدا من أهل الكتاب أن يدعي أن كل نسخة في العالم بجميع الألسنة من الكتب متفقة على لفظ واحد، فإن هذا مما لا يمكن أحدا من البشر أن يعرفه باختباره وامتحانه وإنما يعلم مثل هذا بالوحي وإلا فلا يمكن أحدا من البشر أن يقابل كل نسخة موجودة في العالم بكل نسخة من جميع الألسنة بالكتب الأربعة والعشرين وقد رأيناها مختلفة في الألفاظ اختلافا بينا، والتوراة هي أصح الكتب وأشهرها عند اليهود والنصارى ومع هذا فنسخة السامرة مخالفة لنسخة اليهود والنصارى حتى في نفس الكلمات العشر ذكر في نسخة السامرة منها من أمر استقبال الطور ما ليس في نسخة اليهود والنصارى وهذا مما يبين أن التبديل وقع في كثير من نسخ هذه الكتب، فإن عند السامرة نسخا متعددة.
وكذلك رأينا في الزبور نسخا متعددة تخالف بعضها بعضا مخالفة كثيرة في كثير من الألفاظ والمعاني يقطع من رآها أن كثيرا منها كذب على زبور داود - عليه السلام - وأما الأناجيل فالاضطراب فيها أعظم منه في التوراة.
فإن قيل فإذا كانت الكتب المتقدمة منسوخة فلماذا ذم أهل الكتاب على ترك الحكم بما أنزل الله منها؟ قيل: النسخ لم يقع إلا في قليل من الشرائع وإلا فالإخبار عن الله وعن اليوم الآخر وغير ذلك لا نسخ فيه.
وكذلك الدين الجامع والشرائع الكلية لا نسخ فيها وهو سبحانه ذمهم على ترك اتباع الكتاب الأول ; لأن أهل الكتاب كفروا من وجهين من جهة تبديلهم الكتاب الأول، وترك الإيمان والعمل ببعضه، ومن جهة تكذيبهم بالكتاب الثاني: وهو القرآن، كما قال - تعالى -: {وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} [البقرة: 91] فبين أنهم كفروا قبل مبعثه بما أنزل عليهم وقتلوا الأنبياء كما كفروا حين مبعثه بما أنزل عليه وقال - تعالى -: {الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين} [آل عمران: 183] وقال - تعالى -: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير} [آل عمران: 184] وقال - تعالى -: {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون - قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين} [القصص: 48 - 49] وإذا كان الأمر كذلك فهو سبحانه يذمهم على ترك اتباع ما أنزله في التوراة والإنجيل وعلى ترك اتباع ما أنزله في القرآن ويبين كفرهم بالكتاب الأول وبالكتاب الثاني: وليس في شيء من ذلك أمرهم أن يحكموا بالمنسوخ من الكتاب الأول ; كما ليس فيه أمرهم أن يحكموا بالمنسوخ في الكتاب الثاني.
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (44)
قال شيخ الإسلام - بعد كلام سبق -:
وإذا كان من قول السلف: إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق فكذلك في قولهم: إنه يكون فيه إيمان وكفر ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة؛ كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قالوا: كفروا كفرا لا ينقل عن الملة وقد اتبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة.
عن ابن طاووس عن أبيه قال: قلت لابن عباس: {ومن لم يحكم بما أنزل الله} فهو كافر. قال: هو به كفر وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه ورسله.
عن عطاء قال: كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق.
قال محمد بن نصر: قالوا: وقد صدق عطاء قد يسمى الكافر ظالما ويسمى العاصي من المسلمين ظالما فظلم ينقل عن ملة الإسلام وظلم لا ينقل. قال الله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} وقال: {إن الشرك لظلم عظيم} وذكر حديث ابن مسعود المتفق عليه قال: {لما نزلت: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بذلك. ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: {إن الشرك لظلم عظيم} إنما هو الشرك}.
