عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 10-06-2023, 06:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,763
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الصعاليك في المجتمع الجاهلي




لا شيءَ مني، ليس ذا عُذَر
وذا جناح بجنب الرَّيد خفاق
حتى نجوتُ ولما ينزعوا سَلَبي
بوالهٍ من قَبِيض الشد غَيْداق[82]


إنه سريع كالظليم أو الظبية، بل إنه أسرع من كل شيء حتى الخيل الجياد والطير الجارحة فوق قمم الجبال. ويصرح أبو خراش بأن سرعة عدوه هي التي أنجته من موت محقق، فلولاها لآمت امرأته ويتم ابنه:
تقول ابنتي لما رأَتني عشيَّةً
سَلمْتَ وما إِن كدتَ بالأمس تَسْلمُ
ولولا دِراكُ الشد قاظت حليلتي
تخيَّر من خطابها وهي أَيِّمُ
فتقعد أو ترضى مكاني خليفةً
وكاد خراشٌ يومَ ذلك يَيْتَم[83]


وفي لامية العرب صورة قوية لهذه السرعة نرى فيها الصعلوك يسبق القطا الظامئة وهي تسرع إلى الماء:
وتشربُ أسآرى القطا الكُدْر بعدما
سرَتْ قربًا أحشاؤها تتصَلصَلُ
هممتُ وهمتْ، وابتدرنا، وأَسدلتْ
وشمَّر مني فارطٌ متمهِّلُ
فوليتُ عنها وهي تكبو لعُقره
يباشره منها ذُقونٌ وحَوْصَلُ[84]


إنها مباراة طريفة يقدمها لنا الشاعر بينه وبين القطا في الوصول إلى الماء، تنتهي بفوزه عليها، وإدراكه الماء قبلها، بل لقد شرب وارتوى قبل أن تصل هي، فلما وصلت لم تجد إلا سؤرًا تشربه من بعده.

ولعل أقوى صورة رسمها صعلوك لهذه السرعة هي تلك الصورة التي رسمها تأبَّط شرًّا، والتي نرى فيها الصعلوك يسبق الريح بسرعته الفائقة:
ويَسْبقُ وَفْدَ الريح مِن حيثُ يَنْتَحى *** بمنْخَرِقٍ من شَدِّهِ المتدَارِكِ[85]

بل إنَّ الأمر ليصل بحاجز الأزدي إلى أن يفدِّي رجليه بأمه وخالته، وماذا أفاد من أمه وخالته سوى تلك الحياة القاسية المحتقرة التي جرَّتاها عليه بلونهما الأسود؟ أما رجلاه فهما كل شيء في حياته، ولولاهما لفقد الحياة نفسَها، وإذا كانت أمه وخالته سبب ما يلاقيه في حياته فإن رجليه سبب إنقاذه مما يلاقيه فيها:
فدًى لكما رِجليَّ أمي وخالتي *** بسعيكما بين الصَّفا والأثائبِ[86]

وعلى ما في أحاديث هذا العدو في أخبار الصعاليك وشعرهم من مبالغات يقف المرء عندها متسائلا: أيمكن أن يكون هذا صحيحًا؟ فإنها -على كل حال- تصوِّر ظاهرة لا شك في حقيقتها المجردة، وهي أن هؤلاء الصعاليك كانوا يمتازون بسرعة في العدو خارقة للعادة، وهي سرعة لفتت أنظار الرواة فسجلوها بما فيها من مبالغات، واستقرت في أذهان الناس فضربوا بها الأمثال، ووجد فيها بعض الشعراء المتأخرين مادة يستغلونها في فنهم، ويستخدمونها في تشبياتهم وصورهم الفنية[87].

المصدر: الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، يوسف خليف، دار المعارف

[1] التبريزي: "شرح حماسة أبي تمام" (2/ 9).

[2] "الأغاني" (3/ 77).

[3] المصدر نفسه/ 38، وغلق الرهن في يد المرتهن: استحله، وذلك إذا لم يقدر الراهن على افتكاكه في الوقت المشروط.

[4] "ديوانه" / 198.

[5] "ديوانه" / 191.

[6] "ديوانه" / 99.

[7] البيهقي: "المحاسن والمساوئ" / 301.

[8] Groves; Personality And Secial Adjustment, P. 270.

[9] ابن دريد: "الاشتقاق" / 246.

[10] انظر حديث الأصمعي في "الأغاني" 14/ 39.

