
08-05-2023, 11:50 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,193
الدولة :
|
|
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثامن
الحلقة (545)
سُورَةُ الْجُمُعَةِ
صـ 115 إلى صـ 122
[ ص: 115 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ
قَوْلُهُ تَعَالَى : هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ .
بَيَّنَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - مَعْنَى الْأُمِّيِّينَ فِي مُذَكِّرَةِ الدِّرَاسَةِ بِقَوْلِهِ : الْأُمِّيِّينَ أَيْ : الْعَرَبِ ، وَالْأُمِّيُّ : هُوَ الَّذِي لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ ، وَكَذَلِكَ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْعَرَبِ . ا هـ .
وَسُمِّي أُمِّيًّا نِسْبَةً إِلَى أُمِّهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ لَمْ يَعْرِفِ الْقِرَاءَةَ ، وَلَا الْكِتَابَةَ وَبَقِيَ عَلَى ذَلِكَ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمِّيِّينَ هُمُ الْعَرَبُ بَعْثَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : رَسُولًا مِنْهُمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ : رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ [ 14 \ 37 ] ، و قَوْلُهُ تَعَالَى : رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [ 2 \ 129 ] .
قَالَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - : وَهَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَجَابَ دَعْوَةَ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيهِمُ ا هـ .
وَفِي الْحَدِيثِ : " إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَقْرَأُ وَلَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ " ، وَهَذَا حُكْمٌ عَلَى الْمَجْمُوعِ لَا عَلَى الْجَمِيعِ ؛ لِأَنَّ فِي الْعَرَبِ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ مِثْلَ كَتَبَةِ الْوَحْيِ ، عُمَرَ وَعَلِيًّا وَغَيْرِهِمْ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : رَسُولًا مِنْهُمْ هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ [ 7 \ 157 ] .
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْمَكْتُوبَ عِنْدَهُمْ هُوَ مَا بَشَّرَ بِهِ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [ 61 \ 6 ] .
وَكَوْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِّيًّا بِمَعْنَى لَا يَكْتُبُ ، بَيَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [ ص: 116 ] [ 49 \ 48 ] .
وَبَيَّنَ تَعَالَى الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِّيًّا مَعَ أَنَّهُ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ بِنَفْيِ الرَّيْبِ عَنْهُ كَمَا كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ [ 25 \ 5 ] فَقَالَ : إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [ 29 \ 48 ] .
قوله تعالى : وآخرين منهم لما يلحقوا بهم .
قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في المذكرة المشار إليها : هذا عطف على قوله : في الأميين ، أي : بعث هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأميين ، وفي آخرين منهم ، وقيل : عطف على الضمير في قوله : يعلمهم ، أي يعلمهم ويعلم آخرين منهم ، والمراد بقوله : وآخرين كل من يأتي بعد الصحابة من أهل الإسلام إلى يوم القيامة بدليل قوله : وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ [ 6 \ 19 ] .
وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن قوله : وآخرين ، نزلت في فارس قوم سلمان ، وعلى كل حال فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . ا هـ .
وسبق أن قدمنا الكلام على هذا المعنى عند الكلام على قوله تعالى : والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [ 59 \ 10 ] .
ولكن سبقنا كلام الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - حين عثرنا عليه لزيادة الفائدة والاستئناس .
قوله تعالى : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
اختلف في مرجع اسم الإشارة هنا وفي المراد بالمتفضل به عليهم ، أهم الأمة الأمية تفضل الله عليها ببعثة نبي منهم فيهم ؟ أم هو النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمي تفضل الله تعالى عليه ببعثته معلما هاديا ؟ أم هم الآخرون الذين لم يلحقوا زمن البعثة ووصلتهم دعوتها ، وأدركوا فضلها ؟
وقد اكتفى الشيخ - رحمة الله تعالى عليه وعلينا - في مذكرة الدراسة بقوله ذلك أي : المذكور من بعث هذا النبي الكريم في الأميين ، فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، ومن عظم فضله تفضله على هذه الأمة بهذا النبي الكريم . ا هـ .
