عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-12-2023, 09:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,873
الدولة : Egypt
افتراضي شرح حديث: "احفظ الله يحفظك"

شرح حديث: "احفظ الله يحفظك"
أبو عاصم البركاتي المصري

أخرج الإمام الترمذي في سننه (4/ 667) برقم (2516) بسنده عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: "يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ".

قال الإمام الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ".

تخريج الحديث:
أخرجه أحمد (2763) وعبد بن حميد في المنتخب (636) وابن الجعد في "المسند" (3445) وأبو يعلى الموصلي في "المسند" (2556) وفي "المعجم" (96) وهناد بن السري في "الزهد" (536) والطبراني في "المعجم الكبير" (12988) وفي "الأوسط" (5417) والحاكم في "المستدرك" (6303)؛ (6304) والقضاعي في "مسند الشهاب" (745)، وفي رواية الإمام أحمد رقم(2803) بسنده عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا غُلامُ، أَوْ يَا غُلَيِّمُ، أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟ " فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: " احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَإِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَلَيْكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ".

وقال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الوسطى" (4/ 285): وهو حديث صحيح.

وقال ابن رجب: هذه الطريق حسنة جيدة" جامع العلوم (1/ 462).

معاني المفردات:
خلف:أي وراءه، أو رديفه على الدابة.
غلام: أي الصبي الذي ناهز الاحتلام.
احفظ: أي صن وارعَ.
تجاهك: أي أمامك.
سألت: دعوت وطلبت.
استعنت: طلبت الإعانة.
كتبه: قدَّره.
رفعت الأقلام: انتهت من الكتابة.
جفت: يبست؛ أي يبس المداد.
الصحف: الكتب التي كتبت فيها المقادير في اللوح المحفوظ.

صحابي الحديث: أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، (3 ق هـ / 618م – 68 هـ / 687م) صحابي جليل ومحدث وفقيه ومُفسِّر، وهو ابن عم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأحد المكثرين لرواية الحديث، حيث روى 1660 حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهُ في الصحيحين 75 حَدِيثًا متفقا عليها.

وتفرد البخاري له بِـ 110 أَحَادِيثَ، وتفرَّد مسلم بن الحجاج بـ 49 حَدِيثًا.

أسلم عبدالله بن عباس قبل أبيه، وهاجر مع أبويه إلى المدينة عام فتح مكة؛ أي: في العام الثامن من الهجرة؛ [سير أعلام النبلاء؛ للذهبي 3/333)].

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان، وأمي من النساء؛ [البخاري (1357)].

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس:
(1) روى البخاري عن ابن عباس، قال: ضمَّني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وقال: "اللهم علِّمْه الحكمة"؛ [البخاري (3756)].

وأخرج أحمد (2879) بسنده عن ابن عَبَّاسٍ، قال: وَضَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ - أَوْ قَالَ: عَلَى مَنْكِبَيَّ - فَقَالَ: "اللهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ".

(2) روى البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعت له وضوءًا، قال: "من وضع هذا؟" فأخبر، فقال: "اللهُمَّ فقِّهْه في الدين"؛ [البخاري ( 143)].

(3) روى أحمد عن عبدالله بن عباس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فصلَّيتُ خلفه، فأخذ بيدي، فجرني فجعلني حذاءه، فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال لي: "ما شأني أجعلك حذائي فتخنس؟"، فقلت: يا رسول الله، أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله الذي أعطاك الله؟ قال: فأعجبته، فدعا الله لي أن يزيدني علمًا وفهمًا؛ [مسند أحمد (3060)].

طلب عبد الله بن عباس العلم والحديث من الصحابة، وقرأ القرآن على زيد بن ثابت وأبي بن كعب، وكان يسأل عن المسألة الواحدة ثلاثين من الصحابة.

شرح الحديث:
هذا حديث عظيم القدر حافل بالمعاني والفوائد، مبين وموضح لأصول جليلة من أصول الدين وأركان الإيمان.

بيان جواز الإرداف على الدابة:
أولًا: قوله " كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي رديفه على دابة، ومن العلماء من قال كان يمشي خلفه، ومنهم من قال يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان راكبا وابن عباس يمشي خلف الدابة، والصواب أنه كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدابة لرواية الإمام أحمد في "المسند" (2803) وفيها التصريح بالإرداف.

وإرداف النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما دليل تواضعه ولينه صلى الله عليه وسلم لأصحابه وآل بيته، روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان صلى الله عليه وسلم يُرْدِف خلفه، ويضع طعامه على الأرض، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار[1]".

أسلوب النداء لإعداد المخاطب وتهيئته لتلقي الكلام والخطاب:
ثانيًا: قوله صلى الله عليه وسلم" يا غلام " نداء، والنداء من أساليب التخاطب والتواصل عند العرب، ويستعمل للتنبيه واعداد المخاطَب لما سيقوله المتكلم، لأن (النداء) يسترعي أسماع المنادَيْن؛ حتى يتحقق مقصد الكلام من التقارب والتفاهم، والأصل في النداء أن يكون باسم المنادَى، ولا يعدل من الاسم العَلَم إلى غيره من وصف، أو إضافة إلا لغرض مقصودٍ من تعظيم، وتكريم أو تلطٌّف وتقرب، أو قصد تهكم؛ نحو: ﴿ وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الحجر: 6]، والنداء في قوله صلى الله عليه وسلم: (يا غلام) للتلطف والتحبب والتقريب.

