
18-03-2024, 03:28 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 162,742
الدولة :
|
|
رد: دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني
الدَّرْسُ السَّابِعُ: الحي برهان على التوحيد
محمد بن سند الزهراني
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.
الْبُرْهَانُ الْأَوَّلُ عَلَى مَقَامِ التَّوْحِيدِ:
آيَةُ الْكُرْسِيِّ فِيهَا مِنْ الْبَرَاهِينِ السَّاطِعَاتِ وَالدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَاتِ عَلَى تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ، وَأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْعِبَادَةِ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
• وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُ هَذِهِ اَلْبَرَاهِينِ فِي هَذِهِ اَلْآيَةِ مَجِيئًا مُتَنَاسِقًا؛ بُرْهَانًا يَتْلُوهُ بُرْهَانٌ، وَحُجَّةُ يَتَّبِعَهَا حُجَّةً، إِلَى أَنْ تَمَّ عِقْدٌ مُبَارَكٌ وَنَظَّمٌ فَرِيدٌ لِبَرَاهِينِ اَلتَّوْحِيدِ.
وَسَنَتَطَرَّقُ بِإِذْنِ اَللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - لِكُلِّ بُرْهَانِ مِنْ هَذِهِ اَلْبَرَاهِينِ فِي دَرْسٍ مُسْتَقِلٍّ بِإِذْنِ اَللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا -:
اَلْبُرْهَان اَلْأَوَّلِ: اَلْحَيُّ:
وَهَذَا بُرْهَانٌ وَاضِحٌ عَلَى وُجُوبِ إِفْرَادِ اَللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بِالْعِبَادَةِ، فَهُوَ اَلْمُتَّصِفُ بِأَنَّهُ اَلْحَيُّ اَلَّذِي لَا يَمُوتُ حَيَاةً كَامِلَةً، لَيْسَتْ مَسْبُوقَةً بِعَدَمٍ وَلَا يَلْحَقُهَا زَوَالٌ وَفِنَاءٌ، وَلَا يَعْتَرِيهَا نَقْصٌ وَعَيْبٌ، جُلُّ رَبِّنَا وَتَقَدَّسَ، وَهِيَ حَيَاةٌ تَسْتَلْزِمُ كَمَالَ صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ اَلَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعبَد ويُركَع لَهُ ويُسجَد لهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ﴾ [الفرقان:58].
أَمَّا اَلْحَيُّ اَلَّذِي يَمُوتُ، أَوْ اَلْمَيِّتِ اَلَّذِي لَيْسَ هُوَ بِحَيٍّ، أَوْ اَلْجَمَادِ اَلَّذِي لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَصْلًا، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ اَلْعِبَادَةِ شَيْئًا؛ إِذْ اَلْعِبَادَة حَق لِلْحَيِّ اَلَّذِي لَا يَمُوتُ.
• إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَعَانِي اِسْمِ اَللَّهِ اَلْحَيِّ: أَنَّ اَللَّهَ يَمْنَحُ اَلْحَيَاةَ لِلْأَحْيَاءِ، يَمْنَحُ اَلْحَيَاةَ لِلْأَحْيَاءِ فِي اَلدُّنْيَا، وَيَمْنَحُ أَهْلَ اَلْجَنَّةِ حَيَاتَهُمْ اَلْأَبَدِيَّةَ اَلْأَزَلِيَّةَ اَلسَّرْمَدِيَّةَ، اَلَّتِي لَا تَزُولُ وَلَا تَحَوُّل، بَلْ هِيَ خُلُودٌ أَبَدِيٌّ بِلَا مَوْتٍ وَلَا فِنَاءً.
• وَعَلَى هَذَا فَحَيَاتَنَا سِرّ مِنْ أَغْمَضِ أَسْرَارِ اَلْوُجُودِ وَأَعْقَدِهَا، بِدءً مِنْ أَضْخَمِ مَا خَلَقَ اَللَّهُ وَانْتِهَاءً بِأَضْعَف مَا أَوْجَدَ اَللَّهُ؛ مِمَّا لَا نَرَاهُ بِالْعَيْنِ اَلْمُجَرَّدَةِ، فَلَا أَحَدَ مِنَّا يَعْرِفُ مَعْنَى اَلْحَيَاةِ؛ رُغْمَ أَنَّهَا صِفَةُ قَائِمَةٌ بِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، وَإِنَّمَا اَلَّذِي نَعْرِفُهُ هُوَ أَعْرَاضُ اَلْحَيَاةِ وَآثَارِهَا.
أَلَّا تَرَوْنَ اَلصَّخْرَةَ اَلصَّمَّاءَ! قَارَنُوا بَيْنُهَا وَبَيْنَ كَائِنِ حَيٍّ يَتَحَرَّكُ، وَيَتَنَفَّسَ وَيَحُسُّ وَيَشْعُرُ، اَلْفَرْقُ شَاسِعٌ، وَالْبَوْنُ هَائِلٌ؛ وَلِذَلِكَ تَحَدَّى اَللَّهُ تَعَالَى اَلنَّاس بِهِ، وَجَعْلُهُ دَلِيلًا عَلَى بَعَثِ اَلنَّاسِ فِي اَلدَّارِ اَلْآخِرَةِ، وَعَلَى مَرَدِّهِمْ إِلَيْهِ - عَزَّ وَجَلَّ.
• قال الله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ [يس: 78 - 90].
وَهَكَذَا يَسْتَشْعِرُ اَلْمُسْلِمُ مِنْ هَذَا اَلِاسْمِ اَلْعَظِيمِ اَلْحَيِّ اَلْحَقِيقَةَ اَلَّتِي تَقْهَرُ اَلْعُقُولَ، وَتُثِيرُ اَلْقُلُوبَ، وَتَمْلَأُ اَلنَّفْسَ اَلطُّمَأْنِينَةَ فَقْرًا إِلَيْهِ تَعَالَى، فَيَمْتَلِئُ هَذَا اَلْقَلْبِ تَوْحِيدًا، وَإِخْلَاصًا لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَهُوَ اَللَّهُ اَلْأَوَّلُ اَلَّذِي لَيْسَ قِبَلَهِ شَيْءٌ، وَالْآخَرُ اَلَّذِي لَيْسَ بَعْدهُ شَيْءً، وَالظَّاهِرُ اَلَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ، وَالْبَاطِنُ اَلَّذِي لَيْسَ دَوَّنَهُ شَيْءٌ.
﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء:111].
والحمد لله رب العالمين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|