عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 29-02-2024, 10:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,216
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة

الأربعون الوقفية (8)



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقل، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وغيرها، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاما وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
والحديث الثامن، من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم في الوفاء بالعهود والشروط، وأنها من الصفات التي رسخها الإسلام، ومدحها ورتب عليها الجزاء الجزيل والثواب الوفير.
الحديث الثامن شروط الواقف معتبرة في الشريعة
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المسلمون على شروطهم».
بوّب البيهقي لهذا الحديث بقوله: «باب الصدقة على ما شرط الواقف»، وأورده في كتاب الوقف؛ وذلك لقوة اعتبار شروط الواقفين المستمدة من أصل شرعية الوقف، فالواقف لم يرض بحبس ملكه لله تعالى وإخراجه من ملكه إلا بهذه الشروط، ومقتضى ذلك في سائر العقود، أن الشرط إذا لم يتحقق بطل العقد وعاد المعقود عليه إلى صاحبه، ولا سبيل إلى ذلك في الوقف؛ فوجب عدّ شروط الواقف في وقفه. وقد عبَّر ابن القيم عن هذا المعنى بقوله: «الواقف لم يُخرج ماله إلا على وجه معين؛ فلزم اتباع ما عينه في الوقف من ذلك الوجه، وقد اتفق العلماء على أن شروط الواقف - في الجملة - معتبرة في الشريعة، وأن العمل بها واجب».
والحديث من جوامع كلم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، التي أكدت أهمية الوفاء بالعهود والالتزامات، فـ«المسلمون على شروطهم» أي: ثابتون عليها لا يرجعون عنها، فالمسلم يوفي بما عليه من حقوق وواجبات ولا يتهرب منها، ولا يتحايل لإسقاطها والتملص منها؛ بل إن دينه وإيمانه يحمله على أداء الحقوق والوفاء بالالتزامات والشروط: جَمع شرط، والمراد بها الشروط المباحة .
وشروط الواقف يقصد بها تلك الإرادة التي يقوم الواقف بالتعبير عنها في وثيقة وقفه، وهذه الوثيقة تسمى: كتاب الوقف، أو الإشهاد بالوقف، أو حجة الوقف. وهو يعبر عن إرادته تلك في صورة مجموعة من الشروط، التي يحدد بها كيفية إدارة أعيان الوقف، وتقسيم ريعه، وصرفه إلى الجهات التي ينص عليها أيضاً في الوثيقة نفسها.
ويطلق على تلك الشروط في جملتها اصطلاح: (شروط الواقف)، وأهل العلم رفعوها إلى منـزلة النصوص الشرعية من حيث لزومها ووجوب العمل بها، فقالوا: «إن شرط الواقف كنص الشارع»، ولكن هذه الشروط لا تكون بهذه المنـزلة إلا إذا كانت محققة لمصلحة شرعية، أو موافقة للمقاصد العامة للشريعة، وهي المتمثلة في حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وأبطلوا كل شرط يؤدي إلى إهدار مصلحة شرعية، أو يخالف مقصداً من تلك المقاصد.
وأوضح ذلك شيخ الإسلام بقوله: «من قال من الفقهاء: إن شروط الواقف نصوص كألفاظ الشارع، فمراده أنها كالنصوص في الدلالة على مراد الواقف; لا في وجوب العمل بها أي إن مراد الواقف يستفاد من ألفاظه المشروطة; كما يستفاد مراد الشارع من ألفاظه; فكما يعرف العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والتشريك والترتيب في الشرع من ألفاظ الشارع؛ فكذلك تعرف في الوقف من ألفاظ الواقف.. وأما أن تجعل نصوص الواقف أو نصوص غيره من العاقدين كنصوص الشارع في وجوب العمل بها; فهذا كفر باتفاق المسلمين; إذ لا أحد يطاع في كل ما يأمر به من البشر - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والشروط إن وافقت كتاب الله كانت صحيحة وإن خالفت كتاب الله كانت باطلة».
جاء في «غمز عيون البصائر» قوله: «قول العلماء: شرط الواقف كنص الشارع، قيل: أراد به في لزوم العمل، وذلك أيضا بأمر الله تعالى وحكمه؛ فلا يلزم عليه إنكار بعض المحصلين في زماننا؛ حيث قال: هذه كلمة شنيعة غير صحيحة».
- والشروط نوعان: شروط صحيحة، وشروط باطلة، فالشروط الصحيحة لازمة، وأما الشروط الباطلة- التي تضمنت إما تحليل حرام أو تحريم حلال- فهي لاغية، وهذا ما نص عليه شيخ الإسلام: «وقد اتفق المسلمون على أن شروط الواقف تنقسم إلى صحيح وفاسد كالشروط في سائر العقود».
والشروط التي يجب الوفاء بها، هي الشروط التي لا تُخالف كتاب الله وسنَّة رسوله، فإن خالفتهما فتحرم ولا تصح؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم : «فما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟!، ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، وإن كان مئة شرط، كتاب الله أحق وشرط الله أوثق».
