عرض مشاركة واحدة
  #548  
قديم 08-05-2023, 11:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,706
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (546)
سُورَةُ الْجُمُعَةِ
صـ 123 إلى صـ 130



[ ص: 123 ] ومنها عن ابن عباس عند ابن حبان أنه شرع بمكة عن أول الصلاة .

وقال ابن حجر : لا يصح شيء من ذلك .

أما مشروعيته بعد الهجرة ، وفي المدينة ففيها نصوص عديدة صحيحة تبين بدأه وكيفيته .

منها حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في الصحيحين وغيرهما قال : " كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادي بها أحد ، فتكلموا يوما في ذلك ، فقال بعضهم : اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى ، وقال بعضهم قرنا مثل قرن اليهود ، فقال عمر : أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا بلال قم فناد بالصلاة " ، وفي الموطأ لمالك رحمه الله : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قد أراد أن يتخذ خشبتين يضرب بهما ؛ ليجتمع الناس للصلاة ، فأري عبد الله بن زيد الأنصاري خشبتين في النوم فقال : إن هاتين لنحو مما يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ألا تؤذنون للصلاة ؟ فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استيقظ فذكر له ذلك فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأذان " .

وبعض الروايات الأخرى عن غير ابن عمر وعند غير الشيخين بألفاظ أخرى ، وصور مختلفة منها قالوا : " انصب راية فإذا رآها الناس أذن بعضهم بعضا أي : أعلمه عند حضور الصلاة ، فلم يعجبه ذلك فذكر له القنع ، وهو الشبور لليهود فلم يعجبه ، فقال هذا من أمر اليهود " .

وفي رواية أنس " أن ينوروا نارا فلم يعجبه شيء من ذلك كله " .

وفي حديث عبد الله بن زيد : لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناقوس يعمل ؛ ليضرب به للناس لجمع الصلوات طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده ، فقلت : يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ قال : وما تصنع به ؟ قلت : ندعو به إلى الصلاة ، قال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ، فقلت : بلى ، فقال : تقول : الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله " .

ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال : تقول إذا أقمت للصلاة : الله أكبر الله أكبر ، أشهد [ ص: 124 ] أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .

فلما أصبحت أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما رأيت فقال : " إنها لرؤيا حق إن شاء الله ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به ، فإنه أندى صوتا منك " فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به ، قال : فسمع ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول :

والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت ما رأى ، فقال صلى الله عليه وسلم : " فلله الحمد
" رواه أبو داود .

وفي رواية له ، فقال : " إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان " .

فتبين من هذا كله أن الصحيح في مشروعية الأذان أنه كان بعد الهجرة ، وفي المدينة المنورة .

وهنا سؤال حول مشروعية الأذان ، قال بعض الناس : كيف يترك أمر الأذان وهو بهذه الأهمية من الصلاة فيكون أمر مشروعيته رؤيا يراها بعض الأصحاب ، وطعن في سند الحديث واستدل بحديث ابن عمر في الصحيحين وغيرهما من قوله صلى الله عليه وسلم : " قم يا بلال فناد بالصلاة " والجواب عن هذا من عدة وجوه :

منها : سند حديث عبد الله صحيح ، وقد ناقشه الشوكاني رحمه الله ، وذكر تصحيحه ومن صححه ويشهد لصحته ما قدمناه من رواية الموطأ بإرادة اتخاذ خشبتين ، فأري عبد الله بن زيد خشبتين الحديث ، وكذلك في الصحيحين إثبات التشاور فيما يعلم به حين الصلاة .

ومنها : أنه لا يتعارض مع حديث ابن عمر ؛ لأن حديث ابن عمر لم يذكر ألفاظ النداء فيكون الجمع بينهما ، إما أن بلالا كان ينادي بغير هذه الصيغة ، ثم رأى عبد الله الأذان فعلمه بلالا .

وقد يشهد لهذا الوجه ما جاء عن أبي ليلى قال : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ، وحدثنا أصحابنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين واحدة ، حتى لقد هممت أن أبث رجالا في الدور ينادون الناس بحين الصلاة ، وحتى هممت أن آمر [ ص: 125 ] رجالا يقومون على الآطام ينادون المسلمين حتى نقسوا أو كادوا أن ينقسوا " ، قال : فجاء رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله إني لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت رجلا كأن عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ، ثم قعد قعدة ، ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول : قد قامت الصلاة ، ولولا أن يقول الناس لقلت إني كنت يقظان غير نائم . فقال صلى الله عليه وسلم : " لقد أراك الله خيرا فمر بلالا فليؤذن ، فقال عمر : أما إني قد رأيت مثل الذي رأى ولكني لما سبقت استحييت " . لأبي داود أيضا .