[ ص: 117 ] وهذا القول منه - رحمة الله تعالى علينا وعليه - ، يتضمن القولين الأول والثاني من الأقوال الثلاثة ، تفضل الله على الأميين ببعثة هذا النبي الكريم فيها ، وتفضل الله على النبي ببعثته فيهم مما لا يشعر بأنه لا خلاف بين هذه الأقوال الثلاثة ، وأنها من الاختلاف التنوعي أو هي من المتلازمات فلا مانع من إدارة الجميع ؛ لأن فضل الله تعالى قد شمل الجميع .
وقد نص الأول بقوله : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين [ 3 \ 164 ] وهذا عين ما في سورة " الجمعة " سواء ، لأن الامتنان هو التفضل .
ونص على الثاني بقوله تعالى : وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما [ 4 \ 113 ] .
ونص على الثالث بقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم [ 5 \ 54 ] .
فقوله : فسوف يأتي ، ويساوي : وآخرين منهم لما يلحقوا بهم [ 62 \ 3 ] ، فهو خلاف تنوع ، وفضل الله شامل للجميع .
قوله تعالى : مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا .
قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في إملائه : هذا مثل ضربه الله لليهود ، وهو أنه شبههم بحمار ، وشبه التوراة التي كلفوا العمل بما فيها بأسفار أي : كتب جامعة للعلوم النافعة ، وشبه تكليفهم بالتوراة بحمل ذلك الحمار لتلك الأسفار ، فكما أن الحمار لا ينتفع بتلك العلوم النافعة التي في تلك الكتب المحمولة على ظهره ، فكذلك اليهود لم ينتفعوا بما في التوراة من العلوم النافعة ؛ لأنهم كلفوا باتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - وإظهار صفاته للناس فخانوا ، وحرفوا وبدلوا فلم ينفعهم ما في كتابهم من العلوم ا هـ .
فأشار الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - إلى أن وجه الشبه عدم الانتفاع بما تحملوه من التوراة وهم يعلمون ما فيها من رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد أوضح الله تعالى [ ص: 118 ] هذا في موضع آخر في قوله تعالى : الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون [ 2 \ 146 ] فقد جحدوا رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فلم ينفعهم علمهم به .
وهذه الآية أشد ما ينبغي الحذر منها ، وخاصة لطلاب العلم وحملته ، كما قال تعالى : بئس مثل القوم [ 62 \ 5 ] أي : تشبيههم في هذا المثل بهذا الحيوان المعروف .
وقد سبق للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - الكلام على هذا المثال في عدة مواضع من الأضواء ، منها في الجزء الثاني عند قوله تعالى : فمثله كمثل الكلب الآية [ 7 \ 176 ] .
ومنها في الجزء الثالث عند قوله تعالى : مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد الآية [ 14 \ 18 ] .
ومنها في الجزء الرابع عند قوله تعالى : ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس [ 18 \ 54 ] في سورة " الكهف " بما فيه الكفاية .
والذي ينبغي التنبيه عليه هو أن أكثر المفسرين يجعله من قبيل التشبيه المفرد ، وأن وجه الشبه فيه مفرد وهو عدم الانتفاع بالمحمول ، كالبيت الذي فيه :
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول
والذي يظهر والله تعالى أعلم أنه من قبيل التشبيه التمثيلي ؛ لأن وجه الشبه مركب من مجموع كون المحمول كتبا نافعة ، والحامل حمارا لا علاقة له بها بخلاف ما في البيت ، لأن العيس يمكن أن تنتفع بالماء لو حصلت عليه ، والحمار لا ينتفع بالأسفار ولو نشرت بين عينيه ، وفيه إشارة إلى أن من موجبات نقل النبوة عن بني إسرائيل كلية أنهم وصلوا إلى حد الإلباس من انتفاعهم بأمانة التبليغ والعمل ، فنقلها الله إلى قوم أحق بها وبالقيام بها .
