ثم قال في نفس السورة: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[41]. أي “أو تُشْبه حالُ فريق آخر من المنافقين يظهر لهم الحق تارة، ويشكون فيه تارة أخرى، حالَ جماعة يمشون في العراء، فينصب عليهم مطر شديد، تصاحبه ظلمات بعضها فوق بعض، مع قصف الرعد، ولمعان البرق، والصواعق المحرقة، التي تجعلهم من شدة الهول يضعون أصابعهم في آذانهم; خوفًا من الهلاك. والله تعالى محيط بالكافرين لا يفوتونه ولا يعجزونه”[42].
الجهل بالدين وتعاليم الإسلام:
المنافقين كثيرا ما يتصفون بالجهل ولا يفقهون شيء من الدين، ويحاولون إبداء غير هذا. وقد رُوِىَ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا. قال الليث: كانا رجلين من المنافقين)[43]. ولا عجب، فهم إن تعلموا الدين بتعمق لذهب عنهم النفاق، ولإستيقظت قلوبهم من الغفلة وآمنوا بالله واليوم الآخر والحساب والبعث. وكل ذلك يذهب النفاق، ولكنهم أهملوا تعلم الدين وتركوه، فأصابهم النفاق. قال تعالى: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[44].
سوء الظن بالله وعدم التصديق بوعده:
فتجد المنافق لا يصدق بوعد الله لأنه لا يؤمن بالآخرة ولا بالجزاء والعقاب. وإن كان لديه إيمان فليس بإيمان كامل يوزعه لعمل الطاعات. قال تعالى: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)[45]. وقال في سورة الأنفال: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[46]. كما أن المنافق بعد ذلك يسئ الظن بالله. قال تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[47].
الكبر:
الكبر من صفات المنافقين. فكثيرا ما تجدهم يتكبرون على المسلمين، ويظنون أنه أفضل منهم إما لعرض دنيوي من مال أو منصب وجاه أو غيره. فلا يرون أن ما يتفاضل به الناس هو تقوى الله كما علمنا النبي الكريم. وقد ووصفهم الله بهذه الصفة في قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)[48]. والكبر صفة ذميمة تمنع صاحبها من دخول الجنة. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)[49].
تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى:
المنافقون لا يحبون بعضهم البعض، ولا تتآلف قلوبهم. فكل منهم يخاف على منصبه وأمواله. وعلى سبيل المثال عبد الله ابن أبي سلول كان يأمل أن يصير والي المدينة قبل أن الهجرة. فبعد أن هاجر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وصار هو الوالي، أصبح ذلك المنافق يضمر الشر ويظهر السلام. ولا يهمه أتباعه بقدر ما أهمه المنصب الذي فقده. قال تعالى: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)[50].
الخوف من ضياع المنصب والمال بفضحهم أمام المسلمين:
يخاف المنافقين على مناصبهم وأموالهم. ولذا تراهم يهابون المسلمين ويتملَّقوهم ويخافون الفضيحة أمامهم. قال تعالى: (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ)[51]. وقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا)[52].
حبهم أن يحمدوا بما لم يفعلوا:
من علامات المنافقين حبهم أن يحمدوا بما لم يفعلوا. وذلك لحبهم ثناء الناس والجاه بينهم. قال تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[53]. وروىأبو سعيد الخدري: (أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه، وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: (لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) الآية)[54].
التذبذب بين المسلمين والكافرين:
من علامات المنافقين التذبذب بين المسلمين والكافرين. قال تعالى: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ)[55]. أي “إنَّ مِن شأن هؤلاء المنافقين التردد والحَيْرة والاضطراب، لا يستقرون على حال، فلا هم مع المؤمنين ولا هم مع الكافرين”[56]. وقال بن باز – رحمه الله -: “والمعنى أنهم مترددون بين الكفار والمسلمين، تارة مع الكفار إذا ظهر الكفار وانتصروا، وتارة مع المؤمنين إن ظهروا وانتصروا، فليس عندهم ثبات ولا دين مستقيم ولا إيمان ثابت، بل هم مذبذبون بين الكفر والإيمان وبين الكفار والمسلمين”[57].
