عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 27-03-2024, 02:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,899
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية السيد مراد سلامة

الدرس الخامس عشر: وسائل الثبات أمام الشهوات

السيد مراد سلامة
الحمد لله شهِدت بوجوده آياته الباهرة، ودلَّت على كرم جوده نعمُه الباطنة والظاهرة، وسبَّحت بحمده الأفلاك الدائرة، والرياح السائرة، والسحب الماطرة، هو الأول فله الخلق والأمر، والآخر فإليه الرجوع يوم الحشر، هو الظاهر فله الحكم والقهر، هو الباطن فله السر والجهر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو علي كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبُه.


إذا سار سار النور معه، وإذا نام فيَّح الطيب مضجعه، وإذا تكلم كانت الحكمة مرفعه.
هو المختار من البرايا
هو الهادي البشير هو الرسول
عليه من المهيمن كل وقت
صلاة دائما فيها القبول


وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه، وتمسك بسنته، واقتدى بهديه، واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين.


أولًا: تقوى الله تعالى:
فهي وصية الله تعالى لنا وللأمم من قبلنا: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾[النساء: 131].

قال طلق بن حبيب: إذا وقعت الفتنة فأطفؤوها بالتقوى، قالوا وما التقوى؟ "التّقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو رحمة الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عذاب الله".

قال ابن مسعود وغيره في رجل سأله عن التقوى، فقال: ألم تمش على طريق فيه شوك؟ فقال بلى، قال: فما صنعت؟ قال شَمَّرت واتَّقيت، قال: فتلك التقوى.

وأخذ هذا ابن المعتز فقال:
خلٍّ الذنوبَ صغيرها
وكبيرها ذاك التقى
واصنَع كماشٍ فوق أر
ضِ الشوك يَحذر ما يرى
لا تحقرنَّ صغيرة
إنَّ الجبال من الحصى


فالتقوى هي حص الأمان وبساط الثبات متى حققه العبد ثبت أمام سيل الشهوات، فهي ترك ما تهوى لما تخشى.

يقول الإمام الغزالي: "إنما الفضيلة في أمر هذه النفس أن تقوم عليها بقوة العزم، فتمنَعها عن كل معصية، وتصونها عن كل فضول، فإذا فعلت ذلك كنت قد اتَّقيت الله تعالى في عينك وأذنك ولسانك، وقلبك وبطنك وفرجك، وجميع أركانك، وألْجَمتها بلجام التقوى، ولهذا الباب شرح يطول، وأما الذي لا بد منه ها هنا فأن نقول: من أراد أن يتقي الله، فليراعِ الأعضاء الخمسة، فإنهنَّ الأصول: وهي العين والأذن واللسان والقلب والبطن، فيحرِص عليها بالصيانة لها عن كل ما يخاف منه ضررًا في أمر الدين من معصية وحرام، وفضول وإسراف من حلال، وإذا حصل صيانة هذه الأعضاء، فمرجو أن يكف سائر أركانه، ويكون قد قام بالتقوى الجامعة بجميع بدنه لله تعالى"[1].

وكما نصَحت إحدى الصالحات من السلف بنيها، فقالت لهم: تعوَّدوا حبَّ الله وطاعته، فإن المتقين ألِفت جوارحهم الطاعة، فاستوحشت من غيرها - أي: من المعصية ومن المباح - فإذا أمرهم الملعون بمعصية مرت المعصية بهم محتشمة، فهم لها منكرون.

ثانيًا: مراقبة الله تعالى:
اعلم - علَّمني الله وإيك - أن من أعظم وسائل الثبت التي تصدك عن المعصية، وتملأ قلبك إيمانًا ومراقبةً لله تعالى، وهي كما فسَّرها النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله جبريل عن الإحسان، فقال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

وهي دوام علم العبد وتيقُّنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، فاستدامة لهذا العلم اليقن في المراقبة، وهي ثمرة بأن الله سبحانه رقيبٌ عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، وهو مطلع على عمله كل وقت وكل لحظة وكل نفس وكل طرفة عينٍ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ﴾[الأحزاب: 52]، وقال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾[الحديد: 4].

