الفائــــــــــدة : 3
قال الشيخ تقي الدين الهلالي رحمه الله: (ص 14 -16)
(3 – الخلق:
كثر استعمال الخلق في هذا الزمان بمعنى الإنشاء أو الإيجاد. يقال مثلا: يجب علينا أن نسعى لخلق نهضة ثقافية وهو استعمال فاسد, جاء من جهلةالمترجمين لكلمة في اللغات الأوربية مشتركة, تستعمل في إنشاء الله تعالى المخلوقات وإيجادها على غير مثال سابق, وتستعمل في تلك اللغات أيضا في معنى الإنشاء المطلق.
أما في اللغة العربية فإن الخلق بمعنى الإيجاد والإنشاء خاص بالله تعالى. ومن أسمائه سبحانه: الخالق والخلاق. قال تعالى: في سورة النحل (17) (أفمن يخلق كمن لا يخلق, أفلا تذكرون) وقال تعالى في السورة نفسها (19 – 20) (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون, والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهو يخلقون) وقال نعالى في سورة الرعد (16) (أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم, قل الله خالق كل شيءو وهو الواحد القهار).
أما في هذا الزمان الذي اختلت فيه الموازين والمقاييس, وصار الناس فوضى في الإنشاء العربي, فلم يبق الخلق خاصا بالله تعالى, بل صار الناس كلهم خالقين وخلاقين.
قال في لسان العرب: خلق: الله تعالى, وتقدس الخالق والخلاق: وفي التنزيل: (هو الله الخالق البارئ المصور) (1).
وفيه: (بلى وهو الخلاق العليم) (2).: وإنما قدم أول وهلة لأنه من أسماء الله تعالى:
قال الأزهري: ومن صفات الله تعالى الخالق والخلاق. ولا تجوز هذه الصفة بالألف واللام لغير الله, عز وجل, وهو الذي أود الأشياء جميعها, بعد أن لم تكن موجودة: وأصل الخلق التقدير, فهو باعتبار تقدير ما منه وجودها, وبالاعتبار للايجاد على وفق التقدير: خالق:
والخلق في كلام العرب: ابتدع الشيء على مثال لم يسبق إليه. وكل شيء خلقه الله فهو مبتدئه على غير مثال سبق إليه: (ألا له الخلق والأمر, تبارك الله رب العالمين) اهـ
ويطلق الخلق أيضا على التقدير. قال في اللسان: وخلق الأديم يخلقه خلقا, قدره لما يريد قبل القطع, وقاسه ليقطع منه مزادة أو قربة أو خفا. قال زهير يمدح رجلا.
ولأنت تفري ما خلقت **** وبعض القوم يخلق ثم لا يفري.
يقول: أنت إذا قدرت أمرا قطعته وأمضيته, وغيرك يقدر ما لا يقطعه, لأنه ليس بماضي العزم, وأنت مضاء على ما عزمت عليه. اهـ.
أقول: وقد رأيت أهل البادية في الصحراء يدبغون جلد البعير ويقطعونه نعالا, فكلما احتاج أحدهم إلى نعلين يضع قدمه اليمنى على قطعة كبيرة من الجلد المذكور, فيأتي الشخص الذي يقطع النعلين ويخط إلى جانب القدم دائرا بها, وذلك هو الخلق, ثم يقطع النعل على ذلك التخطيط, وذلك القطع وهو الفري. ثم يفعل ذلك بالقدم الأخرى, فتجيء النعلان على قدر القدمين بلا زيد ولا نقص: فقول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت **** وبعض القوم يخلق ثم لا يفري.
يريد أن ممدوحه متى عزم على شيء نفذ عزمه, وغيره يعزم ويقدر, ثم لا ينفذ شيئا’ لأنه خائر العزيمة, ضعيف الإرادة.
والمعنى الثالث للخلق هو الكذب. قال تعالى في سورة العنكبوت (17) (إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا) أي تكذبون. وقال الشاعر:
لي حيلة فيمــــن ينم **** وليس في الكذاب حلية.
من كان يخلق ما يقول**** فحيلتي فيه قليلة.) اهـ
---------------------------------------------------------------------------------------
(1): سورة الحشر, الآية 24.
(2): سورة يـــس, الآية 81.
|