الموضوع: لا معقب لحكمه
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-05-2023, 03:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,352
الدولة : Egypt
افتراضي لا معقب لحكمه

لا معقب لحكمه

هو الخالِقُ العَظيم، صاحبُ الملكِ والمَلكوت، والكِبرِياء، والجَبَروت، مَلِكُ المُلُوك، لا يُنازِعه أحَدٌ في مُلْكه، ولا يُدانِيه أحَدٌ في عَظمَتِه، يُدَبِّر ما يشاءُ كَيْفما شاء {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [الرعد: 41]، فمنْ رضي فَله الرِّضا ومن سَخِط فعَلَيه سَخطُه.

لا يَقعُ شيءٌ في مَلكوتِه إلّا بعِلمِه، ولا يخرُج شيءٌ عن قَدَرِه، ولا يكونُ شيء إلّا بإرادَتِه، يُسَائِلُ من شاءَ منْ عَبيدِه {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116]، فيُجيب عيسى عليه الصّلاةُ والسَّلامُ {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة: 116]، ولكنَّ الجهلَ بمَعْنى العبوديَّة يجْعلُ البعْضَ يتَعامل معَ اللَّه تعامُل النِّدّ، وكأنَّ لهُ حقّا مفْروضا يُطالبُ به، ونَسيَ المسْكينُ أنّ كُلّ ما لديْه حَتَّى حَياته، إنَّما هو هِبَةٌ من اللَّه وفضْل، وإذا شاءَ الوَاهِبُ أن يسْلُبَه ذلك كلُّه فمَن ذا يُسَائِله؟!
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91].

فَأينَ العَبِيدُ من حقِّ المَعْبُود؟!
غافِلٌ يَسْتَدْرِكُ على حَكِيم!
ومَيِّتٌ يَتكبَّرُ على حيٍّ لا يموت!
مُحتَاجٌ يُنَازِعُ مُتَفَضِّلًا!
وَجاحدٌ يُسِيءُ لِمُحْسِن!
عَدَمٌ يُنَاكفُ خَالِقَه!
وَعَقْلٌ يَعْتَرِضُ على مَن أَوجَده!
ولِسَانٌ يَتَطاولُ على مَن أَنْطَقه!

{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9]، لو كانَ في قَدَر اللَّه أنَّ من أَسْلَمَ لا يُبْتلى؛ لدخَلَت كَثيرٌ من الأمَم في الإِسلام طمعًا في الدُّنْيَا لا حُبًّا في الدِّين، لكنَّ اللَّه قَدَّر الِابتِلاءَ والتَّمْحيص، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} [البقرة: 214].

فاللَّهُ جلَّ جلالُه أخْبَر بأنَّه سَيَبْتَلِي، ويُؤَكِّد ذَلكَ بثَلاث مُؤَكِّدَات - بالقَسَم واللَّام والنُّون - {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 155، 156]، ثمّ بيَّنَ فضْلًا منْهُ وتَكرُمًا ما مَنَحهُم إيَّاه بِصَبْرهِم: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157].

الحَائِرُ يُفَصِّل الإِسْلام على مِقْيَاسِ جَهْلِه، ويَقتَرِح خارِطةَ طَرِيق لأَقدَارِ العَزيز الحكِيمِ، وكأَنَّهُ يُرْشِد اللَّهَ جلَّ جَلَالُه إلى طَريقَة تَصرِيفِ الكَون! {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].
__________________________________________________
الكاتب: إبراهيم العامر







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.81 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.82%)]