[11] في القرآن الكريم: ﴿ وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ﴾ [سورة الإسراء آية: 31]، انظر أيضا سورة الأنعام آية: 151.

[12] "الأغاني" (3/ 81، 82).

[13] انظر على سبيل المثال "شرح ديوانه" لابن السكيت/ 103، 104.

[14] "الأغاني" (21/ 60).

[15] "الأغاني" (18/ 135) - وأسدف الرجل: أظلمت عيناه من الجوع.

[16] "شرح أشعار الهذليين" (1/ 58) - والتوالب: الجحاش، ويريد بهم أبناءه الصغار. والمصرم: الفقير.

[17] "ديوانه" / 106.

[18] القالي: "النوادر" / 204 - والمطال: المماطلة. الطول: المن. الذام: العيب. الخمص: ضمور البطن أو الجوع. الحوايا: الأمعاء. ماري: اسم رجل أو اسم للفاتل. تغار: تحكم. الأزل: خفيف الوركين، صفة للذئب. التنائف: جمع تنوقة، وهي المفازة. الأطحل: الذي لونه بين الغبرة والبياض.

[19] شهاب الدين الدلجي، وقد عقل الفصل الأول من كتابه في تحقيق معنى المفلوك، وقال فيه: "هذه اللفظة تلقيناها من أفاضل المعجم، ويريدون بها بشهادة مواقع الاستعمال الرجل الغير المحفوظ المهمل في الناس لإملاقه وفقره "ص3"، فهي تقرب من كلمة "الصعلوك" في دائرتها اللغوية.

[20] انظر الفصل الرابع، ص14 وما بعدها.

[21] Grove; Personality And Social Adjustment, P. 231.

[22] اختلفوا في ضبط اسم أمه بين كسر الحاء وضمها: أما ابن دريد فهي عنده بالضم "الاشتقاق/ 277"، وكذلك ابن عبد ربه "العقد الفريد" (3/ 383)"، ولكنها عند السمعاني في "الأنساب" بالكسر، أما المرزباني فإنه يذكر الضبطين فيقول "والحدادية أمه، وهي من بني حداد من كنانة، وقوم يجعلونها من حداد محارب، وحداد بالضم من كنانة، وحداد بالكسر من محارب" "معجم الشعراء" / 325. وهكذا يتضح أن الاختلاف في ضبط الاسم راجع إلى الاختلاف في القبيلة التي تنتسب إليها أم الشاعر، وهي عند ابن حبيب وأبي الفرج من محارب، وعند ابن الأعرابي من كنانة "من نسب إلى أمه من الشعراء" / 6، و"الأغاني" (13/ 2 – بولاق).

[23] انظر: "الأغاني" (13/ 8 - بولاق).

[24] ابن الأنباري: "شرح المفضليات" / 197، 198.

[25] انظر المصدر السابق/ 195، 196، و"الأغاني" (21/ 134 وما بعدها).

[26] انظر أبياته الرائية "لحا الله صعلوكا" في "ديوانه" / 73-82. و"جمهرة أشعار العرب" / 115. و"الأصمعيات" / 29، 30. وانظر: (ص329) من هذا البحث.

[27] عروة أيضا انظر: "ديوانه" / 150، 151 - والبيتان يرويهما أبو تمام في "حماسته" لأبي النشناش، وهو لص من تميم إسلامي، مع اختلاف في الألفاظ "انظر: "الحماسة" (1/ 166، 167).

[28] عروة: "ديوانه" / 166.

[29] عروة أيضا: "ديوانه" / 191.

[30] عروة أيضا: "ديوانه" / 91.

[31] تأبط شرا: "الأغاني" (18/ 217).

[32] أبو الطحان القيني: "الأغاني" (11/ 132 – بولاق) - ريمان: حصن باليمن، وأراجيل: جمع راجل، وأحبوش: الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة. والأغضف: الكلب المسترخي الأذن. والآلف: المستأنس بمن يحرسهم، من الإلف.

[33] الشنفرى: "الأغاني" (18/ 216)، و"ديوانه" / 32.

[34] الشنفرى أيضا: "الأغاني" (21/ 139)، و"المفضليات" / 206.

[35] ابن قتيبة: "الشعر والشعراء" /171، و"حماسة ابن الشجري" / 47. ويذكر De Goeje ناشر "الشعر والشعراء" في تعليقه على هذا البيت أن في بعض المخطوطات "فعلت" مكان "اعتزمت"، وهي عندي أدق في تأدية المعنى.

