
13-12-2023, 10:39 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,843
الدولة :
|
|
رد: منظمات المجتمع المدني وحماية الأسرة في ظل تطور الذكاء الاصطناعي
اللياقة البدنية وتقنيات الرعاية الصحية: استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية المنزلية يؤثر على كيفية إدارة الأمور الصحية داخل الأسرة. بل أن تقنيات مراقبة اللياقة البدنية والصحة التي تنتجها التكنولوجيا ويبثها الذكاء الاصطناعي تغير بشكل تام طرق العناية بالصحة داخل الأسرة.
كل هذا الكم من الأخطار والتحديات والتأثيرات تمثل مجرد جزء صغير من التأثيرات الاجتماعية والأخلاقية والدينية والاقتصادية المحتملة للذكاء الاصطناعي، وهي قضايا تحتاج إلى النقاش المستمر وإطار أخلاقي واضح لتوجيه استخدامات الذكاء الاصطناعي في المستقبل. إذ يبدو تأثير الذكاء الاصطناعي سلبيا على أنماط الحياة الأسرية في المجتمعات الإسلامية كبير للغاية. لكن يجب أن نعترف، أن هذه التأثيرات تظهر كنتيجة لاستخدامات التكنولوجيا الغير متوازنة أو الغير مدروسة، ولكنها يمكن أن تُعالج وتُحدد من خلال التوعية والتحكم الفعال في استخدامات التكنولوجيا للحفاظ على قيم وروحية الأسرة في المجتمعات الإسلامية.
إن إيجابيات وسلبيات الذكاء الاصطناعي تعتمد أساسا على كيفية استخدام التكنولوجيا والوسائل المتحة لهذا النوع من الذكاء. من المهم أن تتبنى الأسر المسلمة استخدامات متوازنة للتكنولوجيا التي تدعم قيمها وتحافظ على توازنها الاجتماعي والثقافي والديني.
إن تأثير الذكاء الاصطناعي على أنماط الحياة الأسرية في المجتمعات الإسلامية يعكس في الحقيقة التأثير الشامل للتكنولوجيا على العائلة والمجتمع بشكل عام. ولكن، بحكم أن المجتمعات الإسلامية لها خصوصية معينة، فإن التأثير يكون أعمق وأشد.
يحدث هذا في الوقت الذي تستمر فيه هذه التحديات في التطور مع التطور المستمر للتكنولوجيا واستخدامات الذكاء الاصطناعي. وبالتالي من المهم أن تُولى الأسر المسلمة اهتمامًا بتوازن استخدام التكنولوجيا مع الحفاظ على القيم والمبادئ الأخلاقية والاجتماعية التي تعكس هويتها وتقاليدها.
دور المجتمع المدني في حماية الأسرة من خطر الذكاء الاصطناعي
هناك عدة برامج ومبادرات ونشاطات يمكن من خلالها تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في حماية الأسرة في ظل تطور وتأثير الذكاء الاصطناعي، حيث تتعدد الطرق التي يمكن بها أن تتفاعل منظمات المجتمع المدني مع الأسر والذكاء الاصطناعي، وهذه العلاقة تعكس الجهود المشتركة لدعم وتحسين حياة الأسر واستخدام التكنولوجيا بشكل يخدم مصلحتها.
إن تعزيز دور منظمات المجتمع المدني يتطلب التركيز على التثقيف والرصد والتدخل الفعّال لحماية الأسرة من تأثيرات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. ويبدو هامش حركة منظمات المجتمع المدني في هذا المجال واسع للغاية، بحكم التنوع الذي تتميز به هذه المنظمات، فهي منظمات ثقافية وعلمية وقانونية واقتصادية واجتماعية وتكنولوجية وتقنية وغيرها..
كيف يمكن تعزيز دور منظمات المجتمع المدني لحماية الأسرة من الذكاء الاصطناعي؟
فيما يلي هذه أهم الطرق والنشاطات التي يمكن لمنظمات المجتمع المدني القيام بها لحماية الأسرة من مخاطر وسلبيات الذكاء الاصطناعي:
التشجيع على الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا
إن العلاقة بين منظمات المجتمع المدني والأسرة والذكاء الاصطناعي أصبعت علاقة معقدة ومفروضة، وعلى منظمات المجتمع المدني أن تلعب دورها المنوط بها، والمتمثل في توعية الأسر حول استخدامات التكنولوجيا الذكية بشكل آمن ومسؤول، وتشجيعهم على الاستفادة من فوائد التكنولوجيا مع الحفاظ على الخصوصية والأمان.
