عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-07-2023, 03:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,935
الدولة : Egypt
افتراضي حديث: ((أنت ومالك لأبيك)) إيضاح وبيان وفوائد

حديث: ((أنت ومالك لأبيك)) إيضاح وبيان وفوائد
بكر البعداني

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه: ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي مالًا وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أنت ومالك لأبيك))؛ [أخرجه ابن ماجه رقم: (2291)، وصححه الألباني في الإرواء (838): وقال: قلت: وهذا سند صحيح، رجاله ثقات على شرط البخاري، كما قال البوصيري في الزوائد، وله شواهد كثيرة: من حديث ابن مسعود، وعائشة، وسمرة بن جندب، وعبدالله بن عمر، وأنس، وعمر رضي الله عنهم، في الإرواء تحت الحديث رقم: (838)، قال السخاوي في المقاصد الحسنة (ص:100، 102) بعد سرد شيء من طرقه: والحديث قوي، وقال الحافظ في فتح الباري (5/ 211): فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة، وجواز الاحتجاج به، فتعين تأويله].

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إن أبي اجتاح مالي، فقال: أنت ومالك لأبيك))، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من أموالهم))؛ [أخرجه ابن ماجه رقم: (2292)، وأبو داود رقم: (3530)، وابن الجارود رقم: (995)، وأحمد (2/ 214)، وقال الألباني في الإرواء رقم: (838): قلت: وهذا سند حسن، وصححه الحويني في غوث المكدود (3/ 251، 252) وذكر له شواهد].

وعن عمارة بن عمير، عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها: في حجري يتيم أفآكل من ماله؟! فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه))؛ [أخرجه أبو داود رقم: (3528، 3529)، والنسائي (2/ 211)، والترمذي (1/ 254)، والدارمي (2/ 247)، وابن ماجه رقم: (2137، 2290)، والحاكم (2/ 45، 46)، والطيالسي رقم: (1580)، وأحمد (6/ 3141..). وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، قال الألباني في الإرواء (3/ 330): قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عمة عمارة، فلم أعرفها، لكن تابعها الأسود عن عائشة، أخرجه النسائي وأحمد (6/ 42، 220) والرامهرمزي في المحدث الفاصل (ص:76) وإسناده صحيح].


وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن أولادكم هبة الله لكم، ﴿ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى: 49]، فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها))؛ [أخرجه الحاكم (2/ 284) وعنه البيهقي (7/ 480)، وهو في السلسلة الصحيحة رقم: (2564)].

إيضاح وبيان:
من الأدلة الدالة على أن الحديث ليس على عمومه:
الأول: قال الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة: 188]، فهذه الآية محكمة دلت على حرص الشارع على حفظ الأموال، فبيَّنتِ النهي عن أكل بعضكم مال بعض بالباطل، أو بالوجه الذي لم يبحْه الله ولم يشرعه؛ لأن الأصل في مال المسلم التحريم.

قال أبو جعفر الطبري في جامع البيان (3/ 548): "ولا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، فجعل تعالى ذكره بذلك آكل مال أخيه بالباطل، كالآكل مال نفسه بالباطل".


وقال السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن (ص:88): "أي: ولا تأخذوا أموالكم؛ أي: أموال غيركم، أضافها إليهم؛ لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحترم ماله كما يحترم ماله، ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة، ولما كان أكلها نوعين: نوعًا بحق، ونوعًا بباطل، وكان المحرم إنما هو أكلها بالباطل، قيَّده تعالى بذلك".


وقال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان (3/ 49): "جاء القرآن بالمحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها؛ ولذلك منع أخذه بغير حق شرعي".

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه))؛ [وهو حديث صحيح، وقد ورد عن جماعة من الصحابة: منهم عم أبي حرة الرقاشي، وأبو حميد الساعدي، وعمرو بن يثربي، وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم، كما قال الألباني في الإرواء رقم: (1459)].



قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (6/ 49): "ولا شك أن من أكل مال مسلم بغير طيب نفسه آكلٌ له بالباطل".



الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس يوم النحر وفيه: ((... فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا...))؛ [أخرجه البخاري رقم: (1652)].

قال أبو جعفر رحمه الله: "رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرَّم أموال المسلمين، كما حرم دماؤهم، ولم يستثنِ في ذلك والدًا ولا غيره، إلى أن قال: فجعل رسول صلى الله عليه وآله وسلم حرمة الأموال كحرمة الأبدان، فكما لا يحل أبدان الأبناء للآباء إلا بالحقوق الواجبة، فكذلك لا يحل لهم أموالهم إلا بالحقوق الواجبة"؛ [شرح معاني الآثار (4/ 159) الطحاوي].

الرابع: قوله في حديث عائشة رضي الله عنها: ((فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها))، وقد تقدم.


وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (6/ 137): "وفي الحديث فائدة فقهية هامة قد لا تجدها في غيره، وهي أنه يبين أن الحديث المشهور: ((أنت ومالك لأبيك))؛ [الإرواء (838)] ليس على إطلاقه، بحيث إن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء، كلا، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه".

ويزيده إيضاحًا وبيانًا على أن إطلاقه غير مراد جملة من الأمور التي تشكل عليه؛ ومنها:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما نفعني مال قط، ما نفعني مال أبي بكر، قال: فبكى أبو بكر، وقال: يا رسول الله، هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله))؛ [أخرجه ابن ماجه رقم: (94) وغيره، وهو صحيح].

وقال ابن أبي عمران كما نقله الطحاوي في شرح مشكل الآثار (4/ 129): "وسألت ابن أبي عمران عنه، فقال: قوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث: ((أنت ومالك لأبيك)) كقول أبي بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنما أنا ومالي لك يا رسول الله))، لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر...))، فكان مراد أبي بكر رضي الله عنه بقوله هذا: أي: إن أقوالك وأفعالك نافذة فيَّ وفي مالي، ما تنفذ الأقوال والأفعال من مالكي الأشياء في الأشياء، فمثل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسائله المذكور في هذا الحديث، وهو على هذا المعنى، والله أعلم".

وقال أبو جعفر رحمه الله: "فلم يرد أبو بكر رضي الله عنه بذلك أن ماله ملك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم دونه، ولكنه أراد أن أمره ينفذ فيه وفي نفسه، فكذلك قوله: ((أنت ومالك لأبيك))، فهو على هذا المعنى أيضًا، والله أعلم"؛ [شرح معاني الآثار (4/ 159) الطحاوي].

وقال أبو بكر الجصاص رحمه الله: "يعني: إني متصرف حيث صرفتني، وأمرك جائز في مالي"؛ [أحكام القرآن (4/ 44)].



الثاني: قال الله عز وجل: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ [النساء: 11].

قال أبو جعفر رحمه الله: "فورَّث الله عز وجل غير الولد مع الوالد من مال الابن، فاستحال أن يكون المال للأب في حياة الابن، ثم يصير بعضه لغير الأب"؛ [شرح معاني الآثار (4/ 159) الطحاوي].

وقال ابن حزم رحمه الله: "وهذا الخبر منسوخ لا شك فيه؛ لأن الله عز وجل حكم بميراث الأبوين، والزوج، والزوجة، والبنين، والبنات من مال الولد، إلى أن قال: ولو كان مال الولد للوالد، لَما ورثت زوجة الولد، ولا زوج البنت، ولا أولادهما من ذلك شيئًا؛ لأنه مال لإنسان حي"؛ [المحلى (8/ 106)]، وبنحوه قال ابن عبدالبر رحمه الله في الاستذكار (7/ 525)، وسيأتي معنا بإذن الله عز وجل في كلمات العلماء.

وقال ابن الهمام (861هـ) رحمه الله في فتح القدير (4/ 418): "... ومما يقطع بأن الحديث مؤول أنه تعالى ورث الأب من ابنه السدس، مع ولد ولده، فلو كان الكل ملكه، لم يكن لغيره شيء، مع وجوده"، وسيأتي معنا بإذن الله عز وجل في كلمات العلماء.