خوفهم من المؤمنين:
تجد المنافقين يجدون خوف ورهبة من المؤمنين. وذلك لأنهم لا يخافون الله، ولا يحسبون حساب إلا لما يرونه بأعينهم في الدنيا. فما في الآخرة لا يهيم ولا يؤمنون به. ولذ تجدهم كالقدر الخاوية التي تخشى كسرها في أي لحظة. قال تعالى: (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ)[58].
من أفعال المنافقين
هناك أفعال يكثر وقوعها من المنافقين، وقد تصدر ايضاً من غيرهم. إلا وأن كثرة وقوعها قد تكون علامة على النفاق. منها ما يلي:
الاستهزاء بالقرآن وبالله ورسوله:
كثيرا ما يستهزأ المنافقون بالدين. وضد توعدهم الله لذلك بالعذاب الأليم ونهى المسلمين من الجلوس معهم عندما يقدموا على هذه الأفعال الكفرية. قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)[59].
وقال: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ)[60].
فمن يقوم بالإستهزاء بالله أو رسوله وهو يُبدي الإسلام، فلابد وأن يكون منافق، إذ كيف يتسنى له أن يقوم بهذه الكبائر إن كان مؤمن بوعد الله ووعيده.
الحكم بغير ما أنزل الله وعدم الرضى بشرع الله:
لقد انتشرت القوانين الوضعية والتي تخالف شرع الله والتي طبقت من قبل العلمانيين الذين لا يعيرون لرضاء الله بال وكثير منهم منافقون. وأصبح هذا هو المنتشر في بلاد المسلمين منذ سقوط الدولة الإسلامية. وذلك لإنتشار ضعف الإيمان وإعطاء الأمر إلى غير أهله. وتنتشر هذه الصفة في ضعاف الإيمان من موظفي الدولة. وذلك بحكم مناصبهم في تولى القضاء ووضع القوانين وتشريع الاحكام التي تفصل بين الناس وتتولى البت في الأمور القضائية. قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[61].
وتجد المنافقين إذا داهمتهم مسألة جاءت فيها فتوى بتحريمها يبذلوا الجهد ليجدوا المداخل والطرقات الملتوية للخروج منها بتحليل ما حرم الله. فإذا نصحت أحدهم على سبيل المثال بعدم جواز خلع الحجاب أتوا بأدلة ما أنزل الله بها من سلطان لتحليل خلعه. وغيرها من الأمثلة التي المتفرقة. قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا)[62].
وقال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[63].
وقد انتقد الله من يبتغي حكم الجاهلية في قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[64].
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يَكونَ هواهُ تبعًا لمَّا جئتُ بِهِ)[65].
ومن تعاليم ديننا طاعة ولاة الأمر. فهي واجبة ما لم يرى الناس كفراً بواحاً. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (دَعَانَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَكانَ فِيما أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ، قالَ: إلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فيه بُرْهَانٌ)[66].
فإذا رأي المسلمين انحراف الإمام عن جادة الطريق بشكل كبير يصل لحد الكفر كان حريا بهم جمع أمرهم لتصويبه ورده إلى جادة الصواب وعدم متابعتهم ومداراتهم في تضييع حقوق الله.
موالاة الكفار ومداهنتهم:
من طباع المنافقين موالاة الكفار ومداهنتهم. وذلك لأنهم قوماً لا يهمهم سوى الدنيا وتحصيل عروضها. فهم لا يريدوا أن يخسروا مناصبهم وأموالهم ومزاياهم في المجتمع. فتراهم يداهنون الكفار ويكرموهم ويرفعوا شأنهم فوق المسلمين. وقد توعدهم الله بعذاب أليم نتيجة نفاقهم وأفعالهم المشينة. قال تعالى: (قال تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[67].
وقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ)[68].
بغض الصحابة وتكفيرهم:
من علامات النفاق بغض الصحابة وتكفيرهم. ومعلوم أن من العقد الصحيح سلامة الصدر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوحيد صف المؤمنين. ومع ذلك تجد المنافقين يتمادون في إيذاء الصحابة ويتجرؤون على سبهم، وهم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه ونصرته. قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأولونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه).
وهذه شهادة من النبي صلى الله عليهم وسلم ففضل الصحابة وعلو منزلتهم. وقال علي – رضي الله عنه -: (والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي: أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق)[69].
