عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 13-03-2024, 05:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: وقفات ودروس من سورة البقرة




وجه النهي عن ذلك أن هذا اللفظ كان بلسان اليهود سبًّا، قيل: إنه في لغتهم بمعنى: اسمع لا سمِعتَ، وقيل: غير ذلك، فلما سمعوا المسلمين يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: راعنا طلبًا منه أن يراعيهم من المراعاة، اغتنموا الفرصة، وكانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم كذلك، مظهرين أنهم يريدون المعنى العربيَّ، مُبطنين أنهم يقصدون السبَّ الذي معنى هذا اللفظ في لغتهم، وفي ذلك دليل على أنه ينبغي تجنب الألفاظ المحتملة للسب والنقص، وإن لم يقصد المتكلم بها ذلك المعنى المفيد للشتم؛ سدًّا للذريعة، ودفعًا للوسيلة، وقطعًا لمادة المفسدة والتطرق إليه، ثم أمرهم الله بأن يخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يحتمل النقص ولا يصلح للتعريض، فقال: ﴿ وَقُولُوا انْظُرْنَا ﴾ [البقرة: 104]؛ أي: أقْبِلْ علينا، وانظر إلينا؛ [انتهى، الشوكاني].



وفي قوله تعالى أيضًا: ﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 46]، وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم، بأنهم كانوا إذا سلَّموا إنما يقولون: السَّامُ عليكم، والسام هو: الموت؛ ولهذا أُمِرْنا أن نرد عليهم بـ(وعليكم)، وإنما يُستجاب لنا فيهم، ولا يُستجاب لهم فينا، والمستفاد من قوله تعالى هنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 104] أنَّ الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولًا وفعلًا.



الثانية عشرة: الأثَرة، والأنانية، تورِثان الحسد، وتصدَّان عن اتباع الحق، وهذا كان سبب إحجام الذين كفروا من أهل الكتاب، يهودًا ونصارى، والمشركين، عن اتباع دين محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يخبرنا به الله عز وجل بكل وضوح؛ بقوله تعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة: 105]، وقوله تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109].



والمستفاد تحذير المؤمنين منهم، من اليهود والنصارى، فهم - بكلام الله خالقهم وعالم الغيب والمطلع على السرائر - لا يمكن أن يتمنَّوا الخير للمسلمين أبدًا، لا يمكن، بل إن كثيرًا منهم هِمَّتهم في جَعْلِ المسلمين يرتدون كفارًا، والدافع: الحقد والحسد، خاصة بعد أن علموا أن المسلمين على حقٍّ، وأن دينهم هو الدين الذي تحيا به البشرية، وسيكون هذا دأبهم إلى أن تقوم الساعة.



الثالثة عشرة: تألِّيهم على الله، وتنصيب أنفسهم حُكَّامًا على من يدخل الجنة، ومن يدخل النار، فخصُّوا أنفسهم بالجنة، وباقي البشر كلهم في النار، ثم إن من تمام استكبار أهل الكتاب يهودًا كانوا أو نصارى أنهم ضامنون للجنة، فاليهود أبناء الله وأحباؤه، والنصارى شفيعهم عيسى ابن مريم، يحمل عنهم كل أوزارهم ويدخلهم الجنة، وكل ما عداهم مصيره النار، وقالوا: ﴿ لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ﴾ [البقرة: 111]، فيرد الله عز وجل عليهم: ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111]، والمستفاد تحذير أمة محمد من امتهان التألي على الله، وتوزيع مقامات الجنة والنار، كل حزب بما لديهم فرحون.


