الموضوع: توجيهات نبوية
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16-04-2024, 04:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,729
الدولة : Egypt
افتراضي توجيهات نبوية

توجيهات منهجية (1)

في طرق تنصيب إمام المسـلمين وتقرير وجوب الطاعة وبذل النصيحة



الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فلا يخفى أنّ إمامة المسلمين أمانةٌ عظمى ومسؤوليّةٌ كبرى، لا قيام للدّين إلاّ بها، ولا تنتظم مصالح الأمّة إلاّ بسلطانٍ مطاعٍ، ولا يستطيع القيام بها إلاّ من كان على درجةٍ من التّأهيل تمكّنه من حملها، فمن قام بهذه المسؤوليّة -في حدود القدرة والطّاقة- على خير وجهٍ، وأدى هذه الأمانة بصدقٍ وإخلاصٍ، كان في عِدَادِ من يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه(1).
وسياسة النّاس وَفْق شرعِ الله تعالى من أعظم واجبات إمام المسلمين، وهي مطلبٌ جوهريٌّ أساسيٌّ، لا تتحقّق متطلَّبات الرّعية وما تنشده من حفظ الدّين وإقامة العدل وإزالة الظّلم إلاّ تبعًا لتحقيق ذاك المطلب العزيز، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} (النور: 41)، وصلاحُ الرّعيّة وفسادُها متوقِّفٌ على أولي الأمر، قال ابن تيميّة -رحمه الله-: «وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه، وهم الذين يأمرون النّاس؛ وذلك يشترك فيه أهل اليد والقدرة وأهل العلم والكلام؛ فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء والأمراء، فإذا صلَحوا صلَح النّاس، وإذا فسَدوا فسَد النّاس»(2).
هذا، وإنّ من أعظم الأدلّة على وجوب نصبِ الإمام الأعظم وبذلِ البيعة له قولَه صلّى الله عليه وآله وسلّم: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامُ جَمَاعَةٍ فَإِنَّ مَوْتَتَهُ مَوْتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ»(3)، وقولَه: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(4)، «وذلك أنّ أهل الجاهلية لم يكن لهم إمامٌ يجمعهم على دينٍ ويتألّفهم على رأيٍ واحدٍ، بل كانوا طوائفَ شتّى وفرقًا مختلفين، آراؤهم متناقضةٌ وأديانهم متباينةٌ، وذلك الذي دعا كثيرًا منهم إلى عبادة الأصنام وطاعة الأزلام»(5).
ولأنّ المقصود من نصب الإمام الأعظم هو اجتماعُ الكلمة ولمُّ الشّمل، وإقامةُ الدّين وتنفيذُ أحكام الله تعالى، ورفعُ الظّلم ونشرُ العدل، وصيانة الأعراض واستتبابُ الأمن، وفضُّ المنازعات، والأخذُ على يد الظّالم وإنصافُ المظلوم، وجهادُ أعداء الإسلام، وحمايةُ حوزة البلاد وحفظُ بيضة المسلمين، وقمعُ الشّرّ والفساد، وأخذُ الحقوق الواجبة على ما اقتضاه الشّرع، ووضعُها في مواضعها الشّرعيّة، قال الجوينيّ -رحمه الله-: «ولا يرتاب من معه مسْكةٌ من عقلٍ أنّ الذّبّ عن الحوزة، والنّضالَ دون حفظِ البيضة محتومٌ شرعًا، ولو تُرك النّاس فوضى لا يجمعهم على الحقّ جامعٌ، ولا يَزَعُهم وازعٌ، ولا يردعهم عن اتّباع خطوات الشّيطان رادعٌ، مع تفنُّن الآراء وتفرُّق الأهواء، لانتثر النّظام، وهلك العظام، وتوثّبت الطَّغام(6) والعوامّ، وتحزّبت الآراء المتناقضة، وتفرّقت الإرادات المتعارضة، وملك الأرذلون سراةَ النّاس، وفُضّت المجامع، واتّسع الخرقُ على الرّاقع، وفَشَتِ الخصوماتُ، واستحوذ على أهل الدّين ذوو العرامات(7)، وتبدّدت الجماعات، ولا حاجةَ إلى الإطناب بعد حصول البيان، وما يَزَعُ الله بالسّلطان أكثرُ مما يَزَعُ بالقرآن»(8).
لذلك كانت الإمامةُ موضوعةً لخلافة النّبوّة في حفظ الدّين وسياسة الدّنيا، قال ابن خلدون -رحمه الله-: «إنّ نصْبَ الإمام واجبٌ قد عُرف وجوبه في الشّرع بإجماع الصّحابة والتّابعين؛ لأنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكرٍ رضي الله عنه وتسليمِ النّظر إليه في أمورهم، وكذا في كلّ عصرٍ من بعد ذلك، ولم تُترك النّاسُ فوضى في عصرٍ من الأعصار، واستقرّ ذلك إجماعا دالاًّ على وجوب نصب الإمام»(9).
الهوامش:
1- في حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري في «الأذان» باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد (660)، ومسلم في «الزكاة» (1/ 457) رقم (1031) عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، ...»، الحديث.
2- «مجموع الفتاوى» لابن تيميّة (28/ 170).
3- أخرجه الحاكم في «مستدركه» (1/ 77) رقم (259، 403)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
4- أخرجه مسلم في «الإمارة» (1851) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
5- «العزلة» للخطّابي (57-58).
6- الطَّغام: أراذل الناس وأوغادهم، ويطلق -أيضا- على الأحمق (انظر: «القاموس المحيط» للفيروز آبادي (1463)).
7- العرامة: الشدّة والشراسة والقوّة والجهل والأذى (انظر: «القاموس المحيط» للفيروز آبادي (1467)، «لسان العرب» لابن منظور (12/ 395)).
8- «غياث الأمم» للجويني (23-24).
9- «المقدّمة» لابن خلدون (171).


اعداد: فضيلة الشيخ الدكتور محمد علي فَركُوس

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 16-04-2024 الساعة 07:05 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.93 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.55%)]