عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 25-09-2023, 05:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,601
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التراث والنبراس (1) نظرات في أعياد الضاد

التراث والنبراس (4)

ثبوت بدر القصة بجزيرة العرب

محمد صادق عبدالعال

وما مرَّ على حرف الضاد من جور وجحود مَرّ وما زال يمر على أشكاله وتصانيفه السردية والنثرية! وكل مٌرصع ببديع الأبجدية العربية؛ فها هي القصة العربية تقف خلف قضبان من أفكار شائكة وآراء مٌشككة في كونها الأسبق، وإن لم تأت على وتيرة النسق الحديث من فن القص المصنوع على أعين المحدثين لكنها موجودة ومعروضة أَقَرَّ بسبقها من أَقَرَّ ومارى في حضورها كل ممارى!!

ففي سلسلة (المراد الأسمى من القصص الأعلى1) والتي شَرٌّفت بأن تنشر بمواقع الألوكة الطيبة آفاق الشريعة / مقالات شرعية / علوم القرآن // وبخاصة في جزئها الأول ذكرت بإنعام من الله وفتح: أن معيارية القياس الصحيح للمفاضلة بين الأجناس الأدبية والأنظمة القصصية يكون على الأصل والمطبوع لا المستجد والمصنوع، وكان ذلك درءً لمفاسد قولية تحاول النيّل من عظمة القصص القرآني العظيم. ولعل البئر التي نضحت بتلك الشوائب ليست ببعيدة عن هذا المصدر القائل:- بأن العرب لم يبادروا لفن القصة إلا بعد ظهورها والتماع نجمها كلون أدبي جديد في الغرب وما هذا بقول حق لكنه مضموم إلى قائمة من المطففين في مكايل الميزان الأدبي الذين يظنون أنهم في حضارة بانتهاج كل مستغرب واتباع كل أعجمي ولسانِ ذي عوج.

إن استباق الغرب للنهضة العِلمية والعَملية عَقب الركود العربي الممقوت هو ما هيأ لهؤلاء بأن يؤخذ التقدم على كافة أشكاله متغافلين وغافلين عن فضيلة عظمى في عروبتنا وهي الثقافة والتراث والموروث الذي توارى بأيدِ عربية فكان ما نحن فيه وما هم عليه!! ناهيك عن إشكاليات أخرى ليس هذا مقامها ولا تلك السطور لأجلها وإن كانت غضاضة الواقع من بعض نواتجها، ويظل الأمل معقودًا بنواصي فرسان الأقلام العربية المٌنصفة الغيورة على حرفنا العربي وتراثنا الغانم بشتى صنوف الأدب والثقافة؛ وتعلن ديار إفتاءِ أدبية عربية (بثبوت بدر القصة في سماء العرب وشبة الجزيرة ) برغم اِدعاءات المستغربين الذين قالوا بأن بدرها وهلالها قد اكتملا بأرض غير عربية إذ اشتغلت العرب بالشعر ولم يكن للقصة حضور في تراث العرب بالصورة التي تجعلها تلج سباقات الإبداع القصصي. فها هي الفضلى د/ عائشة الحكمي توَّثق لهذا الإنصاف:
د/ عائشة الحكمي" تٌقّر بعربية النشأة لفن القص.
ولقد نظرت في مدونة تقنَّية للدكتورة " عائشة يحيى الحكمي" بعنوان " بحث شامل عن أدب القصة القصيرة وتاريخها، وتعرضت بالقراءة للجزئية التي اشتملت على من ذكرت من كٌتاب القصة القصيرة فالغالب سطع نجمه في بدايات القرن التاسع عشر، ومعلوم أن القصة العربية لها من التاريخ العريق ما يؤصلها حتى قبل العصور الوسطى فتقول الكاتبة:
(ومع بدايات القرن التاسع عشر بدأ انتشار الصحافة وانتشر معها الفن القصصي، ودخول القصة معترك السياسة أعطاها حيوية ومضيًّا كسلاح لا يُفَلّ، ودخلت في الصراع الاجتماعي والديني حتى أصبحت مناضلة دون مقصدها تتنفس بالشكوى والتمرد، وتصارع مع البسطاء قسوة الحياة وغلظتها، ويكفي أن نذكر أسماء ذات اعتبار لندرك كيف أن هذا القرن هو قرن القصة القصيرة (موباسان – تشيخوف - إدجار آلان بو – جوجول - أوسكار وايلد- دوديه – هوفمان...إلى غير أولئك.

