عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-07-2023, 05:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفروق الفردية وتطبيقات نبوية

الفروق الفردية وتطبيقات نبوية (2)

عبدالله بن محمد الإسماعيل

تمهيد:
قال علي رضي الله عنه: "حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ"[1]، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً"[2].

يقول الإمام الغزالي رحمه الله في وظائف المرشد المعلِّم: "أنْ يقتصر بالمتعلِّم على قدر فَهمه، فلا يُلقي إليه ما لا يبلغه عقله، فينفِّره أو يخبط عليه عقله؛ اقتداءً في ذلك بسيِّد البشر صلَّى الله عليه وسلَّم.. فليبث إليه الحقيقة إذا علم أنه يستقلُّ بفَهمها.. فلا ينبغي أنْ يُفشي العالم كل ما يعلم إلى كل أحد، وهذا إذا كان يفهمه المتعلِّم ولم يكن أهلًا للانتفاع به، فكيف فيما لا يفهمه؟ وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾ [النساء: 5]، تنبيهًا على أنَّ حفظ العلم ممَّن يُفسده ويضره أولى، وإنَّ المتعلِّم القاصر ينبغي أن يُلقى إليه الجلي اللائق به، بل لا ينبغي أنْ يُخاض مع العوام في حقائق العلوم الدَّقيقة"[3].

ويقول ابن جماعة رحمه الله: ".. ولا يُشير على الطَّالب بتعلِّم ما لا يحتمله فَهمه أو سنُّه، ولا بكتابٍ يقصر ذهنُه عن فهمه.. "[4].

مِن فوائد تطبيق مبدأ الفروق الفرديَّة:
1. يفيد المربي في اكتشاف الموهبة في فترة مبكِّرة، وبالتَّالي توجيهها التَّوجيه المناسب.

2. استمرار الحركة العلميَّة، وذلك لمقدرة المعلِّم على تدريب المتعلِّم على علم يناسب استعداده وقُدراته، فهناك قدرات يتميَّز بها بعض الأفراد عن غيرهم.

3. الحُكم على شخصية المتعلِّم إن كانت لديه القُدرة والاستعداد على أداء عملٍ ما، أو عدم القدرة.

4. يُساعد على معالجة الأمراض النَّفسيَّة التي قد تُصيب المتعلِّمين؛ وذلك لأنَّ المتعلِّم مُتوافق نفسيًّا لتفاعله مع العلم الذي يُناسب قُدراته واستعداده، فلا يُصاب بتلك الأمراض لوجود البيئة المناسبة لإفراز مواهبه وقُدراته[5].

5. الجهل بالفروق الفرديَّة يُؤدِّي إلى عدم وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، فيُعرقل مسيرة العمل لعدم كفاءته؛ ممَّا يؤدِّي إلى انخفاض الإنتاج الفعلي.

6. النُّظم الاجتماعيَّة النَّاجحة هي التي تستطيع أنْ تجعل الفروق الفرديَّة نقاط انطلاق ومراكز عمل وإنتاج، وموطن توزيع للكفاءات والوظائف والحقوق[6].

كيفيَّة التَّعامل مع الفروقات الفرديَّة:
على المعلِّم والمربِّي مُراعاة الفروق الفرديَّة التي أودعها الله في الأبناء والطُلاب، وتقبُّل ذلك والتَّعامل معها؛ تأسِّيًا بالحبيب المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم في الأمثلة والوقائع التي سردناها - في المقال السابق - حيث استطاع الحبَيب صلَّى الله عليه وسلَّم مِن خلال قُربه مِن أصحابه ومشاركته معهم في أحوالهم، وببصيرته ونظرته الثَّاقبة - اكتشاف الفروق الفرديَّة والتَّعامل معها، مِن خلال تنوُّع أساليب الطَّرح والتَّعامل والتَّكليف، وفقًا لخلفية وبيئة وقدرات واستعداد كل شخص.

ومن أساليب التَّعامل مع الفروق الفرديَّة[7]:
1. التَّنويع في الأساليب المستخدمة؛ مِثل: ( الحوار - تمثيل الأدوار - القصة ...إلخ ).

2. تنويع الأمثلة والمفاهيم والمبادئ المطروحة، وإتاحة الفرصة للطَّلبة والأبناء للتَّعليق وإبداء الرأي، مِن خلال الأمثلة الواقعيَّة في بيئاتهم المحلِّية وخلفياتهم الثَّقافيَّة.

3. توظيف وسائل مُتنوعة ومُثيرة وفعَّالة لتفريد التعليم؛ مثل: (صحائف الأعمال والبطاقات التعليمية المختلفة ... إلخ).

4. التَّنويع الحركي: وهو أنْ يُغيِّر المعلِّم والمربِّي مِن موقعه في مكان التَّعليم، فلا يظل طول الوقت جالسًا أو واقفًا في مكان واحد، فهذه الحركات البسيطة مِن جانب المعلِّم، يمكن أنْ تُغيِّر مِن الرَّتابة التي تسود، ولكن عليه ألا يبالغ في حركاته أو تحركاته.