ففيه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قد هم أن يبث رجالا في الدور ، وعلى الآطام ينادون للصلاة ، فيكون نداء بلال أولا من هذا القبيل دون تعيين ألفاظ ، وإما أن يكون نداء بلال الوارد في الصحيح بألفاظ الأذان ، الواردة في حديث عبد الله بعد أن رأى ما رآه وأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يعلمه بلالا فنادى به ، ولا تعارض في ذلك كما ترى .

ومنها أيضا : أن رؤيا عبد الله للأذان لا تجعله مشروعا له من عنده ولا متوقفا عليه ، لأنه جاء في الرؤيا الصالحة أنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .

وهذا النظم لألفاظ الأذان لا يكون إلا من القسم فهي بعيدة عن الوساوس ، والهواجس لما فيها من إعلان العقيدة وإرغام الشيطان كما في الحديث : " إن الشيطان إذا سمع النداء أدبر " إلخ .

ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - لما سمعها أقرها وقال : " إنها لرؤيا حق " ، أو لقد أراك الله حقا ، فكانت سنة تقرير كما يقرر بعض الناس على بعض الأفعال .

ثم جاء بعد ذلك تعليمه - صلى الله عليه وسلم - لأبي محذورة فصار سنة ثابتة ، وكان يتوجه السؤال لو أنه لم يبلغه - صلى الله عليه وسلم - وعملوا به بمجرد الرؤيا ، ولكن وقد بلغه وأقره فلا سؤال إذا .

ومنها : أن في بعض الروايات أن الوحي قد جاءه به ، ولما أخبره عمر قال له : " سبقك بذلك الوحي " ذكر في مراسيل أبي داود .

وذكر عن ابن العربي بسط الكلام إثبات الحكم بالرؤيا ذكرهما المعلق على بذل المجهود .

ومنها ما قيل : ترك مجيء بيان وتعليم الأذان إلى أن رآه عبد الله ورواه عمر رضي الله عنهما لأمرين ، ذكرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلنا مع ذكر الله فيكون مجيئه عن طريقهما أولى [ ص: 126 ] وأكرم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يأتيهم من طريقه هو حتى لا يكون عناية من يدعوهم لإطرائه . وهذا وإن كان متوجها إلا أن فيه نظرا ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لو جاءهم بأعظم من ذلك لما كان موضع تساؤل .

من مجموع ما تقدم يكون أصل مشروعية الأذان سنة ثابتة ، إما أنه كان قد هم أن يبعث رجالا في البيوت ينادوه ، وإما لأنه أقر ما رأى عبد الله فيكون أصل المشروعية منه صلى الله عليه وسلم ، والتقرير منه على الألفاظ التي رآها عبد الله .
فضل الأذان وآداب المؤذن

لا شك أن الأذان من أفضل الأعمال ، وأن المؤذن يشهد له ما سمع صوته من حجر ومدر . إلخ .

وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم : " أن المؤذنين أطول الناس أعناقا يوم القيامة " .

وقال عمر رضي الله عنه : لولا الخلافة لأذنت .

وقال صلى الله عليه وسلم : " الإمام ضامن ، والمؤذن مؤتمن ، اللهم أرشد الأئمة ، واغفر للمؤذنين " . رواه أبو داود والترمذي ، إلى غير ذلك من فضائل الأذان ، فقيل : مؤتمن على الوقت ، وقيل : مؤتمن على عورات البيوت عند الأذان ، فقد حث - صلى الله عليه وسلم - المؤذنين على الوضوء له كما في حديث : " لا ينادي للصلاة إلا متوضئ " وإن كان الحدث لا يبطله اتفاقا .

ولما كان بهذه المثابة كانت له آداب في حق المؤذنين :

منها : أن يكونوا من خيار الناس ، كما عند أبي داود : " ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم " ، وعليه حذر - صلى الله عليه وسلم - من تولي الفسقة الأذان كما في حديث : " الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن " المتقدم . فإن فيه زيادة عند البزار قالوا يا رسول الله : لقد تركتنا نتنافس في الأذان بعدك فقال : " إنه يكون بعدي أو بعدكم قوم سفلتهم مؤذنوهم " .