الرابعة عشرة: تكذيب بعضهم بعضًا، وتفرُّقهم شيعًا، كل حزب بما لديهم فرحون، رغم تلاوتهم في كتبهم ما يدحض تكذيبهم هذا: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ﴾ [البقرة: 113]، عن ابن عباس، قال: ((لما قدِم أهل نَجْران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتَتْهُم أحبار يهود، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رافع بن حريملة: ما أنتم على شيء، وكفر بعيسى وبالإنجيل، وقال رجل من أهل نجران من النصارى لليهود: ما أنتم على شيء، وجَحَدَ نبوة موسى وكفر بالتوراة؛ فأنزل الله في ذلك الآية: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ﴾ [البقرة: 113]))، يقول ابن كثير: "كلٌّ يتلو في كتابه تصديق من كفر به؛ أي: يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة، فيها ما أخذ الله عليهم على لسان موسى بالتصديق بعيسى، وفي الإنجيل ما جاء به عيسى بتصديق موسى، وما جاء من التوراة من عند الله، وكل يكفر بما في يد صاحبه، وقال قتادة: "﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ ﴾ [البقرة: 113]، قال: بلى، قد كانت أوائل النصارى على شيء، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا، ﴿ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ﴾ [البقرة: 113]، قال: بلى، قد كانت أوائل اليهود على شيء، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا".


والمستفاد ألَّا تسلُكَ أمة محمد صلى الله عليه وسلم مَسْلَكَ أهل الكتاب في الفرقة والتحزب؛ انتصارًا للرأي؛ كما جاء في سورة الروم: ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: 31، 32].

الخامسة عشرة: عداوتهم دائمة للإسلام والمسلمين: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120]، كما قال: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة: 82]، وقال: ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [آل عمران: 118، 119].

والمستفاد إرساء القاعدة الأزلية الثابتة في العلاقة الحقيقية بين المسلمين وأهل الكتاب: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة: 120]، في تنبيه المؤمنين إلى أنه لا يمكن لليهود والنصارى أن يكونوا صادقين في أي ادعاء لمحبة أو صداقة أو أخوة لمسلمٍ.

السادسة عشرة: إغراء المؤمنين باتباع دينهم: ﴿ وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا ﴾ [البقرة: 135]، فردَّ الله عليهم: ﴿ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [البقرة: 135]، وهذا دَيدنُهم في كل عصر وزمان.

السابعة عشرة: كتمان الشهادة، بادعائهم أن إبراهيم وإسماعيل، وإسحاق ويعقوب، والأسباط كانوا هودًا أو نصارى، وقد شهدوا في كتبهم عكس ذلك: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 140].

قال الحسن البصري: "كانوا يقرؤون في كتاب الله الذي أتاهم: إن الدين عند الله الإسلام، وإن محمدًا رسول الله، وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا برآء من اليهودية والنصرانية، فشهِد الله بذلك، وأقرُّوا به على أنفسهم لله، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك"؛ [ابن كثير].

وقال القرطبي: " ﴿ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 140] يريد: علمهم بأن الأنبياء كانوا على الإسلام".


والمستفاد تحذير المسلمين من كتمان أي شيء في كتاب الله من أجل تحقيق مصلحة أو إرضاء هوًى.


الثامنة عشرة: اجتهادهم في استغلال كل ظرف ممكن لتشكيك المسلمين بدينهم، وصحة الرسالة التي يتبعونها، كما حدث في مسألة تحويل القبلة.


﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142]؛ يقول ابن كثير في مسألة تحويل القبلة: "ولما وقع هذا حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكَفَرة من اليهود ارتياب وزيغ عن الهدى وتخبيط وشكٌّ، وقالوا: ﴿ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: 142]؛ أي: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا، وتارة يستقبلون كذا؟ فأنزل الله جوابهم في قوله: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ﴾ [البقرة: 142]؛ أي: الحكم والتصرف والأمر كله لله، وحيثما تولوا فثَمَّ وجه الله، وقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ﴾ [البقرة: 177]".