قوله تعالى : قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين .
قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في إملائه : الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم والذين هادوا هم اليهود .
[ ص: 119 ] ومعنى هادوا أي : رجعوا بالتوبة إلى الله من عبادة العجل .
ومنه قوله تعالى : إنا هدنا إليك [ 7 \ 156 ] ، وكان رجوعهم عن عبادة العجل بالتوبة النصوح : حيث سلموا أنفسهم للقتل توبة وإنابة إلى الله كما بينه بقوله : فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم إلى قوله فتاب عليكم [ 2 \ 54 ] .
وقوله : إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين .
قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في : إن زعمتم أنكم أولياء لله أي : إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم أولياء لله ، وأبناء الله وأحباؤه دون غيركم من الناس ، فتمنوا الموت : لأن ولي الله حقا يتمنى لقاءه ، والإسراع إلى ما أعد له من النعيم المقيم . ا هـ .
وفي قوله - رحمة الله تعالى علينا وعليه - إشارة إلى بيان زعمهم المجمل في الآية وهو ما بينه تعالى بقوله عنهم وعن النصارى معهم : وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه [ 5 \ 18 ] .
وقد رد زعمهم عليهم بقوله تعالى : قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق .
ومثل هذه الآية إن زعمتم قوله تعالى : قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين [ 2 \ 94 ] .
وقال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - : وقيل المراد بالتمني المباهلة ، والمراد من الآية إظهار كذب اليهود في دعواهم أنهم أولياء الله .
وقوله : إن زعمتم مع قوله : إن كنتم شرطان يترتب الأخذ منهما على الأول أي فتمنوا الموت ، إن زعمتم ، إن صدقتم في زعمكم ، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر :
إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم
وقوله تعالى : ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم .
[ ص: 120 ] نص على أنهم لا يتمنون الموت أبدا ، وأن السبب هو ما قدمت أيديهم ، ولكن ليبين ما هو ما قدمت أيديهم الذي منعهم من تمني الموت .
وقال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في إملائه : لا يتمنونه لشدة حرصهم على الحياة كما بينه تعالى قوله : ولتجدنهم أحرص الناس على حياة [ 2 \ 96 ] فشدة حرصهم على الحياة ؛ لعلمهم أنهم إذا ماتوا دخلوا النار ، ولو تمنوا لماتوا من حينهم .
وقوله : بما قدمت أيديهم الباء سببية والمسبب انتفاء تمنيهم وما قدمت أيديهم من الكفر ، والمعاصي . ا هـ .
والذي أشار إليه الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - من الأسباب من كفرهم ومعاصيهم ، قد بينه تعالى في موضع آخر صريحا في قوله تعالى : لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم [ 3 \ 181 ] .
فالباء هنا سببية أيضا أي : ذوقوا عذاب الحريق بسبب ما قدمت أيديكم من هذه المذكورات ، ولهذا كله لن يتمنوا الموت ويود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ، فقد أيقنوا الهلاك ويئسوا من الآخرة .
كما قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور [ 60 \ 13 ] ، ولهذا كله لم يتمنوا الموت ، كما أخبر الله تعالى عنهم ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى : قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم .
أي : إن فررتم من الموت بعدم تمنيه فلن يجعلكم تنجون منه وهو ملاقيكم لا محالة ، وملاقيكم بمعنى مدرككم ، كما في قوله تعالى : أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة [ 4 \ 78 ] .
وقوله : كل نفس ذائقة الموت [ 3 \ 185 ] .
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون .
[ ص: 121 ] هذه الآية الكريمة ، وهذا السياق يشبه في مدلوله وصورته قوله تعالى : وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم [ 22 \ 27 ] مع قوله : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام [ 2 \ 198 ] .