وملخص القول في هذه القضية ما يؤكده الناقد الأدبي د. عبد المنعم تليمه (الأستاذ بكلية الآداب/جامعة القاهرة / بمصر) أن العرب لم يأخذوا القصة الحديثة عن أوروبا، فـ(القَصّ) جذوره ممتدة في التراث العربي.. أما القصة القصيرة بشكلها الحديث الذي وصلت إليه فهي نتاج أوربي بلا مراء، ولكن العرب لم يتخلفوا عن ركب القصة القصيرة؛ لأننا أبدعنا في هذا المجال في عصر موازٍ للإبداع الغربي، ودعوى سبق أوربا لنا لا تقوم؛ لأن الفارق الزمني بيننا وبينهم لا يتعدى عشرات من السنين، وهذا في رأيه ليس زمنًا طويلًا ولا عصرًا كاملًا.

والقصة العربية في العصر الحديث - كانت "المقامة " هي الإرهاصة الأولى لفن القصة القصيرة العربية بشكلها المٌتعارف عليه الآن. وبعد فترة خَفت صوت الحضارة العربية ليتلقف الغرب منجزها الفكري/ العلمي، فأضاف إليه بعد أن عكف على دراسته وتحليله، وكان لهذا الفكر دور مهم في النهضة الغربية الحديثة، وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأت موجة من الترجمات عن الغرب -وإن كانت قد بدأت قبل ذلك وتحديدًا في الثلاثينيات، على يد رفاعة الطهطاوي- فحدث تفاعل وتلاقح نتيجة الاطلاع على هذا المٌنجز الذي أضاف ولا شك للبنية الفكرية العربية التي كانت تعيد تشكيل وعيها بعد فترة طويلة من السكون[1].

والرائع في المقال أن الكاتبة كانت مٌنصفة للآراء القائلة بأن: القصة العربية أقدم حتى ولو كانت تحت مسمى آخر كالمقامة وغيرها، فغالبية أشعار العرب قديما وخاصة الشعر الجاهلي كانت بمثابة قصة شعرية، يسرد ويرسم فيها الشاعر لوحة فنية تصلح لتكون قصة مكتملة الأركان؛ ولقد اتفقت مع الكاتبة الفضلى فيما أثبتت بأقدمية القصة قدم وأسبقية العرب لها، سجلت ذلك بمقال تفضلت شبكة الألوكة الطيبة العديدة المناقب بنشره وهذا مقتطف منه.

فن القص والحكي جذوره عربية والعهدة على التراث.
(ولقد أنكر البعض ثبوتَ بدر " القصة " والحكي بأنواعه في البيئة العربية قديمًا؛ مُعلِّلًا أن الشعرَ أسبقُ وأبقى، لكن من مقالة لها أدلة ومراجع للدكتور/ إبراهيم عوض، والمنشورة بشبكة الألوكة في صفحتها: حضارة الكلمة / دراسات ومقالات نقدية، في مقال له بعنوان "متى عرف الأدب العربي فن القصة؟" المنشور بتاريخ الإضافة 18/ 11/ 2013 ميلاديًّا/ 14/ 1/ 1435 هجريًّا - يؤكد فيه:
"أن فنَّ الحكي قديمٌ جدًّا، ودلَّل بأمثلة كثيرة، وهي على سبيل الذكر لا الحصر: "إن بعض الدارسين يَميلون إلى القول بأن القصة أحدُ الفنون الأدبية الطارئة على الأدب العربي، استمدَّها من الآداب الغربية في هذا العصر، والحقُّ - وخصوصًا بعد أن قرأنا ما قرأناه في المواد الثلاث الماضيات - أن هذا الرأي رأي مُتسرِّع، ففي التراث الأدبي الذي خلَّفه لنا أسلافُنا قَصص كثير؛ منه الدينيُّ، ومنه السياسيُّ، ومنه الاجتماعيُّ، ومنه الفلسفيُّ، ومنه الوعظيُّ، ومنه الأدبيُّ، ومنه ما وضع للتسلية ليس إلا، ومنه الواقعي، ومنه الرمزيُّ، ومنه المسجوعُ المُجنَّس، ومنه المسترسلُ، ومنه المُحتفَى بلغته، والبسيطُ المنساب[2]، وتلك السطور من المقال المنشور لي بالشبكة العربية الألوكة نقلًا عن الأستاذ الدكتور / إبراهيم عوض، والمنشورة بشبكة الألوكة في صفحتها: حضارة الكلمة / دراسات ومقالات نقدية.