ومما يؤكد نيتهم الفاسدة في أنهم ما جادلوا وسخروا من تحويل القبلة إلا تشكيكًا للمسلمين بدينهم، أنهم كانوا يعلمون أن هذا النبي صلى الله عليه وسلم سيتخذ من الكعبة قبلة؛ كما قال تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144]، يتابع ابن كثير في تفسيره: "واليهود الذين أنكروا استقبال المسلمين للكعبة، وانصرافهم عن بيت المقدس، يعلمون أن الله تعالى سيوجه نبيَّه صلى الله عليه وسلم إليها، حسب ما ورد في كتبهم عن أنبيائهم، من النعت والصفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأُمَّته، وما خصه الله تعالى به وشرفه من الشريعة الكاملة العظيمة، ولكن أهل الكتاب يتكاتمون ذلك بينهم حسدًا وكفرًا وعنادًا"؛ [ابن كثير].

ومن أساليب تشكيك اليهود للمسلمين في دينهم ما ورد في سورة آل عمران: ﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آل عمران: 72].

عن ابن عباس قوله: ﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ ﴾ [آل عمران: 72]؛ الآية، وذلك أن طائفة من اليهود قالوا: إذا لقيتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أول النهار فآمنوا، وإذا كان آخره فصلُّوا صلاتكم، لعلهم يقولون: هؤلاء أهل الكتاب، وهم أعلم منا، لعلهم ينقلبون عن دينهم، ﴿ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾ [آل عمران: 73]؛ [تفسير الطبري].

والمستفاد تنبيه المسلمين إلى هذه الخَصلة الماكرة في بني يهود، وهي استغلال كل ظرف ممكن لتشكيك المسلمين بعقيدتهم، وبدينهم، وهذا ديدنهم، وكلما ضعُفت النفوس وركنت إلى الحياة الدنيا، أصبحت مهمة بني يهود سهلةً مُذلَّلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأفضل سُبُل النجاة التزام القرآن والسُّنة، والتمسك بالصلاة إقامة وتقربًا إلى الله، والالتجاء إلى الله في كل حين.

التاسعة عشرة: خوفهم من الموت وفرارهم منه: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 243].

وقصة هؤلاء أنهم قوم من بني إسرائيل وقع فيهم الوباء، وكانوا بقرية يُقال لها: داوردان، فخرجوا منها هاربين، فنزلوا واديًا، فأماتهم الله تعالى؛ قال ابن عباس: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارًا من الطاعون وقالوا: نأتي أرضًا ليس بها موت، فأماتهم الله تعالى، فمرَّ بهم نبيٌّ فدعا الله تعالى فأحياهم، وقيل: إنهم ماتوا ثمانية أيام، وقيل سبعة، والله أعلم، قال الحسن: أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة لهم، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم، وقيل: إنهم فروا من الجهاد، ولما أمرهم الله به على لسان حزقيل النبي عليه السلام، فخافوا الموت بالقتل في الجهاد، فخرجوا من ديارهم فرارًا من ذلك، فأماتهم الله ليعرفهم أنه لا ينجيهم من الموت شيء، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد؛ بقوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 244]؛ قاله الضحاك؛ قال ابن عطية: وهذا القصص كله لين الأسانيد، وإنما اللازم من الآية أن الله تعالى أخبر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم إخبارًا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر، خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت، فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم، ليرَوا هم وكلُّ من خَلَفَ مِن بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله تعالى لا بيد غيره، فلا معنى لخوف خائف ولا لاغترار مغتر، وجعل الله هذه الآية مقدمة بين يدي أمره المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجهاد؛ [تفسير القرطبي].


والمستفاد: جَعل الله هذه الآية مقدمة بين يدي فرض القتال على المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجهاد: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 244، 245]؛ هذا قول الطبري، وهو ظاهر وصف الآية.

العشرون: نكوصهم عن القتال: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 246].