ففي كل منهما نداء ، وأذان الحج صلاة وسعي وإتيان وذكر لله ، ثم انتشار وإفاضة مما يربط الجمعة بالحج في الشكل وإن اختلف الحجم ، وفي الكيف وإن تفاوتت التفاصيل ، وفي المباحث والأحكام كثرة وتنويع من متفق عليه ومختلف فيه ، مما يجعل مباحث الجمعة لا تقل أهمية عن مباحث الحج ، وتتطلب عناية بها كالعناية به .
وقد نقل عن الشيخ - رحمة الله تعالى عليه - أنه كان عازما على بسط الكلام فيها كعادته - رحمة الله تعالى عليه - ولكن إرادته نافذة ، وقدرته غالية . وإن كل إنسان يستشعر مدى مباحث الشيخ وبسطه وتحقيقه للمسائل ليحجم ويترك الدخول فيها تقاصرا دونها ولا سيما وأن ربط هذه المباحث بنصوص القرآن ليس بالأمر المبين ، كما أشار إليه أبو حيان في مضمون قوله في نهاية تفسيره لهذه السورة بعد إيجاز الكلام عن أحكامها ، قال ما نصه : وقد ملأ المفسرون كثيرا من أوراقهم بأحكام وخلاف في مسائل الجمعة مما لا تعلق لها بلفظ القرآن . ا هـ .
فهو يشير بأن لفظ القرآن لا تعلق له بتلك الأحكام التي ناقشها المفسرون في مباحث الجمعة ، ولكن الدارس لمنهج الشيخ - رحمة الله تعالى عليه - في الأضواء ، والمتذوق لأسلوبه لم يقتصر على اللفظ فقط ، أي : دلالة النص التطابقي وتأمل أنواع الدلالات من تضمن والتزام وإيماء وتنبيه ، فإنه يجد لأكثر أو كل ما قاله المفسرون ، والمحدثون ، والفقهاء من المباحث أصولا من أصول تلك الدلالات .
وإني أستلهم الله تعالى الرشد وأستمد ، العون والتوفيق لبيان كل ما يظهر من ذلك إن شاء الله ، فإن وفقت فبفضل من الله وخدمة لكتابه ، وإلا فإنها محاولة تغتفر بجانب القصور العلمي وتحسين القصد ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع .
[ ص: 122 ] قال الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - في مذكرة الدراسة ما نصه : إذا نودي للصلاة أي : قام المنادي بها ، وهو المؤذن يقول : حي على الصلاة .
وقوله : من يوم الجمعة أي : من صلاة يوم الجمعة أي : صلاة الجمعة ا هـ .
ومما يدل على أن المراد بها صلاة الجمعة نفسها دون بقية صلوات ذلك اليوم مجيء " من " التي للتبعيض ثم تبين هذا البعض بالأمر ، بترك البيع في قوله : فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ، لأن هذا خاص بالجمعة دون غيرها لوجود الخطبة ، وقد كانت معينة لهم قبل نزول هذه الآية ، وصلوها قبل مجيء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ، كما سيأتي إن شاء الله .
والمراد بالنداء هو الأذان ، كما أشار إليه الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - وكما في قوله تعالى : وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا [ 5 \ 58 ] .
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم " .
وقيل : النداء لغة هو النداء بصوت مرتفع لحديث : " فإنه أندى منك صوتا " .
وقد عرف الشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - الأذان لغة عند قوله تعالى : وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا [ 22 \ 27 ] ، فقال : الأذان لغة : الإعلام .
ومنه قوله تعالى : وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر [ 9 \ 3 ] ، وقول الحارث بن حلزة :
آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء
والأذان من خصائص هذه الأمة ، شعارا للمسلمين ونداء للصلاة .
بدء مشروعيته :
اختلف في بدء المشروعية ، والصحيح أنه بدئ بعد الهجرة ، وجاءت نصوص لكنها ضعيفة : أنه شرع ليلة الإسراء أو بمكة .
منها عن علي - رضي الله عنه - عند البزار : أنه شرع مع الصلاة .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|