
21-01-2024, 12:35 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,863
الدولة :
|
|
رد: العلي - الأعلى - المتعال جل جلاله، وتقدست أسماؤه
الآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى العُلُوِّ:
فَمِنْ آيَاتِ الكِتَابِ:
1- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: 54].
وَقَدْ ذُكِرَ الاستِوَاءُ فِي سِتِّ آيَاتٍ أُخَرَ فِي سُورَةِ [ يونس: 3 ]، [ الرعد: 2 ]، [ طه: 5 ]، [ الفرقان: 59 ]، [ السجدة: 4 ]، [ الحديد: 4].
2- بيَّنَ تَعَالَى فِي آياتٍ كَثِيرةٍ أنَّ الرُّوحَ - وَهُوَ جِبْرِيلُ عليه السلام - وَالمَلَائِكَةُ مِنْهُ تَتَنَزَّلُ، وَإِليهِ تَعْرُجُ وَتَصْعَدُ.
مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج: 3، 4].
وَقَوْلُهُ عَنْ لَيلَةِ القَدْرِ: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ﴾ [القدر: 4].
وَمَعْلُومٌ أنَّ التَّنَزُّلَ لَا يَكُونُ إلا مِنَ العُلُوِّ.
3- وَأَخْبَرَ تَعَالَى أنَّهُ يُنَزِّلُ مَلائِكَتَهُ بَالْوَحِي وَالكِتَابِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2].
وَقَالَ: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 192 - 194].
4- أَنَّ الأَعمَالَ الصَّالِحَةَ وَالكَلَامَ الطيِّبَ إِليهِ يَصْعَدَانِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10].
قَالَ الدَّارِمِيُّ: «فَإِلَى مَنْ تُرْفَعُ الأعمَالُ، وَاللهُ - بِزَعْمِكُم الكَاذِبِ - مَعَ العَامِلِ بِنَفْسِهِ فِي بَيتِهِ وَمَسْجِدِهِ وَمُنْقَلَبِهِ وَمَثْوَاهُ؟!! تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُون عُلُوًّا كَبِيرًا» اهـ[23].
5- قَوْلُهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا المَسِيحَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [آل عمران: 55].
وَقَوْلُهُ: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ [النساء: 157، 158].
6- أَخبَرَ تَعَالَى عَنْ تَنْزِيلِهِ لِآيَاتِ الكِتَابِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [آل عمران: 3، 4].
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].
وَقَوْلُهُ: ﴿ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [فصلت: 1، 2].
وَقَوْلُهُ: ﴿ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾ [النور: 1].
وَقوْلُهُ: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1].
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ رحمه الله: «فَظَاهِرُ القُرْآنِ وَبَاطِنُهُ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ ذَلِكَ، نَسْتَغْنِي فِيهِ بالتَّنْزِيلِ عَنِ التَّفْسِيرِ، وَيَعْرِفُهُ العَامَّةُ وَالخَاصَّةُ، فَلَيسَ مِنْهُ لِمُتَأَوِّلٍ تَأَوُّلٌ، إِلَّا لِمُكَذِّبٍ بِهِ فِي نَفْسِهِ مُستَتِرٍ بالتَّأْوِيلِ.
وَيْلَكُم!! إِجمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعينَ وَجَمِيعِ الأُمَّةِ، مِنْ تَفْسِيرِ القُرْآنِ وَالفَرَائِضِ وَالحُدُودِ وَالأَحْكَامِ: نَزَلَتْ آيَةُ كَذَا فِي كَذَا، وَنَزَلَتْ آيَةُ كَذَا فِي كَذَا، وَنَزَلَتْ سُورَةُ كَذَا فِي مَكَانِ كَذَا، وَلَا نَسْمَعُ أَحَدًا يَقُولُ: طَلَعَتْ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ، وَلَا جَاءَتْ مِنْ أَمَامٍ وَلَا مِنْ خَلفٍ، وَلكِنْ كُلُّهُ: نَزَلتْ مِنْ فَوقٍ، وَمَا يُصْنَعُ بِالتَّنْزِيلِ مَنْ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ؟
إِنَّمَا يَكُونُ شِبْهُ مُنَاوَلَةٍ لَا تَنْزِيلًا مِنْ فَوقِ السَّمَاءِ مَعَ جِبْرِيلَ، إِذْ يَقُولُ سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾ [النحل: 102]، والرَّبُّ - بِزَعْمِكُم الكَاذِبِ - فِي البَيْتِ مَعَهُ وَجِبْرِيلُ يَأْتِيهِ مِنْ خَارِجِ، هَذَا وَاضِحٌ، وَلَكِنَّكُمْ تُغَالِطُونَ.