( و"إدجار آلان بو" الذي استشهد به الناقد ومن ذكرتهم في إشكالية القصة القصيرة لا نٌنكر فضله وهو من قال " وقد وضع تخصيصًا صعبًا على حد قول ونقد د/ سيد حامد النساج " في رؤيته للقصة القصيرة من سلسلة كتابك والتي تصدر عن دار معارف مصر العدد18 ص 12 حيث أوضح:-
(إن القصة القصيرة عمل روائي نثري يستدعي لقراءته المتأنية نصف ساعة أو ساعتين ) بمعنى أنها قصة يمكن أن تٌقرأ بسهولة في جلسة واحدة وخالفه الرأي " هدسون " ( قد أصبح من المٌسلم به ومن المعروف أن القصة القصيرة الحقيقة ليست محض رواية مختصرة أو ملخصًا لرواية من ثلاثين صفحة فكما تختلف القصة القصيرة والرواية في الطول، فإنه يتعين عليها بالضرورة أن تخالفها في الدافع والخطة والبناء "(52) وأنا لهذا الرأي أميل حيث أن اختلاف البنيان الروائي عن القص القصير يتطلب سردية لا تستدعيها القصة القصيرة التي هي مجرد لقطة يتم تسليط الضوء عليها لا يمكن اختصارها أكثر من اللازم حتى ولو أخذت شكل "الومضة" المستحدثة فالقص من الحكي والسرد والامتاع.

ولعل الفضلى د/عائشة الحكمي الناقد الأدبي د عبد المنعم تليمه (الأستاذ بكلية الآداب/جامعة القاهرة /بمصر) قدما قدر المستطاع أدلة يرجع ثبوتها للقرن التاسع عشر في حين أن أ ابراهيم عوض الكاتب بشبكة الألوكة والذي نسخت من مقاله اقرارًا بأن جذور القصة العربية ممتد من قبل ذلك ولكل مجتهد دليله الذي عليه يعول فنحن لا ندعي ما ليس فينا ولا ونصبو لغير الحقيقة!!

وقبل أن نطو صفحات هذا المقال لتلحق بسابقات ربما قٌدر لها أن تلفت انتباه الغافل عن جمال القصة العربية وأدبها وحكمتها العالية أرى (هاجر) وقد جاءت بسطور جميلة تستنفر جدها العربي اعادة مجد القصة العربية فتقول:
أبتاه - يا جدَّ العرب - ما بكَ؟! صدرك مكتئب! أنفاسُك تَصعد في السماء، كأن بك عِلَّة تُخفيها، ولا تُبديها، فَفرِّج عنَّا وعنك، ما أتعسَ الضَّنْكَ!

ما رأيك لو تقْصُص قصة؟ فلك زمانٌ لم تسرد سردًا، في الحكي إزاحة هَمٍّ عن ذات الصدر، حدِّثني عن عصاك ذات المآرب، وحفيدك قليل العزائم الذي توارى بظلِّكَ!! أو "يوم أن أحدث الصمت صوتًا"، أو عن رائعة الإسقاط والرمز في "العمر الثاني لحبَّة قَمْحٍ".