[36] "حماسة أبي تمام" (2/ 145)، و"ديوان الهذليين" (2/ 158)، وفيه "مخلص" مكان "مجذوع".

[37] "العبد لا يحس الكر، وإنما يحسن الحلاب والصر. عنترة: "الأغاني" (8/ 239)، وفي شعر السليك إشارة إلى قيام العبيد والإماء برعي الإبل "الأغاني" (18/ 134).

[38] "لسان العرب": مادة "رعى" - الترعي: الذي يجيد رعية الإبل، أو من صناعته وصناعة آبائه الرعي. ويؤنفها: أي يتتبع بها أنف المرعى أي التي لم ترع. وأبهل إبله: تركها مهملة.

[39] "لسان العرب": مادة "رسل" - الثلة: جماعة الغنم. والغرنيق: طائر مائي. ورجل مرسل: كثير الرسل أي اللبن.

[40] "لسان العرب": مادة "رعل"، ومادة "عبهل" - المسترعل: الذي ينهض في الرعيل الأول، أو الخارج في الرعيل، أو هو قائد الفرسان. والمتعبهل: الممتنع الذي لا يمنع.

[41] "كل صعلوك جواد" "الميداني: "مجمع الأمثال" (2/ 90).

[42] "الأغاني" (3/ 74).

[43] انظر ابن السكيت: "شرح ديوان عروة" / 190.

[44] الأصمعي: "فحولة الشعراء" "مخطوطة" ورقة رقم 3 - والمرزباني: "الموشح" / 80.

[45] "ديوانه" / 85 – و"الأصمعيات" /30.

[46] "ديوانه" / 83 – و"الأصمعيات" / 30.

[47] انظر: "الأغاني" (3/ 78-79).

[48] "ديوانه" / 138-141.

[49] انظر على سبيل المثال: "ديوانه" /60، 61، 62، 71، 72، 85، 95، 96، 138، 139، 140، 141، 155، 164، 165، 166، 167، 181.

[50] "ديوانه" / 64 – و"لسان العرب": مادة "صير" - والصير: القبر.

[51] "المفضليات" / 18 - عذالة وخذالة للمبالغة. والأشب: المخلط عليه المعترض. والأعلاق: الأشياء النفسية.

[52] .Lammens; Le Berceau De I'Islam, vol. I, P. 190

[53] انظر: "المفضليات" /19 - الخلال: خصاصات الفقر، جمع خلة.

[54] "ديوانه" / 206.

[55] "لسان العرب"، مادة "لغب" - الذنابي: ذنب الطائر أو منبت الذنب. واللغب: الريش الفاسد.

[56] "الأغاني" (21/ 141)، وفي "ديوانه" / 39 "وآب إذا أجرى الجبان وظنه" ولا معنى له - خيم: أقام حيث هو فلم يبرح، أو جبن ونكص. والمخشف: الجريء على هول الليل، وهو هنا صفة للقلب.

[57] ابن قتيبة: "الشعر والشعراء" / 216، 217 - أم كل شيء، أصله وعماده، وأم الرأس: الدماغ أو الجلدة الرقيقة التي عليها. والبيضة: خوذة الحديد. وعادى: كأنه من قوم عاد. والرواجب: مفاصل الأصابع.

[58] انظر: (ج1 ص82-89).

[59] "ما أبالي من لقيت من فرسان العرب ما لم يلقني حراها وهجيناها" يعني بالحرين عامر بن الطفيل، وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وبالعبدين عنترة، والسليك بن السلكة، "الأغاني" (8/ 246).

[60] "لو سرت بظعينة وحدي على مياه معد كلها ما خفت أن أغلب عليها، ما لم يلقني حراها أو عبداها، فأما الحران فعامر بن الطفيل، وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وأما العبدان أسود بني عبس "يعني عنترة" والسليك بن السلكة، وكلهم قد لقيت، فأما عامر بن الطفيل فسريع الطعن على الصوت، وأما عتيبة فأول الخيل إذا أغارت وآخرها إذا آبت، وأما عنترة فقليل الكبوة شديد الجلب، وأما السليك فبعيد الغارة كالليث الضاري" "الأغاني 14/ 28، فشرح ابن الأنباري على "المفضليات" / 704، 705، وانظر أيضا أسامة بن منقذ: "لباب الآداب" / 181".

[61] "كان يقاتلهم بجنده مقاتلة الصعلوك" "من حديث لرسول المهلب يصف فيه للحجاج قتاله الخوارج – انظر: المسعودي: "مروج الذهب" (2/ 148).