استغلال المواقف والأوقات في الدعوة إلى الله:
ثالثًا: في الحديث إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يخلي موقفًا من دعوة إلى الله تعالى أو بيان للتوحيد، وكذا التحذير من الشرك ومظاهره، أو من نصح وإرشاد وتعليم، فالداعية عليه الاستفادة من المواقف والأحداث والوقائع ويستثمرها في الدعوة وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من ذلك ما أخرجه الشيخان عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ" قُلْنَا: لاَ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: "لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا"[2].

وهكذا كان أحيانًا يطرح النبي صلى الله عليه وسلم سؤالًا؛ ليسمع من أصحابه أجوبتهم، ويسبر علمهم ويقوِّم فهومهم، ويحدثهم بأسلوب الحكيم، وهو إعطاء الجواب وزيادة من الفوائد.

بيان فصاحة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
رابعًا: قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ"؛ أي قليلة المباني لكنها عظيمة المعاني، وكان صلى الله عليه وسلم أفصح العرب، ولا يتكلف القول، ولا يكثر السجع، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].

وأخرج البخاري ومسلم واللفظ للبخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ – البخاري-: " وَبَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الكَلِمِ: أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ الأُمُورَ الكَثِيرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الكُتُبِ قَبْلَهُ، فِي الأَمْرِ الوَاحِدِ، وَالأَمْرَيْنِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ" متفق عليه.

وأيضًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ "يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لَأَحْصَاهُ"؛ متفق عليه.

"احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ":
خامسًا: قوله صلى الله عليه وسلم: "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ"؛ أي احفظ حدوده، والزم أمره وقف عند نهيه، فاعمل بالشرائع وانته عن المناهي، قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء: 13، 14].


وقد وعد الله الحافظين لحدوده سبحانه بالجزاء الجميل؛ قال تعالى: ﴿ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 112]، وقال: ﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴾ [ق: 32 – 33].

جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ بن جبل! قلت: لبيكَ رسولَ الله وسعديك، قال: فإنّ حقَّ اللهِ على العباد أنْ يَعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، ثم سار ساعةً؛ ثم قال: يا معاذُ بن جبل! قلت: لبيكَ رسول الله وسَعْديك، قال: هل تدري ما حقّ العباد على الله؛ إذا فعلوا ذلك؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " ألا يُعَذّبهم".

ومن ذلك المعنى ما أخرجه البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ".

الجزاء من جنس العمل:
سادسًا: وجملة "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ"، توضح أن الجزاء من جنس العمل، وفي الرواية الثانية لهذا الحديث: "تعرّف إلى الله في الرخاء، يعرِفك فـي الشدة"، وهذا في باب الجزاء، مثل قوله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [البقرة: 40]، وقوله: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، وقوله: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30]، وقوله: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ [النساء: 142].

حفظ النفس من الهلاك:
سابعًا: ومن معاني الحفظ من الله للعبد حفظ النفس والبدن عن الهلاك والمصائب؛ قال تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11]؛ أخرج الطبري في تفسيره (16/ 371) بسنده عن ابن عباس: ﴿ يحفظونه من أمر الله ﴾ قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدره خَلَّوا عنه.

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح إذا أَمْسَى: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِنْ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تحتي"[3]، وقال تعالى: ﴿ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾ [الطارق: 4].

قال الطبري (24/ 353): فتأويل الكلام إذًا: إن كلَّ نفس لعليها حافظ من ربها، يحفظ عملها، ويُحصي عليها ما تكسب من خير أو شرٍّ.

وقال القرطبي في تفسيره (20/ 3): قَالَ قَتَادَةُ: حَفَظَةٌ يَحْفَظُونَ عَلَيْكَ رِزْقَكَ وَعَمَلَكَ وَأَجَلَكَ....

وَقِيلَ: الْمَعْنَى إِنْ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ: يَحْفَظُهَا مِنَ الْآفَاتِ، حَتَّى يُسَلِّمَهَا إِلَى الْقَدَرِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الْحَافِظُ مِنَ اللَّهِ، يَحْفَظُهَا حَتَّى يسلمها إلى المقادير؛ انتهى.

حفظ المال والولد:
ثامنًا: ومن معاني حفظ الله للعبد حفظ ماله وولده، أخرج الطبري في تفسيره (18/ 91) بسنده عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس، في قوله ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ قال: حفظًا بصلاح أبيهما، وما ذكر منهما صلاح.

قال ابن رجب الحنبليّ رحمه الله:
"وقد يَحفظ اللهُ العبدَ بصلاحِه، بعد موتِه في ذريته؛ كما قيل في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ [الكهف من الآية: 82]: أنهما حُفظا بصلاح أبيهما، قال سعيد بن المسيّب لابنِه: لأزيدنَّ في صلاتي من أجلك، رجاء أن أُحفظ فيك، ثم تلا هذه الآية: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾.

وقال عمر بن عبد العزيز: ما من مؤمنٍ يموت؛ إلَّا حفَظه اللهُ في عقبِه وعَقب عقبه!

وقال ابن المنكدر: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولدَه وولدَ ولدِه، والدويرات التي حولَه، فما يزالون في حفظٍ من الله وستر"[4].

حفظ العبد من مضلات الفتن:
تاسعا: وكذلك من معاني الحفظ حفظ العبد من مضلات الفتن، فتن الشبهات وفتن الشهوات، وهذا خاص بالمؤمنين؛ قال تعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف: 24]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 74]، وقال الله تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرتجز هو والصحابة برجز عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا
وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا[5]

وأخرج أحمد(12107) والبخاري في الأدب المفرد (683) عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ".

ولقد أجاد من قال:
ما سُمِّي القلب إلا من تقلُّبه
فاحذر على القلب من قلب وتحول




وأخرج مسلم (2654) عن عَبْد اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ" ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ".


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]