فَمَنْ لَمْ يَقْصِدْ بِإِيمَانِهِ وَعِبَادَتِهِ إِلَى اللهِ الذِي اسْتَوى عَلَى العَرْشِ فَوقَ سَمَاوَاتِهِ، وَبَانَ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِنَّمَا يَعْبُدُ غَيرَ اللهِ وَلَا يَدرِي أَيْنَ اللهُ» اهـ[24].
7- قَوْلُ اللهِ تَعَالَى عَنْ فِرْعَونَ: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ﴾ [غافر: 36، 37]، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِرْعَونَ كَانَ يُرِيدُ الاِطِّلَاعَ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى وَغَيرَهُ مِنَ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيهِم أَجْمَعِينَ كَانُوا يَدْعُونَهُم إِلَى اللهِ بِذَلِكَ.
الأحَادِيثُ التِي تَدُلُّ عَلَى العُلُوِّ:
1- حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: وَكَانَ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَل (أُحُدٍ والجوَّانيَّة)، فَاطَّلَعتُ ذَاتَ يَومٍ فإِذَا الذئبُ قَد ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنا رَجُلٌ مِنْ بَنَي آدَمَ، آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُها صَكَّةً، فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَليَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلا أَعْتِقُهَا؟ قَالَ: «ائتِنِي بها»، فَأْتَيتُه بِها، فَقَالَ لَها: «أَينَ اللهُ؟»، قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟»، قَالَتْ: أَنتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «أَعْتِقْهَا فإِنَّها مُؤمِنَةٌ»[25].
قَالَ أَبُو سَعيدٍ الدَّارِمِيُّ: «فَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا لَمْ يَعْلمْ أَنَّ اللهَ عز وجل فِي السَّمَاءِ دُونَ الأَرْضِ فَلَيسَ بِمُؤمِنٍ، وَلَو كَانَ عَبْدًا فَأُعتِقَ لَمْ يَجُزْ فِي رَقَبةٍ مُؤْمِنَةٍ، إِذْ لَا يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ فِي السَّمَاءِ» اهـ[26].
2- الأَحَادِيثُ الكَثِيرَةُ فِي مِعْرَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيلَةِ الإِسرَاءِ وَالمِعْرَاجِ، وَقَد تَوَاتَرَت[27] وَأَجْمَعَ عَلَيهَا سَلَفُ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا.
3- حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ القِسْطَ وَيَرْفَعُه، يُرْفَعُ إِليهِ عَمَلُ اللَّيل قَبْلَ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ اللَّيلِ...»[28].
4- حَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُم مَلَائِكَةٌ بِاللَّيلِ، وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُم، فَيَسأَلُهم رَبُّهُم - وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِم -: كَيفَ تَرَكْتُم عِبَادِي؟ فَيَقُولُون: تَرَكْنَاهُم وَهُمْ يُصَلُّون وَأَتَينَاهُم وَهُم يُصَلُّون»[29].
5- حَدِيثُ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالذِي نَفْسِي بِيَدِه مَا مِنْ رَجُلٍ يَدعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا، فَتَأْبَى عَليهِ، إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَليهَا حَتَى يَرْضَى عَنْهَا»[30].
6- حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: بَعَثَ عَليُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِذَهَبةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، قَالَ فَقَسَمَهَا... وَفِيهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَأْتِينِي خَبرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً؟»[31].
7- حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: «زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَجَنِي اللهُ تَعَالَى مِنْ فَوقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، وَفِي رِوَايةٍ: وَكَانَتْ تَقُولُ: «إِنَّ اللهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ»[32]، وَغَيْرُهَا مِنْ الأَحَادِيثِ.
أَقْوَالُ السَّلَفِ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ اللهَ فَوْقَ العَرْشِ:
هُنَا مَا يَتَيَّسرُ:
1- قَالَ الشَّيخُ أَبُو نَصْرٍ السِّجَزِيُّ[33] فِي كِتَابِ الإِبَانَةِ لَهُ:
«وأَئِمَّتُنَا كَسُفْيَانَ الثَّورِيِّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيَنَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ، وَفُضَيلٍ بْنِ عِيَاضٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيِّ: مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بِذَاتِهِ فَوْقَ العَرْشِ، وَأَنَّ عِلْمَهُ بِكُلِّ مَكَانٍ، وَأَنَّهُ يُرَى يَومَ القِيَامَةِ بِالأَبصَارِ، وَأَنَّهُ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا...»[34].
2- قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ المُبَارَكِ وَسَأَلَهُ عَليُّ بْنُ الحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ: «كَيفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْرِفَ رَبَّنَا عز وجل؟ قَالَ: «عَلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ، وَلَا نَقُولُ كَمَا تَقُولُ الجَهْمِيَّةُ: أَنَّهُ هَا هُنَا عَلَى الأَرْضِ»[35].
3- وَقِيلَ لِيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ: مَنَ الجَهْمِيَةُ؟ فَقَالَ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّحمَنَ عَلَى العَرْشِ اِسْتَوَى عَلَى خِلَافِ مَا يَقِرُّ فِي قُلُوبِ العَامَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ»[36].
4- وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ الأصْبَهَانِيُّ فِي العَقِيدَةِ المَشْهُورَةِ عَنْهُ: «طَرِيقَتُنَا طَرِيقَةُ المُتَّبِعِينَ للكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجمَاعِ الأُمَّةِ، فَمَا اعْتَقَدُوه اعْتَقَدْنَاهُ، فِمِمَّا اعْتَقَدُوه: أَنَّ الأَحَادِيثَ التِي ثَبَتَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي العَرْشِ وَاسْتِوَاءِ اللهِ عَلَيْهِ يَقُولُونَ بِهَا وَيُثْبتُونَها، مِنْ غَيرِ تَكْييفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، وَأَنَّ اللهَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَالخَلْقُ بَائِنُونَ مِنْه، لَا يَحِلُّ فِيهِم وَلَا يَمْتَزِجُ بِهِم، وَهُوَ مُستَوٍ عَلَى عَرْشِهِ فِي سَمَائِهِ دُونَ أَرْضِهِ»[37].
5- وَقَالَ الشَّيْخُ نَصْرُ بْنُ إِبرَاهِيمَ المَقْدِسِيُّ[38] فِي كِتَابِهِ: الحُجَّةُ عَلَى تَارِكِ المَحَجَّةِ: «إِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ ذَكَرتَ مَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الإِسْلَامِ مِنَ اتِّبَاعِ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيهِ الأَئِمَّةُ العُلَمَاءُ، وَالأَخَذِ بِمَا عَلَيهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ: فَاذْكُرْ مَذَهَبَهُم، وَمَا أَجْمَعُوا عَليهِ مِنَ اِعْتِقَادِهِم، وَمَا يَلْزَمُنَا مِنَ المَصِيرِ إِليهِ مِنْ إِجمَاعِهِم؟
فَالجَوَابُ: أَنَّ الذِي أَدْرَكْتُ عَليهِ أَهْلَ العِلْمِ وَمَنْ لَقِيتُهُم وَأَخَذْتُ عَنْهُم، وَمَنْ بَلَغَنِي قَوْلُهُ مِنْ غَيرِهِم - فَذَكَرَ جُمَلَ اِعتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَفِيهِ -: وَأَنَّ اللهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، كَمَا قَالَ فِي كِتَابِه، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمًا، وَأَحْصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا»[39].
6- وَقَالَ اِبْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي كِتَابِهِ التَّمْهِيدُ، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ «يَنْزِلُ رَبُنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيلَةٍ إِلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا...»:
«وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللهَ عز وجل فِي السَّمَاءِ عَلَى العَرْشِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاواتٍ، كَمَا قَالَتِ الجَمَاعَةُ، وَهُوَ مِنْ حُجَّتِهِم عَلَى المُعْتَزِلَةِ وَالجَهْمِيَّةِ فِي قَوْلِهِم: إِنَّ اللهَ عز وجل فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَيْسَ عَلَى العَرْشِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ أَهْلُ الحَقِّ فِي ذَلِكَ قَولُ اللهِ عز وجل: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، وَقَوْلُهُ...»، وَذَكَرَ آيَاتِ الاِسْتِوَاءِ.
ثُمَّ قَالَ: «وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255]، و ﴿ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ﴾ [الرعد: 9]، و ﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ ﴾ [غافر: 15]، و ﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾ [النحل: 50]، وَالجَهْمِيُّ يَزْعُمُ أَنَّهُ أَسْفَلُ».