الضغط من أجل تشريعات وسياسات صديقة للأسر
يمكن أن تعمل منظمات المجتمع المدني على تشجيع وتأثير القرارات السياسية والتشريعات لتوفير بيئة تكنولوجية تحمي الأسر المحدقة بها، وتدعم استخدامات التكنولوجيا الذكية بشكل إيجابي، من خلال المشاركة في صياغة التشريعات والسياسات العامة التي تحدد استخدامات الذكاء الاصطناعي وتحمي حقوق وسلامة الأسرة. أو من خلال تطوير التشريعات الحكومية ومراجعتها وتكييفها والعمل على وضع أطر تنظم استخدامات الذكاء الاصطناعي لحماية الأسرة من الآثار السلبية المحتملة.
التثقيف والتوعية والدعم النفسي والاجتماعي
على منظمات المجتمع المدني أن تعمل على تقديم برامج تثقيفية وورش عمل لأفراد الأسرة حول استخدامات الذكاء الاصطناعي وطرق الحماية والاستفادة الأمثل من التكنولوجيا في الحياة اليومية. كما يتعين على منظمات المجتمع المدني تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأسر لفهم ومواجهة التحديات الناجمة عن الذكاء الاصطناعي.
في إطار توصيف العلاقة بين المجتمع المدني الأسرة والذكاء الاصطناعي، يبدو أن على منظمات المجتمع المدني القيام بمبادرات تعليمية وتوعوية وإنشاء برامج ودورات لتوعية الطلاب والأسر بشأن الذكاء الاصطناعي وتعزيز فهمهم لهذا المجال وكشف آثاره السلبية على الأسرة.
البحث وتوفير المعرفة والموارد التعليمية
دعم الأبحاث والدراسات حول تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الأسرة وتوفير المعرفة والتوصيات الضرورية للحماية، وكذا توفير الموارد التعليمية في صورة مواقع إلكترونية ومواد رقمية عبر الإنترنت لمساعدة الأسر في فهم وتدبير الذكاء الاصطناعي بشكل آمن. تقديم المعرفة والدعم الضروري للأسر يحمي هذه الأسر ويعزز فهمهم للذكاء الاصطناعي واستخدامه بشكل إيجابي وآمن. على مراكز الأبحاث والمؤسسات الأكاديمية تنفيذ دراسات وبحوث وتقارير حول تأثيرات الذكاء الاصطناعي على الأسرة وتوفير التوصيات اللازمة.
تنمية التطبيقات الآمنة والتقنيات وتطوير الحلول الابتكارية
من شأن الشركات التكنولوجية القيام بمبادرات لتطوير تطبيقات وأدوات تحمي الخصوصية وتعزز الأمان للاستخدام العائلي للتكنولوجيا. كما على الجهات المختصة والمعنية دعم وتمويل المشاريع والمبادرات التكنولوجية التي تهدف إلى تطوير أدوات وحلول تحمي الأسرة من تأثيرات الذكاء الاصطناعي.
توفير الدعم القانوني والاستشاري
تقديم الدعم القانوني والاستشارات للأسر حول حقوقهم فيما يتعلق باستخدامات الذكاء الاصطناعي والخصوصية.
المراقبة والإشراف
رصد ومراقبة استخدامات الذكاء الاصطناعي والتدخل في الحالات التي تؤثر سلباً على الأسرة، مع التعاون مع الجهات ذات الصلة.
التعاون وتعزيز الشراكات والحوار
على منظمات المجتمع المدني العمل على بناء شراكات مع القطاع الخاص والحكومي والمؤسسات الأكاديمية لتبادل المعرفة والخبرات وتعزيز جهود حماية الأسرة. خاصة من خلال المنتديات والندوات العامة وتنظيم فعاليات ومناقشات لتعزيز الحوار وتشجيع التعاون لحماية الأسرة. بإمكان منظمات المجتمع المدني التواصل والتعاون مع الشركات والصناعات لتطوير سياسات وأدوات تحمي الأسرة من تأثيرات الذكاء الاصطناعي. مثل هذه المبادرات تعتبر جزءًا من الجهود المستمرة لفهم التأثيرات الاجتماعية والأخلاقية للذكاء الاصطناعي وضمان استخدامه بشكل يحافظ على سلامة ورفاهية الأسرة.