5. تحويل التَّفاعل: يعتبر التفاعل داخل مكان التَّعليم مِن أهم العوامل التي تُؤدِّي إلى زيادة فاعليَّة العمليَّة التَّعليميَّة، فهناك تفاعل المعلِّم والطُّلاب، وتفاعل بين المعلِّم وطالب، وتفاعل بين طالب وطالب، وعلى المربي والمعلِّم ألَّا يقتصر على نوع واحِد مِن هذه الأنواع.

6. التَّنويع في استخدام الحواس: حيث تؤكِّد البحوث الحديثة في مجال الوسائل التَّعليميَّة أنَّ قُدرة الطُّلاب على الاستيعاب، يُمكن أنْ تزداد بشكل جوهري إذا اعتمدوا في تحصيلهم على استخدام السَّمع والبصر على نحو مُتبادل، وعلى المعلِّم والمربِّي أنْ يُعِد درسه بحيث يُخاطب كل قنوات الاتِّصال عند الطَّالب.

7. بناء المناهج ومُراعاة ما بين التلاميذ من فروق فردية واختلاف البيئات.

الفروق الفرديَّة والتَّفضيل:
يقول ابن جماعة عليه رحمة الله: "ألا يُظهِر للطَّلبة تفضيل بعضهم على بعض عنده في مودَّة واعتناء.. فإنَّ ذلك ممَّا يُوحِش مِنه الصَّدر، ويُنفِّر القلب، فإن كان بعضهم أكثر تحصيلًا، أو أبلغ اجتهادًا، فأظْهَر إكرامه وتفضيله، وبيَّن أنَّ زيادة إكرامه لتلك الأسباب، فلا بأس بذلك؛ لأنَّه يُنشِّط ويبعث على الاتِّصاف بتلك الصِّفات"[8].

وفي قصَّة رُؤيا عبدالله بن زيد رضي الله عنه الأذان، فأخبر رسول الله عليه السَّلام، فأمر الرَّسول الكريم صلَّى الله عليه وسلَّم بلال بن رباح رضي الله عنه بالأذان، وعلَّل ذلك بقوله: (فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ)[9]، وأيضًا حين طلب أبو ذر رضي الله عنه الإمارة قال له صلى الله عليه وسلم: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لَا تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ)[10]، فعلَّل له رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام أسباب رفض ذلك، وأنَّها لا تُناسب قُدراته.

وعلى المعلِّم والمربِّي زيادة العناية ببعض المتعلِّمين لفرط ذكائهم، أو توسُّمه الخير فيهم، أو لمح مخايل الرَّجاحة والأصالة فيهم، كما في حديث معاذ رضي الله عنه، قال: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: (يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟)[11]، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: (يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ)[12]، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)[13].
فكيف يتم الجمع بين هذا وعدم تفضيلهم أمام غيرهم؟ على المعلِّم والمربِّي إذا فعل ذلك أنْ يُعلِّل للآخَرين سبب تمييزهم، وكذلك يُمكن الاستنتاج مِن هذه الأحاديث أنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يُخصِّص لهم وقتًا حينما يكون معهم مُنفردين عن بقية المتعلِّمين، فيخصُّهم بمزيد علم ونصائح، وهذا لتميُّزهم وحرصهم وقابليَّتهم للتَّعلُّم.

ومن التَّطبيقات في هذا العصر: الأندية الطُّلابية التي يُنتقى فيها الطُّلاب، وانتقاء المواهب والمتميِّزين والاهتمام بهم، وكذلك الآباء والأمهات عليهم استغلال وجودهم مع المميَّزين من أبنائهم حال انفرادهم بهم كأخذهم معهم بحجَّة عمل... إلخ.

[1] صحيح البخاري لأبي عبدالله البخاري، كتاب: العلم، باب: من خص بالعلم قومًا دون قوم، كراهية ألا يفهموا (1/ 37) رقم: 127.
[2] صحيح مسلم، المقدمة، باب: النهي عن الحديث بكل ما سمع (1/ 11).
[3] الغزالي؛ إحياء علوم الدين، ج1، ص76-77.
[4] هشام نشابه؛ التراث التربوي الإسلامي في خمس مخطوطات، ص132.
[5] محمد عودة و كمال إبراهيم؛ الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام.
[6] نجيب العامر؛ من أساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية، ص156-160.
[7] مستفادة من: دورة تدريبية لمدرسي المعاهد والدور بالجامعة الإسلامية، 8 - 9 /10 /1432 هـ.
[8] هشام نشابه؛ التراث التربوي الإسلامي في خمس مخطوطات، ص134.
[9] سنن أبي داود لأبي داود السجستاني، كتاب: الصلاة، باب: كيف الأذان (1/ 135)، رقم الحديث: 499.
[10] صحيح مسلم، كتاب: الإمارة، باب: كراهة الإمارة بغير ضرورة (1/ 1457)، رقم الحديث: 1826.
[11] صحيح البخاري لأبي عبدالله البخاري، كتاب: الجهاد والسير، باب: اسم الفرس والحمار (4/ 29)، رقم الحديث: 2856.
[12] سنن الترمذي لأبي عيسى الترمذي، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (4/ 248)، رقم الحديث: 2516.
[13] صحيح البخاري لأبي عبدالله البخاري، كتاب: الرِّقاق، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) (8/ 89)، رقم الحديث: 6416.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.35%)]