قَالَ: «وَأَمَّا قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ﴾ [الملك: 16]، فَمَعْنَاهُ مَنْ عَلَى السَّمَاءِ، يَعْنِي عَلَى العَرْشِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي بِمَعْنَى عَلَى، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ﴾ [التوبة: 2]، أَيْ: عَلَى الأَرْضِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ [طه: 71]، وَهَذَا كُلُّهُ يُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ﴾ [المعارج: 4]، وَمَا كَانَ مِثْلَهُ مِمَّا تَلَوْنَا مِنَ الآيَاتِ فِي هَذَا البَابِ.
وَهَذِهِ الآَيَاتُ كُلُّها وَاضِحَاتٌ فِي إِبْطَالِ قَوْلِ المُعْتَزِلَةِ، وَأَمَّا اِدِّعَاؤُهُم المَجَازَ فِي الاسْتِوَاءِ وَقَوْلُهم فِي تَأْوِيلِ اسْتَوَى: اِسْتَوْلَى، فَلَا مَعْنَى لَهُ؛ لأنَّهُ غَيرُ ظَاهِرٍ فِي اللُّغَةِ، وَمَعْنَى الاسْتِيلَاءِ فِي اللُّغَةِ: المُغَالَبَةُ، وَاللهُ لَا يُغَالِبُهُ وَلَا يَعْلُوهُ أَحَدٌ، وَهُوَ الوَاحِدُ الصَّمَدُ، وَمِنْ حَقِّ الكَلَامِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، حَتَى تَتَّفِقَ الأُمَّةُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ المَجَازُ؛ إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى اتِّبَاعِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا إِلَّا عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ كَلَامُ اللهِ عز وجل إِلَى الأَشْهَرِ وَالأَظْهَرِ مِنْ وُجُوهِهِ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ لَهُ التَّسْلِيمُ.
وَلَو سَاغَ ادِّعَاءُ المَجَازِ لِكُلِّ مُدَّعٍ مَا ثَبَتَ شَيءٌ مِنَ العِبَارَاتِ، وَجَلَّ اللهُ عز وجل عَنْ أَنْ يُخَاطِبَ إِلَّا بِمَا تَفْهَمُهُ العَرَبُ فِي مَعْهُودِ مُخَاطَبَاتِهَا مِمَّا يَصِحُّ مَعْنَاهُ عِنْدَ السَّامِعِينَ، وَالاِسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ فِي اللُّغَةِ وَمَفْهُومٌ، وَهُوَ العُلُوُّ وَالارْتِفَاعُ عَلَى الشَّيءِ وَالاسْتِقْرَارُ وَالتَّمَكُّنُ فِيهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ اسْتَوَى ﴾؛ قَالَ: «عَلَا، قَالَ: وَتَقُولُ العَرَبُ: اسْتَوَيْتُ فَوْقَ الدَّابَّةِ وَاسْتَوَيْتُ فَوْقَ البَيْتِ، وَقَالَ غَيرُه: اِسْتَوى أَيْ: انْتَهَى شَبَابُهُ وَاسْتَقَرَّ فَلَمْ يَكُنْ فِي شَبَابِهِ مَزِيدٌ».
قَالَ أَبُو عُمَرَ: «الاِسْتِوَاءُ الاسْتِقْرَارُ في العُلُوِّ، وَبِهَذَا خَاطَبَنَا اللهُ عز وجل وَقَالَ: ﴿ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ﴾ [الزخرف: 13].
وَقَالَ: ﴿ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ﴾ [هود: 44].
وَقَالَ: ﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ ﴾ [المؤمنون: 28].
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَأَوْرَدْتُهُم مَاءً بِفَيْفَاءَ[40]قَفِرَةٍ 
وَقَدْ حَلَّقَ النَّجْمُ اليَّمَانِيُّ فَاسْتَوَى
وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَوَّلَ فِيهِ أَحَدٌ اسْتَوْلَى؛ لأَنَّ النَّجْمَ لَا يَسْتَوْلِي».