وقال عامر بن قيس: ما نظرتُ إلى شيء إلا رأيت الله تعالى أقرب إليه مني، وقال محمد بن علي الترمذي: اجعل مراقبتك لمن لا تَغيب عن نظره إليك، واجعَل شكرَك لمن لا تنقطع نعمة عنك، واجعَل طاعتك لمن لا تَستغني عنه، واجعل خضوعك لمن لا تخرُج عن ملكه وسلطانه.

قال أعرابي: خرجت في ليلة ظلماء، فإذا أنا بجارية كأنها علمٌ، فأردتها فقالت: ويلك أمالك زاجرٌ من عقل إذا لم يكن لك ناهٍ من دين، فقلت: إيهًا والله ما يرانا إلا الكواكب، فقالت: وأين مكوكبها.

وسئل الجنيد بِمَ يُستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظر إليه.
وقال المحاسبي: المراقبة علم القلب بقرب الرب.

وكان الإمام أحمد ينشد:
إذا ما خلوتَ الدهر يومًا فلا تقُل
خلوتُ ولكن قل على رقيبُ
ولا تحسبنَّ الله يغفل ساعة
ولا أن ما يَخفى عليه يغيبُ



ثالثًا: تذكر حقوق المنعم:
ومما يُثبت العبد أن يتذكَّر أن عليه حقوقًا لابد أن يرعاها، فالله أنعم عليه، فوه يتقلب في نعمه وفي خيره؛ يقول ابن الجوزي: نازعتني نفسي إلى أمرٍ مكروه في الشرع، وجعلت تنصب لي التأويلات، وندفع الكراهة، وكانت تأويلاتها فاسدة، والحجة ظاهرة على الكراهة، فلجأت إلى الله تعالى في دفع ذلك عن قلبي، وأقبلت على القراءة، وكان درسي قد بلغ سورة يوسف، ففتحتها، وذلك الخاطر قد شغل قلبي، حتى لا أدري ما أقرأ، فلما بلغت إلى قوله تعالى: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ [يوسف: 23]، انتبهت لها، وكأني خوطبت بها، فأفقت من تلك السكرة، فقلت: يا نفس، أفهمت؟ هذا حر بيع ظلمًا، فراعي حق من أحسن إليه، وسماه مالكًا، وإن لم يكن له عليه ملك، فقال: ﴿ إِنَّهُ رَبِّي ﴾، ثم زاد في بيان موجب كف كفِّه عما يؤذيه، فقال: ﴿ أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾، فكيف بك، وأنت عبد على الحقيقة لمولى ما زال يحسن إليك من ساعة وجودك، وإن ستره عليك الزلل أكثر من عدد الحصى؟! أفما تذكرين كيف رباك، وعلمك، ورزقك، ودافع عنك، وساق الخير إليك، وهداك أقوم طريق، ونجاك من كل كيد، وضَمَّ إلى حسن الصورة الظاهرة جودةَ الذهن الباطن، وسهَّل لك مدارك العلوم، حتى نلت في قصير الزمان رزقك بلا كلفة تكلف، ولا كدر مَنٍّ، رغدًا غير نزرٍ؟! فوالله، ما أدري أي نعمة عليك أشرح لك، حسن الصورة، وصحة الآلات؟ أم سلامة المزاج، واعتدال التركيب؟ أم لطف الطبع الخالي عن خساسة؟ أم إلهام الرشاد منذ الصغر؟ أم الحفظ بحسن الوقاية عن الفواحش والزلل؟ أم تحبيب طريق النقل، واتباع الأثر، من غير جمود على تقليد لمعظم، ولا انخراط في سلك مبتدع؟ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34]، كم كايد نصب لك المكايد فوقاك؟ كم عدو حط منك بالذم فرقاك؟ كم أعطش من شراب الأماني خلقًا وسقاك؟ كم أمات من لم يبلغ بعض مرادك وأبقاك؟ فأنت تصبحين وتمسين سليمة البدن، محروسة الدين، في تزيد من العلم، وبلوغ الأمل. فإن منعت مرادًا، فرزقت الصبر عنه بعد أن تبين لك وجه الحكمة في المنع، فسلمي حتى يقع اليقين بأن المنع أصلح، ولو ذهبت أعد من هذه النعم ما سنح ذكره، امتلأت الطروس ولم تنقطع الكتابة، وأنت تعلمين أن ما لم أذكره أكثر، وأن ما أومأت إلى ذكره لم يشرح، فكيف يحسن بك التعرض لما يكرهه؟! ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾[يوسف: 23][2].