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وهذا الحديث الشريف المستفيض الذي اتفق العلماء على تلقيه بالقبول، اتفقوا على أنه عام في الشروط في جميع العقود ليس ذلك مخصوصا عند أحد منهم بالشروط في البيع، بل من اشترط في الوقف أو العتق أو الهبة أو البيع أو النكاح أو الإجارة أو النذر أو غير ذلك شروطا تخالف ما كتبه الله على عباده بحيث تتضمن تلك الشروط الأمر بما نهى الله عنه أو النهي عما أمر به أو تحليل ما حرمه أو تحريم ما حلله، فهذه الشروط باطلة باتفاق المسلمين في جميع العقود: الوقف وغيره».
وأضاف شيخ الإسلام ابن تيمية: «إذا خلا العمل المشروط في العقود كلها عن منفعة في الدين أو في الدنيا، كان باطلاً بالاتفاق في أصول كثيرة؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله تعالى فيكون باطلاً، ولو كان مائة شرط».. وفي جواب سؤال آخر، قال رحمه الله: «إذا علم شرط الواقف، عدل عنه إلى شرط الله قبل شرط الواقف (إذا كان مخالفاً لشرط الله) ».
ومن شروط الواقفين التي كثر مجيئها في وثائق الأوقاف وقد سميت في الاصطلاح الحديث بالشروط العشرة، وهي من الشروط الصحيحة للواقف أن يشترطها في وقفه، وقد اهتم بها أغلب الواقفين وحرصوا على النص عليها في أوقافهم، تفصيلها الآتي: الإعطاء، والحرمان، والإدخال، والإخراج، والزيادة، والنقصان، والتغيير، والإبدال، والاستبدال، والتبادل.
وهنالك مسوغات لمخالفة شرط الواقف في أحوال قيدها أهل العلم بالآتي:
• إذا أصبح العمل بالشرط في غير مصلحة الوقف، كألا يوجد من يرغب في الوقف إلا على وجه مخالف لشرط الواقف.
• إذا أصبح العمل بالشرط في غير مصلحة الموقوف عليهم كاشتراط العزوبة مثلاً.
• إذا أصبح العمل بالشرط يفوت غرضا للواقف، كأن يشترط الإمامة لشخص معين ويظهر أنه ليس أهلاً لإمامة الصلاة.
• إذا اقتضت ذلك مصلحة أرجح، كما إذا وقف أرضا للزراعة فتعذرت وأمكن الانتفاع بها في البناء، فينبغي العمل بالمصلحة؛ إذ من المعلوم أن الواقف لا يقصد تعطيل وقفه وثوابه - روضة الطالبين 5/388، مغني المحتاج 2/391.
- ومن فوائد الحديث: أن الوفاء بالعهود والالتزام بالشروط من الصفات التي رسخها الإسلام، ومدحها القرآن، ورتب عليها الجزاء الجزيل والثواب الوفير، الوفاء بالعقود وبالعهود، وأداء الالتزامات، للخالق سبحانه وللمخلوقين .
وفيه أن الأصلَ في الشروط الصحة ولزوم الوفاء بها، ما لم تخالف الشريعة، سواء كانت في العبادات أو في المعاملات، وحريٌ بالمسلم أن يفي بالشروط والحقوق، ويحذر من الغدر والخيانة لأنهما من أسباب ورود النار كما قال[: «المكر والخديعة والخيانة في النار».
وفيه أن الأصل في الشروط والعقود هو الحل والإباحة إلا ما قام الدليل على بطلانه، وفيه وجوب الوفاء بالعهود والالتزامات التي يعقدها الإنسان على نفسه سواء مع الله تعالى بمقتضى إسلامه كالقيام بواجب الإيمان والإخلاص ونبذ الشرك والمعاصي، وكأداء العبادات الواجبة، أو ما يعقده الإنسان مع غيره من المسلمين أو غيرهم من معاملات وتبرعات وغيرها من تصرفات لازمة كما قال عز وجل: {يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}.
ومن أعظم المسؤوليات نظارة الوقف، والناظر على الوقف هو راع لهذا الوقف ومؤتمن على رعايته وحسن إدارته، وصرف ريعه على الوجه الموافق لشروط الواقف، وكذلك الضوابط الشرعية، جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله[: «ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته».
وللشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – قول نفيس في التزام الناظر بشروط الواقف نصه: «على نظار الوقف أن يلتزموا بشروط الواقف، وأن يرعوا الوقف ويحافظوا عليه، وأن يحذروا التساهل بحفظ أصله وتوزيع ريعه، قال تعالى: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّه} (البقرة: 283)؛ والمؤمَّل في النظارِ بذلُ النفيس في تنفِيذ وتحقيق شروطِ الواقف وإقامة ضوابط الوقفِ وتعمير أصوله واستثمارِ محصولِه والسلوك بالمستفيدين ما يوجِب لهم الإكرام والإنعامَ وأخذهم بطرائق الرحمة وسجيحِ الأخلاق وسُبُل الشفقة والإرفاق.
روى البخاري من حديثِ أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الخازن المسلم الأمين أحدُ المتصدِّقين».



اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.34 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]