قَالَ: «وَمِنَ الحُجَّةِ أَيْضًا فِي أَنَّهُ عز وجل عَلَى العَرْشِ فَوْقَ السَّمَاواتِ السَّبِعِ أَنَّ المُوَحِّدِينَ أَجْمَعِينَ، مِنَ العَرَبِ والعَجَمِ، إِذَا كَرَبَهُم أَمْرٌ، أَوْ نَزَلَتْ بِهِم شِدَّةٌ رَفَعُوا وُجُوهَهَم إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَغِيثُونَ رَبَّهُم تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهَذَا أَشْهَرُ وَأَعْرَفُ عِنْدَ الخَاصَّةِ وَالعَامَّةِ مِنْ أَنْ يُحْتَاجَ فِيهِ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ حِكَايَتِهِ؛ لأَنَّهُ اضْطِرَارٌ لَمْ يُؤَنِّبْهُم عَليهِ أَحَدٌ، وَلَا أَنْكَرَهُ عَلَيهِم مُسْلِمٌ» اهـ[41].
7- وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ اِبْنُ تَيْمِيَةَ رحمه الله بَعْدَ أَنْ نَقَلَ جُمْلَةً مِنْ أَقْوَالِ سَلَفِ الأُمَّةِ وَعُلَمَائِهَا:
«وَنَقْلُ أَقْوَالِ السَّلَفِ مِنَ القُرُونِ الثَّلَاثةِ، وَمَنْ نَقَلَ أَقْوَالَهُمْ فِي إِثْبَاتِ أَنَّ اللهَ فَوْقَ العَرْشِ يَطُولُ، وَلَا يَتَّسِعُ لَهُ هَذَا المَوْضِعُ، وَلَكِنْ نَبَّهْنَا عَلَيهِ» اهـ[42].
النِّزَاعُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ مُحَرَّمٌ:
وَالنِّزَاعُ فِي إِثْبَاتِ العُلُوِّ للرَّبِ سُبْحَانَهُ لَا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ المَسَائِلِ التِي يَجُوزُ الاجْتِهَادُ فِيهَا، بَلْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ عِنْدَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ الوَارِدَةِ فِيهَا.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ: «وَلَمْ يَكُنْ هَذَا عِنْدَهُم مِنْ جِنْسِ مَسَائِلِ النِّزَاعِ الَّتِي يَسُوغُ فِيهَا الاِجْتِهَادُ، بَلْ وَلَا كَانَ هَذَا عِنْدَهُم مِنْ جِنْسِ مَسَائِلِ أَهْلِ البِدَعِ المَشْهُورِينَ فِي الأُمَّةِ: كَالخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ[43] وَالقَدَرِيَّةِ وَالمُرْجِئَةِ، بَلْ كَانَ إِنْكَارُ هَذَا عِنْدَهُم أَعْظَمَ مِنْ هَذَا كُلِّه، وَكَلَامُهُم فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ مُتَوَاتِرٌ.
وَلِهَذَا قَالَ المُلَقَّبُ بإِمَامِ الأَئِمَّةِ أَبُو بَكرٍ بْنُ خُزَيْمَةَ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ الْحَاكِمُ: «مَنْ لَمْ يَقُلْ: إِنَّ اللهَ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَجَبَ أَنْ يُسْتَتَابَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُه، ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى مَزْبَلَةٍ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بَنَتَنِ رِيحِهِ أَهْلُ الْقِبلَةِ وَلَا أَهْلُ الذِّمَّةِ» اهـ[44].
قُلْتُ: وَتَكْفِيرُ السَّلَفِ لَهُمْ، مَنْقُولٌ فِي كُتُبِ السُّنَّةِ وَالْعَقَائِدِ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ:
1- فَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ المُبَارَكِ: كَانَ اِبْنُ المُبَارَكِ يَقُولُ: الجَهْمِيَّةُ كُفَّارٌ[45].
2- وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى: «الْجَهْمِيَّةُ! وَمَنْ يَشُكُّ فِي كُفْرِ الْجَهْمِيَّةِ»[46].
3- وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: «الْجَهْمِيَّةُ يُسْتَتَابُونَ، فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُم»[47].
4- وَقَالَ إِسْحَاقُ الْبَهْلُولِ لِأَنَسٍ بْنِ عِيَاضٍ بْنِ ضَمْرَةَ: «أُصَلِّي خَلْفَ الْجَهْمِيَّةِ؟ قَالَ: لَا، ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]»[48].
وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ لِمَنْ هَدَاهُ اللهُ وَأَلْهَمَهُ رُشْدَهُ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَا حِيلَةَ فِيهِ، بَلْ لَا يزِيدُهُ كَثْرَةُ الأَدِلَّةِ إِلَّا حِيرَةً وَضَلَالًا، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾ [المائدة: 64].
