عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 10-06-2023, 05:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,405
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التكرار عند المتنبي

• • •

وَلا وَقَفْتُ بجسْمٍ مُسْيَ ثالِثَةٍ
ذي أرْسُمٍ دُرُسٍ في الأرْسُمِ الدُّرُسِ

• • •

إن المعيدَ لنا المنام خياله
كانت إعادته خيال خيالِه

• • •

غثاثةُ عيشي أن تغثَّ كرامتي
وليس بغثٍّ أن تغث المآكلُ

• • •

ملولةٌ ما يدوم ليس لها
من مللٍ دائم بها مللُ

• • •

لو كنَّ يوم جرين كنَّ كصبرنا
عند الرحيلِ لكُنَّ غيرَ سجامِ

(الضمير في (كن) يعود على (أرواحنا) التي مرت في البيت السابق على هذا البيت).
♦ ♦ ♦
وأطعمتني في نيلِ ما لا أناله
بما نلت حتى صرت أطمع في النجمِ
• • •
مَن ليس مِن قتلاه من طلقائه
مَن ليس ممن دان ممن حينا

وأظن أنه بعد هذه الأمثلة (وهي مجرد أمثلة)، والأمثلة التي وردت في كتب السابقين لا ينبغي أن يبقى لدينا شك في أن هذه سمة بارزة في شعر المتنبي، وأن نقَّادنا القدماء لم يتجنوا على الشاعر حين جعلوها كذلك، لكننا مع ذلك نخالفهم في أن المتنبي قد مقتنا بهذه الأبيات في تكرير اللفظ في البيت الواحد، فما من بيت من هذه الأبيات يشكِّل لنا أية صعوبة في نطقه، بل إن اللسان ليجري به جريًا لا يتحقق في أبيات أخرى ليس فيها هذا التكرار، وقد مرت أمثلة من هذه الأبيات الأخيرة في مواضع من هذا الكتاب.

على أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فإني لا أظن المتنبي رحمه الله إلا كان يقصد من وراء هذا التكرير إلى تحقيق قيمة فنية: إنه فيما يبدو لي كان يتلذَّذ في المديح والفخر والغزل بترديد اللفظة، ويريد للسامع والقارئ أن يتلذذا هما أيضًا بهذا الترديد، كما يتلذذ الواحد منا بتقليب قطعة من الحلوى في فمه، خذ هذا البيت مثلًا:
قَبيلٌ أنتَ أنتَ وأنتَ منهُمْ *** وجَدُّكَ بِشْرٌ المَلِكُ الهُمَامُ
ألست ترى أنها تقع من أذنِ الممدوح ونفسه موقع قطعة السكر في الفم؟ ومثله قوله:
وإني وإن كان الدفين حبيبَه *** حبيبٌ إلى قلبي حبيب حبيبي
وقد لمح نصر بن محمد الوزير الجزري، شيخ العكبري، هذا التعليل حين قال ردًّا على من يعيبون بيت المتنبي التالي:
العارض الهتن ابن العارض الهتنِ ابــ *** ــن العارض الهتن ابن العارض الهتنِ
(العارض الهتن: السحاب المدرار).
إذ قال: إنما تكرر الألفاظ لشرف الآباء[7].

كما أنه في بعض الأبيات التي من هذا النوع كان يقصد، فيما أرجح، إلى المبالغة وإبراز المعنى، وذلك كما في قوله:
عظمت، فلما لم تكلم مهابةً *** تواضعت، وهو العظم، عظمًا عن العظمِ
فانظر إلى هذه المراقي من العظمة كل مرقاة ترتفع بالممدوح في أجواز الفضاء إلى المدى الذي نُحِس معه أنه قد بلغ من الرفعة درجة لا تطال، وذلك كله بتكرار ألفاظ (ع ظ م) في البيت، فكأن كل لفظة منها طبقة في الفضاء تسلم إلى ما فوقها.

وقوله:
وكلكمُ أتى مأتى أبيه *** فكل فعالِ كلِّكمُ عجابُ
إن المتنبي هنا قد ضرب أصل الفكرة (وهو تقليد الأبناء لأبيهم في المجد والعظمة) في نفسه ثلاث مرات، فجعله كما يقول الرياضيون مكعبًا: (فكلكمُ... فكل فعالِ كلكمُ)، ومع ذلك لم تركَّ عبارته أو تنشز موسيقاه أو تتعقد ألفاظه، بل إنه قد وشي تكريره بالمخالفة بين نطق (كل) في الحالات الثلاث؛ هكذا: (كلكمُ)، و(كل) من غير كافٍ ولا ميم ولا مد، و(كلكمُ)، (بضمير المخاطبين ومد الميم ثانية).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.17 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.17%)]