كيف نحمي أطفالنا من خطر الذكاء الاصطناعي؟
لا شك أن الأطفال هم الفئة الأكثر عرضة لخطر الذكاء الاصطناعي من غيرهم، ويصبح هذا الأمر مخيفا عندما تتوقع مؤسسة عالمية مختصة مثل مايكروسوفت أنه بحلول أواخر عام 2024، ستصبح روبوتات الدردشة “مُعلمًا جيدًا مثل أي إنسان على الإطلاق” في موضوعات مثل القراءة والكتابة. فكيف ستكون طريقة تعليم أطفالنا؟ وما مصير المعلم “التقليدي”؟ هل سنتخلى عن المعلمين والمدراء والمدارس مادام لكل طفل معلم خاص به، هو عبارة عن روبوت؟ ماذا عن تعليم الأطفال الأخلاق والدين والمعاملة؟ ماذا عن عاطفة الطفل؟ خاصة في ظل الجهل التام بماهية وطبيعة المخزون الثقافي أو المعلوماتي الذي يحمله هذا المعلم الجديد (الروبوت)؟
في مسار ضبط العلاقة بين منظمات المجتمع المدني الأسرة والذكاء الاصطناعي، من الواضح أن الأسرة بمفهومها التقليدي ستعاني كثيرا في السنوات المقبلة، على الرغم من أن خبراء يحثون على توخي الحذر بشأن المخاطر المحتملة لتعريض الأطفال لتكنولوجيا غير مثبتة دون التفكير في كيفية تأثيرها على نموهم النفسي والمعرفي. في المرحلة المقبلة سيكون السؤال الذي لا مفر منه: كيف نحمي أطفالنا من الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بتربيتهم؟
أخصائية علم نفس الأطفال ومؤلفة كتاب “How Toddlers Thrive” الدكتورة الأمريكية توفاه كلاين، تقول أن الأطفال في سن الابتدائية وما قبل المدرسة بحاجة إلى مشاركة الكبار بحال استخدام عالم رقمي قد يحتوي على المزيد من المعلومات غير الدقيقة، وكشفت أن السماح لأطفالك باسخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يعد فكرة سيئة، وأنه حتى بدون القلق من المعلومات الخاطئة، لا يزال يتعين على الأولياء الإشراف التام على الاستخدام للذكاء الاصطناعي من قبل الأطفال.
وفي ظل عدم وجود أي توصيات بإبعاد الذكاء الاصطناعي عن الأطفال تماما، وكأن الأمر حتمي ولا يمكن تجاوزه أو اختيار بديلا عنه، تحاول العديد من المؤسسات التربوية ومنظمات ناشطة في المجتمعات المدنية التكفل بمجرد النصح كطرق للاستعداد للتعامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي كواقع مفروض، ومن هذه النصائح ما يلي:
- أولا وقبل أي شيء، يجب ترسيخ فكرة في ذهنية الطفل بأنه يتعامل مع آلة.
- يجب الانتباه للاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي، فكلما زاد الوقت الذي يقضيه الأطفال مع الذكاء الاصطناعي، قل الوقت الذي يقضونه مع البشر.
- لا تدع أدوات الذكاء الاصطناعي تكون مصدر المعلومات الوحيد.
- التأكد من أن الإنسان يمكنه مساعدة الأطفال في التحدث عن كيفية وصولهم إلى إجابة.
- يجب مساعدتهم على فهمها تماما، حتى لا يفوتهم التطور المعرفي المهم.
- مراقبة مقدار الوقت الذي يقضيه الأطفال مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، تماما كما نفعل مع وسائل التواصل الاجتماعي.
