
10-06-2023, 06:26 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,408
الدولة :
|
|
رد: الصعاليك في المجتمع الجاهلي
فأَيَّمتُ نسوانًا، وأيْتمْتُ إِلْدةً 
وعُدتُ كما أبْدَأتُ والَّليلُ أَلْيلُ
وأصْبحَ عنِّي بالغُميْصاءِ جالسًا 
فريقان: مسئولٌ وآخرُ يَسْألُ
فَقَالوا: لقد هرَّتْ بليلٍ كلابُنا 
فقلنا أَذِئبٌ عسَّ أم عسَّ فُرْعُلُ
فلم تَكُ إلَّا نَبأَةٌ ثم هَوَّمتْ 
فقلنا قَطاةٌ رِيعَ أم رِيعَ أَجْدَلُ
فإنْ يَكُ مِنْ جِنٍّ لأَبرحُ طارقًا 
وإِنْ يَكُ إنسًا ماكها الإِنْسُ تَفْعَلُ[11]
وكان الصعاليك يخرجون لهذه الغارات الرهيبة فرادى أحيانًا، وفي عصابات أحيانًا أخرى. وكان أكثرهم يُغير على رجليه، وبعضهم يغير على الخيل.
ففي أخبار الشنفرى أنه كان «يغير على الأزد على رجليه فيمن معه من فَهْم، وكان يُغير عليهم وحدَه أكثر ذلك»"[12]، ومن أخباره أيضا أنه خرج «في ثلاثين رجلًا معه تأبَّط شرًّا يريدون الغارة على بني سلامان»[13]. وفي أخبار السُّليك أنه خرج «على رجليه رجاء أن يصيب غرة من بعض من يمر به فيذهب بإبله»، وأنه التقى برجلين قصتهما مثل قصته "فاصطحبوا جميعا"[14]. وفي أخبار تأبَّط شرًّا أنه خرج "في عدَّة من فّهْم"[15]. وفي شعره حديث عن غزواته هو وصعاليكه على الخيل أحيانًا، وعلى الأرْجل أحيانًا أخرى:
فيوما بغزاء، ويوما بسربة *** ويما بخشخاش من الرجل هيضل[16]
وفي شعر عروة أحاديث كثيرة عن هذين الأسلوبين من أساليب الغزو. يقول متحدِّثًا عن امرأته التي تلومه على مخاطرته بنفسه في غاراته المتكررة تارة بأولئك الرجلين الذين يعتمدون في غزوهم على أرجلهم، وتارة بأولئك الفرسان الذين يغيرون على الخيل:
تقول: لك الويلاتُ، هل أنت تاركٌ *** ضُبُوءًا برَجْلٍ تارةً وبِمَنْسِرِ[17] ويقول متحدِّثًا عن اعتماده على كلا الأسلوبين في بعض غاراته:
لعلَّ انطلاقي في البلاد، ورِحْلتي 
وشدِّي حيازيم المطيَّة بالرَّحلِ 
سيدْفعني يومًا إلى ربِّ هجْمةٍ 
يدافعُ عنها بالعقوقِ وبالبُخْلِ 
قليل تواليها وطالب وترها 
إذا صِحتُ فيها بالفوارسِ والرِّجلِ[18]
وقد وفَّر الصعاليكُ لهذه الغارات كل ما يحقِّق لها النجاح، وبلوغَ الغاية، وإدراكَ الهدف. فإلى جانب ما وفَّروه لها من قوة الجسد، وشجاعة القلب، وصدق العزيمة، وسرعة العدو، وفروا لها سعة الحيلة، وعمق الدهاء، والقدرة على الخلاص من المآزق الضيقة، والمواقف الحرجة. ففي أخبار الشَّنفرَى أنه كان إذا سار في الليل نزع نعلًا ولبس نعلًا، وضرب برجله، حتى يموه على الناس، فيظنوه الضبع[19]. وفي أخباره أيضا أنه أقبل في ليلة على ماء لبني سلامان، فلما دنا من الماء، قال: إني أراكم، وليس يرى أحدًا، إنَّما يريد بذلك أن يخرج رصدًا إن كان ثمة من يترصَّد له[20]. وفي أخبار السُّليك أنه احتال على رجلٍ في سوق عُكاظ حتى عَرف منه منازلُ قومه، تمهيدًا للإغارة عليها[21].
