عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 23-08-2023, 11:15 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,430
الدولة : Egypt
افتراضي رد: البحتري في وصف إيوان كسرى




ليس يُدْرَى أَصُنْعُ إِنْسٍ لِجِنٍّ
سَكَنُوهُ أم صُنْعُ جِنٍّ لإِنْسِ
غير أنِّي أرَاه يَشْهدُ أنْ لَمْ
يَكُ بانيهِ في المُلوكِ بِنِكْسِ
عُمِّرَتْ للسُّرُور دهْرًا فَصَارتْ
للتَّعزِّي رِباعُهُمْ والتَّأَسِّي
فلَها أنْ أُعِينَها بدُموعٍ
مُوقَفَاتٍ على الصَّبَابَةِ حُبْسِ
ذَاكَ عندِي وليْست الدَّارُ دارِي
باقتِرَابٍ منها ولا الجِنْسُ جِنْسِي
غيرَ نُعْمَى لأهلِها عندَ أهلِي
غَرَسُوا مِن زَكائِها خيرَ غَرْسِ
أيَّدُوا مُلْكَنا وشَدُّوا قُوَاهُ
بحُماةٍ تحتَ السَّنَوَّرِ حُمْسِ
وأعَانوا على كَتَائبِ أَرْيَا
طَ بِطَعْنٍ على النُّحُورِ ودَعْسِ
وأَرَاني مِنْ بعدُ أَكْلَفُ بالأَشْـ
ـرَافِ طُرًّا مِنْ كلِّ سِنْخٍ وجِنْسِ

هذه القصيدة هي في الحقيقة تفكُّر في عِبرة الدهر الخالدة، وهي أنْ لا شيءَ يبقى على حال، فالزمن دوَّار، وصروف الحياة تُقلِّب الأوضاعَ، فتجعل العالي سافلًا والسافل عاليًا، إلا أن الكريم يَثبُت أمام ضربات القدر، لا يَهون ولا تَهِنُ عزيمتُه، ويَظَل شامخَ الأنف، عالي الهِمة، متماسك النفس، لا يَضرَع للجُبناء الأَخِسَّاء.

وإذا كان الشاعر قد تناول في معظم أبيات القصيدة وصفَ إيوان كسرى، فإن هذا الوصف لم يَرِد في الواقع لذاته، بل أتى في سياق أوسع من ذلك، وهو وقوفُ البحتري متعجبًا من تقلُّب الحظوظ، تلك الحظوظ التي أطاحتْ به من حيث كانت حياته آمنةً مستقرة، وارتفعت بالأذِلاء الأَدنياء إلى حيث يظنون أنهم يستطيعون التحكم في رِقاب النُّبلاء أصحاب الشرف والفضل، ونظرة واحدة إلى الأبيات التي ورد فيها وصفُ الإيوان، تُنبيك عن أن البحتري قد قصَد إلى الإشارة لِما لحِق هذا الإيوان من خرابٍ ووَحشةٍ بعد أُنسٍ وعَمارٍ، وحياة موَّارةٍ ملءِ السمع والبصر والفؤاد!

وقد ساق الشاعر هذا كله بحيث يكون مصير الإيوان مرآةً لِما حدث له هو نفسُه، وتستطيع أن تقارن بين قوله عن نفسه:
صُنْتُ نفسي عما يُدنِّس نَفْسي
وترفَّعْتُ عن جَدَا كلِّ جِبْسِ
وتَماسكْتُ حين زَعزَعني الدَّهْ
رُ الْتِماسًا منه لِتَعْسِي وَنَكْسِي
بُلَغٌ مِن صُبابةِ العيشِ عندي
طفَّفتْها الأيامُ تَطفيفَ بَخْسِ


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.46%)]