خامسا: اعتبارات وتوصيات
إن انتشار التكنولوجيا والوصول إليها أصبح أمر سهلا للغاية، بغض النظر عن طبيعة هذه التكنولوجيا، لكن قد يكون هناك تحديات في بعض المجتمعات الإسلامية بسبب الفوارق الاقتصادية والتقنية في الوصول إلى التكنولوجيا.
المعضلة الرئيسية في مسألة التعامل مع التكنولوجيا هي في طبيعة التوازن بين الاستخدام الإيجابي والسلبي، فمن المهم العثور على التوازن بين استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي والحفاظ على التقاليد والقيم الأسرية في المجتمعات الإسلامية.
لا شك بأن الذكاء الاصطناعي يحمل فرصا كبيرة لتحسين حياة الأسر المسلمة، ولكن يتطلب ذلك أيضًا الحذر والتفكير العميق في كيفية استخدامه بشكل يحافظ على القيم والمبادئ الثقافية والدينية لتلك الأسر. لكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال تشجيع سلوكيات استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي وأخلاقي.
إن تحقيق هذه التوصيات يتطلب جهودا متعددة الأطراف وتعاونا فعالا بين المؤسسات والحكومات والمجتمعات المدنية للحفاظ على سلامة ورفاهية الأسر في ظل التطور السريع للذكاء الاصطناعي.
ميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي
في إطار الجهود الرامية إلى مواجهة أخطار الذكاء الاصطناعي، أطلقت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) في منصف شهر سبتمبر 2023 المرحلة الأولى لإعداد ميثاق العالم الإسلامي للذكاء الاصطناعي، بهدف وضع نصوص تقدم نظرة مستقبلية حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتساهم في تعزيز توظيف التكنولوجيا الحديثة في إطار احترام الأخلاقيات الإنسانية.
الإيسيسكو نظمت ورشة كبرى لهذا الغرض تحت شعار “كتابة مستقبل الذكاء الاصطناعي”، وشهدت مشاركة عدد من طلاب الجامعات وخبراء التكنولوجيا وممثلي المجتمع المدني. وأكدت المنظمة على أهمية الإطار الأخلاقي الذي تسعى لوضعه عند تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مبرزة ضرورة احترام هذه الأسس والمبادئ الأخلاقية، التي يجب الالتزام بها بهدف تأهيل مجتمعاتنا لمواجهة التحولات الرقمية، مع الحفاظ على القدرة البشرية على الإبداع.
الاتفاق العالمي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي
وضمن نفس الجهود، اعتمدت جميع الدول الأعضاء (193 دولة) في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) نصا تاريخيا بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي يحدد القيم والمبادئ المشتركة اللازمة لضمان تطوير الذكاء الاصطناعي بصورة سليمة.
وتطرقت يونسكو إلى تغلغل الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، من حجز الرحلات الجوية والتقدم بطلب للحصول على قروض إلى قيادة السيارات وتدريس الأولاد وتوصيل الطلبات إلى المنازل. كما أنه يستخدم في مجالات متخصصة مثل فحص السرطان أو للمساعدة في خلق بيئات شاملة لذوي الإعاقة.
وأوضحت يونسكو في بيان لها “أننا نرى مجموعة من التحديات مثل تفاقم التحيز الجنساني والإثني، وتعرض الخصوصية والكرامة والأهلية لتهديدات جدية، وبروز خطر المراقبة الجماعية، وزيادة استخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي غير الموثوق بها في مجال إنفاذ القانون. ولم يكن يوجد حتى الآن معايير عالمية تتصدَّى لهذه المسائل.” وحذرت المنظمة الأممية من أن التكنولوجيا “تولد تحديات غير مسبوقة”.
بالنظر إلى خطورة الذكاء الاصطناعي الشاملة على كل كوكب الأرض، لا يمكن الجزم أن العالم الإسلامي وحده المتضرر من هذا “الوباء التكنولوجي”، ولكنه قد يكون أكثر تضررا. لكن على العموم، يحتاج العالم بأسره إلى وضع قواعد للذكاء الاصطناعي تعود بالنفع على البشرية، من خلال تطوير مزاياه، مع تقليل المخاطر التي ينطوي عليها.