وَقَالَ: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].
وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المَعَانِي الإِيمَانِيَّةُ:
فَمَنْ شَهِدَ مَشْهَدَ عُلُوِّ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ وَفَوْقِيَّتَهُ لِعبَادِهِ وَاسْتَوائِهُ عَلَى عَرْشِهِ، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ أَعْرَفُ الْخَلْقِ وَأَعْلَمُهُم بِهِ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، وَتَعَبَّدَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الصِّفَةِ بِحَيثُ يَصِيرُ لِقَلْبِهِ صَمَدٌ يَعْرُجُ الْقَلْبُ إِلَيْهِ مُنَاجِيًا لَهُ مُطْرِقًا وَاقِفًا بَيْنَ يَدَيْهِ وُقُوفَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ بَيْنَ يَدَيِ المَلِكِ الْعَزِيزِ، فَيَشْعُرُ بِأَنَّ كَلَامَهُ وَعَمَلَهُ صَاعِدٌ إِلَيْهِ مَعْرُوضٌ عَلَيْهِ مَعَ أَوْفَى خَاصَّتِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، فَيَسْتَحِي أَنْ يَصْعَدَ إِلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِ مَا يُخْزِيهِ وَيَفْضَحُهُ هُنَاكَ، وَيَشْهَدُ نُزُولَ الأَمْرِ وَالمَرَاسِيمِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى أَقْطَارِ الْعَوَالِمِ كُلَّ وَقْتٍ بِأَنْوَاعِ التَّدْبِيرِ وَالتصَرُّفِ - مِنَ الإِمَاتَةِ وَالإِحْيَاءِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْعَزْلِ وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَالْعَطَاءِ وَالمَنْعِ وَكَشْفِ الْبَلَاءِ وَإِرْسَالِهِ وَتَقَلُّبِ الدُّوَلِ وَمُدَاوَلَةِ الْأيَّامِ بَيْنَ النَّاسِ - وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فِي المَمْلَكِةِ الَّتِي لَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا سِوَاهُ، فَمَرَاسِمُهُ نَافِذَةٌ فِيهَا كَمَا يَشَاءُ: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [السجدة: 5]، فَمَنْ أَعْطَى هَذَا المَشْهَدَ حَقَّهُ مَعْرِفَةً وَعُبُودِيَّةً اِسْتَغْنَى بِهِ[49].
الرَّدُّ عَلَى مَنْ نَفَى صِفَةَ الْعُلُوِّ:
إِنَّ تَعْطِيلَ ذَاتِهِ المُقَدَّسَةِ عَنْ وَصْفِهَا بِذَلِكَ، وَجَعْلَ ذَلِكَ مُجَرَّدَ أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ، يَقْتَضِي سَلْبَ ذَلِكَ عَنْهُ بِالكُلِّيَّةِ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ النُّفَاةِ لِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ؛ فَإِنَّهُ عِنْدَهُم لَا تَقُومُ بِهِ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ يَسِتَحِقُّ بِهَا أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَكْبَرَ مِنْهُ وَفَوْقَهُ وَأَعْلَى مِنْهُ؛ فَإِنَّهُم لَا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ عَائِدًا إِلَى ذَاتِهِ لَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ عِنْدَهُم التَّجْسِيمُ، فَلَيْسَتْ ذَاتُهُ عِنْدَهُم مَوْصُوفَةً بِكِبَرٍ وَلَا عَظَمَةٍ وَلَا عُلُوٍّ وَلَا فَوْقِيَّةٍ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُم صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ تَكُونُ عَظَمَتُهُ وَفَوْقِيَّتُهُ وَعُلُوُّه لِأَجْلِهَا، فَإِنَّ إِثْبَاتَ الصِّفَاتِ عِنْدَهُم يَسْتَلْزِمُ التَّرْكِيبَ، وَلَا لَهُ فِعْلٌ يَقُومُ بِهِ يَكُونُ بِهِ أَعْظَمَ وَأَكْبَرَ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ عِنْدَهُم حُلُولَ الْحَوَادِثِ وَقِيَامَهَا بِهِ، فَلَا حَقِيقَةَ عِنْدَهُم لِكَوْنِهِ أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ وَأَجَلَّ مِنْ غَيْرِهِ إِلَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى مُجَرَّدِ السَّلْبِ وَالنَّفْيِ وَالْعَدَمِ، مِثْلَ كَوْنِهِ لَا دَاخِلَ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجُه، وَلَا