في مرحلة من مراحل ضعف الأمة، عندما استُبيحت الأرض، وسُبِيَ الأبناء، وضاع الْمُلك والحُكم، وَجَدَ عِلْيَةُ القوم أو الحكماء من بني إسرائيل - ما نسميهم اليوم أصحاب القرار أو النخبة - أن لا حل لما يعانوه من ظلم وحرمان لاستعادة حقهم في الحكم والملك، إلا بالخروج على عدوهم الذي استباح بيضتهم، ولا سبيل إلى ذلك إلا الجهاد، أجمعوا أمرهم وقرروا أن أفضل طريقة للخروج إلى القتال هي رصُّ صفوفهم تحت إمرة قائد، يكون لهم ملكًا – وكان حكامهم ملوكًا - ليعقد لهم راية القتال، فاحتكموا إلى نبيهم ليعرضوا عليه الأمر؛ رغبتهم بالقتال شرط أن يكون تحت إمرة ملك، ويبدو أنهم أرادوا ذلك لينعشوا فكرة الملك من جديد في نفوسهم، بعد أن حطمها أعداؤهم العمالقة، وقد يكون في كلمة: ﴿ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا ﴾ [البقرة: 246] دلالة على بعث بعد مَوَاتٍ دَامَ زمنًا، والله أعلم، ولكن نبيهم كان يعلم الزيغ الذي في قلوبهم، يعلم أنهم كلما عاهدوا عهدًا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون، يعلم أنهم يمكن أن ينقضوا كلامهم ويتراجعوا فيه، فاحتاط لذلك، وكان أن عمد إلى إظهار تشككه في كلامهم، والتثبُّت من عزيمتهم، ﴿ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا ﴾ [البقرة: 246]، فما كان منهم إلا أكَّدوا عزمهم وإصرارهم على القتال، فالمصيبة كبيرة، وطنٌ سليب، وأبناء عبيد تحت إمرة العدو، ﴿ قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ﴾ [البقرة: 246]، ولكن تبين أن الخروج من طور الفكر والشعور إلى طور العمل والظهور ليس أمرًا سهلًا، ففي مرحلة كهذه ينكشف عجز الأدعياء المدَّعِين، ويظهر صدق الصادقين، ﴿ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 246] من الذي أوفى بالعهد؟ ﴿ قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ الفئة القليلة.

ويذكِّرنا موقفهم هذا بموقفهم من أمر موسى عليه السلام لهم بدخول الأرض المقدسة، كما ورد في سورة المائدة: ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا ﴾ [المائدة: 22] ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24].

والمستفاد تنبيه من رب العباد لنا، حتى لا نقع فيما وقعوا فيه فنكون مثلهم؛ كما قال تعالى في سورة القتال: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد: 20].

الحادية والعشرون: المال وليس الإيمان شرط الملكية لديهم: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247].


وبالرغم من أن الملك المختار كان اختياره إلهيًّا، فإنهم اعترضوا عليه، فماذا لو كان بشريًّا؟ هذه مقاييس بني إسرائيل، اعترضوا على ملكهم لأنه ليس سليلَ الملوك، ولا مال عنده ولا عزوة، ولكن الله يؤتي ملكه من يشاء، بسطة في العلم والجسم: العلم الرباني الحقيقي، وليس علم الضحك على الأذقان، علم لا أريكم إلا ما أرى، علم المتاجرة باسم الدين، واستباحة عقول الناس باسم الإله، والقوة الإيمانية والجسدية.

والمستفاد التوضيح للمؤمنين أن شرط القيادة للمجتمع المؤمن لا علاقة له لا بالمال ولا بالجاه، وإنما هو الإيمان وما أُوتِيَ القائد من حكمة من ربه.

الثانية والعشرون: لا يؤمنون إلا بالمعجزات المحسوسة: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة: 248].


الثالثة والعشرون: تغليب حكم الهوى على أمر الله: ﴿ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 249].