صحيح أن الذكاء الاصطناعي يعيش مع عائلاتنا وأسرنا ويتغلغل في العديد من عاداتنا اليومية، لكن للذكاء الاصطناعي نتائج بارزة في التخصصات البالغة الدقة مثل الكشف عن أمراض السرطان وتهيئة بيئات تلائم الأشخاص ذوي الإعاقة، كما يساهم في حل مشكلات عالمية مثل تغير المناخ والجوع.
توصيات دولية لتشديد الحماية من الذكاء الاصطناعي
في الوقت الذي يزداد فيه الذكاء الاصطناعي تعقيدا وانتشارا، تزداد الأصوات التي تحذر من المخاطر المحتملة لهذا الذكاء الاصطناعي. يقول عالم الفيزياء ستيفن هوكينج: “إن تطور الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعني نهاية الجنس البشري”. بدوره يقول إيلون ماسك مؤسس شركة Tesla وSpaceX : “الذكاء الاصطناعي يخيفني بشدة”. ويقول جيفري هينتون، المعروف في الوسط التكنولوجي بـ “الأب الروحي للذكاء الاصطناعي” وهو باحث متقاعد في Google: “إن التكنولوجيا تتطور بمعدل مخيف و لا ينبغي أن تتوسع بما يتجاوز قدرتنا على السيطرة عليها”.
وفي أواخر شهر مارس من هذه السنة، وقعت مجموعة تضم أكثر من 1000 من قادة التكنولوجيا والباحثين وغيرهم من الخبراء العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي رسالة مفتوحة تحذر من تقنيات الذكاء الاصطناعي لما تحمله من “مخاطر جسيمة على المجتمع والإنسانية”. إلى جانب ذلك حذّرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السابقة ميشيل باشليت في سبتمبر 2021، من أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي قد تحمل “آثاراً سلبية كارثية إذا تم استخدامها دون أي اهتمام لكيفية تأثيرها على حقوق الإنسان”. بل أن البرلمان الأوروبي توصل إلى نتيجة هامة اعتمد من خلالها حظرا لتكنولوجيا التعرف على الوجه، لما فيها من انتهاك لحقوق الإنسان.
إن في تحرك هؤلاء الأشخاص والخبراء والمؤسسات وكذا منظمات عالمية مثل “اليونسكو” و “الإيسيسكو “، وكذلك منظمات المجتمع المدني في كل دولة من دول العالم..سعى من جهة إلى الاستفادة من المزايا التي يقدِّمها الذكاء الاصطناعي إلى المجتمع، وفي نفس الوقت الحدِّ من المخاطر المترتبة على استخدامه. وتقع توصيات هذه المؤسسات والمنظمات في مجال يكفل قيام التحولات الرقمية بتعزيز حقوق الإنسان والمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والتصدي لمسائل تتعلق بحماية الأسرة وسيادة القانون وبالشفافية والمساءلة والخصوصية، و ذلك بوضع سياسات عملية المنحى بشأن إدارة البيانات والتعليم والثقافة ووالأخلاق والعمل والرعاية الصحية والاقتصاد. وغيرها.
وعلى غرار العديد من منظمات المجتمع المدني، شددت “يونسكو” على جملة من التوصيات لحماية المجتمع من خطر الذكاء الاصطناعي:
1– حماية البيانات
دعت إلى عمل يتجاوز ما تقوم به الحكومات والشركات لضمان المزيد من الحماية للأفراد والأسر، من خلال تأمين الشفافية والأهلية والمراقبة في التعامل مع بياناتهم. وهي تنصُّ على أنَّه ينبغي أن يتمكَّن الأفراد من الحصول على سجلات بياناتهم الشخصية أو حتى حذفها. كما تتضمَّن إجراءات لحماية بيانات الأفراد ومعارفهم، وحقهم في التحكم ببياناتهم.
2– حظر وضع العلامات الاجتماعية وإجراء عمليات المراقبة الجماعية
تنص التوصية صراحة على حظر استخدام نظم الذكاء الاصطناعي لأغراض وضع العلامات الاجتماعية أو إجراء عمليات مراقبة جماعية. وتكتسي هذه الأنواع من التقنيات طابعاً شديد التوسع، إذ تنتهك حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتستخدم على نطاق واسع. وتشدد التوصية على أنّه ينبغي على الدول الأعضاء، عند إعداد الأطر التنظيمية، مراعاة وجوب اقتصار تحمّل المسؤولية النهائية والخضوع إلى المساءلة على البشر، وأنّه لا ينبغي منح تقنيات الذكاء الاصطناعي بحدّ ذاتها شخصية معنوية.