يَفْعَلُ لِحكْمَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ، وَلَا لَهُ وَجْهٌ وَلَا يَدَانِ، وَلَا يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، وَلَا هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ، وَلَا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، وَلَا يَرَاهُ المُؤْمِنُونَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا يُكَلِّمُهُم، وَلَا كَلَّمَ مُوسَى فِي الدُّنْيَا وَلَا أَحَدًا مِنَ الخَلْقِ، وَلَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالأَصَابِعِ، وَلَا يُرْفَعُ إِلَيْهِ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، وَلَا تَعْرُجُ المَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، وَلَا عَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ وَلَا دَنَا مِنْهُ حَتَى كَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ النَّفْيِ وَالسَّلْبِ الَّذِي يَفِرُّونَ عَنْهُ بِنَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ وَالتَّرْكِيبِ، فيُوهِمُونَ السَّامِعَ أَنَّ إِثْبَاتَ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ وَتَجْسِيمٌ ثُمَّ يَنْفُونَهُ عَنْهُ، وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ نَفْيُ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ فَهَذَا حَقِيقَةُ كَوْنِهُ أَكْبَرَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ وَأَعْظَمَ مِنْهُ وَفَوْقَهُ وَعَالِيًا عَلَيْهِ عِنْدَهُم، وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ نَفْيُِ هَذَا عَنْهُ وَجَعْلُ كُلِّ شَيءٍ أَكْبَرَ مِنْهُ لِأَنَّ مَا لَا ذَاتَ لَهُ وَلَا صِفَةَ وَلَا فِعْلَ فَكُلُّ ذَاتٍ لَها صِفَةٌ أَكْبَرُ مِنْهُ فَالقَوْمُ كَبَّرُوه وَعَظَّمُوه وَنَزَّهُوهُ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ وُجُودِهِ فَضْلًا عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَأَفْعَالِهِ[50].
[1] مسلم في الإيمان، باب في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ (1/ 193) (207).
والرضمة صخور عظام بعضها فوق بعض، انظر لسان العرب (12/ 245).
[2] البخاري في التوحيد، باب قوله: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ (6/ 2731) (7079).
[3] لسان العرب (15/ 84)، وكتاب العين (2/ 245).
[4] دليل التَّمانُع دليل مشهور بين المتكلِّمين، وهو حقٌّ في إثبات توحيد الرُّبوبية، انظر: لمع الأدلة في قواعد أهل السُّنَّة (ص: 99)، والغُنية في أصول الدِّين (ص: 67)، وشرح العقيدة الطحاوية (ص: 87).
[5] انظر: تفسير ابن جرير (15/ 91)، والدُّرُّ المنثور (5/ 288)، وتفسير الواحدي (2/ 635).
[6] مسلم في كتاب المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة (1/ 381) (537).
[7] لسان العرب (15/ 85).
[8] روح المعاني (14/ 170)، وزاد المسير لابن الجوزي (4/ 459)، وتذكرة الأريب في تفسير الغريب (1/ 72).
[9] انظر في هذا المعنى معارج القبول (1/ 144).
[10] العقيدة الأصفهانية (ص: 74)، والفرقان بين الحق والباطل لابن تيمية (13/ 164).
[11] الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جنِّي (3/ 268).
[12] لسان العرب (15/ 90)، ومفردات ألفاظ القرآن (ص 582)، واشتقاق أسماء الله للزجاج (ص 162).
[13] تفسير القرآن العظيم (2/ 504).
[14] جامع البيان (3/ 9)، وكلامه يدلُّ على أنَّه يختار علوَّ المكان لله سبحانه، فقد ذكره أولًا تفسيرًا للآية، ثمَّ ذكر الاختلاف فيه، وممَّا يقوِّي ذلك أنَّه ذكر هذا التفسير للاسم في مواضع أُخَر ولم يذكر غيره، انظر: (17/ 137)، (24/ 6، 28).
[15] شأن الدعاء (ص 66).
[16] تفسير البغوي (5/ 26).
[17] التفسير (3/ 232).
[18] كتاب التوحيد (ص: 112).
[19] مجموع الفتاوى (16/ 97 - 98).
[20] النونية (2/ 213 - 214).
[21] تيسير الكريم الرحمن (5/ 300).