وخبر الحيلة التي لجأ إليها تأبَّط شرًّا، حين حاصرتْه لحيان وهو يشتار العسل من غار في بلادهم، خبر ذائع مشهور[22]. وقصة احتياله هو الشَّنْفرى وابن براقة على بجيلة حين أسرته، حتى نجا ونجا معه صاحباه، وهي القصة التي أشار إليها في قافيته المفضَّلية، قصة مشهورة أيضا[23].
وإلى جانب هذا كله كان طبيعيًّا أن يوفر الصعاليك لغاراتهم السلاح الذي يعتمدون عليه في هجومهم ودفاعهم؛ لأن الشجاعة أو القوة أو غيرها من الصفات التي كانوا يمتازون بها لا تكفي وحدها «في تلك البادية الفوضوية التي لا يستطيع إنسان أن يعيش فيها ما لم يكن مزوَّدًا بسيف أو قوس»[24].
والواقع أن الصعاليك أعدُّوا لغاراتهم كل ما كانت تعرفه الجزيرة العربية من سلاح، سواء منه ما كان للهجوم وما كان للدفاع، ووصفوا في شعرهم كل ما كانوا يستخدمونه منه، وتحدثوا عن قيمته لهم في غزواتهم، بل في حياتهم كلها، فقد كانوا يرون فيه أهم شيء في حياتهم، وأغلى ما يملكون فيها، وما يخلفونه بعدها، فعمرو بن براقة يذكر أن سيفه هو "جُلُّ ماله"[25]، وعروة يذكر أنه لن يخلف بعد موته سوى سيفٍ ورمحٍ ودرع ومِغْفرٍ وجُوادٍ:
وذي أَملٍ يرجو تراثي، وإِن ما 
يصيرُ له منه غدًا لقليلُ
وماليَ مالٌ غير درع، ومِغْفرٌ[26] 
وأبيض من ماء الحديد صقيلُ
وأَسمرُ خطيُّ القناة مثقف 
وأجردُ عريانُ السراة طويلُ[27]
هذا كلُّ ما يملكه أبو الصعاليك، وكلُّ ما سيُخلِّفه من بعده لوارثيه، وهذا كلُّ ما يُسجِّله في "وصيته" من "ثروته". وقد بلغ من شدَّة حرص صخر الغي الصعلوك على سلاحه أنه كان يراه ثيابًا له لا يخلعها عن جسدِه[28]، ويذكر الرواة أنَّ تأبَّط شرًّا «كان لا يفارقه السَّيفُ»[29].
المصدر: «الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي» (ص 46 - 54)
[1] وإني لأستحيي لنفسي أن أرى = أمر بحبل ليس فيه بعير
وأن أسأل العبد الليئم بعيره = وبعران ربي في البلاد كثير
(الأحيمر السعدي في "الشعر والشعراء" / 495).
[2] انظر: "القاموس المحيط"، مادة "خلل".
[3] "الأغاني" (18 / 134)، وابن قتيبة: "الشعر والشعراء" / 214 - 215 مع اختلاف يسير في ألفاظ القصة.
[4] "الأغاني" (18 / 215 - 216).
[5] "الأغاني" (3 / 78-79)، والتبريزي: "شرح حماسة أبي تمام" (2 / 9).
[6] ابن السكيت: "شرح ديوان عروة" / 181.
[7] "الأغاني" (18 / 217).
[8] المصدر السابق / 218.
[9] انظر - على سبيل المثال -: "شرح أشعار الهذليين" (1 / 233، 234، 243، 245).