3– المساعدة في عمليات الرصد والتقييم
تحدد التوصية أيضاً الأساس لوضع الأدوات التي ستساعد في إنفاذها. ويتمثل الهدف من تقييم العواقب الأخلاقية في مساعدة البلدان والشركات في إعداد نظم الذكاء الاصطناعي ونشرها بغية تقييم تأثير هذه النظم في الأفراد والمجتمع والبيئة.
4– حماية البيئة
وتؤكد التوصية أنّه يجب على الجهات الفاعلة في مجال الذكاء الاصطناعي تفضيل اختيار وسائل الذكاء الاصطناعي التي تتسم بالكفاءة في استخدام البيانات والطاقة والموارد، كي تسهم هذه الوسائل في ضمان توطيد دور الذكاء الاصطناعي البارز باعتباره إحدى أدوات التصدي لتغير المناخ ومعالجة القضايا البيئية.
عشر مبادئ أساسية لوثيقة أخلاقيات الذكاء الاصطناعي
الحقيقة أن الوثيقة التي أعدتها اليونسكو وثيقة تقنينية عالمية هي الأولى من نوعها في مجال أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والركيزة الأساسية لهذه الوثيقة هي الذود عن حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، استناداً إلى النهوض بالمبادئ الأساسية المتمثلة في الشفافية والإنصاف مع التذكير الدائم بضرورة الإشراف البشري على نظم الذكاء الاصطناعي.
وتمتاز هذه التوصية بقابلية استثنائية للتنفيذ نظراً إلى مجالات عملها الواسعة، التي تتيح لصناع القرار ترجمة القيم والمبادئ الأساسية إلى أفعال مع احترام حوكمة البيانات والبيئة والنوع الاجتماعي والتربية والثقافة والعادات والتقليد والأخلاق والبحوث والصحة والرفاه الاجتماعي، وغيرها الكثير من مختلف مناحي الحياة.
وهي أي الوثيقة تصب في أربع قيم أساسية:
تتمحور الاتفاقية حول أربع قيم أساسية تُرسي الأسس لنظم الذكاء الاصطناعي التي تصب في خير البشرية والأفراد والأسر والمجتمعات والبيئة:
- احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والكرامة الإنسانية، وحمايتها، وتعزيزها.
- العيش في مجتمعات سلمية وعادلة ومترابطة.
- ضمان التنوع والشمولية
- ازدهار البيئة والنظم البيئية
وثمّة عشرة مبادئ أساسية لإرساء أسس نهج قوامه حقوق الإنسان إزاء أخلاقيات الذكاء الاصطناعي:
1– التناسب وعدم إلحاق الأذى
يجب ألا يتجاوز استخدام نظم الذكاء الاصطناعي حدود ما هو ضروري لتحقيق غايات مشروعة. ولا بدَّ من تقييم المخاطر للحيلولة دون إلحاق أضرار من جرّاء هذه الاستخدامات.
2– السلامة والأمن
لا بدَّ من الحيلولة دون تكبّد الأضرار غير المرغوبة (مخاطر السلامة) وتقويض مواطن الضعف إزاء الهجمات (مخاطر أمنية)، ومعالجتها من قبل الجهات الفاعلة في مجال الذكاء الاصطناعي.
3– الحق في الخصوصية وحماية البيانات
يجب حماية الخصوصية وتوطيدها من خلال دورة حياة نظم الذكاء الاصطناعي. ولا بدَّ من وضع أطر ملائمة لحماية البيانات.
4– الجهات المعنية المتعددة، والحوكمة والتعاون القادران على التكيف
يجب احترام القانون الدولي والسيادة الوطنية خلال استخدام البيانات، ولا بدَّ من إشراك مختلف الجهات المعنية لاتباع نهوج شاملة إزاء حوكمة نظم الذكاء الاصطناعي.