وروى البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار: (لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله)[70]. وقال أيضاً: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)[71]. ولا تجد مؤمن كامل الإيمان يبغضهم ويتكلم عنهم بسوء أو يكفرهم.
تقديم المال والمصالح الدنيوية على الدين وقبول الرشوة:
ونجد في المسلمين اليوم من يتنازل عن اتباع تعاليم دينه لأجل تحصيل مصلحة دنيوية من مال او منصب وغيره. ومثاله كمن يقبل الرشوة لتسهيل على المخالفين الفارين من ضبط النظام لهم. ومنه المعلم الذي يعطى درجات لطالب بغير وجه حق لتحصيل اكرامية من والده ومن يعطي رشوة لإستخراج مستند حكومي لا يحق له، ونحو ذلك. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[72].
وقال: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[73].
وقد تنبأ نبينا الكريم عن ظهور فئات من الناس سيبيعون دينهم بأعرض الدنيا، وقد حدث كثيرا في زماننا هذا. وفعن أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بادِروا بالأَعمالِ فِتَنًا كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ؛ يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمسي كافِرًا، ويُمسي مُؤمِنًا، ويُصبِحُ كافِرًا، يَبيعُ دينَه بِعَرَضٍ مِن الدُّنيا قَليلٍ)[74].
الاستهانة بالطاعة والتخلف عن الجهاد:
من صفات المنافقين الإستهانة بالطاعة والتخلف عن الجهاد. وقد بين الله تعالى في قوله: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)[75].
وقوله: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[76].
عدم قبول الحق والمراء في الجدال:
المنافقين عادة لا يقبلون الحق، ويتمارون في الجدال والحجج الواهية. وقد وصفهم الله تعالى بوصف بليغ، وهو أنهم صم عن سماع الحق، وبكم عن النطق به. قال تعالى: (* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)[77]. قال صلى الله عليه وسلم: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتو الجدال)[78]. وقال: (الجدال في القرآن كفر)[79].
اتباع الشهوات والدعوة إلى الفاحشة والمعاصي:
متابعة الشهوات دون وازع ديني أو حد من صفات المنافقين الواضحة. وكثيرا ما نرى هذه الصفة فيمن يسمون بأهل الفن في هذا الزمان. فتجدهم لا يتهاونون من إرتكاب الفواحش واتباع الشهوات لأجل عمل فيلم أو مسلسل تلفزيوني. فتجد المال والشهرة عندهم أهم من رضى الله تعالى. قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)[80].
وكذلك تجد هذه الأفلام بها دعوة للفاحشة والمعاصي دون أي إعتبار لتعاليم الدين. والجيل الذي يتربى على مشاهدة هذه الأفلام يرى الإختلاط والحب الحرام وشرب الخمر والقتل والسرقة والغدر وبيع الهوى وغيرها من الفواحش أمور عادية وذلك لتكرار عرضها في هذه الأفلام وتخزين صورها في عقولهم الباطنة حتى أصبحت أمر عادي أو معتاد المشاهدة. قال تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[81].
التكاسل عن الصلاة:
ومن ذلكتفويت الصلاة عن وقتها لاسيما صلاتي الصبح والعشاء أو تركها بالكلية. قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)[82].
وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، لقد هممت أن آمر المؤذن، فيقيم، ثم آمر رجلا يؤم الناس، ثم آخذ شعلا من نار، فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد)[83].
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنهما – قال: لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه)[84].
والصلاة أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة. فلا يتركها إلا من ضعف إيمانه وتصديقه باليوم الآخر.
البخل ونهي الناس عن الإنفاق:
المنافق يستخسر الصدقة في الفقراء ويبخل بها، بل وينهى غيره عنها. وذلك لأن قلبه مريض وليس به إيمان بالآخرة. فينظر فقط إلى صرف المال في الصدقة بينما ينسى أو يتناسى الأجر العظيم المترتب عليها في الآخرة. ولا يؤمن بأن الله سيعوضه لأنه لا يؤمن بالله أساساً أو لا يصدق بوعده. قال تعالى: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ)[85].
وقال: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[86].
