عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 14-03-2024, 04:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,483
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(9)

أموال اليتامى


اعداد: الفرقان


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله. ذكرنا في الحلقة السابقة حاجة اليقظة الإسلامية، والشباب المهتدي إلى الضوابط الشرعية، التي تضبط له منهجه وطريقه، ورجوعه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلا فإنه سيخسر جهده ووقته، ويخسر أفراده، ويضيع كل ذلك سدى. ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا المضمار، كتاب: «الاعتصام بالكتاب والسنة» من صحيح الإمام البخاري، وقد اخترنا شرح أحاديثه والاستفادة من مادته المباركة.
2130. عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْله {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء: 6). قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي وَالِي مَالِ الْيَتِيمِ، الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ وَيُصْلِحُهُ، إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ.
- الشرح: الحديث رواه مسلم أيضا في التفسير من كتابه الصحيح. وهذه الآية في أموال اليتامى من سورة النساء، يأمر الله سبحانه وتعالى فيها أولياء الأيتام - كما ذكرنا في الحديث السابق - بالعدل والقسط في أموال اليتامى التي يلونها، إذ يقول في أولها {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبداراً أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيباً} (النساء: 6).
فيأمر الله تعالى فيها أولا باختبار اليتامى فيقول: {وابتلوا اليتامى} وذلك بأن يدفع لليتيم الذي بلغ الحلم شيئا من ماله ليتصرف فيه، وينظر هل يتصرف فيه برشد، أم بسفه ؟ كأن يبذره، أو يصرفه فيما لا فائدة فيه، أو في المعاصي، فبذلك يتبين رشده من سفهه، فإن كان لا يحسن التصرف بماله، لم يدفع له بقية المال؛ لأنه باق على سفهه، ولو بلغ عمرا كبيرا.
أما إذا تبين رشده وصلاحه للتصرف بالمال، فإنه يدفع له ماله كاملا موفراً، لقوله تعالى: {فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} رشدا: يعني: صلاحا في دينهم، وحفظا لأموالهم، قاله الحافظ ابن كثير.
وقوله: {ولا تأكلوها إسرافا} أي: مجاوزة للحد الذي أباحه الله لكم في الإنفاق، ومن غير حاجة ضرورية.
وقوله: {وبداراً أن يكبروا} أي: مبادرة قبل بلوغهم، فهم صغار لا يمكنهم منعكم من أخذها أو أكلها.
ثم قال سبحانه وتعالى: {وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} من كان في غنية عن مال اليتيم، فليستعفف عنه فلا يأكل منه شيئا، الغني عن أموال اليتامى، ينبغي له أن يستعفف عنها؛ لأن الله سبحانه قد أغناه ، وما دام قد أغناه الله فلا يمد بصره ويده إلى مال اليتيم، ولا يأكل منه إلا معه على وجه المشاركة، التي لا يمكن فيها الفصل، مثل أن يشتري طعاما من ماله ومن مال اليتيم، فيتشاركان في الأكل، أو يتشاركان في السكن في بيت اشتري بمالهما جميعا، أو ما أشبه ذلك.
فالغني إذاً عليه أن يستعفف بما أحل الله له من الطيبات عن مال اليتيم.ومن كان فقيرا محتاجا، فليأكل بالمعروف، أي: بما تعارف عليه الناس .
قالت عائشة رضي الله عنها: بقدر قيامه عليه. رواه البخاري. أي: يقدر أجرته بقدر قيامه وعمله في مال اليتيم، كالموظف لذلك.
وقال الفقهاء: له أن يأكل أقل الأمرين: أجرة مثله أو قدر حاجته. فالفقير له أن يشارك اليتيم في ماله بالمعروف، بما تعارف عليه الناس، لا يسرف في أموال اليتامى، بحجة أنه يأكل مع اليتيم، ولا يشتري شيئا خاصا له من مال اليتيم، كأثاث لبيته أو شيء لأولاده، ولا يستأثر بأموال اليتامى دون اليتامى، والله سبحانه وتعالى قد حذر من أكل أموال اليتامى ظلما، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} (النساء: 10)
قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ} انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله [ فأنزل الله {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم} (البقرة: 220)، قال: فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم. رواه أبوداود والنسائي وابن جرير في تفسيره.
وقوله {وإن تخالطوهم} أي: وإن خلطتم طعامكم بطعامهم فلا بأس.
{والله يعلم المفسد من المصلح} أي: الله عليم بمن قصده ونيته الإصلاح أو الإفساد.
وولي اليتيم عليه القيام بإصلاح مال اليتيم والمتاجرة فيه قدر المستطاع، وتكثيره بأحسن الطرق، وأبعدها عن الخطر، كما جاء في الأثر عن عمر ] أنه قال: « اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة».
فولي اليتيم عليه كما قالت عائشة رضي الله عنها: أن يقوم عليه ويصلحه، وهذا هو الواجب، أن يقوم على هذا المال وأن يصلحه ويستصلحه، وان يطلب له الأحق، وأن يتجنب ما يهلك هذا المال أو يعطبه، بأن ينميه له ويكثره بالطرق المشروعة .
وولي اليتيم قد نهي أيضا أن يقرب مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، قال سبحانه وتعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} (النساء: 6).
وقال بعضهم: إن هذه الآية نسخت قول الله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (النساء: 6).
والصحيح أن الآية ليست منسوخة، وإنما على والي اليتيم أن يأكل بالمعروف، يعني المتعارف عليه بين الناس، فلا يترف ويتوسع في أموال اليتامى ويبالغ في التمتع أو التنعم بالمطعوم والمشروب والملبوس، وإنما يأكل بقدر الحاجة.
جاء في مسند الإمام أحمد، وأصحاب السنن إلا النسائي، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا سأل النبي [ فقال: « ليس لي مال، ولي يتيم» فقال [: « كُل من مال يتيمك غير مسرفٍ ولا مبذّر، ولا متأثل مالا « رواه أحمد.
وروى ابن حبان وصححه: عن جابر ]: أن رجلا قال: يا رسول الله، فيم أضرب يتيمي؟ قال: « ما كنت ضاربا منه ولدك، غير واق مالك بماله، ولا متأثل مالاً ».
وروى ابن أبي الدنيا: عن أمير المؤمنين عمر ] قال: « إني أنزلت نفسي من هذا المال بمنزلة والي اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن احتجت اسقترضت، فإذا أيسرت قضيت» وإسناده صحيح.
وهذا الرأي بناء على قول من قال: إن من أكل من مال اليتيم، عليه أن يقضي إذا أيسر. والقول الثاني: أن له أن يأكل بالمعروف، دون أداء البدل. وهو الصحيح إن شاء الله. فقول النبي [ لولي اليتيم: « كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر» التبذير والإسراف حرمهما الله عز وجل، والإسراف هو المبالغة في الشيء، والتبذير هو الإنفاق فيما لا ينفع.
« ولا متأثل مالا» أي: لا تتخذ لنفسك مالا تجمعه من مال اليتيم، ولا أن تأخذ لنفسك من مال اليتيم شيئا خاصا بك، لا نفع له فيه، كأن تشتري لنفسك سيارة مثلا، أو تؤثث بيتك الخاص، فهذا لا نفع لليتيم فيه، بل هو نفع خاص بك أنت.
وقوله « غير واقٍ مالك بماله» يعني: ألا تتقي مالك بماله، بأن تضع مالك في الحفظ والحصون، وتصرف من مال اليتيم ؟! هذا محرم، لكن أن تشاركه في التجارة، فتضع شيئا من عندك وهو يضع شيئا من عنده وتشتركان في الشيء الذي تنتفعان به، فلا مانع في ذلك.
وهذا الحديث: فيه تفسير وبيان منه عليه الصلاة والسلام، بمقدار الأكل من أموال اليتامى بالنسبة للفقير والمحتاج والوصي.
والله تعالى أعلم، وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 01-05-2024 الساعة 10:06 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.31 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]