عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 30-03-2024, 11:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,887
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية السيد مراد سلامة

الدرس السابع عشر: منافع ذكر الموت

السيد مراد سلامة

الحمد لله الذي عزَّ جلاله فلا تُدركه الإفهام، وسما كماله فلا يُحيط به الأوهام، وشهِدت أفعاله أنه الحكيم العلام، الموصوف بالعلم والقدرة والكلام، سبحانه هو الله الواحد السلام، المؤمنون حبِّب إليهم الإيمان، وشرح صدورهم للإسلام، ويقبل التوبة ويكشف الحوبة، ويغفر الإجرام، تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو علي كل شيء قدير شهادة من قال ربي الله ثم استقام.

ونشهدُ أن نبينا محمدًا عبد الله ورسول الملك الواهب، ما من عاقلٍ إلا وعلم أن الإيمان به حقٌّ واجب....

إخوة الإسلام، إن ذكر الموت له منافع كثيرة وفوائد جليلة، ذكرها لنا الأفذاذ من العلماء وهاكم يا رعاكم الله بيانها.

(1) قطع أسباب الغفلة بتقصير الأمل:
فإن طول الأمل أكبر أسباب الغفلة، فالموت لا يترك فقيرًا لفقره ولا غنيًّا لغناه، وقد ذكروا عن ابن السماك أنه قال: (بينما صياد في الدهر الأول يصطاد السمك، إذ رمى بشبكته في البحر، فخرج فيها جمجمة إنسان، فجعل الصياد ينظر إليها ويبكي ويقول: عزيز فلم تترك لعزك!! غني فلم تترك لغناك!! فقير فلم تترك لفقرك!! جوَاد فلم تترك لجودك!! شديد لم تترك لشدتك!! عالم فلم تترك لعلمك!! يردد هذا الكلام ويبكي[1].

عبرة الموت:
يروى أن أعرابيًّا كان يسير على جمل له، فخر الجمل ميتًا، فنزل الأعرابي عنه، وجعل يطوف به ويتفكر فيه، ويقول: ما لك لا تقوم؟

مالك لا تنبعث؟

هذه أعضاؤك كاملة!!

وجوارحك سالمة!!

ما شأنك؟

ما الذي كان يحملك؟

ما الذي صرعك؟

ما الذي عن الحركة منعك؟

ثم تركه وانصرف متعجبًا من أمره، متفكرًا في شأنه!!

قال ابن السماك: (بينما صياد في الدهر الأول يصطاد السمك، إذ رمى بشبكته في البحر، فخرج فيها جمجمة إنسان، فجعل الصياد ينظر إليها ويبكي ويقول:
عزيز فلم تترك لعزك!!

غني فلم تترك لغناك!!

فقير فلم تترك لفقرك!!

جواد فلم تترك لجودك!!

شديد لم تترك لشدتك!!

عالم فلم تترك لعلمك!!).

يردد هذا الكلام ويبكي.

اذكروا هاذم اللذات.

(2) يحث على الاستعداد وحسن العمل:
أخي المسلم، إن مَن أكثر مِن ذكر الموت أحسَنَ الاستعداد ليوم المعاد، قال أبو علي الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي ذكر الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، ترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة[2].

عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ [الأنعام: 125]، قال: إذا أدخل الله النور القلب انشرح وانفسح، قالوا: فهل لذلك من آية يعرف بها؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزول الموت[3].

قال أبو عبد الرحمن السُّلمي في مرضه: كيف لا أرجو ربي وقد صمت له ثمانين رمضان؟![4].

وختم آدم بن أبي إياس القرآن وهو مسجى للموت، ثم قال: بحبي لك إلا رفقت بي في هذا المصرع، كنت أؤملك لهذا اليوم، كنت أرجوك، لا إله إلا الله، ثم قضى رحمه الله[5].

وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ويحك يا يزيد من ذا يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا يترضَّى عنك بعد الموت؟ ثم يقول: من كان الموت طالبه، والقبر بيته، والتراب فراشه، والدود أنيسه، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر كيف يكون حاله؟[6].