[10] "المفضليات" / 202 - 203، 205 - 206، وانظر - أيضا -: "الأغاني" (1 / 1392 – 1400). الباضعة: القاطعة، ويريد بها أصحابه الصعاليك. بعثتها: أي غزوت بهم. حمر القسي: أي أنهم غزوا مرة بعد مرة فاحمرت قسيهم للشمس والمطر. والقسي تحمر على القدم. السربة: الجماعة، وقوله "أنشأت سربتي" أي أظهرتهم من مكان بعيد، يصف بعد مذهبه في الأرض طلبا للغنيمة. وقوله "لن تضرني" أي لن أخاف بها أحدا. وقوله "لأنكى قوما" من النكاية. الحمة: المنية. وقوله "على أين الغزاة" أي ما يصيبني من تعبها، وأنا مع ذلك أمشي. الملبد: المحرم الذي يأخذ صمغا فيلبد به شعره لئلا يشعث في مدة الإحرام. وقوله "جمار مني" أي عند الجمار. سلامان بن مفرج من قومه وهم الذين قتلوا أباه. وقوله "وهنئ بي قوم وما إن هنأتهم" أي هنئ بي قوم وما انتفعوا بي. عبد الله وعوف بن سلامان. وقوله "استهلت" أي الحرب إذا ارتفعت الأصوات فيها.
[11] "أعجب العجب" / 59 - 64. والقالي: "النوادر" 206.
ليلة النحس: المراد بها هنا الليلة الباردة. والأقطع: جمع قطع وهو السهم. ويتنبل أي يرمي بها. والدعس: شدة الوطء. والغطش: الظلمة. والبغش: المطر الخفيف. والسعار: شدة الجوع. والإرزيز: البرد. والوجر: الخوف. والإفكل: الرعدة. والإلدة: الأولاد. والغميصاء: اسم موضع بنجد. والعس: الطواف بالليل. والفرعل: ولد الضبع. والنبأة: الصوت. وهومت: نامت. والأجدل: الصقر. وأبرح: من البرح وهو الشدة.
[12] "الأغاني" (21 / 135).
[13] ابن الأنباري: "شرح المفضليات" / 195.
[14] "الأغاني": (18 / 134).
[15] المصدر السابق / 215.
[16] "لسان العرب": مادة "غزا" - السرية: جماعة الخيل ما بين العشرين إلى الثلاثين. والخشخاش: الجماعة في سلاح ودروع. والهيضل: الجماعة المتسلحة. والرجل: الرجالة.
[17] "ديوانه" / 68، و"الأصمعيات" (1/ 29)، و"شرح التبريزي على حماسة أبي تمام" (1 / 61) - ضبأ: اختبأ واستتر ليختل. والمنسر كمجلس ومنبر: جماعة الخيل.
[18] "ديوانه" / 108 -111. و"شرح التبريزي على حماسة أبي تمام" (2 / 9).
[19] ابن الأنباري: "شرح المفضليات" / 197، و"الأغاني" (21 / 137)، وابن حبيب: كتاب "المغتالين" مصورة لوحة رقم 93.
[20] "الأغاني" (21 / 143).
[21] "الأغاني" (18 / 135-136).
[22] انظر التبريزي: "شرح ديوان الحماسة" (1 / 38 - وما بعدها)، و"الأغاني" (18/ 215)، والبغدادي: "خزانة الأدب" (3/ 357)، وابن حبيب: "المحبر" / 169-198.
[23] انظر ابن الأنباري: "شرح المفضليات" / 6-7، و"الأغاني" (18 / 211-212).
[24] Dermenghem; The Life Of Mahomet, P. 173.
[25] انظر أبياته الميمية في "الأغاني" (21 / 175).
[26] معطوف على محل "درع"؛ لأن المعنى "ليس لي إلا درع ومغفر".
[27] "ديوانه" / 207.
[28] انظر قصيدته الدالية في السكري: "شرح أشعار الهذليين" (1 / 13).
[29] الجوهري: "صحاح اللغة"، مادة "أبط".
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|