حدثنا محمد بن يحيى حدثنا الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب كان إذا دخل بيته نشر المصحف فقرأ فيه فدخل ذات يوم فقرأ فأتى على هذه الآية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} إلى آخر الآية فانتعل وأخذ رداءه ثم أتى إلى أبي بن كعب فقال: يا أبا المنذر أتيت قبل على هذه الآية {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} وقد نرى أنا نظلم ونفعل. فقال: يا أمير المؤمنين إن هذا ليس بذلك يقول الله: {إن الشرك لظلم عظيم} إنما ذلك الشرك.
قال محمد بن نصر: وكذلك " الفسق فسقان ": فسق ينقل عن الملة وفسق لا ينقل عن الملة فيسمى الكافر فاسقا والفاسق من المسلمين فاسقا ذكر الله إبليس فقال: {ففسق عن أمر ربه} وكان ذلك الفسق منه كفرا وقال الله تعالى: {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار} يريد الكفار دل على ذلك قوله: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} وسمي الفاسق من المسلمين فاسقا ولم يخرجه من الإسلام. قال الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون} وقال تعالى: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} فقالت العلماء في تفسير الفسوق هاهنا: هي المعاصي. قالوا: فلما كان الظلم ظلمين والفسق فسقين كذلك الكفر كفران أحدهما ينقل عن الملة) و (الآخر لا ينقل عن الملة) وكذلك الشرك " شركان ": شرك في التوحيد ينقل عن الملة وشرك في العمل لا ينقل عن الملة وهو الرياء قال تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} يريد بذلك المراءاة بالأعمال الصالحة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم {الطيرة شرك}.
قال محمد بن نصر: فهذان مذهبان هما في الجملة محكيان عن أحمد بن حنبل في موافقيه من أصحاب الحديث حكى الشالنجي إسماعيل بن سعيد أنه سأل أحمد بن حنبل عن المصر على الكبائر يطلبها بجهده إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصيام هل يكون مصرا من كانت هذه حاله؟ قال: هو مصر مثل قوله: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن}. يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام ومن نحو قوله: {لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن} ومن نحو قول ابن عباس في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} فقلت له: ما هذا الكفر؟ فقال: كفر لا ينقل عن الملة مثل الإيمان بعضه دون بعض وكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه. وقال ابن أبي شيبة: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن} لا يكون مستكمل الإيمان يكون ناقصا من إيمانه قال: وسألت أحمد بن حنبل عن " الإسلام والإيمان " فقال: الإيمان قول وعمل والإسلام إقرار. قال: وبه قال أبو خيثمة وقال ابن أبي شيبة لا يكون الإسلام إلا بإيمان ولا إيمان إلا بإسلام.
(وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين (46) وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (47)
[فصل: الرد عليهم في زعمهم أن الإسلام عظم إنجيلهم الذي بين أيديهم]
فصل
قالوا وأما تعظيمه لإنجيلنا وكتبنا التي بأيدينا فيقول: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه} [المائدة: 48] وقال: في سورة آل عمران: {الم - الله لا إله إلا هو الحي القيوم - نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل - من قبل هدى للناس} [آل عمران: 1 - 4]. وقال: في سورة البقرة {الم - ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين - الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون - والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون - أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} [البقرة: 1 - 5]. فأعني بالكتاب الإنجيل والذين يؤمنون بالغيب نحن النصارى الذين آمنا بالمسيح وما رأيناه، ثم اتبع بالقول {والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} [البقرة: 4] فأعني بهم المسلمين الذين آمنوا بما آتى به وما أتى من قبله وقال: في سورة المائدة {وموعظة للمتقين - وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [المائدة: 46 - 47] وقال في سورة آل عمران: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير} [آل عمران: 184] فأعني أيضا بالكتاب المنير الذي هو الإنجيل المقدس.
وقال: أيضا: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} [يونس: 94].
فثبت بهذا ما معنا ونفي عن إنجيلنا وكتبنا التي في أيدينا التهم والتبديل والتغيير لما فيها بتصديقه إياها.
والجواب: بعد أن تعرف أن لفظ الآية الأولى من سورة المائدة {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه} [المائدة: 48]. أن يقال: أما تصديق خاتم الرسل محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أنزل الله قبله من الكتب ولمن جاء قبله من الأنبياء فهذا معلوم بالاضطرار من دينه متواترا تواترا ظاهرا كتواتر إرساله إلى الخلق كلهم وهذا من أصول الإيمان.