ومنها : أنه يكره التغني فيه ؛ لأنه ذكر ودعاء إلى أفضل العبادات ، وقد جاء عن ابن عمر - رضي الله عنه - أن رجلا قال له : إني أحبك في الله ، قال ابن عمر : لكني أبغضك في الله ، فقال : ولم ؟ قال : لأنك تتغنى في أذانك .

وفي المغني لابن قدامة : ولا يعتد بأذان صبي ولا فاسق ، أي ظاهر الفسق ، وعند المالكية : لا يحاكي في أذانه الفسقة .

[ ص: 127 ] ومنها : ألا يلحن فيه لحنا بينا ، قال في المغني : ويكره اللحن في الأذان ، فإنه ربما غير المعنى ، فإن من قال : أشهد أن محمدا رسول الله ونصب لام رسول . أخرجه عن كونه خبرا .

ولا يمد لفظة أكبر لأنه يجعل فيها ألفا فيصير جمع كبر ، وهو الطبل ، ولا يسقط الهاء من اسم الله والصلاة ولا الحاء من الفلاح ، لما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤذن لكم من يدغم الهاء " الحديث أخرجه الدارقطني .

فأما إن كان ألثغ لا تتفاحش جاز أذانه ، فقد روي أن بلالا كان يقول : أسهد بجعل الشين سينا ، نقله ابن قدامة ، ولكن لا أصل لهذا الأثر مع شهرته على ألسنة الناس ، كما في كشف الخفاء ومزيل الإلباس .

ومن هذا ينبغي تعهد المؤذنين في هذين الأمرين اللحن والتلحين وكذلك الفسق ، وصفة المؤذنين ولا سيما في بلاد الحرمين الشريفين مهبط الوحي ومصدر التأسي ، وموفد القادمين من كل مكان ليأخذوا آداب الأذان والمؤذنين عن أهل هذه البلاد المقدسة .
ألفاظ الأذان والإقامة والراجح منها مع بيان التثويب والترجيع

مدار ألفاظ الأذان والإقامة في الأصل على حديثي عبد الله بن زيد بالمدينة ، وحديث أبي محذورة في مكة بعد الفتح ، وما عداهما تبع لهما كحديث بلال وغيره رضي الله عنهم .

وحديث عبد الله موجود في السنن أي فيما عدا البخاري ومسلم ، وهو متقدم من حيث الزمن كما تقدم ذلك في مبحث مشروعية الأذان وأنه كان ابتداء في المدينة أول مقدمه - صلى الله عليه وسلم - إليها .

وحديث أبي محذورة موجود في السنن وفي صحيح مسلم ، ولم يذكر البخاري واحدا منهما ، وإنما ذكر قصة سبب المشروعية ، وحديث : أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة على ما سيأتي إن شاء الله .

وعليه سنقدم حديث عبد الله ؛ لتقدمه في الزمن ، وألفاظه كما تقدم في بدء [ ص: 128 ] المشروعية ، هي : الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله .

ومجموعه خمسة عشرة كلمة أي جملة ، ففيه تربيع التكبير في أوله وتثنية باقيه ، وإفراد آخره ، وفيه الإقامة بتثنية التكبير في أوله في كلمة وإفراد باقيها إلا لفظ الإقامة ، ولفظها : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله .

قال الشوكاني : رواه أحمد وأبو داود ، وقال عنه الترمذي : حسن صحيح ، وذكر له عدة طرق ، ومنها عند الحاكم ، وابن خزيمة ، وابن حبان في صحيحيهما ، والبيهقي ، وابن ماجه .

حديث أبي محذورة ، وحديث أبي محذورة كان بعد الفتح كما في السنن أنه خرج في نفر فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدما من حنين ، وأذن مؤذنه صلى الله عليه وسلم ، فظل أبو محذورة في نفره يحكونه استهزاء به ، فسمعهم - صلى الله عليه وسلم - فأحضرهم فقال : " أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع ؟ فأشاروا إلى أبي محذورة ، فحبسه وأرسلهم ، ثم قال له : قم فأذن بالصلاة فعلمه " .

أما ألفاظه : فعند مسلم بتثنية التكبير في أوله ، والباقي كحديث عبد الله بن زيد مع زيادة ذكر الترجيع ، وقد ساقه مسلم في ثلاثة مواضع وبلفظ التكبير مرتين فقط :

الموضع الأول : عن أبي محذورة نفسه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه الأذان : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله .

والموضع الثاني : في قصة الإغارة أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يغير إذا طلع الفجر ، وكان يستمع الأذان فإذا سمع أذانا أمسك وإلا أغار ، فسمع رجلا يقول : الله أكبر الله أكبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " على الفطرة " ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خرجت من النار " . . . الحديث .

[ ص: 129 ] والموضع الثالث : عن عمر - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله " الحديث ، فهذه كلها ألفاظ مسلم لأذان أبي محذورة ، ولم يذكر مسلم عن الإقامة إلا حديث أنس ، أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ، وعند غير مسلم جاء حديث أبي محذورة بتربيع التكبير في أوله ، كحديث عبد الله بن زيد ، وبالترجيع والتثويب في الفجر ، وفيها أن الترجيع يكون أولا بصوت منخفض .

ثم يرجع ويمد بهما - أي بالشهادتين - صوته ، وذلك عند أحمد ، وأبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، أما الإقامة فجاءت عن أبي محذورة روايتان : الأولى قال : وعلمني النبي - صلى الله عليه وسلم - الإقامة مرتين مرتين : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله .

الثانية : مثل الأذان تماما بتربيع التكبير ، وبدون ترجيع ، وتثنية الإقامة أي : الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله .

فالأولى كالأذان في رواية مسلم ، والثانية كرواية الأذان عند غيره بدون ترجيع ولا تثويب ، وإضافة لفظ الإقامة مرتين .

هذا مجموع ما جاء في أصول ألفاظ الأذان من حديثي عبد الله بن زيد وأبي محذورة .

وبالنظر في حديث عبد الله بن زيد نجده لم تختلف ألفاظه لا في الأذان ولا في الإقامة ، وهو بتربيع التكبير في الأذان وبدون تثويب ولا ترجيع ، وبإفراد الإقامة إلا لفظ الإقامة ، أما حديث أبي محذورة فجاء بعدة صور في الأذان وفي الإقامة .

أما الأذان فعند مسلم بتثنية التكبير في أوله وعند غيره بتربيعه ، وعند الجميع إثبات [ ص: 130 ] الترجيع في الشهادتين ، وأن الأولى منخفضة ، والثانية مرتفعة ، كبقية ألفاظ الأذان ، وأما الإقامة فجاءت مرتين مرتين ، وجاءت مثل الأذان تماما عند غير مسلم سوى الترجيع والتثويب مع تثنية الإقامة ، فكان الفرق بين الحديثين كالآتي :

في ألفاظ الأذان ثلاث نقاط :

أولا : ذكر الترجيع .

ثانيا : التثويب .

ثالثا : عدد التكبير في أوله .

أما الترجيع فيجب أن يؤخذ به ; لأنه متأخر بعد الفتح ، ولا معارضة فيه ، لأنه زيادة بيان وبسند صحيح .

وأما التثويب فقد ثبت من حديث بلال ، وكان أيضا متأخرا عن حديث عبد الله قطعا ، وقد ثبت أن بلالا أذن للصبح فقيل له : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نائم فصرخ بلال بأعلى صوته : الصلاة خير من النوم .

قال سعيد بن المسيب : فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر ، أي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : " اجعل ذلك في أذانك " فاختصت بالفجر .

وذكر ابن قدامة - رحمه الله - في المغني عن بلال : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهاه أن يثوب في العشاء " رواه ابن ماجه ، وقال : دخل ابن عمر - رضي الله عنهما - مسجدا يصلي فيه ، فسمع رجلا يثوب في أذان الظهر فخرج فقيل له : أين ؟ فقال : أخرجتني البدعة ، فلزم بهذا كله الأخذ بها في صلاة الفجر خاصة .

أما التكبير في أول الأذان ، ففي رواية مسلم لأبي محذورة مرتين في كلمة فاختلف مع حديث عبد الله بن زيد ، وعند غير مسلم بتربيع التكبير ، وبالنظر إلى سند مسلم فهو أصح سندا ، وبالنظر إلى ما عند غيره ، تجد فيه زيادة صحيحة ، وهي تربيع التكبير ، فوجب العمل بها كما وجب العمل بالتثويب والترجيع ; لأن الرواية المتفقة مع الحديث الآخر أولى من المختلفة معها .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]