بينا الفتى مرحٌ الخطى فرحٌ بما
يسعى له إذ قيل قد مرض الفتى
إذ قيل بات بليلة ما نامها
إذ قيل أصبح مثخنًا ما يرتجى
إذ قيل أصبح شاخصًا وموجهًا
ومعللًا إذ قيل أصبح قد مضى


(3) الزهد في الدنيا وعدم الاغترار بها:
ومن أكثر من ذكر الموت، زهد في زخارف الدنيا، واستوى عنده ذهبها مع حذفها؛ قال التميمي: شيئان قطعا عني لذة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى[7].

وقال الحسن: إن هذا الموت أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا عيشًا لا موت فيه؛ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا هَانَتْ عَلَيْهِ الْمُصِيبَاتُ، وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ فِي الْخَيْرَاتِ.

عن إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا عُرِضَتْ عَلَيَّ حَلَالًا لَا أُحَاسَبُ بِهَا فِي الآخرة، لَكُنْتُ أَقْذَرُهَا كَمَا يَقْذَرُ أَحَدُكُمُ الْجِيفَةَ إِذَا مَرَّ بِهَا أَنْ تُصِيبَ ثَوْبَهُ.

قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: الدُّنْيَا غَنِيمَةُ الْأَكْيَاسِ، وَغَفْلَةُ الْجُهَّالِ، لَمْ يَعْرِفُوهَا حَتَّى اخْرِجُوا مِنْهَا، فَسَأَلُوا الرَّجْعَةَ فَلَمْ يَرْجِعُوا.

عن موسى بن عبيدة الربذي أن لقمان قال لابنه: يا بني، إنك استدبرت الدنيا منذ يوم نزلتها، واستقبلت الآخرة، فأنت إلى دار تقرُب منها أقربُ منك إلى دار تباعد عنها [8].


(4) يردع عن المعاصي:
فمن اعتقد أن الموت يخطفه في أي لحظة، هل يجرؤ على المعصية، خصوصًا إذا علم أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه، فهل يرضى أن يبعث يوم القيامة وهو مقيم على معصية الله تعالى، فيفضح بين الخلائق؟!

(5) الرضا على كل حال:
فمن كان في ضيق، فذكر الموت وسَّعه عليه، ومن كان في سعة تدعوه للبطر والكبر، فذكر الموت ضيَّقها عليه، ومن أصابته مصيبة، فتعزى بالموت هانت عليه مصيبته، ولذلك قالوا:
اصبر لكل مصيبة وتجلَّد
واعلم بأن المرء ليس مخلَّد
من لم يُصب ممن ترى بمصيبة
هذا سبيلٌ لست فيه بأوحد


وقال الشافعي يعزي رجلًا في ميت له:
إنا نُعزيك لا أنا على ثقةٍ
أنا نعيش ولكن سنةُ الدين
فلا ما لمعزَّى سيبقى بعد ميته
ولا المعزي وإن عاشَا إلى حين


(6) دواء قسوة القلب:
و قسوة القلب داء عضال وله في النفس علامات وهي:
لا نشعر بالخشوع في صلاتنا وعبادتنا.

عدم التأثر والتباكي عند تلاوة القرآن.

عدم التورع عن الشبهات في المعاملات.

الظلم والاعتداء على حقوق الآخرين.

الجفاء وسوء الظن بين الإخوان.

انتشار القطيعة بين الأسر.

أخي السلم، إن مما يلين القلوب ويذيب قساوتها، ذكر الموت وتشييع الجنائز، فإذا أردت عينًا مدرارة وقلبًا خاشعًا، فأكثر من ذكر هادم اللذات، قال أبو الدرداء: مَن أكثر ذكر الموت قل فرحُه وقل حسدُه، ويقول سعيد بن جبير رحمه الله: لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيتُ أن يفسد عليَّ قلبي.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

[1] روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 286).

[2] التذكرة للقرطبي (ص: 8).

[3] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (2/ 383) أخرجه ابن جرير ( 12 / 100 / 13855.

[4] المحتضرين (ص: 206).

[5] الثبات عند الممات (ص: 159).

[6] العاقبة في ذكر الموت (ص: 40).

[7] التذكرة للقرطبي (ص: 8).

[8] الزهد لابن أبي الدنيا (ص: 80).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.69%)]