وقال ابن عابدين رحمه الله في حاشيته (3/ 636): "وهو مؤول - يعني حديث: ((أنت ومالك لأبيك - للقطع بأن الأب يرث السدس من ولده، مع وجود ولد الولد، فلو كان ملكه لم يكن لغيره شيء معه".


الثالث: قال الله عز وجل: ﴿ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء: 11].


قال أبو جعفر رحمه الله: "فجعل الله عز وجل المواريث للوالد وغيره بعد قضاء دين، إن كان على الميت، وبعد إنفاذ وصاياه من ثلث ماله، وقد أجمعوا أن الأب لا يقضي من ماله دين ابنه، ولا ينفذ وصايا أبيه من ماله، ففي ذلك ما قد دلَّ على ما ذكرنا"؛ [شرح معاني الآثار (4/ 159) الطحاوي].



الرابع: قال الله عز وجل: ﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون: 6].

قال أبو جعفر رحمه الله: "وقد أجمع المسلمون أن الابن إذا ملك مملوكة حلَّ له أن يطأها، وهي ممن أباح الله عز وجل له وطأها؛ بقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون: 5، 6]، فلو كان ماله لأبيه إذًا لَحرُم عليه وطء ما كسب من الجواري، كحرمة وطء جواري أبيه عليه، فدل ذلك أيضًا على انتفاء ملك الأب لمال الابن، وأن ملك الابن فيه ثابت دون أبيه"؛ [شرح معاني الآثار (4/ 159) الطحاوي].

وقال ابن حزم رحمه الله: "وأباح في القرآن لكل مالك أَمَةٍ وطأها بملك يمينه، وحرمها على من لا يملكها؛ بقوله تعالى: ﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون: 6، 7]، فدخل في هذا من له والد، ومن لا والد له، فصحَّ أن مال الولد له بيقين لا لأبويه، ولا حق لهما فيه... ولا كان يحل لذي والد أن يطأ جاريته أصلًا؛ لأنها لأبيه كانت تكون... صحَّ بالنص والإجماع المتيقن أن من ملك أمة أو عبدًا لهما والد، فإن ملكهما لمالكهما لا لأبيهما؛ [المحلى (8/ 106)].

وقال ابن حزم رحمه الله أيضًا: "فلو كانت أمة الولد لأبيه لكانت حرامًا على الولد"؛ [المحلى (10/ 160)].

وقال علي بن زكريا المنبجي رحمه الله: "وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنت ومالك لأبيك)) معناه: لا ينبغي للابن أن يخالف الأب في شيء من ذلك، وأن يجعل أمره فيه نافذًا كأمره فيما يملك، ألا تراه يقول: ((أنت ومالك لأبيك))، فلم يكن الابن مملوكًا للأب بإضافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكذلك لا يكون مالكًا لماله بهذه الإضافة، وقد أجمع المسلمون أن الابن إذا ملك جارية، حلَّ له وطؤها، فلو كان ماله لأبيه لحرم عليه وطؤها؛ لحرمة وطء جارية أبيه"؛ [اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 589) المنبجي].

الخامس: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أمرت بيوم الأضحى عيدًا، جعله الله عز وجل لهذه الأمة، قال الرجل: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة ابني[1] أفأُضحي بها؟ قال: لا، ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك، وتقص شاربك، وتحلق عانتك، فتلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل))؛ [أخرجه أبو داود رقم: (2789) وغيره].


قال أبو جعفر رحمه الله: "فلما قال هذا الرجل: يا رسول الله، أُضحِّي بمنيحة ابني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا))، وقد أمره أن يضحي من ماله وحضَّه عليه، دلَّ ذلك على أن حكم مال ابنه خلاف ماله، مع أن أولى الأشياء بنا حمل هذه الآثار على هذا المعنى؛ لأن كتاب الله عز وجل يدل على ذلك..."؛ [شرح معاني الآثار (4/ 159) الطحاوي، ثم ذكر شيئًا من الآيات السابقة].