شهادة الزور والسكوت عن الحق:
شهادة الزور كبيرة من الكبائر التي قد تشير الي وجود النفاق. فشاهد الزور لا يهمه مراقبة الله عز وجل له مثل ما يهمه أمر الدنيا. وقال أنس بن مالك: (ذَكَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الكَبَائِرَ -أوْ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ- فَقالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، فَقالَ: ألَا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قالَ: قَوْلُ الزُّورِ)[87].
وشاهد الزور ظالم، فهو بكذبه يظلم الناس أو يظلم نفسه. ويركب كبيرة من الكبائر قد توقعه في نار جهنم إن لم يتب منها. ودوافع شهادة الزور قد يكون الطمع، أو الحقد، أو النفاق. وكلهم قبيح. قال تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[88].
ومدح الله تعالى الذين يجتنبون شهادة الزور في قوله: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)[89].
حفظ القرآن للدنيا:
ونرى اليوم اعداد من حفظة القرآن الذين لا يحفظونه لوجه الله ولا هم لهم سوى الشهرة. وقد تنبأ بظهورهم النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (تخرُجُ خارجةٌ من أُمَّتي، ليس صلاتُكم إلى صلاتِهم بشيءٍ، ولا صيامُكم إلى صيامِهم بشيءٍ، ولا قراءتُكم إلى قراءتِهم بشيءٍ، يَقرَؤونَ القُرآنَ يَحسَبونَ أنَّه لهم، وهو عليهم، لا يُجاوِزُ حَناجِرَهم، يَمرُقونَ منَ الإسلامِ كما يَمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ …)[90].
فهؤلاء أجهدوا أنفسهم في الحفظ ولكن لم تصلح نواياهم، فأضاعوا أوقاتهم وجهدهم وليس لهم في الآخرة أجر ولا ثواب. وسيجدون أعمالهم كسراب لا يمكن تحصيله أو نيل شيء منه؛ وذلك نتيجة نفاقهم وعدم إخلاصهم لله تعالى. وقد كان حريا بهم ان يستفيدوا من الآيات التي حفظوها ويخلصوا النية لينجوا من النار وينالوا الأجر العظيم في الآخرة. ولذا أمر النية من أهم الأساسيات التي يجب إصلاحها في قلب كل مسلم. حتى ينجو وينار ثمرة تعبه في الدنيا. وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)[91].
كما قال: (المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به: كالأترجة، طعمها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن، ويعمل به: كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن: كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن: كالحنظلة، طعمها مر – أو خبيث – وريحها مر)[92].
الفتوى الكاذبة والقول على الله دون علم:
المنافقين لا يتورعون من القول على الله دون علم. وتراهم يطلقون الفتاوى والأحكام دون روية ولا معرفة. فهم لا يخافون من القول على الله دون علم. بالرغم من أنها كبيرة حذر نهانا عنها القرآن في أكثر من موضع، وتوعد مرتكبها بالعذاب. قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[93].
كما أن منهم من وضع الأحاديث الكاذبة ليصل لمبتغاه وينال العطايا ويتقرب لموظفي الدولة. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وتوعد فاعله بعذاب النار، وذلك في قوله: (ومن كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)[94].
يسخرون من المؤمنين:
وتجد المنافقين يسخرون من المؤمنين، كما حدث عندما سخروا من صدقاتهم البسيطة لفقرهم، ونسوا أن الله تعالى يقبلها بيمينه إن خلصت. فالله لا يحتاج صدقاتنا قلت أو كثرت وإنما يهمه التقوى والنية فيها. قال تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[95].
وعن أبو مسعود عقبة بن عمرو- رضي الله عنه – قال: (ما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رئاء، فنزلت: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم}[96] الآية)[97].
محاولة أذى المسلمين وإشعال الفتن بينهم:
من علامات المنافقين أنهم يميلون لإشعال الفتن بين المسلمين. فتراهم ينقلون القيل والقال ويزيفون الحقائق وينقلون الأكاذيب والخباثات ليوقعوا بين المسلمين. قال تعالى: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[98].
فتراهم يركزون على نشر أي شي يمكن أن يسبب بلبلة. وقد رأينا قنوات كاملة مفتوحة لهذا الغرض.
يتبع