إن رجلًا جاء إلى إبراهيم بن أدهم فقال له: يا أبا إسحاق، إني مسرف على نفسي، فاعرِض عليَّ ما يكون لها زاجرًا ومستنقذًا لقلبي، قال: إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها، لم تضرَّك معصية ولم توبقك لذة، قال: هات يا أبا إسحاق! قال: أما الأولى: فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل رزقه، قال: فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟ قال: يا هذا! أفيَحسُن أن تأكل رزقه وتعصيه؟ قال: لا هات الثانية، قال: إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئًا من بلاده قال الرجل: هذه أعظم من الأولى! يا هذا إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين اسكن؟ قال: يا هذا! أفيحسن أن تأكل من رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟ قال لا، هات الثالثة، قال: إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعًا لا يراك فيه مبارزًا له فاعصه فيه، قال: يا إبراهيم، كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر؟ قال يا هذا أفيحسن أن تأكل من رزقه وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهر به؟ قال: لا هات الرابعة، قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك، فقل له: أخِّرني حتى أتوب توبة نصوحًا، وأعمل لله عملًا صالحًا، قال: لا يقبل مني! قال: يا هذا، فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟ قالت: هات الخامسة، قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار، فلا تذهب معهم، قال: لا يدعونني ولا يقبلون مني، قال: فكيف ترجو النجاة إذًا؟ قال له: يا إبراهيم حسبي حسبي، أنا أستغفر الله وأتوب إليه، ولزمه في العبادة حتى فرَّق الموت بينهما[3].

رابعًا: نتائج الشهوات:
يقول ابن الجوزي: من وقف على موجب الحس هلك، ومن تبع العقل سلِم؛ لأن مجرد الحس لا يرى إلا الحاضر وهو الدنيا، وأما العقل فإنه ينظر إلى المخلوقات، فيعلم وجود الخالق ويعلم أنه قد منح وأباح وأطلق وحظر، وأخبر أني سائلكم ومبتليكم؛ ليظهر دليل وجودي عندكم بترك ما تشتهون طاعة لي، وإني قد بنيت لكم دارًا غير هذه لإثابة من يطيع وعقوبة من يخالف، ثم لو ترك الحس وما يشتهي مع أغراضه قرب الأمر، إنما يزني فيجلد، ويشرب الخمر فيعاقب، ويسرق فيقطع، ويفعل ذلة فيُفضَح بين الخلق، ويعرض عن العلم إلى البطالة، فيقع الندم عند حصول الجهل، ثم إنا نرى الكثير ممن عمل بمقتضى عقله، قد سلمت دنياه وآخرته، وميز بين الخلق بالتعظيم، وكان عيشه في لذاته غالبًا خيرًا من عيش موافق للهوى، فليعتبر ذو الفهم بما قلت، وليعمل بمقتضى الدليل وقد سلم[4].

ويقول ابن القيم: وقد عدَّد آثار الذنوب: قلة التوفيق وفساد الرأي وخفاء الحق وفساد القلب، وخمول الذكر وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم ولباس الذل، وإهانة العدو وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت، وطول الهم والغم، وضنك المعيشة، وكسف البال، تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله، كما يتولد الزرع عن الماء، والإحراق عن النار، وأضداد هذه تتولد عن الطاعة[5].

فمن راقب الله - عز وجل - ونظر إلى العواقب والنتائج، ثبت على إيمانه "فمن أصلح سريرته فاح عبير فضله، وعبقت القلوب ببشر طِيبه".

واسمع إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو يكشف لك عن عواقب الحسنة وعواقب السيئة؛ يقول: "إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسَعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الخلق".

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ليتَّقِ أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر، قيل: كيف؟ قال: يخلو بالمعاصي فيلقي الله له البغض في قلوب الناس".