[22] انظر النقول الكثيرة التي نقلها الذهبي رحمه الله في العُلوِّ، وابن القيِّم رحمه الله في اجتماع الجيوش الإسلامية عن علماء الأمَّة في هذه المسألة.
[23] الرَّدُّ على الجَهْميَّة (ص: 53).
[24] الرد على الجهمية (ص: 55).
[25] رواه أحمد (5/ 448)، ومسلم (1/ 537).
[26] الرد على الجهمية (ص: 39).
[27] ذكر ذلك ابن القيِّم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص: 29).
[28] رواه أحمد (4/ 405)، ومسلم (1/ 179).
[29] رواه البخاري (2/ 555)، (6/ 3223)، (13/ 7429، 7486)، ومسلم (1/ 632).
[30] رواه مسلم (2/ 1436 - 121).
[31] رواه البخاري (8/ 67)، ومسلم (2/ 742) مطوَّلًا.
[32] رواه البخاري (13/ 7420، 7421).
[33] هو عبد الله بن سعيد بن حاتم الوائلي الحافظ، كان قيِّمًا بالأصول والفروع، له تصانيف حسان منها الإبانة، المنتظم (8/ 310).
[34] نقض تأسيس الجهمية (2/ 38).
[35] أخرجه عبد الله في السُّنَّة (22، 598) وإسناده صحيح.
[36] أخرجه أبو داود في مسائله (268 - 269)، وعبد الله في السُّنَّة (54)، وذكره البخاري في خلْق أفعال العباد (63)، وسندُه حسَن إن شاء الله، وذكره الذهبي في العلوِّ (مختصر العلو ـ ص: 167)، وقال: (يَقِر) مخفَّف، و (العامَّة)؛ مراده: جمهور الأمَّة وأهل العِلم، والذي وقر في قلوبهم مِن الآية، هو ما دلَّ عليه الخطاب مع يَقينهم بأن المستوي ليس كمثله شيء، هذا الذي وقر في فطرهم السليمة، وأذهانهم الصحيحة، ولو كان له معنى وراء ذلك لتفوَّهوا به ولَمَا أهملوه، ولو تأوَّل أحدٌ منهم الاستواء لتوفَّرت الهمم على نقله، ولو نُقل لاشتُهر، فإن كان في بعض جهلة الأغبياء مَن يَفهم مِن الاستواء ما يُوجب نقصًا أو قياسًا للشاهد على الغائب، وللمخلوق على الخالق فهذا نادر، فمَن نطق بذلك زُجِر وعلِّم، وما أظن أن أحدًا مِن العامَّة يقر في نفسه ذلك، والله أعلم» اهـ.
وقال شيخ الإسلام ما معناه: أن الناس جميعًا بفطرهم السليمة يتوجَّهون عند الدُّعاء إلى العلوِّ لا إلى اليمين ولا إلى الشمال، وهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، حتى يأتيهم مَن يجهِّمهم وينقلهم إلى التعطيل، انظر: اجتماع الجيوش (ص: 84).
[37] تلبيس الجهمية لابن تيمية (2/ 40).
[38] هو العلَّامة المحدِّث أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي، صاحب التصانيف، قال ابن عساكر: كان رحمه الله على طريقة واحدة من الزهد والتنزُّه عن الدُّنيا والتقشُّف، توفي في المحرم سنة تسعين وأربعمائة، وكتابه الحجة ذكر فيه أصول الدِّين على قواعد أهل الحديث والسُّنَّة، السير (19/ 136)، والأعلام (8/ 20).
[39] تلبيس الجهمية (2/ 41).
[40] فيفاء: بوزن صحراء ومعناها.
[41] التمهيد (7/ 129 - 134).
[42] تلبيس الجهمية (2/ 41).
[43] يعني: المتقدِّمين منهم، كما نبَّه عليه محقِّق الكتاب.
[44] تلبيس الجهمية (2/ 41 - 42).
[45] أخرجه عبد الله في السُّنَّة (15) عنه، وإسناده صحيح، الحسن: هو أبو علي النيسابوري ثقة من رجال مسلم.
[46] أخرجه عبد الله في السُّنَّة (16) عنه.
[47] المصدر السابق (48)، وإسناده صحيح.
[48] المصدر السابق (72)، وإسناده حسَن، ابن بهلول صدوق، وأنس ثقة من رجال الستة.
[49] طريق الهجرتين (ص: 78).
[50] الصواعق المرسلة (1/ 1379).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|