لما تملك طالوت ببني إسرائيل واستقر له الملك، تجهزوا لقتال عدوهم، فلما فصل طالوت بجنود بني إسرائيل، وكانوا عددًا كثيرًا وجمًّا غفيرًا، امتحنهم بأمر الله ليتبين الثابت المطمئن ممن ليس كذلك، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي ﴾ [البقرة: 249]، فهو عاصٍ، ولا يتبعنا لعدم صبره وثباته ولمعصيته، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ ﴾ [البقرة: 249]؛ أي: لم يشرب منه ﴿ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ﴾ [البقرة: 249] فلا جناح عليه في ذلك، ولعل الله أن يجعل فيها بركة فتكفيه، وفي هذا الابتلاء ما يدل على أن الماء قد قل عليهم ليتحقق الامتحان، فعصى أكثرهم وشرِبوا من النهر الشربَ المنهيَّ عنه، ورجعوا على أعقابهم ونكصوا عن قتال عدوهم، وكان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة أكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول، وتحصل فيه المشقة الكبيرة، وكان في رجوعهم عن باقي العسكر ما يزداد به الثابتون توكُّلًا على الله، وتضرعًا واستكانة وتبرؤًا من حولهم وقوتهم، وزيادة صبر لقلتهم وكثرة عدوهم؛ [تفسير السعدي].

والعِبرة هي أن يسلِّم المؤمن لأوامر الله تسليمًا مطلقًا دون أن يناقشها من جهة العقل والحسابات البشرية المحسوسة، فلله حسابات تختلف عن حسابات البشر، هؤلاء القوم قاسُوا أمر الله بالمقياس البشري، فكيف يمرون على نهر وهم عطاشى ومقبلون على معركة عظيمة، ولا يشربون منه؟ لا يمكن، لا بد أنهم سيهلكون.

وبهذه العقلية حكَّم هؤلاء فَهمهم القاصر، وجعلوه ندًّا لأمر الله، وانصاعوا إليه، فكان أن حُرِموا الجهاد، وخرجوا من الصف، ولم يكن من شرِب من النهر قليلًا، بل كانوا سواد الجيش، قال السدي: "كان الجيش ثمانين ألفًا، فشرب ستة وسبعون ألفًا وتبقى معه أربعة آلاف كذا قال"؛ [ابن كثير].

الرابعة والعشرون: نظرتهم المادية للنصر والهزيمة: ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 249 - 251]، حتى الفئة المؤمنة التي جاوزت النهر مع طالوت، كان منهم من يؤمن بالقوة المادية أكثر من إيمانه بالنصر، وأكثر المفسرين على أنه إنما جاز معه النهر من لم يشرب جملة، فقال بعضهم: كيف نطيق العدو مع كثرتهم؟ فقال أولو العزم منهم: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249]، قال البراء بن عازب: "كنا نتحدث أن عدة أهل بدر كعدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر؛ ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا - وفي رواية: وثلاثة عشر رجلًا - وما جاز معه إلا مؤمن".

والعبرة بطلان معادلة الكثرة والقلة في رجحان كفة القتال، وإرساء قاعدة إخلاص الإيمان والتوكل في استجلاب النصر.

وتختم دروس قصص بني إسرائيل في سورة البقرة بدرس من أهم الدروس التي يتعلمها المسلمون من مسيرة أهل الكتاب.

الخامسة والعشرون: الاختلاف من بعد العلم، من بعد أن جاءتهم البينات، ونزلت عليهم الشريعة والقانون الإلهي، دليل الإرشاد والهداية، فمنهم من آمن ومنهم من استكبر وكفر.

يقول تعالى: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾ [البقرة: 253].

ويقول جل جلاله في آل عمران: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [آل عمران: 19].

وفي سورة الجاثية: ﴿ وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [الجاثية: 17].

وفي البقرة أيضًا: ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [البقرة: 213]، وفي سورة الشورى: ﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 14].

وقد حذرنا الله تعالى من هذا السلوك المهلك في أكثر من موضع من القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 105]، وقال سبحانه: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: 30 - 32].

ولكن الله يفعل ما يريد.
سبحانه جل في علاه!


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.58 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.60%)]