5– المسؤولية والمساءلة
يجب أن تكون نظم الذكاء الاصطناعي قابلة للمراجعة ومتفق عليها. ولا بدّ من وجود إشراف وتقييم الآثار وتنفيذ آليات غايتها بذل العناية الواجبة والمراجعة والتدقيق، وذلك لتجنب التعارض مع حقوق الإنسان والمخاطر التي تهدد الأفراد والأسر ئفي مجالات عدة.
6– الشفافية والقابلية للشرح
يعتمد نشر نظم الذكاء الاصطناعي بطريقة تتسم بالالتزام الأخلاقي على الشفافية والقابلية للشرح. ولا بدّ من تكييف درجة الشفافية والقابلية للقياس استناداً إلى السياق، إذ قد تنشب أوضاع متوترة بين الشفافية والقابلية للقياس، من جهة، وغيرها من مبادئ الخصوصية والأمن والسلامة من جهة أخرى.
7– الرقابة البشرية والحزم
ينبغي للدول الأعضاء ضمان ألا تحل نظم الذكاء الاصطناعي مكان المسؤولية والمساءلة البشرية المطلقة.
8– الاستدامة
يجب تقييم تقنيات الذكاء الاصطناعي استناداً إلى آثارها على “الاستدامة” وفهمها كطيف من الأهداف المتغيرة باستمرار، بما في ذلك أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
9– الوعي ومحو الأمية
يجب تعزيز فهم الجمهور للذكاء الاصطناعي والبيانات من خلال التعليم المفتوح والمتاح للجميع، والمشاركة المدنية، والمهارات الرقمية، والتدريب في مجال أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ومحو الأمية الإعلامية والمعلوماتية.
10– الإنصاف وعدم التمييز
ينبغي للجهات الفاعلة في مجال الذكاء الاصطناعي تعزيز العدالة الاجتماعية، والإنصاف وعدم التمييز، واتباع نهج شامل لضمان أن تعم فوائد الذكاء الاصطناعي على الجميع.
خاتمة
في الأخير، لا يجب أن نطرح السؤال التقليدي المعروف: هل الذكاء الاصطناعي نعمة أم نقمة؟ فبقدر ما للذكاء الاصطناعي من فوائد في الارتقاء بمستوى حياة البشر، فإن له بالمثل مضار ومخاطر جمّة إذا لم يُحسن استخدامه، ومن ثمّ لا بد من وضع لوائح وضوابط لكبح جماحه لتجنب وقوع كارثة بسببه.
فعلى منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية والحكومات أن تعمل على سن لوائح وقوانين كفيلة بضمان تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لاستخدامها بمسؤولية، بصورة لا تسبب أي نمط من أنماط الضرر سواء للفرد أو للمجتمع. وبالتالي على هذه الجهات أن تمنع من أن تصبح أخطر أنظمة الذكاء الاصطناعي في متناول الجميع على نطاق واسع، بحيث لا يمكن التحكم فيها فيما بعد.
على هذه المؤسسات استغلال الوقت لتحصين الأسرة والمجتمع ضد مخاطر الذكاء الاصطناعي العديدة، إذ يتعين عليها توظيف مجموعة واسعة من إجراءات الحماية، ومد يد العون للعلماء وذلك بالكشف عن اختراق المختبرات والحد منها، وتطوير أدوات الأمن السيبراني التي تجعل البنيات التحتية الحساسة تحت الإدارة المناسبة.
1- محاسن وعيوب الذكاء الاصطناعي - أنوجا لاث (خبيرة التسويق الرقمي)، مؤسسة ورئيسة تنفيذية لشركة تسويق رقمية كبرى. (مقال)
2- الذكاء الاصطناعي تهديد للصحة العقلية والقيم الإنسانية والدينية والأخلاقية – دراسة لمركر الخليج العربي للدراسات والبحوث
3- مخاطر وأضرار الذكاء الاصطناعي - مايك توماس (مقال)
4- مقررات القمة العالمية بشأن الذكاء الاصطناعي لتحقيق الصالح العام 2018
5- الندوة العالمية لمنظمي الاتصالات لعام 2018
6- مجلة أخبار الاتحاد الأوروربي بشأن الذكاء الاصطناعي
7- الموقع الرسمي لمنظمتي الإيسيسكو واليونسكو
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|