وقال العيني رحمه الله: "قوله: إلا منيحة ابني؛ وهي الناقة التي يعطيها صاحبها لآخر ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زمانًا ثم يردها، وفيه دلالة على أن الأب لا يملك مال ابنه، وأن قوله عليه السلام: ((أنت ومالك لأبيك)) ليس للتمليك في جميع مال الابن، وإنما هو في الأكل والشرب منه بمقدار حاجته عند احتياجه إليه"؛ [نخب الأفكار (14/ 521)].

من أقوال السلف:
عن ابن سيرين رحمه الله قال: "على الولد أن يبرَّ والده وكل إنسان أحق بالذي له"؛ [مصنف ابن أبي شيبة (4/ 517 الرشد)].

وعن ابن سيرين رحمه الله قال: "كل واحد منهما أولى بماله؛ يعني الوالد والولد"؛ [المحلى (6/ 388)].

وعن ابن عون رحمه الله قال: "جاء رجل، فقال للقاسم بن محمد: أيعتصر الرجل من مال ولده ما شاء؟ فقال: ما أدري ما هذا"؛ [مصنف ابن أبي شيبة (4/ 517 الرشد)].

وعن مجاهد رحمه الله قال: "خذ من مال ولدك ما أعطيته، ولا تأخذ منه ما لم تعطه"؛ [مصنف ابن أبي شيبة (4/ 517 الرشد)].

وعن سالم رحمه الله: "أن حمزة بن عبدالله بن عمر نحر جزورًا، فجاء سائل، فسأل ابن عمر، فقال عبدالله: ما هي لي، فقال له حمزة: يا أبتاه، فأنت في حلٍّ فأطْعِمْ منها ما شئت"؛ [مصنف ابن أبي شيبة (4/ 518 الرشد)].

وعن الزهري رحمه الله قال: "ينفق الرجل من مال ولده إذا كان محتاجًا بعدما أنفق عليه"؛ [مصنف ابن أبي شيبة (4/ 518 الرشد)].

وعن الزهري رحمه الله قال: "لا يأخذ الرجل من مال ولده شيئًا إلا أن يحتاج، فيستنفق بالمعروف"؛ [مصنف عبدالرزاق (7/ 260)].


وعن الزهري رحمه الله قال: "لا يأخذ الرجل من مال ولده شيئًا إلا أن يحتاج فيستنفق بالمعروف، يعوله ابنه، كما كان الأب يعوله، فأما إذا كان الأب موسرًا، فليس له أن يأخذ مال ابنه، فيقي به ماله أو يضعه فيما لا يحل"؛ [مصنف عبدالرزاق (9/ 129)].

وعن محمد بن الحنفية رحمه الله عن علي رضي الله عنه قال: "الرجل أحق بمال ولده إذا كان صغيرًا، فإذا كبر واحتاز ماله كان أحق به"؛ [مصنف ابن أبي شيبة (4/ 518 الرشد)].

وعن إبراهيم رحمه الله قال: "ليس للأب من مال ابنه إلا ما احتاج إليه من طعام، أو شراب، أو لباس"؛ [المحلى (6/ 388)].



المذاهب الأربعة:
أولًا: مذهب الأحناف:
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنت ومالك لأبيك))، وعمومه يقضي جواز أخذ مال الابن في حال اليسار والإعسار، إلا أن الفقهاء متفقون على أنه لا يجوز له أخذه بغير رضاه في حال اليسار، فخصصناه، وبقي حكم العموم في حال الإعسار في مقدار الحاجة؛ [شرح مختصر الطحاوي (5/ 301)، الجصاص].

حديث: ((أنت ومالك لأبيك)): قلنا: "هذا متروك الظاهر باتفاق، فإذا سقط ظاهره حمل على جواز أخذه ما يحتاج إليه من ماله"؛ [التجريد (9/ 4501) للقدوري].

قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنت ومالك لأبيك)) مجاز؛ لأن ثبوت الملك للأب متروك بالإجماع كما في المستصفى؛ [مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 368) شيخي زاده].

قام الدليل الراجح على تباين الملكين؛ [تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، وحاشية الشلبي (1/ 343)، شرح فتح القدير (2/ 376) السيواسي].

قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنت ومالك لأبيك)) يقتضي أن يكون مال الابن ملكًا للأب، لكن انتفى ذلك بدليل آخر؛ [البناية شرح الهداية (4/ 109) العيني].

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنت ومالك لأبيك)) أضاف مال الابن إلى الأب، فاللام التمليك، وظاهره يقتضي أن يكون للأب في مال ابنه حقيقة الملك، فإن لم تثبت الحقيقة، فلا أقل من أن يثبت له حق التمليك عند الحاجة؛ [بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (4/ 30) الكاساني].

قوله عليه الصلاة والسلام: ((أنت ومالك لأبيك)) يقتضي الملك لأن اللام فيه للملك.


أي: وقد عارضه مانع من إرادة حقيقة الملك، وهو الإجماع على عدم إرادته حقيقة، فثبتت الشبهة عملًا باللام بقدر الإمكان؛ [حاشية (4/ 19) ابن عابدين].

وتقدم معنا قول ابن الهمام رحمه الله في فتح القدير (4/ 418).

ثانيًا: مذهب المالكية:
قول النبي عليه السلام: ((أنت ومالك لأبيك))... ولم يجمع الناس على إبطال معاني هذا الحديث كلها، وأجمعوا على رفع حكم بعض معانيه، فما خرج بإجماع أخرجناه، وما اختلفوا فيه من بقية معانيه، كنا به متعلقين حتى يجمعوا على رفع المعاني كلها فيه؛ [الذب عن مذهب الإمام مالك (2/ 522) للقيرواني].

كما يفسر الحديث: ((أنت ومالك لأبيك)): يريد في الطواعية والبر، لا في الإلزام، ولا في القضاء؛ [البيان والتحصيل (2/ 382) القرطبي، عقد الجواهر الثمينة (1/ 246) أبو محمد الجذامي].



ثالثًا: مذهب الشافعي:
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنت ومالك لأبيك)) وظاهر اللفظ ليس مرادًا؛ لاستحالة ملك المالكين، ولأنه لا يملك ذات الابن، وإنما المراد التشبيه، وهذا معنى قولنا: شبهة الملك؛ أي: إن ملك الولد يشبه ملك الأب، فهو كحقيقة الملك، بل أقوى؛ [النجم الوهاج في شرح المنهاج (7/ 271) الدميري].

وإن كان الرسول عليه السلام يقول: ((أنت ومالك لأبيك))، فهذا كلام أجراه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثلًا، ولو شاع اعتقاد ظاهره والتعويل عليه، للزم أن يقال: إذا فجر الرجل بامرأة ابنه، لا يلزم الحد، فهذه طريقة مزيفة؛ [نهاية المطلب في دراية المذهب (16/ 11) الجويني].



رابعًا: مذهب الحنابلة:
وقوله عليه السلام: ((أنت ومالك لأبيك)) لم يرد به حقيقة الملك، وإنما أراد المبالغة في وجوب حقه عليك، وإمكان الأخذ من مالك وامتناع مطالبتك إياه بما أخذ منه؛ [الشرح الكبير على متن المقنع (12/ 241)، المغني (10/ 297) لابن قدامة].

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنت ومالك لأبيك)) فأضاف مال الابن إلى أبيه بلام الملك والاستحقاق، فيدل على أنه ملكه، قلنا: لم يُرِد النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة الملك بدليل أنه أضاف إليه الولد، وليس بمملوك، وأضاف إليه ماله في حال إضافته إلى الولد، ولا يكون الشيء ملكًا لمالكين حقيقة، بدليل أنه يحل له وطء إمائه، والتصرف في ماله، وصحة بيعه وهبته وعتقه؛ ولأن الولد لو مات لم يرث أبوه منه، إلا ما قدر له، ولو كان ماله لاختص به، ولو مات الأب لم يرث ورثته مال ابنه، ولا يجب على الأب حج ولا زكاة ولا جهاد بيسار ابنه، فعُلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أراد التجوز بتشبيهه بما له في بعض أحكامه"؛ [الشرح الكبير على متن المقنع (12/ 496، 497) لابن قدامة].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.96%)]