أخي المسلم، إذا وجدت من إخوانك جفاءً، فذلك لذنب أحدثته فتُب إلى الله، وإذا وجدت منهم زيادة محبة، فذلك لطاعة أحدثتها فاشكُر الله عليها؛ يقول ابن الجوزي: الحذر الْحذر من المعاصي، فإنها سيئة العواقب، والحذر الحذر من الذنوب خصوصًا ذنوب الخلوات، فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه سبحانه، ولا ينال لذة المعاصي إلا دائم الغفلة، فأما المؤمن اليقظان فإنه لا يلتذ بها؛ لأنه عند التذاذهِ يقف بإزائه علمه بتحريمها وحذره من عقوبتها، فإن قويت معرفته، رأى بعين علمه الناهي وهو الله، فيتنغص عيشه في حال التذاذه، فإن غلبه سكر الهوى، كان القلب متنغصًا بهذه المراقبات، وإن كان الطبع في شهوته فما هي إلا لحظة ثم خزي دائم وندم ملازم، وبكاء متواصل، وأسف على ما كان مع طول الزمان، حتَّى إنه لو تيقَّن العفو وقَف بإزائه حذار العتاب، فأُفٍّ للذنوب، ما أقبح آثارها وأسوء أخبارها، ولا كانت شهوة لا تنال إلا بمقدار قوة الغفلة"[6].

خامسًا: مجاهدة النفس:
اعلم - علمني الله وإياك - أن مما يثبت العبد أمام طوفان الشهوات ويكسر جماحها: مجاهدة النفس على ترك الشهوة، فلا ينصُر العبد على عدوه إلا إذا جاهده وقاوَمه، ولا يصل العبد إلى مبتغاه من رضا الله تعالى، والاستقامة على الصراط إلا بالمجاهد؛ قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[العنكبوت: 69].

يقول إبراهيم الدويش: فإن أردت فلا بد من الصبر والتحمل، ففي الحديث: ما أُعطي أحد عطاءً هو خير وأوسع من الصبر"؛ (كما في الصحيحين)، وتبقى العزيمة والإصرار والهمة العالية هي مفتاح بيدي كل شاب وبيد كل فتاة بعد توفيق الله، ولذلك لابد أن تجاهد أنفسنا، لابد أن تخاطبها:
ذَريني أَنَل ما لا ينال من العلا
فصعب العلا في الصعب والسهل في السهلِ
تريدين إدراك المعالي رخيصةً
ولابد دون الشهد من إبر النحلِ



نعم لابد من المرارة، خاصة في هذا الزمان لابد من إبر النحل، لا يخلو الطريق من عقبات، لا يخلو من فتن وشهوات وشبهات، فاصبر إنها لحظات حتى يقال: فلان مات، ثم هي جنات عرضها كعرض الأرض والسماوات، بَخٍ بَخٍ"[7].

ويقول ابن القيم: "وملاك الأمر كله الرغبة في الله وإرادة وجهه، والتقرب إليه بأنواع الوسائل، والشوق إلى الوصول إليه وإلى لقائه، فإن لم يكن للعبد هِمةٌ إلى ذلك، فالرغبة في الجنة ونعيمها، وما أعد الله فيها لأوليائه، فإن لم تكن له همة عالية تطالبه بذلك، فخشية النار وما أعد الله فيها لمن عصاه، فإن لم تطاوعه نفسه بشيء من ذلك، فليعلم أنه خُلق للجحيم لا للنعيم، ولا يقدر على ذلك بعد قدر الله وتوفيقه إلا بمخالفة هواه، فهذه فصول أربعة هن ربيع المؤمن وصيفه وخريفه وشتاؤه، وهن منازله في سيره إلى الله عز وجل، وليس له منزلة غيرها، فأما مخالفة الهوى، فلم يجعل الله للجنة طريقًا غير مخالفته، ولم يجعل للنار طريقًا غير متابعته؛ قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 37 - 41].

وقال تعالى ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾[الرحمن: 46]، قيل هو العبد يهوى المعصية فيذكر مقام ربه عليه في الدنيا ومقامه بين يديه في الآخرة، فيتركها لله"[8].
لا خير فيمن لا يراقب ربَّه
عند الهوى ويخافه إيمانَا
حجب التقي سبلَ الهوى فأخو
التُّقى يخشى إذا وفى المعاد هوانا


[1] كتاب التقوى (ص:24).

[2] صيد الخاطر (ص: 188-189).

[3] شرح المعرفة وبذل النصيحة؛ تح: شيخنا مجدي فتحي السيد (20-21).

[4] صيد الخاطر (414-415).

[5] الفوائد لابن القيم (ص: 47).

[6] موارد الظمآن لدروس الزمان (5/ 33)

[7] الثبات في زمن المتغيرات (ص : 56-57).

[8] روضة المحبين ( ص:41).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]