عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-06-2023, 03:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,776
الدولة : Egypt
افتراضي الرثاء في الشعر العربي

الرثاء في الشعر العربي
أم محمد عياطي


تعدَّدَتْ أغراضُ الشعر العربي، وتشَعَّبَتْ من حيث المواضيع التي يطرقها، فكان منها الفخر والهجاء والغزل والرثاء وغيرها، وظلت هذه الأغراض في الشعر محافظةً على أصالتها إلى زماننا هذا، ولم يعتريها التغييرُ إلا في بعض تفاصيل طرحها وسرْدها، ولعل أشجى هذه الأغراض وأقربها لحياة الشاعر وقلبه هو "الرثاء"؛ لأن الموت قدرٌ محتوم قد غصَّ بمرارته كل البشر، وذاق علقمه من تخطَّف الموتُ عزيزًا على قلبه؛ ولهذا لم يكتم الشعراء جزعهم من هذا الشبح الذي طالما حام حول سويداء قلوبهم، فاجتثَّها خلسةً، ومرَّ إلى غير رجعة على وَقْع أفئدة تُدمى، وأكباد تتفطَّر، وأرواح تتلظَّى وتتحسَّر، ولا يملك الشاعر إلا أن يشيِّع فقيده بأوتار القوافي، يهزُّ أوزانها على نغم الفجيعة والأسى مجترًّا ما مضى من سالف عهده، فيتراءى له جمالُ تلك الصُّحْبة الهنية التي لم يبقَ منها سوى أثر معانيها الطيبة، وذكرى المفقود بكل ما افتقد معه من نُبْل خلاله، وحُسْن أوصافه؛ ولهذا نستطيع أن نعرِّف الرثاء في الشعر بأنه تعداد خصال الميت مع التفجُّع والتأسِّي والتعزِّي بما كان يشتمل عليه من خصال حسنة ومناقب مجيدة، ويلتقي الرثاء مع المدح في الإشادة بمكارم الأخلاق وجليل المزايا والصفات إلا أن الرثاء يعقبه الحزن والحسرة على فراق المتوفَّى.

وللرثاء ثلاثة ألوان وهي:
الندب: وهو البكاء أثناء احتضار الميت، أو بعد وفاته.
والتأبين: وهو ذكر الميت وتعداد خصاله الحميدة في جمْع من الناس، ويُعدُّ التأبين نوعًا من التكريم للميت.
والعَزاء: وهو التفكير فيما وراء الموت، والتأمُّل في الموت والحياة بشكل يصل إلى أعماقه، وسر خذلانه.

وأيًّا كان لون الرثاء أو نوعه نجده يلامس شغاف القلوب ورقائق النفس، ولعل أصدق الرثاء أخلده؛ فكلما كان المصاب أعظمَ، كان الشعرُ أمكنَ وأصلبَ، وصداه أجوب في شعاب الحياة.

ويتوزَّع الشعراء من راثٍ لنفسه، ولعزيز له قريب، أو حتى لبقعة من بقاع الأرض؛ كرثاء المدن وعندما نجيل النظر نلمس أنه من أصدق وأشج ما قيل في الرثاء كان في رثاء المرء نفسه، وهل هناك أعزُّ من الروح مهما كانت مكانة المرثي، فليست النائحة كالثكلى.

ومن أشهر المرثيات مرثية مالك بن الريب، يرثي نفسه في قصيدة طويلة عندما شعر بدنوِّ الأجل إثر حادث ألمَّ به؛ حيث قال:
غريبٌ بعيدُ الدار ثاوٍ بقَفْرةٍ

يَدَ الدهر معروفًا بأنْ لا تدانيا

أقلِّبُ طرفي حول رحلي فلا أرى

به من عيون الْمُؤنساتِ مُراعيا

وبالرمل منَّا نسوة لو شَهِدْنَني

بَكينَ وفَدَّين الطبيبَ الْمُداويا

وما كان عهدُ الرمل عندي وأهلِهِ

ذميمًا ولا ودَّعْتُ بالرمل قالِيا



ومن أبرز شعر الرثاء أيضًا مراثي المهلهل في أخيه كليب؛ فقد برع في تصوير فجيعته، ونفث آهته من خلال ما نظمه حين فقد أخاه، فقال
نعى النعاة كليبًا لي فقلت لهم

سالت‏ بنا الأرض أو زالت رواسيها

ليت السماء على من تحتها وقعت

وجالت الأرض فانجابت ‏بمن فيها



وكان للخنساء قصائد عدة في رثاء أخيها صخر تصدَّعَتْ من خلالها روحها، فانساقت عبراتها تنوح في قوافي تموج بحرقة الفقد والحنين ومنها:
أعينيَّ جُودا ولا تجمُدا

ألا تبكيان لصَخْر الندى

ألا تبكيان الجريء الجميل

ألا تبكيان الفتى السيدا

رفيع العماد طويل النجاد

ساد عشيرته أمردا

إذا القوم مدُّوا بأيديهم

إلى المجد مدَّ إليه يدا

يحمله القوم ما عالهم

وإن كان أصغرهم مولدا

وإن ذ كر المجد ألفيته

تأزَّر بالمجد ثم ارتدى


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]