قال - تعالى -: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون - فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} [البقرة: 136 - 137] وقال - تعالى -: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون - ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 84 - 85]
وقال: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} [البقرة: 177]
وقال - تعالى -: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير - لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} [البقرة: 285 - 286] وتصديقه للتوراة والإنجيل مذكور في مواضع من القرآن وقد قال {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه} [المائدة: 48].
وقال - تعالى -: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني} [الزمر: 23] وقال: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن} [يوسف: 3] فبين أنه أنزل هذا القرآن مهيمنا على ما بين يديه من الكتب والمهيمن الشاهد المؤتمن الحاكم يشهد بما فيها من الحق وينفي ما حرف فيها ويحكم بإقرار ما أقره الله من أحكامها وينسخ ما نسخه الله منها وهو مؤتمن في ذلك عليها وأخبر أنه أحسن الحديث وأحسن القصص وهذا يتضمن أنه كل من كان متمسكا بالتوراة قبل النسخ من غير تبديل شيء من أحكامها، فإنه من أهل الإيمان والهدى وكذلك من كان متمسكا بالإنجيل من غير تبديل شيء من أحكامه قبل النسخ فهو من أهل الإيمان والهدى وليس في ذلك مدح لمن تمسك بشرع مبدل فضلا عمن تمسك بشرع منسوخ ولم يؤمن بما أرسل الله إليه من الرسل وما أنزل إليه من الكتب بل قد بين كفر اليهود والنصارى بتبديل الكتاب الأول وبترك الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - في غير موضع.
وأما تأويلهم قوله: {ذلك الكتاب} [البقرة: 2] أنه الإنجيل و {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 3]عنى بهم النصارى فهو من تحريف الكلم عن مواضعه وتبديل كلام الله ; كما فعلوه في قوله: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا} [آل عمران: 85] وفي قوله: بإذني أي باللاهوت وفي قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6].
وفي غير ذلك مما ذكروه وتأولوه من القرآن على غير المعنى الذي أراد الله به وهذا مما يؤيد أنهم فعلوا كذلك بالتوراة والإنجيل، فإنه إذا كان القرآن الذي قد عرف تفسيره والمراد به العام والخاص ونقل ذلك عن الرسول نقلا متواترا حتى عرف معناه علما يقينا اضطراريا فيبدلون معناه ويحرفون الكلم عن مواضعه فماذا يصنعون بالتوراة والإنجيل ولم ينقل لفظ ذلك ومعناه ; كما نقل القرآن وليس في أهل تلك الكتب من يذب عن لفظها ومعناها ; كما يذب المسلمون عن لفظ القرآن ومعناه؟.
وهؤلاء غرهم قوله: {ذلك الكتاب} [البقرة: 2] فظنوا أن لفظ ذلك لما كان يشار بها إلى الغائب أشير بها إلى الإنجيل.
فيقال: لهم هذا كقوله: {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم} [آل عمران: 58] وأشار بذلك إلى ما تلاه قبل هذه الآية، وقوله: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم} [الممتحنة: 10]
وقوله: {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر} [الطلاق: 2] ومثله قوله - تعالى -: بعد أن ذكر خبر يوسف الصديق {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} [يوسف: 102] وقال أيضا: لما ذكر خبر مريم: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم} [آل عمران: 44] ; كما قال: لما ذكر آيات يخبر فيها عن نوح {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك} [هود: 49] وقال: {الر - تلك آيات الكتاب المبين - إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} [يوسف: 1 - 2] وتلك في المؤنث مثل ذلك في المذكر ومع هذا فأشار إلى القرآن ومنه قوله: {الر - تلك آيات الكتاب وقرآن مبين} [الحجر: 1] وقوله: {طس - تلك آيات القرآن وكتاب مبين} [النمل: 1] ومنه قوله: {طسم - تلك آيات الكتاب المبين} [القصص: 1 - 2] ومنه قوله: {حم - عسق - كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم} [الشورى: 1 - 3] وقوله: {وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا} [الشورى: 7] وقوله: {المر - تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق} [الرعد: 1] الآية.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|