[62] "ديوان الهذليين" (2/ 169)، و"حماسة الخالديين" "مخطوطة" ورقة رقم 397.

[63] انظر على سبيل المثال: "الأغاني" (18/ 133، 210) - والبغدادي: "خزانة الأدب" (2/ 17) - والميداني: "مجمع الأمثال" (1/ 43)، والنيسابوري: "لطائف المعارف" مصورة (لوحة رقم 77) – و"تاج العروس": مادة "شفر" ومادة "شنفر".

[64] في "تاج العروس" "مادة رجل" "والرجيلاء كغميصاء، والرجليون محركة، قوم كانوا يعدون". وهما تسميتان تترددان كثيرا في مصادر الأدب العربي وفي كتب اللغة، انظر على سبيل المثال: ابن قتيبة: "الشعر والشعراء" / 214 - والمرزباني: "معجم الشعراء" / 468 - والآمدي: "المؤتلف والمختلف" / 67 - والمبرد: نسب عدنان وقحطان/ 9 - وابن حبيب: "المحبر" / 433 - وابن دريد: "جمهرة اللغة" (1/ 140) - وابن عبد ربه: "العقد الفريد" (3/ 347).

[65] الميداني: "مجمع الأمثال" (1/ 430) – و"تاج العروس": مادة "شفر" ومادة "شنفر".

[66] المصدران السابقان: الميداني/ 431 - والتاج: مادة "سلك".

[67] الميداني: "مجمع الأمثال" (2/ 233) - و"الأغاني" (18/ 137) - وابن عبد ربه: "العقد الفريد" (3/ 70) - وابن دريد: "جمهرة اللغة" (1/ 323).

[68] "الأغاني" (18/ 134) - والنيسابوري: "لطائف المعارف"، لوحة 77.

[69] المرزباني: "معجم الشعراء" / 468.

[70] "الأغاني" (18/ 133)، (20/ 20).

[71] "الأغاني" (12/ 49 – بولاق).

[72] "الأغاني" (18/ 133، 134) - وابن قتيبة: "الشعر والشعراء" / 214.

[73] البغدادي: "خزانة الأدب" (2/ 16).

[74] "الأغاني" (18/ 210).

[75] "الأغاني" (12/ 49، 50 – بولاق).

[76] ابن قتيبة: "الشعر والشعراء" / 214 - اهتبصوا: أسرعوا أو بالغوا في العدو.

[77] "الأغاني" (21/ 75).

[78] البغدادي: "خزانة الأدب" (2/ 18).

[79] ابن الأنباري: "شرح المفضليات" / 6.

[80] "الأغاني" (18/ 210).

[81] المصدر السابق/ 211.

[82] "المفضليات" / 7-11. والعيكتان: اسم موضع. حثحثوا: حركوا، من الحث. القوادم: ما يلي الرأس من ريش الجناحين، والحص: التي تناثر ريشها وتكسر، وهذه دلالة على السرعة والخفة، وقوله: "حصا قوادمه" يعني الظليم. الخشف: ولد الظبية. الشت والطباق: نبتان من نبت السراة. العذر: ما أقبل من شعر الناصية على الوجه، ويعني بذي عذر فرسا.
الريد: حرف الجبل الذي يشرف على الهواء. الواله: الذاهب العقل فليس يستبقي من جهده في عدوه شيئا. القبيض: السريع. الشد: العدو. الغيداق: الكثير الواسع.

[83] "ديوان الهذليين" (2/ 148). و"الأغاني" (21/ 56، 57). وحماسة الخالديين "مخطوطة" ورقة رقم 25 - قاظت: أقامت.

[84] القالي: "النوادر" / 205 - القرب: طلب الماء ليلا. الأحناء: الجوانب. تتصلصل: تصوت. الفارط: المتقدم. العقر: مقام الساق من الحوض.

[85] "حماسة أبي تمام" (1/ 48) - المنخرق: السريع. المتدارك: المتلاحق.

[86] "الأغاني" (12/ 52 – بولاق) - وحاجز من أغربة العرب سرى إليه السواد من أمه "تاج العروس، مادة "غرب"" والأثائب: شجر ينبت في بطون الأودية.

[87] انظر على سبيل المثال: وصف جران العود للقوادة "ابن قتيبة: "الشعر والشعراء" / 452"، ووصف البحتري للمفازة "ديوانه" / 73، ووصف ابن الرومي لشهر الصيام "ديوانه" (1/ 77).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]