جدِّي، لا تصمُتْ فصَمْتُكَ موت، جدي لا تصمت فصمتُك موت... أوَلستَ الناقل قول "عتاهية" في زمن المجد:
واصبِر على غِيرِ الزَّمان فإنَّما ♦♦♦ فَرَجُ الشدائد مثل حَلِّ عِقالِ[3]

ويمكننا القول على سبيل الاجتهاد أن: - القصة العربية وإن لم تكن تسير على مسارات رسمها المحدثون إلا في فترة القرن التاسع عشر وما يليه فهي راسخةٌ في مسكوكاتهم وتراثهم والحكم والأمثال والأشعار ومن يسأل فقيهًا لغويًا عن مناسبةِ لمسكوكة عربية أو مثل ضٌرب به أو سبب لبيت شِعر قيل فسوف ينٌبأ عن قصة تناقلتها الأجيال ورددها الرجال والعيال؛ ولولا انشغال العرب بإثبات الحكمة وتقديمها على سرد القصة نفسها لكانوا في فن القص ورسم قوانينه مدرسةٌ عليا لا يضاهيها مبدع كما كان في الِشعر ديدنهم ابتداع لستة عشر بحرًا لها من الأوزان والعروض ما أذهل العالم حتى يومنا هذا!!

والدليل على رسوخ ووجود القصة العربية أزلًا وهو ما يٌحمل على وجه الاستنتاج في قوله تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [يوسف: 3] فوصف الله عز وجل لقصص القرآن الكريم بأحسن القصص دليل على وجود فن القص أصلا في كلام العرب، ولا تكون المفاضلة إلا إذا وجد الأصل في الجودة والتميَّز. ولقد صاغ القرآن العظيم في قصصه الأعلى آيات قصصية تنتهي بالحكمة والموعظة الحسنة كما كان ذلك في عديد من أمثال العرب ومضارب الحكمة لديهم فوراء كل حكمة نقلت عنهم بالتراث قصة كقولهم (قطعت جهيزة قول كل خطيب) - تضرب مثالًا لفوات الأوان وحسم الأمر وفي جوهرها قصة معلومة إلى غير ذلك.. مع التنزيه التام والكامل لقصص القرآن المٌترفع عن كل شبيه أو مماثل فما كان حديثًا يفترى.

ولعل انكار المٌحٌدثين اشتمال القصة الحديثة بكافة صورها على حكمة ظاهرة في نهايتها أو من بين سطورها خوفًا من بهوت ومضة الإشراق في القصة كما يقولون هو ما جعلهم يخرجون حكايات العرب من فن القص وهذا ليس بإنصاف!

نحن لا ندعي في أدبنا العربي وتراثنا المجيد ما ليس فيه عنترية ولا كبرًا؛ بل هو ما بات محفورًا في ذاكرة الزمن وكشفت عن أصالته الكتب والمراجع والمخطوطات فمن شاء فليقل بذلك أو ليصمت، فالبلاغة مستقرها بلاد العرب والقصص منبته أرض العرب وإن صاغوا له ألف هيئة وهيئة!

وأخيرًا وليس بأخر تظل العربية بحرفها الضاد في معترك ومَعرض لهبات خماسينة قادمة من شمال يرمد عيون من لا يعرفون لهذا التراث عظيم آثاره ولا بديع مقاله إلا من كشف الغطاء بالاقتفاء واهتدى لهوية دان لها العالم قرونًا طويلة بالتميز والابداع. والحمد لله في بدءِ وفي مختتم.

[1] فن الحكي والقص (1) محمد صادق عبدالعال شبكة الألوكة / حضارة الكلمة / اللغة.. والقلم / فن الكتابة.

[2] سلسلة كتابك / القصة القصيرة /د/ سيد حامد النساج ع 18/ص 12.

[3] شبكة الالوكة /حضارة الكلمة / أدبنا / بوبة النثر / كٌتاب الالوكة / قصة هاجر / محمد صادق عبد العال.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]