عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 26-02-2024, 10:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,301
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

كتاب مداخل إعجاز القرآن للأستاذ محمود محمد شاكر

صفية الشقيفي


(4) لفظ التحدي، معناه ونشأته
قال أبو فهر محمود بن محمد شاكر الحسيني (ت: 1418هـ): (4)
والنظر في هذين الأمرين المقترنين لا مناصَ منه. وقد قدَّمْتُ الأمرَ الأول، لأنه ظاهرُ ظهورًا شديدًا، وهو الذي استأثر بالاستفاضة، حتى صارت ألفاظه عناوينَ للكتب في (إعجاز القرآن) وللكتب وأبوابها في (معجزات الأنبياء). ولكن فقدان هذه الألفاظ الثلاثة في القرآن والحديث وكلام الصحابة والتابعين
[مداخل إعجاز القرآن: 20]
ومن بَعْدَهم إلى أن ظهرت بعد ذلك مُقْتِرنة أو مفردة في زمان متقاربٍ، يُوجب الفحص عن أسبق الثلاثة وجودًا واستعمالاً: أهُوَ لفظ (التحدي) أم (الإعجاز) و(المعجزة). وقد فرغتُ آنفًا من بيان (الإعجاز) و(المعجزة)، فالآن أنظُر في معنى (التحدي) وكيف جاء.
و(التحدي) في أصل اللغة من قولهم: (فلان يتحدى فلانًا، أي يباريه وينازعه الغلبة، وإلحادي: المتعمد للشيء، يقال: حَداه وتحدَّاه وتحرَّاه بمعنى واحد، أي تعمَّد الأمر وقصده. ومنه قول مجاهد: كنت أتحدى القُرَّاء فأقرأ، أي أتعمَّد لقاءهم. ويقولون أيضًا: (أنا حُديّاك بهذا الأمر: أي ابرز لي وجارني فيه). هذا هو الأصل، وظاهر جدًا أن معنى (التحدي) في اللغة هو: أن يتعمد الرجل المتحدي فعل شيء، وهو يريد بفعله هذا أن يباري خصمه ويعارضه في فعله، طالبًا بذلك مساماته وغلبته والظهور عليه. فالمتحدي إذن هو الذي يقصد أن يعارض بفعله خصمًا، طالبًا بذلك إظهار قدرته وتفوقه عن طريق معارضة يرتكبها هو نفسه. و(التحدي) بهذا المعنى قليل جدًا، لا تكاد تظفر به في كلام الناس إلا في الزمان بعد الزمان. وأما (التحدي) الذي نحن بصدده، وهو المستفيض على ألسنة الناس إلى اليوم، والمثبوت في
[مداخل إعجاز القرآن: 21]
كل كتاب، فهو على عكس هذا المعنى بلا ريب، وهو أن تفعل أنت فعلاً، ثم تطالب خصمك بأن يبذل غاية جهده في معارضته والإتيان بمثله، وأنت على ثقة من أنه غير قادر على مثل هذا الفعل، طالبًا بذلك إظهار عجزه وضعفه عن مساماتك أو غلبتك أو الظهور عليك. وهذا هو المعنى المقصود عند ذكر الأنبياء، وتحديهم الناس بمعجزاتهم. فالنبي لا يأتي إلى شيء مذكور عند الناس بالتفوق، فيقصد أن يعارض هذا الشيء طالبًا لمساماتهم والغلبة عليهم، بل يأتيهم بشيء يعلم أنه خارج عن قدرتهم، ويطالبهم بمعارضته والإتيان بمثله، طالبًا لإظهار عجزهم عجزًا يوجب عليهم التسليم له بأنه (نبي) من أنبياء الله سبحانه، وهذا عكس المعنى الأول الذي تنص عليه اللغة.
ولست أدري متى جاء هذا المجاز؟ ولا كيف جاء؟ ولكن فقدانه في كلام أهل القرنين الأول والثاني من الهجرة، هو الذي أوجب أن أقول إنه محدث مولد، ليس من كلام صرحاء العرب، وإن كان جاريًا على بعض أساليبهم في مجاز اللغة. وأقدم ما وقفت عليه من ذكر (التحدي) بهذا المعنى المحدث، هو كلام أبي عثمان الجاحظ، (150 - 255هـ)، ولا سيما في رسالته (حُجَج النبوة) وهي رسالة كتبها بعد وفاة أبي إسحق النظام سنة 231 بزمان، فيما
[مداخل إعجاز القرآن: 22]
أرجح، وذكر فيها فتنة (خلق القرآن) التي تولى كِبْرها أصحابه من المعتزلة، ومع ذلك فلفظ (التحدي) لم يجر في كلامه إلا في الفرط والندرة، وفي أربعة مواضع، أولها في الصفحات الأولى من رسالته، والثلاثة الأخرى متتابعات في أواخر الرسالة. وقلة استعمال هذا اللفظ في كلامه، مع ظهور حاجته إليه في سياق الحديث عن (حجج النبوة) دال على أن مجاز هذا اللفظ كان حديث التوليد، وأنه كان مما جرى في حديثه مع صاحبه أبي إسحق النظام (المتوفى سنة 231هـ تقريبًا)، أو حديث غيره من شيوخ المعتزلة، ولكن حدوثه لا يكاد يتجاوز أواخر القرن الثاني للهجرة، فيما أرجح). [مداخل إعجاز القرآن: 20-23]

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.70 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.85%)]